الفصل السادس : صار منع كتابة ورواية سنة الرسول هدفا من أهداف الخلفاء
لقد أمر أبو بكر المسلمين " بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا " ( 1 ) وإفصاحا عن مراده قام بحرق الأحاديث التي سمعها بنفسه من رسول الله وكتبها بخط يده " ( 2 ) وأمر الخليفة رعاياه بأن يجعلوا القرآن هو المرجع الوحيد لهم فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه " ( 3 ) وهكذا أخرج الخليفة الأول سنة رسول الله رسميا من واقع الحياة ! ! ! إذ لم تعد هنالك حاجة ولا أهمية لسنة الرسول بعد الذي فعله الخليفة الأول ! ! !
وعندما آلت الخلافة إلى عمر بن الخطاب اعتقد أن ما فعله الخليفة الأول بسنة الرسول غير كاف ولا مجد لذلك فقد صمم على أن يجتث سنة رسول الهل من الوجود ، فأوهم المسلمين أنه يريد أن يجمع سنة الرسول ، وكدليل على جديته استشار أصحاب رسول الله بذلك ، فأشاروا عليه بأن
|
( 1 ) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3 ، والأنوار الكاشفة ص 53 ، وتدوين السنة الشريفة ص 423 . ( 2 ) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5 ، وكنز العمال ج 10 ص 285 ، والاعتصام بحبل الله ج 1 ص 30 ، وتدوين السنة ص 264 . ( 3 ) المراجع السابقة 1 و 2 . ( * ) |
| |
يجمعها ، ثم ناشد الناس أن يأتوه بسنة رسول الله المكتوبة عندهم ( 1 ) حتى يستعين بها في مشروعه " جمع السنة " وناشد الناس أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم حتى ينظر فهيا ويقومها فأرسلت الأكثرية الساحقة من المسلمين سنة الرسول المكتوبة ، والكتب المحفوظة عندهم ، ولما وضعت بين يديه لم يقرأ صفحة واحدة منها ، إنما أمر بحرقها وحرقت فعلا ( 2 ) وبعد ذلك عمم الخليفة الثاني على كافة الأمصار الخاضعة لحكمه أن من كان عنده شئ منها فليمحه ( 3 ) .
وبعد أن تيقن الخليفة أنه قد أحرق سنة الرسول المكتوبة ، وأن ولاة الأمصار محو ما هو مكتوب منها عندهم ، ركز كافة جهوده على منع الرواية عن رسول الله ، فنهى علنا عن رواية أحاديث الرسول ( 4 ) وهدد من يروى عن رسول الله ( 5 ) ومن تاه وروى حديثا طالبه بالبينة وإلا ضربه ( 6 ) أو ضربه بالدرة أو حبسه ( 7 ) .
وهكذا نجح الخليفة الثاني باستبعاد سنة الرسول استبعادا تاما ، ونجح بفرض ذلك على رعايا دولته ، فصار إبعاد سنة الرسول من واقع الحياة العملية والاحتفاظ ب " القرآن " وحده هو الهدف المشترك للخليفة وولاته
|
( 1 ) تقييد العلم ص 79 ، ودفاع عدالته ص 21 ، وتدوين السنة ص 272 ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 140 ، وتدوين القرآن ص 371 . ( 2 ) المصدر السابق . ( 3 ) كنز العمال ج 10 ص 291 . ( 4 ) راجع بيان العلم ج 2 ص 147 ، وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 4 - 5 ، والطبقات لابن سعد ج 6 ص 7 ، وسنن الدارمي ج 1 ص 73 ، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 73 ، والمستدرك على الصحيحين ج 1 ص 110 ومعالم المدرستين ج 3 ص 45 ، وتدوين السنة ص 431 . ( 5 ) المحدث الفاضل ص 554 رقم 746 ، والبداية والنهاية ج 8 ص 160 ، وتدوين السنة ص 431 ، وأخبار المدينة ج 3 ص 8 . ( 6 ) صحيح مسلم ج 3 ص 1694 ، وموطأ مالك ج 2 ص 964 ، والرسالة للشافعي ص 430 ، والطبقات الكبرى ج 4 ف 1 ص 13 - 14 . ( 7 ) الكامل لابن عدي ج 1 ص 18 ، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 110 ، والذهبي من ذيل المستدرك ومجمع الزوائد ج 1 ص 149 ، وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 7 . ( * ) |
| |
وأوليائه ، وتبعا لتوجه الخليفة وأوليائه وولاته ، قل اهتمام الأكثرية الساحقة من المسلمين بسنة الرسول ، وقللوا من قيمتها ، وقل الاهتمام بها ، وأخذوا في تناسيها إلا في الحدود التي يراها الخليفة وولاته ! ! ! وصارت هذه السياسة الغاشمة إزاء سنة الرسول من المبادئ الكبرى التي حرص عليها كل الخلفاء ، والتزموا بها التزاما حرفيا .
فسنة الرسول هي التي يعترف عمر بها ، وما لا يعترف به عمر لا يعترف به الخلفاء ، فما أجازه عمر فهو سنة الرسول ، وما لم يجزه عمر فليس من سنة الرسول في شئ .
|