متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
تزييف التاريخ وسرقة نتائجه
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

تزييف التاريخ

آل محمد الذين التفوا حول النبي قبل الهجرة وحموه وحموا دعوته خلال تلك الفترة هم الذين وضعوا أساس التاريخ الإسلامي كله ، وتحملوا وحدهم أعباء المواجهة مع بطون قريش فحوصروا وحدهم من دون الناس جميعا ، وقوطعوا وحدهم من دون الناس أيضا ، وكان دور غيرهم من المسلمين مقتصرا على إعلان إسلامه فقط أو إخفاء هذا الإسلام ، أو الفرار بدينه حتى لا يفتنه المشركون ، أما المواجهة وحماية الداعية والدعوة فقد كانت مقتصرة على الهاشميين والمطلبيين ، تلك حقيقة مطلقة لا يماري بصحتها إلا جاهل ، أو ناصبي خبيث ، والحقيقة المطلقة الثانية أن أبا طلب هو الذي تولى قيادة عمليتي حماية الداعية والدعوة وهو الذي تصدى لزعامة البطون طوال الفترة التي سبقت الهجرة والتي امتدت حتى موت أبي طالب ، ولما مات أبو طالب سمى الرسول العام الذي مات فيه بعام الحزن ، وأخذ يعد العدة الهجرة إلى قوم يتولون حمايته وحماية دعوته ، والخلاصة أنه لولا الهاشميين والمطلبيين لما قامت الإسلام قائمة ولقتل النبي أو أجهضت الدعوة قبل الهجرة .

- ص 417 -

والحقيقة الثالثة أن آل محمد والفئة القليلة المؤمنة الذين التفوا حول النبي بعد الهجرة ، وخاصوا معه وتحت قيادته الحكيمة الملهمة كل معارك الإيمان مع الشرك ، هم وحدهم الذين صنعوا تاريخ الإسلام المجيد وكتبوه بجهادهم المميز سطرا سطرا وحرفا حرفا فخلقوا حالة من الانبهار العام لم يكن معها أمام بطون قريش خاصة والعرب عامة سوى الدخول في الإسلام أو مواجهة الموت والهزيمة النكراء ، فاضطرت زعامة بطون قريش التي قادت جبهة الشرك أن تتلفظ بالشهادتين وأن تسلم زرافات ووحدانا أو تتظاهر بالإسلام ، لتحقق بالحيلة والدهاء والتظاهر ما عجزت عن تحقيقه في ميادين المواجهة ، بعد أن اكتشفت بأن دعوة دين الله لا تقهر ! ! !

والخلاصة أنه وعلي أيدي آل محمد والفئة القليلة المؤمنة قد تم نصر الله والفتح ، وبأسيافهم وبطولاتهم الخارقة خضعت زعامة بطون قريش خاصة والعرب عامة للحق وهم كارهون ، ولولا هذه الطليعة المباركة لما تحقق الذي تحقق ولنغير وجه التاريخ تماما ، فصلاة الله وسلامه على محمد وآله محمد ، ورحمة الله ورضوانه على أصحابه المخلصين .


تزييف التاريخ وسرقة نتائجه

المفترض أن يكون لآل محمد والفئة القليلة المؤمنة الصادقة الذين صنعوا تاريخ الإسلام دور خاص في قيادة الدولة التي بنيت على أكتافهم وبسواعدهم ، وفي إدارتها ورسم سياستها العامة وهذا مفهوم بالفعل وبالضرورة وبتجارب البشرية قبل أن يفهم بروح الدين والنصوص الشرعية لكن حدث عكس ذلك فبعد موت النبي تم الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة والتغلب كما أشرنا في البحوث السابقة ، وبعد يوم واحد من وفاة النبي شرعت السلطة الجديدة بحرق آل محمد وهم أحياء كما وثقنا ، وجردتهم من ممتلكاتهم وكافة حقوقهم الاقتصادية ، وجردتهم من كافة حقوقهم السياسية حيث حرمت عليهم تولي الوظائف العامة ، وفرضت

- ص 418 -

عليهم الإقامة الجبرية ، وعزلتهم عن المجتمع ومراكز التأثير عزلا تاما ، وحالت بينهم وبين الناس فصاروا أذلة بعد عز ، أما الفئة المؤمنة ، فقد جردت من حقوقها السياسية وحرم على أفرادها تولي الوظائف العامة لأن السلطة الجديدة قد خشيت بأن يعود آل محمد إلى مركز الصدارة عن طريق الفئة المؤمنة التي تواليهم ، وفرضت السلطة الجديدة تعتيما كاملا على تاريخ الإسلام المجيد ، وعلى سجلات رجاله الحافلة بالأمجاد .

ولم تكتف السلطة الجديدة بذلك ، إنما استعانت بأعداء الله ورسوله السابقين الذين حذر منهم الرسول فولتهم المناصب الحساسة في الدولة ، فكانوا هم الأمراء والولاة وقادة الجند والعمال ، وأطلقت السلطة الجديدة يدهم في الأقاليم لينشروا ثقافة الانحراف ، وليقدموا الإسلام الذي يجهلون أحكامه وتاريخه ، وليسردوا على الشعوب تاريخ صراع الإسلام مع الشرك ، مع أن أولئك الولاة كانوا هم قادة جبهة الشرك ! ! والأعداء الألداء لله ولرسوله وللفئة المؤمنة ! ! وخلال فترة عمل أولئك الولاة تحدثوا بأحاديث باطلة ، مناقضة لكتاب الله وسنة رسوله ، ولتاريخ الإسلام ، وشاعت أحاديثهم ، وكونت الرأي العام ، وتحول الرأي العام الذي أو جدوه إلى قناعات لدى العامة .

وفي ما بعد تسربت بعض حقائق التاريخ الإسلامي ، ولكنها لم تعد كونها سطورا أو صفحات من مجلدات التاريخ الواهم الذي صنعه الولاة ووضعوه تحت إشرافهم ، وسوقت السلطة الحقائق القليلة والأباطيل الكثيرة معا ! ! ولنعرف حجم بشاعة هذا التزييف ، فإن أولياء الله وأعداءه على السواء يعرفون بأن علي بن أبي طالب هو أقرب الناس للنبي ، فهو ابن عمه الشقيق وزوج ابنته البتول ، ووالد سبطيه ، ويعرف الجميع سجله الحافل بالأمجاد فهو فارس الإسلام الأوحد الذي لم يقهر في حرب قط ، وحامل راية الرسول في كل المواقع ، وهو الولي والخليفة والوصي بالنص الشرعي ،

- ص 419 -

وهو مولى كل مؤمن ومؤمنة . . . الخ من المراتب السنية التي خلعها الله ورسوله على الإمام ، ومع هذا فقد مر حين من الدهر كان فيه الإمام علي يشتم ويلعن على المنابر ، وشتم الإمام ولعنه جزء لا يتجزأ من خطبة الجمعة وخطبة العيدين ! ! وتشترك بلعن الإمام وشتمه الأمة الإسلامية كلها رغبة أو رهبة ! ! وكانت محبة الإمام أو موالاته من جرائم الخيانة العظمى التي يعاقب مرتكبها بالموت ! ! وكانت الأمة الإسلامية تعتقد أو تتظاهر بالاعتقاد بأن الإمام علي بن أبي طالب هو العدو الألد لله ولرسوله وللمؤمنين ! ! ! كل ذلك تنفيذا لأوامر معاوية بن أبي سفيان ، وابتغاء لمرضاته ، وطمعا بما في يديه من أموال المسلمين التي استولى عليها بعد أن أخرجها عن مصارفها الشرعية وخصصها لتدعيم ملكه وترسيخه وتوسيعه .

مع أنه لا خلاف بين اثنين من المسلمين على تاريخ معاوية في الدين والتاريخ ، فهو ابن آكلة الأكباد بلا خلاف ، وأبوه رأس الأحزاب ، ومعاوية وأبوه وإخوته وبنو عمومته هم الذين وحدوا بطون قريش لمقاومة النبي ودعوته قبل الهجرة ، وهم الذين عبأوا هذه البطون ، وألبوا العرب على رسول الله وعلى الإسلام ، وهم الذين جيشوا الجيوش وحاربوا رسول الله بكل وسائل الحرب بعد الهجرة ، ولم يتوقفوا عن حرب الرسول إلا بعد أن أحاط بهم ، وأتاهم بما لا قبل لهم به ، هنالك فقط استسلموا ، واضطروا مكرهين أن يتلفظوا بالشهادتين ، فسماهم الرسول بالطلقاء ، واعتبرهم من المؤلفة قلوبهم ، وحذر الرسول من شرورهم قبل موته كما وثقنا ، وتلك حقائق لا يماري بها إلا الجاهلون ! !

وبالرغم من هذا التاريخ الحافل بالعداء لله ولرسوله وللمؤمنين فقد ولى الخلفاء الأول معاوية على بلاد الشام وهي تاج ولايات الدولة الإسلامية ، وأطلقوا يده فيها طوال عشرين عاما ليتصرف كملك حقيقي بلا رقيب ولا حسيب ، في الوقت الذي جردوا فيه الإمام وأولياءه خلال تلك السنين من كافة حقوقهم السياسية والاقتصادية .

- ص 420 -

ولما آلت الخلافة إلى الإمام علي بالطريق التي آلت فيها إلى الخلفاء الثلاثة الأول ، كانت ولايات الدولة كلها تحت أمرة الطلقاء والمؤلفة قلوبهم وأصحاب السجلات الحافلة بمعاداة الله ورسوله عندئذ انبرى له معاوية الذي أكمل استعداداته وادعى بأنه أولى منه بالخلافة ! ! !

وتمكن معاوية بالتقتيل والتطريد والتشريد والتنكيل وتبذير أموال المسلمين من الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة والقهر والتغلب ، وتحويل الخلافة إلى ملك أموي خالص يتوارثه أبناؤه وأقرباؤه من بعده ! ! وبعد أن غلب الأمة ، وسلب منها أمرها دون مشورة أصدر مراسيمه الجائرة ومنها مرسوم شتم الإمام ولعنه ومطاردة أولياء أهل بيت النبوة ، واستمر العمل بتلك المراسيم البربرية حتى عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فألغى كافة هذه المراسيم ! ! وبعد أن ألغى عمر بن عبد العزيز تلك المراسيم رغما عن إرادة النواصب اعتبر فقهاء الدولة ، أن مراسيم اللعن ومطاردة أهل بيت النبوة كانت من قبيل " الاجتهاد " ليس إلا ! ! !

وأن الحروب الطاحنة التي شنها معاوية على الإمام الشرعي ما هي أيضا إلا اجتهاد ! ! ! وصراع بين " صحابيين " هما " علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان " " رضي الله عنهما " وهكذا ترضى الفقهاء عن علي تبعا لترضي الدولة عليه ، وكانوا بالأمس قد لعنوه وأفتوا بلعنه والبراءة منه عملا بأمر الدولة ! ! لأنهم ليسوا أكثر من دمى أو حجارة شطرنج تلعب بهم الدولة المتغلبة كما تشاء ، فلو أن الدولة قد أمرتهم بلعن رسول الله نفسه لنفذوا أمرها ، ولأوجدوا لهذا الأمر عذرا ! ! لقد سبوا رسول الله فعلا كما قالت أم المؤمنين أم سلمة ، فهم يعرفون قولا مستفيضا عن رسول الله " من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله " .

وبالرغم من أن تلك الأفعال لا يمكن الاعتذار عنها إلا أنهم قد ادعوا بأنها من أفعال البر والخير ! ! التي تستوجب رضا الله وأجره ، وأن معاوية

- ص 421 -

ومن معه كانوا مجتهدين والمجتهد مأجور سواء أخطأ أم أصاب ! !

واختلقوا حديثا على رسول الله مفاده " أن أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم " وبما أن معاوية من الصحابة فإن كافة أفاعيله هي من قبيل الاجتهاد ، وأن الذين أطاعوه وانتهكوا كل محرم في سبيل طاعته وتنفيذ أوامره كانوا من المهتدين ! ! !

والخلاصة حسب رأيهم فإنه لا فرق إطلاقا بين علي ومعاوية على حد تعبير وفتوى ابن تيمية ! ! ! ولا فرق بين من يتبع إمام الهدى أو من يتبع إمام الضلالة ! ! وهكذا جعل الآخر كالأول ، وولي الله كعدوه ! ! ومن نصر الله ورسوله في كل المواقع تماما كمن حارب الله ورسوله في كل المواقع ! ! وساروا بين من يقترف المحرمات وبين من يعمل الصالحات ! ! وعمموا هذه الأفكار المنحرفة حتى صارت قناعات مطلقة لدى العامة ! ! !

وهكذا خلطوا الحق بالباطل ، والحابل بالنابل ، والدين بالتاريخ وسوقوا الجميع معا ، فإما أن تقبل هذه الصفقة فتكون مسلما ، أو تترك الباطل وتأخذ الحق وحده فتكون كافرا ! ! لأنهم أعطوا أنفسهم صلاحية إصدار صكوك الأجر والغفران ! !


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net