متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الثاني: التناقض الصارخ بين واقع دولة الخلافة والشريعة الإلهية
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

الفصل الثاني التناقض الصارخ بين واقع دولة الخلافة والشريعة الإلهية

على صعيد الإمامة أو الرئاسة العامة أو الخلافة : لقد اختار الله محمدا ، فأعده وهيأه وأهله للرئاسة العامة وأسند إليه منصب الرئاسة العامة لأنه الأفضل والأعلم والأفهم والأقرب لله ، وكل هذه مؤهلات ضرورية لتتكون القدوة المثالية ، وليتمكن من قيادة الأمة وفض ما يشجر بين أفرادها وجماعاتها من مشكلات وفق أحكام القانون الإلهي السائد في دولته ، لقد كان النبي معصوما عن الوقوع في الخطأ والزلل ، لذلك فلا يخشى منه إساءة استعمال السلطة أو استغلال الصلاحيات الهائلة المخولة له كرئيس بموجب القانون الإلهي ، لأن عصمته والتزامه بالشرعية الإلهية وفهمه اليقيني لها ضمانات حقيقية ضد الانحراف أو إساءة استعمال السلطة .

وكان من المفترض أن تنتقل الإمامة أو الرئاسة العامة أو خلافة النبي بعد وفاة النبي إلى ذلك الشخص الذي أعده الله لهذه المهمة ليتابع طريق النبوة ويتم ويكمل ما لم يتحقق من برامجها هذا هو التنظير الديني للرئاسة وهذا هو حكم الإسلام .

أما على صعيد الواقع فالأمر قد اختلف جدا ، فالمؤهل الوحيد لكل

- ص 248 -

اللذين خلفوا النبي بالرئاسة العامة هو التغلب والقهر ، فأي شخص يغلب على الرئاسة العامة أو الخلافة يتقلدها ، والمتغلب أو القاهر شخص عادي من جميع الوجوه ، فلم يدع أحد من الخلفاء بدءا من الأول وانتهاء بآخر خلفاء بني عثمان بأنه الأعلم والأفضل والأتقى والأقرب لله ولرسوله ، بل صرح أول الخلفاء قائلا : " فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم . . . " ( 1 ) .

فالخليفة الأول صدق في ما قال ، واعترف صراحة وضمنا بأن بين المخاطبين من هو أعلم وأفضل وأقرب لله ولرسوله منه ، ومع هذا فقد تولى الخلافة رسميا لأنه الغالب ، وعلى الأمة أن تقبل ذلك شاءت أم أبت ، وأن تبايعه راضية أو كارهة لأنه غالب ، ولنفترض أن جماعة من المسلمين قد رفضت بيعته ، فليس بينه وبينها إلا السيف ، فمن يغلب فهو الخليفة وهو القائم مقام الرسول ( 2 )

ولتبرير ذلك قالوا بجواز إمامة المفضول عند عارض يمنع من نصب الفاضل ( 3 )
وقال القاضي في المواقف : جوز الأكثرون إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذ لعله أصلح للإمامة من الفاضل . . .
وقال الشريف الجرجاني : كما إذا فرض أن العسكر والرعية لا ينقادون للفاضل بل للمفضول ( 4 ) .

فحسب قواعد القانون الإلهي فإن الإمام من بعد النبي هو علي بن أبي طالب ، ومن المفترض أن تنقاد له الأمة لأن الله قد اختاره وأعلنه رسوله ، ولكن تتحرك فئة معينة لا يعجبها هذا الاختيار فتدعي أن الناس لا ينقادون لهذا الذي اختاره الله ورسوله ثم تستقطب الناس حولها ، ثم تنصب خليفة ، وتجير الناس على بيعة هذه الخليفة ثم تدعي أن الفتنة قد انقطعت

 

( 1 ) الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 78 طبعة ليدن .
( 2 ) الأحكام السلطانية للماوردي ص 7 - 8 و 7 - 11 ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 15 .
( 3 ) التمهيد للباقلاني تحقيق عماد الدين أحمد حيدر ص 494 ، والسنة بعد الرسول للسيد علي الشهرستاني ، تراثنا عدد 59 و 60 ص 118 .
( 4 ) شرح المواقف ج 3 ص 379 ، وانظر المرجعين السابقين
. ( * )

 
 

- ص 249 -

بهذا الخليفة لذلك هو أولى من الفاضل مع أنه مفضول وهكذا تتعطل نصوص القانون الإلهي ، وتسود القوانين التي يضعها الغالب ! !

وهنا تقع المشكلات فالسلطة الفعلية والأمر والنهي بيد الخليفة الفعلي القائم مقام النبي والمفروض بالقوة والتغلب ، وبهذه الحالة فإن هذا الخليفة الفعلي الواقعي لا يعرف الحكم الشرعي ، ولا المقاصد الشرعية ، ولا برامج النبوة ، ولا معنى كل آية وليس محيطا بالبيان النبوي ، وليس لديه علم يقيني لا بالماضي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل ، لأنه أصلا غير معد ولا مؤهل لهذه الأمور ! !

ولكن بوصفه الحاكم الفعلي فإن عليه أن يدير أمور الدولة ، فإذا رجع إلى الإمام الشرعي فإنه سيضطر للرجوع إليه دائما ، وفي هذا حط من مقام الخليفة واعتراف ضمني وعلني بأن الإمام الشرعي هو المؤهل الوحيد ! !

ولكن الخليفة الجديد وأعوانه لن يعترفوا بذلك بل سيتجاهلون القوانين الإلهية التي لا يعرفونها ويسيرون شؤون الحكم بالرأي لا بالشرع ، فهم وإن كانوا لا يعرفون الشرع إلا أنهم كأي واحد من البشر يعرفون الرأي مهما كان وزنه ، لذلك يترك الخليفة وأعوانه الشرع الإلهي أو القوانين الإلهية ، التي لا يحيطون بها ، ولا يجيدون الحكم وفق أحكامها المفصلة ويجتهدون أو يعملون بالرأي ، أو يخترعون أحكاما وضعية من آرائهم الشخصية ! !

أما على مستوى الولايات والإمارات على الأقاليم والجيوش فقد رأينا أن الموازين والمقاييس التي اخترعها الخلفاء لاختيار الأمراء والولاة والعمال ، فكانوا يصرفون أمور أقاليمهم وفق الآراء الشخصية ، ولنأخذ على سبيل المثال عبد الله بن سرح الذي افترى على الله الكذب ، والموسوم بأنه عدو لله ولرسوله لقد أمر الرسول بقتله حتى لو تعلق بأستار الكعبة ، ويوم فتح مكة أمر الرسول بالبحث عنه وقتله ، فلجأ ابن سرح إلى أخيه في الرضاعة عثمان بن عفان فغيبه عثمان وأخفاه عن العيون وفي يوم من الأيام بعد الفتح بفترة جاء به عثمان إلى رسول الله فاستأمنه ، فصمت الرسول

- ص 250 -

طويلا قبل أن يعطيه الأمان ثم قال نعم . فلما انصرف عثمان قال الرسول لمن حوله " ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيقتله " فقال رجل من الحاضرين فهلا أومأت إلي يا رسول الله ! ! فقال الرسول : " إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة أعين " ( 1 )

وأصبح ابن أبي سرح طليقا ، ومن المؤلفة قلوبهم ، وبعد موت الرسول مباشرة أصبح ابن أبي سرح من أصفياء الخلفاء ومن أهل الحل والعقد وفي عهد عثمان أسندت إليه إمارة مصر وهي تاج الولايات الإسلامية ، ومر حين من الدهر كان ابن أبي سرح هو الرجل الثالث في الدولة الإسلامية ، مع أنه الأظلم بنص القرآن ، ومع أنه الذي افترى على الله الكذب بنص القرآن ، ومع أنه موسوم بأنه عدو لله ولرسوله . فكيف بربك يطبق الإسلام من كان هذا وضعه ، وكيف يعلم المصريين دين الله .

هذه الكوادر الفنية التي حلت عرى الإسلام كلها ، وركزت المعالم الواقعية لعصر ما بعد النبوة ، ومن خلال البرامج التربوية والتعليمية التي فرضتها على المسلمين قرابة قرن من الزمان ، ومن خلال هذه المناهج خلطوا الأوراق خلطا عجيبا ، فبدلوا وعدلوا ، وباعدوا الهون بين الواقع المفروض وبين القانون الإلهي أو الشرعية الإلهية ، ولم يبق من الإسلام إلا كتاب الله ، وأهل بيت النبوة ، لمواجهة برامج تربوية وتعليمية مدعومة من دولة عظمى ، ومع اختلاط العرب بالأمم المغلوبة ، وامتزاج الحضارات بدأت الأذهان بالتفتح ، وبدأ الناس يتساءلون عن حجم الهوة بين الواقع والشرعية الإلهية ، فلم ير الخلفاء بدا من منع كتابة ورواية أحاديث رسول الله حتى لا يقف الناس على الحقائق الشرعية وحجم التناقض الهائل بين الواقع المفروض وبين أحكام الشريعة الإلهية ! !

 

( 1 ) ترجمة ابن أبي سرح في الاستيعاب ج 2 ص 378 ، والإصابة لابن حجر ج 2 ص 309 ، وأسد الغابة ج 3 ص 173  . ( * )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net