متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل السابع: منع الخلفاء لكتابة ورواية سنة الرسول ليس شاملا كل السنة
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

الفصل السابع : منع الخلفاء لكتابة ورواية سنة الرسول ليس شاملا كل السنة ! !

صحيح أن أبا بكر قد أحرق الأحاديث التي سمعها بأذنيه من رسول الله وكتبها بخط يده ، وصحيح أنه قد أمر المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الهل ، وصحيح أيضا أن عمر بن الخطاب قد أوهم الناس بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول وناشدهم أن يأتوه بها لهذه الغاية ، وصحيح أيضا بأنه قد ناشد الناس بأن يأتوه بالكتب الموجودة لديهم ، فلما تجمعت بين يديه أمر بحرقها وحرقت فعلا ، وصحيح أنه قد عمم على كافة الأقاليم الخاضعة لحكمه أن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه ، وصحيح أيضا أنه قد نهى عن كتابة سنة الرسول ، ونهى عن روايتها وحبس بعض الرواة ، وضرب بعضهم ، وتوعد بعضهم كما فصلنا ذلك في الفصل السابق .

ولكن المؤكد أن الخليفتين لم يقصدا المنع الشامل لكتابة ورواية سنة الرسول ، إنما قصدا منع كتابة ورواية سنة الرسول المتعلقة بالرئاسة العامة من بعده ، والمتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة ، والمتعلقة بالمنافقين وبأعداء الله ورسوله السابقين ، والمتعلقة بتحذيراته من مكر الذين سير تدون على

- ص 306 -

أعقابهم ، . . . الخ فلو فتحوا باب الرواية لاكتشف المسلمون سريعا بأن كل شئ ليس في محله الشرعي ، ولوقع الخلاف وانهارت دولتهم ، ولتهدم كل ما بنوه ولخسروا الدنيا والآخرة ، لذلك أرعبتهم سنة الرسول ، وخافوا منها ، لذلك صمموا أن يحرقوا المكتوب منها ، وأن يمنعوا المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الهل ، حتى لا يحدثوا في الأمور التي يخشاها الخلفاء وأعوانهم .

كان صعبا على الخليفتين أن يقولا : لا تحدثوا عن سنة الرسول المتعلقة بالرئاسة وبأهل البيت وبالمنافقين ، أو التي تحذر من أعداء الله السابقين أو من أولئك الذين سيرتدون على أعقابهم أو . . . الخ لأن ذلك سيزيد طينتهم بلة وسيعمق جراحاتهم ، ويعرض أمنهم للخاطر ، لذلك عمدوا للتعميم والغموض ولكنهم وأولياؤهم يعرفون ما هو الخطر من سنة رسول الله المكتوبة وغير المكتوبة . وبالرغم من أن عمر بن الخطاب ، قد شن حملة ضاربة على سنة رسول الله المكتوبة ، وغير المكتوبة إلا أنه قد أباح للمسلمين بأن يرووا عن رسول الله ما يعمل به ( 1 ) فليس لدى الخليفة عمر أو غيره ما يمنع من رواية سنة الرسول المتعلقة بالصلاة والصوم والحج وغيرها من العبادات ، لأن رواية سنة الرسول المتعلقة بمثل هذه الأمور لا تؤثر على حكمه ولا على نظامه ، ولا على المنافقين وأعداء الله السابقين الذي استعان بهم ! !

قال الدارمي في شرح لنهي عمر للوفد الذي أرسله للكوفة بأن لا يحدثوا عن رسول الله حتى لا يصدوا الناس عن القرآن : " معناه عندي الحديث عن أيام الرسول وليس السنن والفرائض " ( 2 ) .

 

( 1 ) البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107 .

( 2 ) سنن الدارمي ج 1 ص 73 ح 286  . ( * )  
 

- ص 307 -

وقال ابن عبد البر : " إن عمر إنما نهى عن الحديث عما لا يفيد حكما ولا يكون سنة " ( 1 ) جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن " صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت " قال فاستأذنا على عبد الله فدخلنا عليه قال فدفعنا إليه الصحية ، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء ، فقلنا يا أبا عبد الرحمن أنظر فيها ، فإن فيها أحاديثا حسانا فجعل يميثها فيها ويقول : ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القران ) " القلوب أوعية ، فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها ما سواه " ( 2 ) .

لقد كان معاوية واضحا في هذه الناحية كل الوضوح فقد حدد الغاية من منع كتابة ورواية الرسول وهي صد الناس عن الإمام علي وأهل بيت النبوة حتى لا يكتشف الناس بأن معاوية وطواقمه غاصبون ما ليس لهم ، وقد عالجنا هذا الموضوع في الفصول السابقة . أحيانا تتفق بعض نصوص سنة الرسول مع ما تهوى أنفس الخلفاء ، أو مع توجهاتهم فيمسكون بسنة الرسول ، ويعضوا عليها بالنواجذ ويعتبرون الرسول معصوما ، ولا ينطق عن الهوى ! ! ! فحتى لو كان النص غير صحيح ، أو غير ثابت ، فإنهم يتركون القرآن ويتبعون سنة الرسول ، عندما أرادوا أن يحرموا أهل بيت النبوة من تركة الرسول ، روى راو واحد بأن رسول الله قد قال : " إن الأنبياء لا يورثون " ( 3 ) عندئذ تمسك الخليفة الأول بسنة الرسول ، ومع أنه هو الذي أمر الناس بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا وأن يقول لمن يسأل عن شئ بيننا وبينكم كتاب الله ، إلا أن الخليفة قد استمات بالدفاع عن سنة الرسول فقالت له الزهراء : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) ، وكلاهما نبي ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) وهو نبي ، وقالت : ( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ

 

( 1 ) جامع بيان العلم ج 2 ص 121 .
( 2 ) تقييد العلم ص 54 ، وتدوين السنة ص 413 ، وعبد الله هو عبد الله بن مسعود
( 3 ) صحيح الترمذي ج 7 ص 111
، ومسند أحمد ج 1 ص 14 ح 60  ( * ) .

 
 

- ص 308 -

بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ) ومع هذا فقد أبى الخليفة أن يتزحزح عما توهم بأنه سنة الرسول ! ! لأن هذه السنة المزعومة تتفق مع توجهات الخليفة كذلك وعندما أراد الخليفة أن يحرم أهل بيت النبوة من حقهم في الخمس احتج بأنه قد سمع الرسول يقول : " سهم ذوي القربى للقربى حال حياتي وليس لهم بعد مماتي " ( 1 )

ومع أن هذا الحديث غير صحيح ، وأصحاب الحقوق لا يعرفونه إلا أن الخليفة قد تمسك به وأصر عليه ، وبموجبه حرم أهل بيت النبوة من حقهم الثابت في الخمس فالخليفة بهذين المثالين يترك القرآن نفسه ويتمسك بسنة الرسول لأنها تتفق مع ما يريد ، ومع توجهاته ! !

قال عمر الذي أحرق سنة الرسول المكتوبة ، ومنع الرواية عن رسول الله وحبس الرواية وتوعدهم وضربهم : " لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح بانيا استخلفته ووليته ، فإذا قدمت على ربي وسألني . . . قلت أي ربي سمعت عبدك ونبيك يقول لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ، ولو أدركت معاذ بن جبل استخلفته ، فإذا سألني ربي . . . قلت سمعت عبدك ونبيك يقول : إن معاذ بن جبل يأتي بين يدي العلماء يوم القيامة ! ! ولو أدركت خالد بن الوليد لوليته فإذا قدمت على ربي . . . قلت سمعت عبدك ونبيك يقول : خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله على المشركين " ( 2 ) .

أنت ترى أن الخليفة عمر يلتزم بالسنة بها ، فخالد بن الوليد توجهه ، ومع أن هذه السنة غير صحيحة لكنه يلتزم بها ، فخالد بن الوليد أسلم بعد صلح الحديبية ، وكان أحد أبرز قادة جبهة الشرك ولكن كان دوره بارزا في تثبيت الخلافة ، وله ميزة أخرى أنه كان من الحاقدين على علي بن أبي طالب ، وأهل بيت النبوة .

ويجدر بالذكر أن خالدا قد قتل عامل رسول الله وصاحبه مالك بن

 

( 1 ) شرح النهج ج 4 ص 82 ، وتاريخ الإسلام ج 1 ص 347 ، وكنز العمال ج 5 ص 367 .
( 2 ) الإمامة والسياسة لابن
قتيبة ج 1 ص 23 - 24  . ( * )

 
 

- ص 309 -

نويرة وتزويج امرأته يوم قتل زوجها دون عدة ، ويجدر بالذكر أيضا أن عمر بن الخطاب كان قد اقترح على أبي بكر أن يقيم الحد على خالد بن الوليد بقوله : " إن خالد زنى فارجمه " ( 1 )

إذا كانت سنة الرسول المزعومة تتفق مع توجهات الخلفاء وما تهوى أنفسهم ، فهي وجبة التطبيق حتى ولو تعارضت مع القرآن الكريم أما إذا كانت سنة الرسول تتعارض مع توجهات الخلفاء وما تهوى أنفسهم ، فسنة الرسول ممنوعة والقرآن وحده يكفي ! ! ! والرسول هنا بشر يتكلم في الغضب والرضا ، ولا ينبغي أن يحمل كلامه على محمل الجد ! ! فعندما أمر رسول الله أسامة طعن عمر بهذا التأمير ، ورأى أن تأمير الرسول لأسامة غير صحيح وغير مناسب ، وأخذ يحرض الناس على عدم الخروج ، وحتى بعد موت الرسول طلب عمر من أبي بكر أن يعزل أسامة ( 2 ) وعندما أراد الرسول أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية ، حال عمر وحزبه بين الرسول وبين كتابة ما أراد وقال أمامه وهو مريض : إن الرسول يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، كما وثقنا ، وكم بين الرسول أمام عمر من أحكام بالإمام علي ، لقد شهد عمر نفسه تنصيب الرسول للإمام علي خليفة من بعده ، وبايعه عمر وهنأه بالخلافة ، وبعد موت الرسول انقلب عليه ، وتنكر لكل ما قاله الرسول في الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين وأهل بيت النبوة ! ! ! لقد هم عمر بحرقهم وهم أحياء في اليوم الثاني لوفاة الرسول .

وأهلية أبي عبيدة وخالد للخلافة لا تكمن في ما قاله الرسول عنهما بل تكمن بمشاركتهما لعمر بالشروع بحرق بيت فاطمة بنت الرسول في

 

( 1 ) كنز العمال ج 3 ص 132 .
( 2 ) تاريخ الطبري ج 3 ص 226 ، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 و 236 ، وراجع ما كتبناه تحت عنوان " الصد العلني عن سنة الرسول وتحريض المسلمين على عدم اتباعها
" ( * ) .

 
 

- ص 310 -

اليوم الثاني لوفاة أبيها رسول الله ! ! !

كما وثقنا أكثر من مرة بالفصول السابقة ، وبعدائهما التام لأهل بيت النبوة ، وكراهيتهم بأن تؤول الرئاسة لأهل بيت النبوة ! ! كان هدفهم ينصب على طمس معالم السنة ، التي تكشف الحقائق الشرعية كشفا موضوعيا ، ونسوق مثالا آخر على موقفهم من سيرة الرسول ، فلو أباحوا للمسلمين كتابة سيرة الرسول بموضوعية وصدق وحياد لاكتشف المسلمون أن الإمام عليا كان هو فارس الإسلام في كل المواقع ، وحامل راية النبي ، وأنه هو الذي فتك بأعداء الله ، وأن آل محمد هو أول من قاتل ، وهم الذين حملوا الرسول قبل الهجرة ، فلولاهم لقتلت زعامة بطون قريش رسول الله ، ولما قامت للإسلام قائمة ، وسيكتشف المسلمون بأن الخلفاء لم يكن لهم أي دور مميز في أية معركة من المعارك التي جرت بين الكفر والإيمان ، ومع أن التاريخ قد كتب تحت إشرافهم إلا أنه لم يرو راو قط أن أحدا من الخلفاء قد قتل أو جرح أو أسر مشركا ! ! ! ولم يرو راو قط أن بني تيم أو بني عدي أو بني أمية هم الذين حموا رسول الله قبل الهجرة ، أو هم الذين حاربوا معه بعد الهجرة ، بل كل الرواة متفقون بإن هذه البطون وبقية قريش ال 23 هم الذين اتحدوا على مقاومة النبي وهم الذين اشتركوا بمحاصرة ومقاطعة الهاشميين في شعب أبي طالب ، وهم الذين تآمروا على قتل النبي بل وشرعوا بقتله ليلة الهجرة ، وهم الذين جيشوا الجيوش وحاربوا النبي بعد الهجرة ، ولم يتوقفوا عن حربه إلا بعد أن هزمهم الرسول .

لو عرف المسلمون ذلك ، لما وجدوا مبررا واحدا لتقدم الخلفاء وتأخر أهل بيت النبوة ، أو لإذلال الهاشميين ، وخلع أثواب العز على بقية بطون قريش ولما وجدوا مبررا لتقديم أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم على الإمام علي ! !

إن سنة الرسول هي التي تكشف الأصيل من الزائف والحق من الباطل ، وتحدد المواقع الشرعية للناس ، هذا هو سر عدائهم لسنة الرسول ، وخوفهم منها ، وهذا هو الهدف من محاولتهم المستميتة لطمسها .

- ص 311 -

كان سليمان بن عبد الملك وليا للعهد الأموي ، حج ذات سنة ومر بالمدينة ، وركب إلى مشاهد رسول الله ، فأمر إبان بن عثمان أن يكتب له سيرة الرسول ، فقال إبان : هي عندي قد أخذتها مصححة ، فأمر بنسخها ، ولما اطلع سليمان عليها ، ورأى ما فيها ، أمر بذلك الكتاب فحرق ، وعندما رجع إلى عاصمة ملكه ذكر ذلك لأبيه فقال عبد الملك : " وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فضل فيه ، تعرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها فقال سليمان : لقد أمرت بتحريق الكتاب فصوبه عبد الملك " ( 1 ) .

سليمان لا يدري أن رسول الله قد لعن جده مروان بن الحكم ، ولعن أباه الحكم بن العاص ووسمهم بأنهم أعداء الله ، وحذر منهم ، ولا يدري بأن أجداده وأقاربه هم الذين قادوا جبهة الشرك ، ولا أهل الشام ، ولا حديثو العهد بالإسلام يدرون بذلك ! ! فما هي مصلحتهم وما هي مصلحة الخلفاء بإباحة سنة الرسول التي تكشف ذلك ! ! إن مصلحتهم ومصلحة ملكهم تقضي بطمس سنة الرسول ، واعتبارها هي الخطر الداهم الذي يهدد ملكهم ومصالحهم ! ! !

طلب خالد القسري أحد ولاة بني أمية من أحد العلماء أن يكتب له سيرة الرسول ، فقال ذلك العالم : " فإنه يمر بي الشئ من سيرة علي بن أبي طالب أفأذكره ؟ فقال خالد : لا ، إلا أن تراه في قعر جهنم " ( 2 )

إذا تحدثوا عن سيرة الرسول أو سنة الرسول ، فإنهم يريدونها سيرة مزورة تخدم ملكهم ومصالحهم ، وتشهد لصالحهم زورا ، فإذا لم يتمكنوا من إيجاد مثل هذه السيرة أو السنة ، فلا داعي لسيرة ولا لسنة تشكل خطرا على دولتهم ووجودهم ، وتخدم أعداءهم الألداء آل محمد ومن والاهم ! ! !

 

( 1 ) الموفقيات للزبير بن البكار ص 22 - 223 .

( 2 ) الأغاني ج 22 ص 25 ، وتدوين السنة الشريفة ص 421  . ( * )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net