متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الغيبة ، التصامم عنها ، بواعثها ، مساوئها ، مسوغاتها ، علاجها ، كفارتها
الكتاب : علم الأخلاق    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الغيبة

وهي: ذكر المؤمن المعين بما يكره، سواءً أكان ذلك في خَلقِه، أو خُلُقه، أو مختصاته.

وليست الغيبة محصورة باللسان، بل تشمل كل ما يشعر باستنقاص الغير، قولاً أو عملاً، كناية أو تصريحاً.

وقد عرفها الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله قائلاً: هل تدرون ما الغيبة؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره».

قيل له: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته».

وهي من أخسّ السجاياً، وألأم الصفات، وأخطر الجرائم والآثام، وكفاها ذمّاً أن اللّه تعالى شبّه المغتاب بآكل لحم الميتة، فقال: «ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه».

(الحجرات: 12)

وقال سبحانه ناهياً عنها: «لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول الا من ظُلم، وكان اللّه سميعاً عليماً».

(النساء: 148)

وهكذا جاءت النصوص المتواترة في ذمّها، والتحذير منها:

{ 222 }

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه»(1).

وقال الصادق عليه السلام «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه، وهدم مروته، ليسقط من أعين الناس، أخرجه اللّه عز وجل من ولايته الى ولاية الشيطان»(2).

وقال الصادق عليه السلام: «لا تَغتَب فتُغتَب، ولا تَحفُر لأخيك حفرة، فتقع فيها، فانك كما تَدين تُدان»(3).

وقال الصادق عليه السلام: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «من أذاع فاحشة كان كمبتدئها، ومن عيّر مؤمناً بشيء لا يموت حتى يركبه»(4).

التصامم عن الغيبة:

وجدير بالعاقل أن يترفّع عن مجاراة المغتابين، والاستماع اليهم،

_____________________

(1) البحار م 15 كتاب العشرة ص 177 عن الكافي.

(2) البحار م 15 كتاب العشرة ص 187 عن ثواب الأعمال ومحاسن البرقي وأمالي الصدوق.

(3) البحار م 15 كتاب العشرة ص 185 عن امالي الصدوق.

(4) البحار م 15 كتاب العشرة ص 188 عن ثواب الاعمال ومحاسن البرقي.

{ 223 }

فان المستمع للغيبة صنو المستغيب، وشريكه في الاثم.

ولا يعفيه من ذلك الا أن يستنكر الغيبة بلسانه، أو يطور الحديث بحديث بريء، أو النفار من مجلس الاغتياب، فان لم يستطع ذلك كله، فعليه الانكار بقلبه، ليأمن جريرة المشاركة في الاغتياب.

قال بعض الحكماء: «إذا رأيت من يغتاب الناس، فاجهد جهدك أن لا يعرفك، فان أشقى الناس به معارفوه».

وكما يجب التوقي من استماع الغيبة، كذلك يجدر حفظ غَيبة المؤمن، والذب عن كرامته، إذا ما ذُكر بالمزريات، فعن الصادق عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «مَن رَدَّ عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة ألبتّة»(1).

وجدير بالذكر أن حرمة الاغتياب مختصة بمن يعتقد الحق، فلا تسري الى غيره من أهل الضلال.

بواعث الغيبة:

للغيبة بواعث ودوافع أهمها ما يلي:

1 - العداء أو الحسد، فانهما أقوى دواعي الاغتياب والتشهير بالمعادي أو المحسود. نكايةً به، وتشفياً منه.

_____________________

(1) البحار م 15 كتاب العشرة ص 188 عن ثواب الاعمال.

{ 224 }

2 - الهزل، وهو باعث على ثلب المستغات، ومحاكاته إثارة للضحك والمجون.

3 - المباهاة: وذلك بذكر مساوئ الغير تشدقاً ومباهاة بالترفع عنها والبراءة منها.

4 - المجاراة: فكثيراً ما يندفع المرء على الاغتياب مجاراة للأصدقاء والخلطاء اللاهين بالغيبة، وخشية من نفرتهم إذا لم يحاورهم في ذلك.

مساوئ الغيبة:

من أهم الأهداف والغايات التي حققها الاسلام، وعنى بها عناية كبرى، إتحاد المسلمين وتآزرهم وتآخيهم، ليكونوا المثل الأعلى في القوة والمنعة، وسمو الكرامة، والمجد. وعزّز تلك الغاية السامية بما شرّعه من نظم وآداب، لتكون دستوراً خالداً للمسلمين، فحثّهم على ما ينمّي الالفة والمودة، ويوثّق العلائق الاجتماعية، ويحقق التآخي والتآزر، كحسن الخُلق، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والاهتمام بشؤون المسلمين، ورعاية مصالحهم العامة. ونهاهم عن كل ما يعكّر صفو القلوب، ويثير الأحقاد والضغائن الموجبة لتناكر المسلمين، وتقاطعهم كالكذب، والغش، والخيانة، والسخرية.

وحيث كانت الغيبة عاملاً خطيراً، ومِعولاً هدّاماً، في تقويض صرح المجتمع، وإفساد علاقاته الوثيقة، فقد حرّمها الشرع الاسلامي،

{ 225 }

وعدّها من كبائر الآثام.

فمن مساوئها: أنها تبذر سموم البغضة والفرقة في صفوف المسلمين، فتعكر صفو المحبة، وتفصم عرى الصداقة، وتقطع وشائج القرابة.

وذلك بأن الغيبة قد تبلغ المغتاب، وتستثير حَنَقَه على المستغيب، فيثأر منه، ويبادله الذم والقدح، وطالما أثارت الفتن الخطيرة، والمآسي المحزونة.

هذا إلى مساوئها وآثامها الروحية التي أوضحتها الآثار، حيث صرحت أن الغيبة تنقل حسنات المستغيب يوم القيامة الى المستغاب، فإن لم يكن له حسنات طرح عليه من سيئات المستغاب، كما جاء عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال: «يؤتى بأحدكم يوم القيامة، فيوقف بين يدي اللّه تعالى، ويُدفع اليه كتابه، فلا يرى حسناته، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي فاني لا أرى فيه طاعتي. فيقول له: إن ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس.

ثم يُؤتى بآخر ويُدفع اليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي، فاني ما عملت هذه الطاعات، فيقول له: إن فلاناً اغتابك فدُفعت حسناته إليك»(1).

مسوّغات الغيبة:

الغيبة المحرمة هي ما قُصد بها استنقاص المؤمن وإذلاله، فإن لم

_____________________

(1) جامع السعادات ج 2 ص 301 .

{ 226 }

يُقصد بها ذلك، وتوقف عليها غرض وجيه، فلا حرمة فيها. واليك ما ذكره العلماء من الموارد المسوّغة للغيبة:

1 - شكاية المتظلم لاحقاق حقه عند الحاكم، فيصح نسبة الجناية والظلم الى الغير في هذه الحالة.

2 - نُصح المستشير في أمر ما كالتزويج والأمانة، فيحق للمستشار أن يذكر مثالب المسؤول عنه.

ويصح كذلك تحذير المؤمن من صحبة فاسق أو مُضلّ، بذكر مساوئهما من الفسق والضلال، صيانة له من شرهما وإضلالهما، ويصح جرح الشاهد إذا ما سُئل عنه.

3 - ردّ من أدّعى نسباً مزوراً.

4 - القدح في مقالة فاسدة، أو إدعاء باطل شرعاً.

5 - الشهادة على مقترفي الجرائم والمحارم.

6 - ضرورة التعريف: وذلك بذكر الألقاب المقيتة، التي يتوقف عليها تعريف أصحابها، كالأعمش والأعرج ونحوهما.

7 - النهي عن المنكر: وذلك بذكر مساوئ شخص عند من يستطيع إصلاحه ونهيه عنها.

8 - غيبة المتجاهر بالفسق كشرب الخمر، ولعب القمار، بشرط الاقتصار على ما يتجاهر به، إذ ليس لفاسق غيبة.

ولا بُدّ للمرء أن يستهدف في جميع تلك الموارد السالفة، الغاية النبيلة، والقصد السليم، من بواعث الغيبة، ويتجنب البواعث غير النبيلة، كالعداء والحسد ونحوهما.

{ 227 }

علاج الغيبة:

وذلك باتّباع النصائح التالية:

1 - تذكّر ما عرضناه من مساوئ الغيبة، وأخطارها الجسيمة، في دنيا الانسان واخراه.

2 - الاهتمام بتزكية النفس، وتجميلها بالخلق الكريم، وصونها عن معائب الناس ومساوئهم، بدلاً من اغتيابهم واستنقاصهم.

قيل لمحمد بن الحنفية: من أدّبك؟ قال: «أدبني ربي في نفسي، فما استحسنته من أولي الألباب والبصيرة تبعتهم به فاستعملته، وما استقبحت من الجُهال اجتنبته وتركته متنفراً، فأوصلني ذلك الى كنوز العلم»(1).

3 - استبدال الغيبة بالأحاديث الممتعة، والنوادر الشيقة، والقصص الهادفة الطريفة.

4 - ترويض النفس على صون اللسان، وكفّه عن بوادر الغيبة وقوارصها، وبذلك تخف نوازع الغيبة وبواعثها العارمة.

كفّارة الغيبة:

وسبيلها بعد الندم على اقترافها، والتوبة من آثامها، التودد الى

_____________________

(1) سفينة البحار م 1 ص 324.

{ 228 }

المستغاب، واستبراء الذمة منه، فإن صفح وعفى، وإلا كان التودد اليه، والاعتذار منه، مكافئاً لسيئة الغيبة.

هذا إذا كان المستغاب حيّاً، ولم يثر الاستيهاب منه غضبه وحقده، فإن خيف ذلك، أو كان ميتاً أو غائباً، فاللازم - والحالة هذه - الاستغفار له، تكفيراً عن اغتيابه، فعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سُئل النبي صلى اللّه عليه وآله ما كفارة الاغتياب؟ قال: تستغفر اللّه لمن اغتبته كلّما ذكرته»(1).

قوله صلى اللّه عليه وآله «كلما ذكرته» أي كلما ذكرت المستغاب بالغيبة.

_____________________

(1) البحار م 15 كتاب العشرة ص 184 عن الكافي.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net