متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
سنة الرسول للتجميل و التبرير فقط !!
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

سنة الرسول للتجميل والتبرير فقط ! ! !

رأينا أن سنة الرسول قد استبعدت تماما من كافة الأمور المتعلقة بمنصب الخلافة ، أو بمن يخلف النبي ، ولم يطبق منها نص واحد ، ورأينا أن سنة الرسول المكتوبة والتي تمكن الخلفاء منها قد أحرقت ، وأن الخلفاء قد عمموا على كافة البلاد الخاضعة لحكمهم لمحو سنة الرسول ، ورأينا أن الخلفاء قد منعوا المسلمين من رواية أي شئ عن رسول الله ، وعاقبوا الرواة الذين لا يتقيدون بأوامرهم ولما استقرت سنة الخلفاء ، صار المتداول من سنة الرسول كالمتداول من سنة الخلفاء ، والمسلمون أحرار باتباع سنة الرسول أو سنة الخلفاء ، لأن السنتين بدرجة واحدة " اتبعوا سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " ، فسنة الخليفة الراشد كسنة الرسول واجبة الاتباع ، أما سنة الرسول غير المتداولة أو بتعبير أدق الممنوعة ، فمن غير الجائز العمل بها ، فلو أن أحدا من المسلمين قال للإمام علي ، أنت وليي يا أبا الحسن لأني سمعت رسول الله يقول : " من كنت وليه فهذا علي وليه " فإن سمعه الخليفة يذكر هذا الحديث النبوي ، فمن الجائز أن يتعرض هذا المسلم إلى الموت بسبب روايته لهذا النص من السنة النبوية المعارض لسنة الخلفاء ! ! ! ولكن لو قال أحد من المسلمين : إني سمعت رسول الله يقول " صلاة الصبح ركعتان " وسمعه الخليفة فلن يسأله ! ! ! .

ولكن لو أن أحد المسلمين قد قال بأن رسول الله قد صلى التراويح في غير جماعة ومات وهو على ذلك ، وسمعه الخليفة ، فقد يواجه هذا المسلم عقوبة الموت ، لأنه يتجه اتجاها معاكسا لسنة الخلفاء .

ومع هذا فقد كان الخلفاء وعمالهم يؤكدون وبكل وسائل التأكيد بأنهم ملتزمون بكتاب الله وسنة رسوله ، ويعلنون ذلك وبكل وسائل الإعلان

- ص 357 -

المعروفة ، لأن شعار الالتزام بالكتاب والسنة من ضرورات المحافظة على الملك ومن ضرورات توسعه ، وعندما كان بعض قواعد سنة الخلفاء تتعارض مع القواعد المعروفة لسنة الرسول ، كان أولياء الخلفاء يختلقون أحاديث على رسول الله تثبت أن سنة الخلفاء المتعارضة مع سنة الرسول ما هي في الحق والحقيقة إلا تطبيق لأمر رسول الله بدليل تلك الأحاديث المختلقة ، وهكذا تمثل الأحاديث الصحيحة حكم رسول الله ، وتمثل الأحاديث المختلقة حكم الخلفاء ، ولأن الدولة تملك وسائل التنفيذ والقسر فقد كانت ترجح الأحاديث التي كانت تخدم توجهاتها حتى وإن كانت مختلقة ، لقد كانت سنة الرسول من الناحية العملية واجهة تجميلية .

وأحيانا كانت سنة الرسول تستعمل كأداة تثبيتية لسلطة الخلفاء وأداة تشجيعية على الانقياد الأعمى والطاعة العمياء للخلفاء ، فكان أولياء الخلفاء يضعون أو يختلقون الأحاديث التي تحت المسلمين على طاعة الخلفاء مهما فعلوا ، وعلى الانقياد لهم وعدم معصيتهم مهما عملوا ، وتصور الطاعة العمياء والانقياد الأبله للخلفاء بصورة العبادات التي تقرب المطيع والمنقاد للخلفاء إلى الله زلفى ، وأثمرت هذه المختلقات والموضوعات ثقافة عامة أدت إلى قناعة عامة بوجوب طاعة الخلفاء .

قال النووي في شرحه بباب لزوم طاعة الأمراء في غير معصية ! ! " وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين : لا ينعزل الإمام بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة بذلك ، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين ، وقد تظافرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع الله السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق " ( 1 ) .

 

( 1 ) صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 229 وراجع سنن البيهقي ج 8 ص 158 - 159  . ( * )

 
 

- ص 358 -

وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني : قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث : لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال ، وضرب الابشار ، وتناول النفوس المحرمة ، وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود ، ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شئ مما يدعو إليه من معاصي الله ، واستدلوا على ذلك بأخبار كثيرة متظافرة عن النبي وعن الصحابة في وجوب طاعة الأئمة ، وإن جاروا واستأثروا بالأموال وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : " اسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع ، ولو لعبد حبشي وصلوا وراء كل بر وفاجر ، ورووا أيضا أنه قال " أطعهم وإن أكلوا مالك وخربوا ظهرك " ( 1 ) .

والأعظم من ذلك أن أولياء الخلفاء اعتبروا ارتكاب بعض الخلفاء وأوليائهم للجرائم الخطيرة ، والخروج الفاضح على كتاب الله وسنة رسوله من قبيل الاجتهاد ، وأن الخلفاء وعمالهم مأجورون أجرا واحدا على جرائمهم وخروجهم على كتاب الله وسنة رسوله ، لأنهم مجتهدون ، ووضعوا أحاديث على رسول الله تثبت هذه المزاعم الكاذبة ! ! قال أبو الخير الشافعي في حق يزيد بن معاوية الذي قتل الإمام الحسين ، وأباد أهل بيت النبوة في كربلاء ، واستباح مدينة الرسول ، وختم أعناق الصحابة وهدم الكعبة " ذلك إمام مجتهد " ( 2 ) .

ونقل ابن حجر في الصواعق المحرقة عن الغزالي والمتولي القول بأنه " لا يجوز لعن يزيد وتكفيره لأنه من جماعة المؤمنين " ( 3 ) .

وقال ابن حزم " إن معاوية ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجرا واحدا " ( 4 ) .

 

( 1 ) التمهيد للباقلاني .
( 2 ) تاريخ ابن كثير ج 13 ص 9 .

( 3 ) معالم المدرستين ج 2 ص 75 .
( 4 ) الفصل في الملل والأهواء والنحل علي بن حزم الأندلسي ج 4 ص 61
 . ( * )
 
 

- ص 359 -

ومن المثير حقا أن الذين أطاعوا الخلفاء ، والتزموا بسنتهم سموا بأهل السنة ، وأن الذين أخذوا على الخلفاء خروجهم على كتاب الله وسنة رسوله ، سموا شواذا ومبتدعة على حد تعبير ابن خلدون في مقدمته .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net