متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المقدمة
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم ، على رسول الله محمد صاحب السنة الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، الذين اصطفى من عباده المسلمين أما بعد :

فبعد أن أنهيت كتابي الرابع عشر ( الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية ) قمت بزيارة أخ كريم ، وسيد فاضل ، وهو سماحة السيد محمد الموسوي ، مد الله تعالى في عمره ، ونفع المسلمين بعلمه ، فاستقبلني بوجهه الطلق ، وغمرني بعواطفه النبيلة ، وأحاطني بتواضعه الجم فأخبرته بما أنجزت ، ولأنني أثق به ، وبعمق إيمانه بعدالة قضية أهل بيت النبوة ، وبإخلاصه التام لها ، وخبرته الطويلة بها ، فقد سألته ماذا يقترح علي أن أكتب ؟

فأجابني على الفور ، كأنه كان يتوقع مني هذا السؤال ( أقترح عليك أن تجيب على السؤال التالي : أين سنة الرسول ؟ ) ! ! فاستهواني الموضوع ، واستقر في نفسي فقلت للسيد : ما رأيك لو أضفنا إلى هذا السؤال سؤالا آخر ( وماذا فعلوا بها ؟ فيكون عنوان الكتاب الجديد ( أين سنة الرسول ؟ ! وماذا فعلوا بها ؟ ! ) .

فتهلل وجه السيد ، وأيد الفكرة ، وصممت على أن أعنون كتابي الخامس عشر بهذا العنوان ، وأفصحت للسيد عما صممت عليه فبارك الفكرة ، وذكر لي أسماء بعض المراجع ، ووضعنا الخطوط العريضة لمخطط البحث ، والأبواب التي سألج منها إلى الموضوع ، كان الموضوع ميسرا تماما ، وكأننا والله قد أعددنا له

- ص 6 -

منذ مدة طويلة ، قلت للسيد : إنني مرهق ، فلقد بلغت من الكبر عتيا ، سأستريح شهرين أو ثلاثة ، وبعدها أنطلق بإذن الله ، وشحذ السيد عزيمتي ، وبعد يوم واحد من لقائنا بدأت الكتابة ، بنفس راضية مطمئنة ، وبيسر ما عهدته بأي كتاب آخر .

صحيح أنني لم أنطلق من الصفر ، لأن موالي أهل بيت النبوة على العموم ينظرون للأنبياء والرسل والأئمة نظرة خاصة ، ويعتبرونهم صفوة الجنس البشري ، ويعرفون مكانتهم عند الله تعالى ، وحاجة بني الإنسان لهم ، وعلى هذا الأساس قامت ثقافتهم ، واستقرت قناعتهم ، وخلال تجاربهم ومعاناتهم التاريخية النادرة عرفوا طبيعة التكامل والتلازم بين كتاب الله المنزل ونبيه المرسل من جهة ، وبين القرآن وسنة النبي أو بيانه لهذا القرآن من جهة أخرى ، وأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر ، فهما وجهان لعملة مقدسة واحدة .

فسنة الرسول فصل جوهري متداخل تداخلا عضويا مع الشريعة الإلهية المكونة حصرا من كتاب الله ومن سنة رسوله أو من بيان النبي لهذا الكتاب ، فسنة الرسول هي العمود الفقري لدين الإسلام ، وهي التي تترجم القرآن من النص إلى التطبيق ، ومن النظر إلى الحركة ، لأن المهمة الأساسية للنبي الأعظم تنصب على بيان ما أنزل الله ، فالقرآن كمعجزة بيانية له وجوه متعددة والرسول وحده هو الذي يعرف المقصود الإلهي من كل آية من آياته ، وكلمة من كلماته ، معرفة قائمة على الجزم واليقين لا على الفرض والتخمين ، ثم إن الله سبحانه وتعالى هو الذي أوجد هذا التكامل الفذ ، والتداخل العجيب بين القرآن وبيان النبي لهذا القرآن ، فالقرآن قد أجمل ، وأرسى القواعد الكلية ، والبنى الأساسية ، وحدد الأفق العام ، وترك للرسول مهمة التفصيل والبيان على ضوء توجيهات الوحي الإلهي ، فالقرآن وحي باللفظ والمعنى ، والسنة وحي بالمعنى والصورة ، فالصلاة وهي عماد الدين جاءت مجملة ، ولم يتطرق القرآن إلى كيفيتها وتفصيلاتها ، وكذلك الزكاة ، والحج ، والصوم ، ونظام الحكم والجهاد . . الخ

والرسول الأعظم من خلال سنته المباركة هو الذي فصل وبين أحكامها بيانا كاملا قابلا للتطبيق على ضوء التوجيهات الدقيقة للوحي الإلهي ، وتقريبا

- ص 7 -

للذهن ، ولله المثل الأعلى ، فالقرآن بمثابة الدستور الإلهي الشامل الذي يتضمن المبادئ الكلية ، والبنى الأساسية ، والأهداف العليا ، وهو وحي من الله ، تلقاه الرسول تلقيا حرفيا ، وبلغه كما تلقاه ، أما سنة الرسول فهي بمثابة القوانين التي تضع الدستور موضع التطبيق ، وهذه القوانين ليست من عند الرسول ، بل هي وحي إلهي ، لكن ليس باللفظ الحرفي ، وإنما بالصورة والمعنى اليقيني المحدد ، فقد يصلي جبريل أمام الرسول ، ويطلب من الرسول أن يصلي كما صلى ، إن الرسول الأعظم يتصرف بدقة متناهية ، وعلى ضوء توجيهات الوحي الإلهي ، والرسول معد ومؤهل إلهيا .

وتوضيحا نقول : ( مبرمج ) فسيولوجيا ، يتبع ما يوحى إليه من ربه بدون زيادة ولا نقصان ، ( ومطعم ) ضد الزلل والخطأ أو معصوم ، فلا ينطق عن الهوى ، ولا يخرج من فمه إلا حق ، فهو امتداد للحق الإلهي ، ووجه من وجوه الرسالة الإلهية ، ومهمة النبي أن يضع المنظومة الحقوقية الإلهية المتكونة من كتاب الله وسنة رسوله موضع التطبيق بالتصوير الفني البطئ الذي تستوعبه الخاصة والعامة من بني البشر ، ولكن تحت إشراف الوحي الشريف وبتوجيهاته ، ومن هنا كان الإيمان بالرسول جزءا لا يتجزأ من الإيمان بالله ، وكانت طاعة الرسول تماما كطاعة الله ، ومعصية الرسول تماما كمعصية الله ، وموالاة الرسول والقبول بقيادته تماما كموالاة الله ، واتباع سنة الرسول تماما كاتباع القرآن ، لأن سنة الرسول هي التطبيق العملي للقرآن .

ولأن الإسلام آخر الأديان ، ولأن رسول الله خاتم النبيين ، ولأن المنظومة الحقوقية الإلهية ، هي القانون الإلهي النافذ المفعول طوال عصور التكليف في الدنيا ، فقد تولت سنة الرسول بيان كل شئ ، أو وضعت الآلية الشرعية لمعرفة الحكم الشرعي لكل شئ ، ولقد ركزت السنة الشريفة تركيزا خاصا على من سيخلف النبي ويتولى تطبيق المنظومة الحقوقية الإلهية من بعده .

ولو أن المسلمين قد التزموا بسنة رسول الله ، المتعلقة بنظام الحكم ، لتغير مجرى التاريخ البشري كله ، ولاستقر النظام الإلهي كنظام حكم ، ولذاقت البشرية طعم النظام الإلهي ، عندها لن ترضى عنه بديلا ، إن

- ص 8 -

الذين حالوا بين سنة رسول الله المتعلقة بنظام الحكم وبين أن تشق طريقها إلى واقع الحياة يتحملون وزر ذلك كله ! !

ومن المدهش حقا أن الخلفاء الذين عطلوا سنة رسول الله ، المتعلقة بنظام الحكم ، وأحلوا محلها سنتهم الوضعية ، قد نجحوا بإقناع الأغلبية الساحقة من المسلمين ، بأن قواعد سنة الخلفاء هي النظام السياسي الإسلامي الوحيد وأنه ليس في الإسلام سواها ، وما زالت خاصة الأغلبية وعامتها يجترون هذا الزعم منذ 14 قرنا ! !

ولو أن الخلفاء لم يمنعوا رواية وكتابة سنة الرسول طوال مائة عام ونيف ولم يحرقوا المكتوب منها ، لوصلتنا سنة الرسول كاملة باللفظ والمعنى ، ولشكلت مع القرآن الكريم أعظم منظومة حقوقية عرفتها البشرية ، ولما اختلف اثنان في أي نص من نصوص سنة الرسول الشريفة ، الذين أحرقوا سنة رسول الله المكتوبة ومنعوا رواية وكتابة سنة الرسول طوال عام ونيف يتحملون وزر هذا الخلط الذي أصاب سنة الرسول ! ! !

كنت أعرف أن سنة الرسول قد تعرضت لمحنة رهيبة ، ولكن قبل كتابة هذا البحث لم أكن أعلم بأن محنة سنة الرسول بهذا الحجم ! ! !

أين سنة الرسول ! ! وماذا فعلوا بها ! ! ؟

لقد أجبت على هذين السؤالين في كتابي هذا الذي اتخذ من هذين السؤالين عنوانا له ، وقدمت الجواب من خلال ثمانية أبواب ، فتحت في كل باب نوافذ متعددة ، تظافرت جميعا ، فصبت في خانة الإجابة ، وقد اشتمل الباب الأول على مكانة السنة في الإسلام ، أما الباب الثاني ، فقد غطى موضوع من يبلغ سنة الرسول بعد موته ، أما الباب الثالث ، فقد كشفت المخططات التي رمت إلى نسف الإسلام وتدمير سنة الرسول بعد موته ، وفي الباب الرابع ، كشفت حالة سنة الرسول بعد موته مباشرة ، وكيف

- ص 9 -

نقضت أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم ، ومن الذين نقضوها ولماذا ؟ ! أما الباب الخامس فقد استعرضت فيه الإجراءات الحكومية ضد سنة الرسول وفي الباب السادس عالجت كارثة استبدال سنة الرسول بسنة الخلفاء ، وفي الباب السابع ، بينت ما أصاب سنة الرسول بعد مائة عام ونيف على منع كتابتها وروايتها ، أما الباب الثامن فقد قسمته لفصلين ، بحثت في الأول أهل بيت النبوة في سنة الرسول ، وفي الثاني دور أهل بيت النبوة في حفظ سنة الرسول .

ومن خلال هذه الأبواب الثمانية ومنافذها ، أجبت على عنوان الكتاب ( أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ! ! ؟ )

وقد كررت ذكر حادثتين ، وقعتا أثناء مرض النبي وهما موقف القوم من جيش أسامة ، وموقفهم من رسول الله يوم أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية ، وكان قصدي من تكرار هاتين الحادثتين إبراز شناعتهما ، وأثرهما الماحق على سنة الرسول وعلى دين الإسلام ، لقد قصمتا ظهر الدين حقا ! ! أنا لا أدعي الكمال ، حتى أنني كعادتي لم أقرأ ما كتبت ، لكنني على يقين بأن هذا الكتاب هو الأول في موضوعه من حيث الشمول على الأقل وهو الأحدث في منهجيته وأسلوب عرضه ، وغني عن البيان بأنني لا أطمع بجائزة من أحد على هذا الكتاب ، إنما أردت أن أضعه تحت تصرف أولياء أهل بيت النبوة ليزدادوا يقينا بسلامة خط أهل بيت النبوة ، كذلك فإني أضع ما فيه من حقائق موضوعية تحت تصرف الحائرين الذين وصلوا إلى مرحلة الشك ، ولا يدرون أي خط ينبغي أن يسلكوه ! !

إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ
والحمد لله رب العالمين .

أحمد حسين يعقوب .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net