متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
محمد و يوسف حدرج
الكتاب : قصص الأحرار ج4    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات

محمد و يوسف حدرج

 

      توقفت سيارة الأجرة أمام بيت أم محمد التي فقدت ابنها البكر في النبعة عندما حاصرت الأحزاب المتعاملة مع إسرائيل المنطقة الإسلامية الشرقية وافتعلت فيها المجازر، وقد ترك محمد في عيون أمه بيوتاً للدمع جفت، وجفوناً تقرّحت من كثرة البكاء.

      كانت أم محمد تقف مع أسرتها والجيران تراقب الغارة الجوية الإسرائيلية على المخيمات الفلسطينية في ضواحي مدينة صور، وكانت أصوات الانفجارات وكتل الدخان واللهب تسمع وترى في كل قرى جبل عامل المشرفة على المدينة ..

      التفت أم محمد نحو مدخل البيت حيث توقفت السيارة فإذا بأم علي، أختها، تجر أطفالها أمامها علي ومحمد ويوسف وحسن، وقد اصفرّ لونها خوفاً وذعراً من الغارة الإسرائيلية..

      كانت تسكن في صور ولم تكن مستعدّة لأن تسمع صوت طلقة واحدة خوفاً على أطفالها، لذلك سرعان ما كانت تغادر بهم نحو أكثر المناطق أمناً..

      أخذت أم محمد تقبلهم وتلثمهم واحداً واحداً فيما كانت أم علي تروي تفاصيل خروجها المذعور من بيتها بينما لم يكن يبدو على أحد من أطفالها شيءٌ مما على وجهها، بل ما إن فرغت خالتهم من تقبليهم حتى انسلّوا إلى الشرفة وانضموا إلى الآخرين في مشاهدة الغارات الإسرائيلية، وانصرفت الأختان عنهم فيما أخذت عيونهم البريئة الطفولية الملوّنة ترسم صورة الغارة.

      ومرّت سنوات الصبا وأطلّت سنوات الشباب.. ولم تتوقّف خلالها الغارات الإسرائيلية ولم يتوقف معها فرار أم علي وتفتيشها على الأمان إلى أن جاءت سنة 1982، سنة الاجتياح الصهيوني لبلادنا الطاهرة..

      وشاءت الإرادة الإلهية لمحمد ويوسف أن ينتقلا مع الأهل إلى البقاع فإلى بعلبك فإلى المدرسة الدينية راغبين في دراسة العلوم الحوزوية، وهناك تعرفا على السيد عباس الموسوي، وسرعان ما لبيا نداء الجهاد والمقاومة والتحقا بمعسكر جنتا.

      وشاء الله لهما أن ينضما إلى علي بدوي وعلي سليمان وأبي جعفر ومدرّب التخريب خضر الجوني، وأن يكونوا معاً في تلك المجموعة التي أخذت تؤصّل تفاهماً وتناسقاً في المعسكر وخلال التدريب، فنسج رجالها بينهم أصول العمل المشترك في الجنوب ضد قوات الاحتلال وخطوط الأولية ووضعوا له ملامحه الأولى، أفكاراً، وأسماء، ومصطلحات، وابتدأ في المعسكر التداول بالأسماء الجديدة، (جهاد) بدل علي بدوي، و(عباس) بدل علي سليمان و(رضا) بدل محمد حدرج و(محسن) بدل يوسف حدرج، فغابت الأسماء الحقيقية عن أفق السمع، وابتدأت تشكل المجموعة العسكرية الأولى للمقاومة الإسلامية في منطقة صور والتي سوف يكون لها دور كبير في زرع الرعب في قلوب أفراد العدو وفي تأسيس تلك الحالة التي عرفت في المصطلح العسكري الرسمي الإسرائيلي باسم (المستنقع اللبناني).

      وهناك في المعسكر تبلورت أيضاً تأصل فكر المجموعة وتعمقت عقيدتها الإسلامية وتبلورت عاطفتها على أيدي رجال الدين المشرفين على الدورة ورجال الحرس الثوري الإيراني، الذين زودوا الرجال إلى جانب العلوم بالعسكرية بالتدريب بعاطفة مميزة فأحيوا الروح الحسينية في نفوسهم وانعقدت بينهم علاقة الجهاد والمقاومة وابتدأت خيوط الحب تربط بين قلوبهم برباط العشق الإلهي.

      كانت الدورة مكثفة عسكرياً وثقافياً، ابتداءً من التدرب على فنون القتال والاشتباك القريب والالتحام مع العدو بالسلاح الأبيض، إلى فنون استعمال كافة الأسلحة وصناعة المتفجرات والعبوات وخلطها وتركيبها وتفخيخها، مع جهد جسدي صعب وتدريب على تحمل مختلف الظروف الطبيعية والصعبة وعلى حمل الأثقال والمسير الطول الشاق.

      خالط كل ذلك تعبئة عقائدية قرآنية فكان وقع الطابور الصباحي يمتزج بالآيات القرآنية والشعارات الحسينية الكربلائية التي كانت تعانق القلب والضمير والتي كانت تنطلق من أفواههم على إيقاع خطواتهم العسكرية في موسيقى شكّلت مقدمة سمفونية الجهاد والمقاومة والشهادة.

      وكانت ليالي المعسكر وسهراته هلي ليالي البكاء على مصيبة شهيد كربلاء أبي عبدالله الحسين عليه السلام، ودعاء علي بن أبي طالب كل ليلة جمعه المعروف بدعاء كميل بن زياد ودعاء التوسل بأهل البيت ليلة الأربعاء.. فأضيفت الثقافة العسكرية والسياسية والعقائدية في النهار ثقافة معنوية في الليل لونها رجاء الحرس الثوري بحياة أخرى من خلال سلوكهم الذي ظهر في تواضعهم وإيثارهم وروح الفداء والتضحية التي يتمتعون بها.

      وانتهت الدورة، بعد ستة أشهر كاملة، وودّع رفاق السلاح بعضهم وتوجهوا إلى بيروت حيث مكثوا شهرين في أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت يتلقون بالتدريج وشيئاً فشيئاً الأوامر والخطة العامة من قيادة المقاومة الإسلامية، وكان التكتيك العملياتي صريحاً وواضحاً:

      (ضرب قوات العدو المتنقلة على الطرقات الرئيسة والاستفراد بأفراده وآلياته على طريق صريفا دير قانون النهر صور، وعلى طريق جويا البازورية البرج الشمالي صور، وعلى طول الطريق الساحلي من جسر القاسمية إلى مفترق رأيس العين مروراً بالبص، وحرمان العدو من الاستفادة من السيارات المدنية ومنعه من أن يحوّل وجوده في بلادنا إلى وجود آمن يبدو معه وكأنه مسالم غير محارب ولا محتل..

      فإذا أنجزنا هذه المرحلة فقد نُجبر العدو على أن يتمركز ويتخذ مواقع ثابتة لحماية دورياته وطرق إمداداته، وحينئذ سوف تكون تلك مرحلة أخرى، وسوف يكون لكل حادث حديث..)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net