متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الانكشاف
الكتاب : قصص الأحرار ج4    |    القسم : مكتبة القُصص و الروايات

الانكشاف

 

      كانوا ثلاثة رجال يتسللون في الليل، يحملون عبوتين هذه المرة، فقد كانت الخطة تقضي بزرع عبوة مضاعفة، فتنفجر الأولى وبعد دقائق تتلوها الثانية، وأنجز الشيخ وعبد الحسن ومحمد زين زرع العبوتين وأكملوا عملية التمويه ثم أقفلوا عائدين إلى طيردبا على موعد أن يتوجه عبد الحسن عز الدين ومحمد زين للقيام بعملية التفجير غداً صباحاً..

      في الصباح، وعلى غير عادته، لم يتوجه عبد الحسن إلى عمله، فقد كان التطور في العمل يجذب اهتمامه، والعبوتان المتلاحقتان حلمٌ طرد النوم من عينيه فبقي يسامر محمد زين عن المقاومة والعمل وتاريخ كامل من تفجير العبوات ولمدة سنة كاملة..

      وفيما كانت شمس الصيف تدفئ القادوميات بين طيردبا والبازورية وتجففها من ندى ليالي جبل عامل، كانت أقدام عبد الحسن ومحمد زين تسير الهوينا باتجاه العبوتين يخالط وقعها على الصخور إيقاع أحاديث عن التجربة.. ثم انقطع الكلام وأخذ محمد زين ينفذ إرشادات عبد الحسن في التقدم الحذر إلى مكان البطارية المشرف على الطريق حيث العبوتين.. وما إن وصلا واستقر بهما المقام بين شجيرات مطلة حتى فوجئنا بعيون سوداء معتمة وبنادق وخوذات تبرز من بين الأشجار والصخور..

-      كمين!!

وفوجئنا تماماً، لقد انكشفت العبوتان، وبعد لحظات تخللتها رمايات غزيرة من عدة بنادق، كان عبد الحسن يحتضن الأرض الطيبة أغمض عينيه ولم يحس بأقدام اليهود وهي تقترب منه بحذر، ولا بأيديهم تفتشه وتفتش رفيقه الشهيد وتستخرج من جيبيهما ورقتين ملطختين بالدماء.. كانتا إخراجي قيد عليهما صورتاهما، عبد الحسن عز الدين من طيردبا ومحمد زين من قبريخا..

   ومن على سطح بيته في طيردبا، وقف الشيخ محمد زيدان، وقد اصفر لونه يصغي لأصوات الطلقات النارية التي كانت تمزق سكون الصباح بين البازورية وطيردبا، لقد أحس في تلك اللحظة أن أمراً خطيراً قد وقع، ولم يتردد في التوجه بسيارته نحو البازورية، حيث أوقفها إلى جانب الطريق وأخذ يسأل كل من يمر، ولكنه لم يحصل إلا على أجوبة مبهمة، عملوا عملية على اليهود! في واحد شهيد! في واحد أسير! والله علمي علمك أنا أيضاً سمعت الرماية ولكن لم أعرف شيئاً!

   ثم كان يعود إلى طيردبا، لعل خبراً وصل إليها ولم يعلم به، فيسأل فلا يجد جواباً، فيعود ثانية إلى الطريق العام للبازورية، وبقي واجماً طيلة النهار، فكل ساعة تمر كانت تنعي عبد الحسن ومحمد زين، إلى أن صادف أحد شباب معركة الذي أخبره ما به أصبح متيقناً، كمن اليهود لاثنين من رجال المقاومة، كانا يريدان تفجير عبوة بالإسرائيليين واستشهد الاثنان!! ولم يكن يعلم هذا الشاب أن هذين المقاومين كانا يفطران عنده في بيته قبل أيام، ولكن الشيخ لاذ بالصمت فليس هذا أوان الكلام، إن أمراً كبيراً قد وقع، وينبغي الانتباه جيداً لما سوف يأتي..

   جن عليه الليل، فبقي ساهراً قلقاً حتى تناهت إلى سمعه أصوات الآليات الإسرائيلية وهي تقتحم طيردبا من المدخلين الشرقي والغربي وتسد الشوارع والأزقة والمنافذ والطرقات.. وانتشر مئات الجنود على جوانب الطرقات وفي مداخلها، فيما كانت قوة منهم تداهم بيت عبد الحسن عز الدين بعد أن سحقت سيارته تحت جنزير الآلية الإسرائيلية المدرعة التي اقتحمت الشارع بينما كانت قوة أخرى تتجه إلى بيت الشيخ محمد زيدان..

   ارتبك الشيخ للمداهمة، وكانت سيارته في المرآب فباغتته المفاجأة ولم يستطع الفرار بها بعد أن أقفل اليهود طرقات البلدة، وبينما هو يدور على نفسه جاءه صوت أبيه:

-      قف خلف الباب الذي في المرآب!!

رفض الفكرة إذ لا يكاد الباب يخفيه، ولكن أصوات الجنزير للآليات الزاحفة باتجاه بيته ووقع أقدام الجنود اليهود أحرجه، فوجد نفسه يدلف وراء الباب قبل لحظات من امتلاء الزقاق وفناء البيت بالجنود.. وسمع جيران الشيخ طرقات عنيفة على بابه وصوت:

-      افتح نحنا جيش الدفاع.

-      ماذا تريدون؟

كان صوت امرأة، فيه شجاعة وخوف زينبية..

-      وين شيخ محمد؟

-      مش موجود.

-      فتشوا البيت

وعبثوا بمحتوياته وقلبوا كل شيء، ثم دخلوا إلى المرآب، وفتحوا أبواب السيارة وجلس اثنان داخلها يستمعان إلى أشرطة القرآن والعزاء والندبيات وأخذ اثنان آخران يفتشانها، بينما كان الشيخ يراقب ويسمع وهو خلف الباب وقد امسك بمسدسه بكلتي يديه استعداداً للرماية موطناً نفسه على الشهادة إلى أن مضت ساعة طويلة وهو جامد في مكانه لا يكاد يتحرك، ثم أخذت الرطانة العبرية تبتعد تدريجياً وسمعت صوت زوجته قريباً منه:

- راحوا!!                      

 

***

      وهناك، في باتوليه، كانت التسعة عشر ربيعاً مكاناً للحب، فأول ما ينبت في ربوع الشباب حب الأهل والأصحاب وحب القرية وأزقتها وحدائقها حيث تكمن تحت كل زهرة قصة، قصة طفولة وصبا وشباب.. وعندما يتحرك الحنين فإنه يحرك الجوارح، وعندما يخفق القلب تقع العيون في الأسر وتتعلق بحفيف أجنحة الملائكة.

      إنها أم علي بدوي التي انتظرت أحد عشر عاماً شروق شمس الأمومة على روحها، فأشرقت وأنارت ثناياها المظلمة بولدها وكيف لا يجذبه أيضاً سحر الحب، فيعانق أمه وأباه، والشباب والذكريات، وألوان الورود وجدران القرية وأنفاس أهلها الطيبين وهو ليس ببعيد.. ولكن على ضفاف الحب تنبت البغضاء أيضاً، كما على سيقان الورد ينبت الشوك، فقد كانت عيون العملاء في قريته تعد وتحصي وتراقب، وكان هناك أيضاً ألسنة، والناس لا تحب الضوابط فلا تلتزم بها، وتكرر مجيء العليين إلى البلدة تارة على دراجة نارية وأخرى في سيارة، وابتدأت الإشارات تترى من العملاء إلى المخابرات اليهودية.. وفجأة توقفت سيارة مدنية أمام بيت أبي ناجي بدوي، ودخل أحد العملاء، والأمر إلى هنا اعتيادي، ولكن حديثه مع أبي ناجي لم يكن عادياً أبداً!!

-      يا أبو ناجي، أنت بتعرفني، هل عرفت مني ضرراً عليكم قبل الآن؟

-      إن شاء الله ما في إلا كل خير

-      ألم أتصل أنا بالمخابرات وقلت لهم إن علي يعمل معي أتركوه، فتركوه كرامتي..؟

-      كتر خيرك!!

-  أنا لا أريد إلا مصلحة علي، وهذا الذي يفعله فيه خطر كبير على حياته لأن مقاومة إسرائيل لا تنفع! وهل تستطيع العين أن تواجه المخرز؟

وطأطأ أبو ناجي رأسه صامتاً.. فمن هو الذي يحب ابنه علي أكثر منه؟

إن هذا العميل يأسره بكلماته ويحيطه بشباكه، إنه يقول ما يلامس القلب والكبد والأنفاس، إنه يتحدث عن علي.

وتابع العميل، وكأنه يجهز على الفريسة التي علقت في الشباك:

-  أنا مستعد لمساعدته على السفر إلى إفريقيا يا أبو ناجي، نحنا أولاد وطن واحد ولازم نحرص على مصلحة بعضنا، لماذا لا يسافر على الأقل أن تنسحب إسرائيل فيأتي بقرشين يعيش منهما وبعد ذلك لكل حادث حديث؟

وفي تلك الليلة نبت الزرع الخبيث في النفس الطيبة الحنونة، فسهر أبو ناجي وأم علي بانتظاره إذ لم يكن لذهابه وإيابه موعد محدد، وعندما أتى تظافر قلبان وعاطفتان على إرادته مستعينين بقلبه وعاطفته.

-      يا علي! يا قلبي! يا حبيبي! متى ستنتهي من هذا؟؟

كان يضع رأسه في حضنها، يشمها ويرشف من رحيق الأمومة بينما كان أبوه يحاول أن يتلبس بالجدية:

-      أنا أتكلم معك! اسمعني قليلاً!

التفت إليه

-      خير يا أبت هل من جديد؟

-      لا فائدة من هذه الأعمال التي تعملونها، لن تستفيدوا شيئاً، لن تستطيعوا هزيمة إسرائيل!!

-      وحد الله يا أبي، نحن لم نعمل شيئاً إلى الآن!

-      لا فائدة، سوف تموتون!!

-      الله كبير، لا تخافوا عليّ، إبنكم علي شاطر!

-      وهل المسألة مسألة شطارة؟ عند إسرائيل دبابات وطائرات وسلاح، وعندها..

-      ماذا عندها أيضاً؟

-      عملاء! عملاء يا أبت! أنت بتعرف! وهل من الضروري أن أتكلم؟

وهنا تغيرت سحنة علي فسأل أباه:

-      من جاء إلى هنا؟

وحدثه أبوه بما جرى، فاعتدل علي في جلسته والتفت نحو أبيه وأردف:

-  اسمع يا أبي سوف أهديك أحسن هدية، أكبر رأس يهودي، ولكني أريد منك ومن أمي شيئاً واحداً وهو أن لا تصغوا لأي كان.

-      لن تستطيع أن تفعل شيئاً وسوف تموت!

لم يبال وانصرف إلى أمه يغرق في حضنها، مغمضاً عينيه وكأنه يستزيد.. ويخاف.

ولم تكن أمه تجرؤ على الذهاب إلى بيت أختها لكي تطمئن عليه خوفاً من أن ينكشف، وإن كانت لا يخالجها شك في مقدار حنان أختها.

      وفي داخل بيت الخالة وبعد أن تناول العلييان فطور الصباح، وابنة خالته مهتمة بسكب الشاي، وابن خالته جالس يراقب الطريق في مدخل الدار، تمدّد علي بدوي، وابنة خالته جالسة صامتة تنظره إليه، فيما أكمل علي سليمان كأس الشاي وظهرت عليه العجلة، فالتفت إليه قائلة بهمس:

-      لماذا أنتم مستعجلون اليوم؟ هل عندكم عمل اليوم؟

لم توجه خطابها إلى علي بدوي، فلم تكن تريد أن يكتشف ما في قلبها من خلال عينيها وخلجات لسانها.

-      شغلة صغيرة..

قالها علي سليمان باسماً، ونهض ملتفتاً إلى علي بدوي..

توكلنا على الله؟ عندي إحساس وكأن كل شيء سوف (ينفرط) اليوم.

-      خليها على الله..

قالها علي بدوي فيما كان منشغلاً بارتداء حذائه الرياضي ودخلت في تلك اللحظة خالته..

-      خير يا خالتي..

-      سلّمي لنا على أم علي وأم عبد الله، وقولي لهما أن يدعين لنا بالسلامة وبالنصر..

كانت تعلم أن عليها فقط أن تنقل له ما يريد وأن تفعل له ما يريد فلم تزد على أن قالت:

-      إن شاء الله.

وفيما هما على أهبة مغادرة المنزل، وصل إليه صوت ابنة خالته مرتجفاً:

-      الله ينصركم ويردكم سالمين..

قالتها، وقد تقدمت خطوة إلى الإمام وتجاوزت أمها وكأنها تريد أن تقول له: (وأنا!!)، ولكنه لم يلتفت إليها، ولم يخصها بوداع، مع أنه كان يحس بوجودها في تلك اللحظة أكثر من أي شيء آخر، فلم يعد هذا البيت بالنسبة إليه مركزاً يأوي إليه وينطلق منه في أنشطته العسكرية والأمنية، ومخزناً لسلاحه، بل أصبح يحتل مكاناً بين ضلوعه، وأصبح يشعر كلما ابتعد عنه بأن هناك قوة خفية تشده وتدعوه إلى العودة إليه والمرور ولو لدقيقة، فيسلم على خالته!! ويتزود من ابنة خالته بزاد آخر، غير زاد الأمومة، وجد نفسه فجأة يحتاج إليه، فقد أخذت تغزو قلبه مشاعر لم يكن يدري حتى تلك اللحظة ما هي وكيف جاءت وكيف احتلت قلبه!!

      وأخذا يسلكان الطرق الجانبية متجنبين البيوت حتى التفتوا حول القرية ووصلوا إلى الطريق المشرفة على الوادي بين باتوليه والحوش، وهناك جلسا تحت شيجرة يراقبان الطريق النازلة من الحوش باتجاه عين بعال..

      ومرّت ساعة وعيونهما لا تفارقان رأس الطريق حيث تبتدئ بيوت الحوش، وفجأة ظهرت مجنزرة إسرائيلية قادمة تزمجر.

-      هذه هي، جاءت على الموعد تماماً.

وزحفاً على ركبتيه، وصل علي سليمان إلى كومة قش وأخرج من تحتها قاذف بـ7 ورشيشاً، ثم ناول الرشيش لعلي بدوي الذي أنزل أمّانهُ بسرعةٍ ولحق بعلي سليمان الذي سبقه بعدة أمتار بين الشجيرات، يحاول جهده أن يتخفى حتى لا يراه أحد من الجنود الذين كانوا على المجنزرة التي كانت تسير بسرعة حتى وصلت إلى وسط المنحدر، ثم أخذت تظهر صدرها بوضوح لهما.. بينما كان وجه علي يسلمان يتغضّن وتتحجّر عضلاته وهو يراقبها وكان يريد منها أن تقترب أكثر، ثم قال لعلي بدوي دون أن يلتفت إليه:

-      قد اقتربت كثيراً.. المسافة أصبحت ثلاثمئة متر.

-      انتظر! .. دعها تصبح على بعد مئة متر فقط..

-  كان علي بدوي مصراً على أن يتركها تتقدم، وأعجب بدقة علي سليمان في تقدير المسافة فابتسم ورمقه بعين فيها الكثير من الحب والتقدير بينما كانت المجنزرة تنحدر بقوة يحتدم صريف مجنزراتها بهدير محركها إلى أن وصلت إلى مسافة مئة متر منها، وهنا أحس علي بدوي وكأن الانتظار تجاوز الخط الأحمر.

-      الآن.

وبجرأة فائقة وقف علي سليمان بقامته المديدة وسدّد، وكبّر وأطلق القذيفة فيما كان علي بدوي يرمي بغزارة بمجرّد انطلاقها..

-      الله أكبر.. في صدرها تماماً..

وتصاعد الدخان الأسود الكثيف واشتعلت فيها النيران وأخذت تدور في مكانها مرسلة عويلاً وزعيقاً من محركها اختلط بسباب الجنود وصراخهم بينما كان علي بدوي يكمل إفراغ مخزن رشيشه ودوّى الرشاش الثقيل تهدر طلقاته في أفق سمع المنطقة كلها.. ولمعت قذائفه النارية متلاحقة فأضاءت السماء فوق رأسيهما وأخذت انفجارات القذائف المتفجرة تتلظى وتتناثر حولهما.. بينما كانت المجنزرة تفلح الإسفلت في دوران مجنون وعلي سليمان يضع قذيفته الثانية في القاذف وعلي بدوي واقف لا يأبه بالرشقات الثقيلة تزعق حوله..

وما أن أعطتها جانبها حتى صرخ علي بدوي:

-      الآن يا علي .. الآن.

ونهض علي سليمان ثانية .. ليضع قذيفته الثانية في الجنزير فارتجت وارتعشت والتهبت فيها النيران.

وبسرعة غادر علي بدوي وعلي سليمان موقعهما بعد أن تركا فيه سلاحهما وعادا إلا الاختفاء وسط الأشجار، ليسلكا الطريق الذي جاؤوا منه وليصلا بعد دقائق إلى القرية وهما يبذلان جهداً في الوصول إلى بيت علي سليمان والعبور من أقل الطرق والأزقة ازدحاماً بالمارة كي لا يلتقوا ولو صدفة بعميل، إلا أن الأمر لم يخل من بعض المارة الذي لاحظوا ركضهما ولهاثهما.

أدلفا داخل بيت علي سليمان وارتميا على مقعدين يحاولان جاهدين أن لا يظهروا أمام أهل البيت بمظهر الراكض التعب.. بينما كانت أصوات الطلقات تصل إلى مسامع أهل القرية جميعاً بمن فيهم أم عبد الله التي أخذت تنظر إلى العليين بريبة وذعر، وظهرت علامات القلق عليها أكثر خصوصاً عندما ابتدأت بعد ساعة أصوات جنازير المجنزرات الإسرائيلية تزمجر في طرق البلدة.. ثم جاء أبو عبد الله لينقل أنباء ما يجري فقاما يستقبلانه بلهفة.

-      ماذا وراءك من أخبار؟

-  والله، الشباب، الله يعطيهم العافية، ضربوا مجنزرة إسرائيلية على طريق الحوش، والظاهر أنهم هربوا باتجاه باتوليه، واليهود أصبحوا كالمجانين وجاؤوا يبحثون عنهم هنا في باتوليه (وقطع كلامه بضحكة، ثم استطرد) كأنهم سوف يقفون وينتظرونهم ويقولون لهم ها نحن هنا تعالوا خذونا!!!

وهنا عادت أم عبد الله تنظر إليهما بريبة ثم التفت إلى ابنها علي قائلة:

-      يا علي! احك الصدق! انتما ضربتماها؟

-      صلي على النبي يا أمي (نحن زباين هيك شغلات)؟؟

-      والله مش طالعة من إيدك أنت وعلي بدوي!

وضحكا كزقزقة عصافير تستقبل الربيع، فأنصتت لضحكتهما حتى انتهت ثم أردفت:

-      طيب! يا ابني! أنتم مع من تعملون؟ (وبدون أن تنتظر منه جواباً) هل تعملون مع أمل؟؟

-      لا يا أمي لا !!

-      إذن هل تعملون مع الفلسطينيين؟

-      مع الفلسطينيين؟ لا!!

وهنا تحولت سحنة علي بدوي إلى نحو من الجدية، واستقام في جلسته، وبعد أن تأمل في أصابعه التي شبكها قليلاً رفع رأسه مخاطباً أم عبد الله:

-  نحن يا خالتي (شيء) جديد.. شيء لم تسمعي به من قبل، وسوف تسمعين عنه كثيراً إن شاء الله! شيء سوف يعجبك..

-      من أنتم؟

-      نحن حزب الله يا خالتي!

-      حزب الله؟ نحن كلنا حزب الله، وهل هناك أحد ليس حزب الله؟ (قال أبو عبد الله مقاطعاً)

وهنا نهضت أم عبد الله وهي تقول:

-      (إي دخيلو الله أني) .. على كل حال الله يحميكم!..

وفيما كانا يحاولان أن يعرفا من أبي عبد الله تفاصيل انتشار اليهود في البلدة كانت أم عبد الله تضع أمامهما طعاماً، فنهض أبو عبد الله قائلاً:

-      كلوا وخذوا راحتكم وأنا أتكفل بحمايتكم!

ثم تناول قدوما يستعمله البناؤون وخرج من الغرفة وهبك الدرج ووقف خلف باب الدار لحراستهم.

      ومضى النهار ثقيلاً على القرية التي اقتحمتها الآليات الإسرائيلية بعد قليل من ضرب الآلية، فاحتلت مفارق الطرق ورؤوس الأزقة، وفرضت في القرية جواً من الحذر والترقب فانعدم المرور في طرقاتها، إلى أن جن الليل وكانت أسرة علي سليمان لما تنم بعد ليرتفع صوت طرقات متصلة بعنف على الباب أذهلت أم عبد لله للوهلة الأولى

-      افتح .. بسرعة!!

-      مين؟ (صرخت أم عبد الله بصوت خالطه الخوف)

-      افتح بسرعة نحنا جيش الدفاع!

-      ماذا تريدون؟

-     

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net