متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الكذب ، مساوئه ، دواعيه ، أضرار اليمين الكاذبة و شهادة الزور ، علاجه ، مسوغاته
الكتاب : علم الأخلاق    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الكذب

وهو: مخالفة القول للواقع. وهو من أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام والشرور، وداعية الفضيحة والسقوط. لذلك حرمته الشريعة الإسلامية، ونعت على المتصفين به، وتوعّدتهم في الكتاب والسنة:

قال تعالى: «إنّ اللّه لايهدي من هو مسرف كذّاب»

(غافر: 28)

وقال تعالى: «ويل لكل أفاك أثيم»

(الجاثية: 7)

وقال تعالى: «إنما يفتري الكَذِبَ الذين لا يؤمنون بآيات اللّه، وأولئك هم الكاذبون»)

(النحل:105)

وقال الباقر عليه السلام: «إنَّ اللّه جعل للشر أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شرّ من الشراب» (1).

وقال عليه السلام: «كان علي بن الحسين يقول لولده: إتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جدّ وهرل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير، إجترأ على الكبير، أما علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه اللّه صديّقاً، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه اللّه كذّاباً»(2).

_____________________

(1)، (2) الكافي.

{ 28 }

وقال الباقر عليه السلام: «إنّ الكذب هو خراب الايمان»(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إعتياد الكذب يورث الفقر»(2).

وقال عيسى بن مريم عليه السلام: «من كثر كذبه ذهب بهاؤه»(3).

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في حجة الوداع: «قد كثرت عليَّ الكذّابة وستكثر، فمن كذب عليَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه وسنتي، فما وافق كتاب اللّه فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به»(4).

مساوئ الكذب:

وإنما حرمت الشريعة الاسلامية (الكذب) وأنذرت عليه بالهوان والعقاب، لما ينطوي عليه من أضرار خطيرة، ومساوئ جمّة، فهو:

(1) - باعث على سوء السمعة، وسقوط الكرامة، وانعدام الوثاقة، فلا يُصدق الكذاب وإن نطق بالصدق، ولا تقبل شهادته، ولا يوثق بمواعيده وعهوده.

ومن خصائصه أنّه ينسى أكاذيبه ويختلق ما يخالفها، وربما لفق

_____________________

(1) الكافي.

(2) الخصال للصدوق.

(3) الكافي.

(4) احتجاج الطبرسي.

{ 29 }

الأكاذيب العديدة المتناقضة، دعماً لكذبة افتراها، فتغدو أحاديثه هذراً مقيتاً، ولغواً فاضحاً.

(2) - إنه يضعف ثقة الناس بعضهم ببعض، ويشيع فيهم أحاسيس التوجس والتناكر.

(3) - إنه باعث على تضييع الوقت والجهد الثمينين، لتمييز الواقع من المزيف، والصدق من الكذب.

(4) - وله فوق ذلك آثار روحية سيئة، ومغبة خطيرة، نوهت عنها النصوص السالفة.

دواعي الكذب:

الكذب انحراف خلقي له أسبابه ودواعيه، أهمها:

(1) - العادة: فقد يعتاد المرء على ممارسة الكذب بدافع الجهل، أو التأثر بالمحيط المتخلف، أو لضعف الوازع الديني، فيشبّ على هذه العادة السيئة، وتمتد جذورها في نفسه، لذلك قال بعض الحكماء: «من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه».

(2) - الطمع: وهو من أقوى الدوافع على الكذب والتزوير، تحقيقاً لأطماع الكذّاب، وإشباعاً لنهمه.

(3) - العداء والحسد: فطالما سوّلا لأربابهما تلفيق التهم، وتزويق الافتراءات والأكاذيب، على من يعادونه أو يحسدونه. وقد عانى الصلحاء

{ 30 }

والنبلاء الذين يترفعون عن الخوض في الباطل، ومقابلة الاساءة بمثلها - كثيراً من مآسي التهم والافتراءات والأراجيف.

انواع الكذب:

للكذب صور شوهاء، تتفاوت بشاعتها باختلاف أضرارها وآثارها السيئة، وهي:

(الاولى - اليمين الكاذبة)

وهي من أبشع صور الكذب، وأشدّها خطراً وإثماً، فإنّها جناية مزدوجة: جرأة صارخة على المولى عز وجل بالحلف به كذباً وبهتاناً، وجريمة نكراء تمحق الحقوق وتهدر الكرامات.

من أجل ذلك جاءت النصوص في ذمها والتحذير منها:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «إيّاكم واليمين الفاجرة، فإنها تدع الديار من أهلها بلاقع»(1).

وقال الصادق عليه السلام: «اليمين الصُّبْر الكاذبة، تورث العقب الفقر»(2).

(الثانية - شهادة الزور)

وهي كسابقتها جريمة خطيرة ، وظلم سافر هدّام، تبعث على غمط الحقوق، واستلاب الأموال، وإشاعة الفوضى في المجتمع، بمساندة

_____________________

(1)، (2) الكافي.

{ 31 }

المجرمين على جرائم التدليس والابتزاز.

أنظر كيف تنذر النصوص شهود الزور بالعقاب الأليم:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «لا ينقضي كلام شاهد الزور من بين يدي الحاكم حتى يتبوأ مقعده من الناس، وكذلك من كتم الشهادة»(1).

ونهى القرآن الكريم عنها فقال تعالى: «واجتنبوا قول الزور»

(الحج: 30 )

اضرار اليمين الكاذبة وشهادة الزور:

وإنما حرمت الشريعة الاسلامية اليمين الكاذبة، وشهادة الزور، وتوعدت عليهما بصنوف الوعيد والارهاب، لآثارهما السيئة، وأضرارهما الماحقة، في دين الانسان ودنياه، من ذلك:

(1) - أن مقترف اليمين الكاذبة، وشهادة الزور، يسيء الى نفسه إساءة كبرى بتعريضها الى سخط اللّه تعالى، وعقوباته التي صورتها النصوص السالفة.

(2) - ويسيء كذلك الى من سانده ومالأه، بالحلف كذباً، والشهادة زوراً ، حيث شجّعه على بخس حقوق الناس، وابتزاز أموالهم، وهدر كراماتهم.

_____________________

(1) الكافي ومن لا يحضره الفقيه.

{ 32 }

(3) - و يسيء كذلك الى من اختلق عليه اليمين والشهادة المزورتين، بخذلانه وإضاعة حقوقه، وإسقاط معنوياته.

(4) - ويسيء الى المجتمع عامة بإشاعة الفوضى والفساد فيه، وتحطيم قيمه الدينية والأخلاقية.

(5) - ويسيء الى الشريعة الاسلامية بتحدّيها، ومخالفة دستورها المقدس، الذي يجب اتباعه وتطبيقه على كل مسلم.

(الثالثة - خلف الوعد)

الوفاء بالوعد من الخلال الكريمة التي يزدان بها العقلاء، ويتحلى بها النبلاء، وقد نوّه اللّه عنها في كتابه الكريم فقال: «واذكر في الكتاب اسماعل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً» (مريم: 54)

ذلك أنّ إسماعيل عليه السلام وعد رجلاً، فمكث في انتظاره سنة كاملة، في مكان لا يبارحه، وفاءاً بوعده.

وإنه لمن المؤسف أن يشيع خلف الوعد بين المسلمين اليوم، متجاهلين نتائجه السيئة في إضعاف الثقة المتبادلة بينهم، وإفساد العلاقات الاجتماعية، والاضرار بالمصالح العامة.

قال الصادق عليه السلام: «عِدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فبخلف اللّه تعالى بدأ، ولمقته تعرض، وذلك قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون«(1).

_____________________

(1) الكافي.

 

قال عليه السلام: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعد رجلاً الى صخرة فقال: أنا لك هاهنا حتى تأتي. قال: فاشتدت الشمس عليه، فقال أصحابه: يا رسول اللّه لو أنّك تحولت الى الظل. فقال: قد وعدته الى هاهنا، وإن لم يجئ كان منه الى المحشر»(1).

(الرابعة - الكذب الساخر)

فقد يستحلي البعض تلفيق الأكاذيب الساخرة، للتندّر على الناس، والسخرية بهم، وهو لهو عابث خطير، ينتج الأحقاد والآثام.

قال الصادق عليه السلام، «من روى على مؤمن رواية، يريد بها شينه، وهدم مروتّه ليسقط من أعين الناس، أخرجه اللّه تعالى من ولايته الى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان»(2).

علاج الكذب:

فجدير بالعاقل أن يعالج نفسه من هذا المرض الأخلاقي الخطير، والخُلُق الذميم، مستهدياً بالنصائح التالية:

(1) - أن يتدبر ما أسلفناه من مساوئ الكذب، وسوء آثاره المادية والأدبية على الانسان.

(2) - أن يستعرض فضائل الصدق ومآثره الجليلة، التي نوّهنا

_____________________

(1) علل الشرئع.

(2) الكافي.

{ 34 }

عنها في بحث الصدق.

(3) - أن يرتاض على التزام الصدق، ومجانبة الكذب، والدأب المتواصل على ممارسة هذه الرياضة النفسية، حتى يبرأ من هذا الخلق الماحق الذميم.

مسوغات الكذب:

لا شك أنّ الكذب رذيلة مقيتة حرمها الشرع، لمساوئها الجمة، بيد أنّ هناك ظروفاً طارئة تبيح الكذب وتسوغه، وذلك فيما إذا توقفت عليه مصلحة هامة، لا تتحقق إلا به، فقد أجازته الشريعة الاسلامية حينذاك، كانقاذ المسلم، وتخليصه من القتل أو الأسر، أو صيانة عرضه وكرامته، أو حفظ ماله المحترم، فانّ الكذب والحالة هذه واجب اسلامي محتم.

وهكذا إذا كان الكذب وسيلة لتحقيق غاية راجحة، وهدف إصلاحي، فإنه آنذاك راجح أو مباح، كالاصلاح بين الناس، أو استرضاء الزوجة واستمالتها، أو مخادعة الأعداء في الحروب.

وقد صرحت النصوص بتسويغ الكذب للأغراض السالفة.

قال الصادق عليه السلام: «كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلا في ثلاثة: رجل كايد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى هذا يريد بذلك الاصلاح فيما بينهما، أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد أن يتم لهم»(1).

_____________________

(1) الكافي.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net