متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
7 - المراجعات ، أبحاث جديدة في أصول المذهب و الإمامة العامة
الكتاب : نظرات في الكتب الخالدة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

 7 - المراجعات أبحاث جديدة في أصول المذهب والإمامة العامة .
----------------------------- ص 88 -----------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
----------------------------- ص 89 -----------------------------

نحمد اللهم ونستعينك ونستهديك في القول والعمل فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، ونصلي ونسلم على سيد أنبيائك ورسلك محمد بن عبد الله منقذ الإنسانية من دياجير الظلام والضلال إلى معارج النور والإيمان .

وبعد فهذا سفر عظيم كتبه علمان من أعلام الإسلام في صورة حوار علمي أصيل اتصف بالنزاهة والموضوعية والبعد عن سفساف القول وهجره واتصف بالإخلاص الجم من الأصول إلى الحقيقة مبرأة من كل غرض سواها ، والحقيقة هي الحكمة والعلم قرنا يطلبهما المؤمن أنى وجدهما .

كان هذا الحوار يجري بين عالمين جليلين يمثلان شطري أمة محمد ( ص ) السنة والشيعة وكان لكل منهما خطره ومكانته في مذهبه علما وخلقا وأدبا وبكل ما تتضمنه هذه الكلمات من معنى .
 الأول منهما العالم الجليل الشيخ سليم البشري شيخ الإسلام وعمدة المحدثين في مصر .
 والثاني : السيد الشريف صاحب السماحة العلامة الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين شيخ علماء الشيعة وإمام الحفاظ والمحدثين في لبنان .

الأمر الذي جعل لهذا الحوار خطره وأثره في هذا العصر الذي جرى فيه وفي عصرنا الذي نعيشه وفي الأجيال التي تأتي بعد ذلك . ومن عادة المتناظرين أن يصر كل منهما على الانتصار على خصمه وأن يدحض

- ص 90 -

حججه بحجج أقوى منها حتى لا يترك له مجالا من الانتصار والغلبة ، ولكننا رأينا في هذين المتناظرين شيئا جديدا لا نكاد نألفه إلا في المنهج الإسلامي في فن المناظرة والجدل ، ذلك المنهج هو إصرار كل من الباحثين على الوصول إلى الحقيقة أنى وجدها فلم يكن أحدهما يبغي من المناظرة الكيد لصاحبه أو النيل من علمه أو حتى مجرد الفوق عليه بقدر ما يطمع من الوصول إلى الحقيقة ولو كانت متمثلة في حجة صاحبه .

الأمر الذي حدا بهما إلى حوار علمي منظم يهدي إلى الحق ويأخذ بأيديهما وأيدي القراء إلى المنهج الإسلامي السليم وهو ما سنبسطه للقارئ في صدر هذه العجالة .

ومن عادة المتناظرين - أيضا - أن يهدفا إلى الأسلوب العلمي وحده ليصلا إلى الحقيقة من أقرب طريق ، ولكن صاحبينا الجليلين مزجا بين الأسلوبين العلمي والأدبي ، فكان حوارهما دائرة معارف واسعة يستلهم منها القارئ حقائق المذهبين السني والشيعي كما يستلهم منهما أفضل ما عرف من الأساليب الأدبية في مستهل القرن - الرابع عشر - وذلك ما جعل من هذا الكتاب حقلا واسعا وروضة فيحاء يجد فيها القراء كل ما يروقهم من ثمار للعلم وفوائد الأدب ويجعل من الكتاب ركنا ركينا في مكتبتنا الإسلامية ومكتبتنا العربية . وقد استغرق هذا الحوار القيم مائة واثنتى عشرة حلقة جرت بين هذين العالمين الجليلين وكان ذلك في أوائل القرن الرابع عشر الهجري في المدة ما بين ( ذي القعدة 1329 ه‍ ، وجمادى الأولى 1333 ه‍ ) . وقيمة هذا الكتاب تتجلى أكثر ما تتجلى في الظروف التي ظهر فيها حين

- ص 91 -

خرج إلى النور يقرأه السني والشيعي ، ذلك أن هذا الكتاب خرج به مؤلفه في أوائل القرن الرابع عشر خلال العقدين الثالث والرابع ، في فترة عصيبة كان فيها المستعمر يعبث بمقدرات الأمة العربية ولم يجد طريقا إلى تحقيق رغباته الدنيئة إلا ببث الفرقة بين المسلمين واستغلاله هذه الخلافات المذهبة من أجل تحطيم صرح العروبة والإسلام .

وقد بلغ التصدع مبلغه في أوائل هذا القرن وقد كانت له جذور عميقة منذ العصر الأموي حين افترق المسلمون في أواسط القرن الأول إلى معسكرين ، المعسكر الأول بقيادة يزيد بن معاوية ، والمعسكر الثاني بقيادة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وقد استفحل الخلاف بين المعسكرين حين استشهد الحسين عليه السلام في موقعة كربلاء ، وظل الخلاف بين المعسكرين طوال العصرين الأموي والعباسي يدور حول الحياة السياسية ونظام الحكم ولا يكاد يمس العقيدة إلا في القليل ولم يكن من رجال الفريقين من يجرؤ على تكفير صاحبه إلا نادرا فلما انقضى العصر العباسي بغلبة المغول على دار الخلافة استحالت هذه الخلافات السياسية إلى خلافات مذهبية تمس الفروع وتتأول قضايا الفقه الإسلامي المستمد من القرآن والسنة .

وعلى الرغم من أن التشريع الإسلامي يعتمد على هذين المصدرين الرئيسيين إلا أن ذلك لم يكن كافيا للقضاء على هذه الخلافات ، لأن كل فريق كان يعتمد مروياته ولا يعتمد بما يرويه الفريق الآخر فالشيعة لا يعتمدون إلا على ما يروى عن أئمتهم من آل البيت ، ولا يحفلون بمرويات غيرهم إلا نادرا - اعتمادا على أن النبي هم أعرف بكلام جدهم من غيرهم على حد تعبيرهم ( أصحاب الدار أدرى بما فيه ) - والسنة يرون أن رواية الحديث فن له رجاله المتخصصون في علوم الحديث ، وعلم الجرح والتعديل ،

- ص 92 -

وأن الأئمة ممن يوثق فيهم ويتبرك الناس بآثارهم ويتأسون بأخلاقهم إلا أن رواية الحديث لها رجالها المتخصصون فلا تقصر عليهم دون غيرهم وإن كان هذا الاعتراض أجاب عنه الإمامية بأن لديهم ما لدى أهل السنة من الرجال المتخصصين في علوم الحديث وعلم الجرح والتعديل ناهيك بأن في الكتب الستة عند أهل السنة كثير جدا من الرواة المعتمدين عند الشيعة كالسدي ، والجعفي ، والنخعي ، وشعبة بن الحجاج ، وطاووس بن كيسان ، وعبد الرزاق المحدث وعلي بن المنذر شيخ الترمذي والنسائي وغيرهم ممن نص عليهم الإمام شرف الدين في كتابه .

وقد كان للخلافات السياسية التي منيت بها الأمة العربية والإسلامية في الداخل وعبث المستعمر وألاعيبه في الخارج أثر وأي أثر في بث الفرقة والعداوة مما حمل كل فريق على تكفير الفريق الآخر وظل هذا البلاء ينخر في صفوف المسلمين ردحا طويلا في أوائل هذا القرن .

وقد لعب التصوف - في هذه الفترة من تاريخ الإسلام - دورا خطيرا حدث ذلك حين بلغ التصوف غاية لا تسامقها غاية من حيث التطور السلوكي ، وتعدد الطرق الصوفية التي بلغت فوق المائة .

ولعل هذا التطور المفاجئ الذي بلغه التصوف في أوائل هذا القرن يرجع إلى ما مني به المسلمون من فقد للسلطان المادي فلجاؤا إلى السلطان الروحي يهرعون إليه يستعيضون به عما فقدوه في هذه الفترة العصيبة التي كان فيها التصوف يوم ذلك أشبه بالواحة التي يستروح فيها المسافر من عنت السفر ومشاق الطريق ، فأقبل عليه الكثيرون يلتمسون فيه المتنفس الروحي حين فقدوا السلطان المادي .

- ص 93 -

أقول : لولا التصوف وطرقه العديدة في هذه الفترة ، لكانت أسباب الفرقة بين السنة والشيعة أعمق وأشد مما كانت ، ولكن المتصوفة بفضل ما استلهموه من آداب الإسلام ، وأخلاق النبي الأعظم وما عرفوا به من تواضع ونبذ للعصبيات ، وعزوف عن وضر الدنيا وزخارفها كانوا أشبه بصمام الأمن بين شقي أمة محمد عليه السلام ، حين كانوا - بحكم طبيعة سلوكهم - دعاة للتآخي والتراحم ، عاملين بالكتاب والسنة .

ولكن الاتجاه للصوفي وحده لا يكفي لعلاج أسباب الفرقة وقتل الخلافات المذهبية : لأنه يعتمد أكثر ما يعتمد على الأساليب في علاج المشاكل التي أشعلها المستعمر ونفخ في أوارها بين الفريقين .
ومن ثم كان لا بد لهذا الموقف من وثبة إصلاحية ونهضة علمية تعالج أسباب الخلاف علاجا جذريا .

عند ذلك ينبري هذان العلمان من بين المعسكرين السني والشيعي في فترة من أحلك الفترات التي حدثناك عنها وقد جاءا في عصر كان الفكر الإسلامي فيه أحوج ما يكون إلى من يرأب هذا الصدع ويصلح هذا الخلل الذي تدخلت فيه كل هذه العوالم السالفة لهدم الوحدة الإسلامية وكأن عناية الله سبحانه لهذه الأمة التي يقول عنها سيد الأنبياء : لم تعط أمة من اليقين ما أعطيت أمتي ، أن يقيض هذين العاملين ليتربعا على عرش الفكر الإسلامي في مطلع هذا في وقت أحوج ما يكون فيه الإسلام لمن يدير أموره ويوحد صفوفه ، ومن ثم كان هذا الكتاب الجليل لبنة متينة في التقريب بين شطري المسلمين ، وإزالة أسباب الخلافات المذهبية بينهما .

لقد تعرض الكتاب لعدة موضوعات لا يزال الشيعة يعتبرونها أصلا أصيلا

- ص 94 -

في صلب مذهبهم في مقدمتها النص على الخلافة لعلي ، وعصمة الأئمة من آل الزهراء وعلي عليهما سلام الله وبركاته وما يراه إخوانهم أهل السنة من أن حتمية النص ليست ملزمة إلا في العبادات وإلا كان ذلك داعيا إلى تفسيق بعض الصحابة وهذا أمر جال نهى عنه النبي وحذر منه غاية التحذير وقد قال قالته المشهورة في نظام الحكم : ( أطيعوهم ما أقاموا الصلاة فيكم ) كذلك ما يراه أهل السنة من أن العصمة اصطلاح لا يجوز إطلاقه إلا على السادة الأنبياء عليهم السلام كما تعرض الكتاب لأمور كثيرة التقى عندها الطرفان منها مصادر التشريع من أحاديث النبي وقد أثبت العلامة السيد شرف الدين أن كوكبة المحدثين عند الشيعة وأسانيدهم مما هو موجود بنصه في مصادر الحديث عند السنة .

وذلك وحده من أعظم الأسباب الداعية إلى القضاء على العصبيات الفقهية ، والخلافات بين الفريقين ، ولا نكاد نجد بعد ذلك إلا خلافات فقهية تقع في دائرة الفروع ولا تتجاوز المسائل الفرعية في الفقه كالمسح على الرجلين في الوضوء ورد المصلي السلام على من يلقيه عليه بلفظه ، مما له شاهد من السنة السمحاء ، ولوقع هذه المسائل الفقهية بين الشيعة والسنة أشبه - في نظر المنهج العلمي الحديث - بالخلافات الفرعية بين المذاهب الأربعة عند السنة ونحن - اليوم - ندعو أن تكون نظر أهل السنة إلى ( الشيعة الإمامة ) نظرة فقهية بحتة بعيدة عن العصبيات ، وأن ينظر إلى الخلافات الفقهية بينا وبينهم نظرنا إلى الخلافات بين الأحناف والمالكية ، والشافعية والحنابلة ، وبذلك تضيق شقة الخلاف بين ( الشيعة والسنة ) وتزول هذه العصبيات البغيضة إلى الأبد وعند ذلك نكون قد وفينا ما أمر الله به في كتابه الكريم

- ص 95 -

من توحيد الصف الإسلامي ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) وقوله : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) وقوله : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ ) وبهذا وحده نقضي على الذنوب القلبية كالحسد ، والحقد ، والنفاق ، ولا سيما إشاعة الفرقة - ذات البين - بين صفوف المسلمين وهذه من أعظم النواهي التي نهى عنها النبي ، وخوف الأمة منها ووصفها بالحالقة ، التي لا تبقي ولا تذر .

وقد أقر ابن عمنا الشريف فيما رواه في هذا السفر الجليل عن سلمة الجعفي : يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعوننا حقنا ، فما تأمرنا ؟ فقال : اسمعوا وأطيعوا ، فإن عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم وقال صلوات الله عليه وآله : في حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - يكون بعد أئمة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون ، بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ، قال حذيفة قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك ، فاسمع له وأطع .

وهكذا ينبغي أن لا نتعدى هذا الأحكام العادلة في موقفنا من الصحابة وأن نفرق بين النقد الأخلاقي ، والنقد السياسي ، وألا نمنع الأخير ولا نحرمه وقد أقره السلف ولو أننا منعنا جواز النقد من الوجهة السياسية فإننا نكون قد خالفنا

- ص 96 -

ما أجازه السلف والأشاعرة وهم جهابذة أهل السنة ، وسفهنا أقوال المؤرخين ورميناهم بالفسوق والعصيان وكان عليهم أن يحرقوا ما كتبوه ويمحوا ما سجلوه وهذا ما لا يقول به عاقل .

إن هذه النفحة المدوية التي أحدثها هذا الكتاب الجليل ، وهو يصرخ في أذن كل سني وشيعي أن : تقاربوا وتآلفوا بآداب النبي عليه السلام واعملوا بما أمر به الله ونبيه من تراحم وتوادد وتآزر وتعاطف ، كان لها أثرها وليس أدل على أثر هذا الكتاب في جيلنا السالف وجيلنا المعاصر ، من ظهور جماعة من قادة الفكر في مصر والعراق وإيران وغيرها من البلاد الإسلامية دعوا إلى التقريب بين المذاهب في مصر وإيران وقد حملت هذه الجمعية مشعل الدعوة وظهرت لها مجلات ونشرات دورية أعادت إلى الأذهان سيرة السلف الصالح وصدقت قول النبي فيما أخبر به من أحاديث المغيبات ( أمتي أمة مباركة لا يدرى أولها خير أو آخرها ) ( 1 ) وقوله : : ( ما أعطيت أمة من اليقين ما أعطيت أمتي ) وقوله : ( ليدركن الرجال قوما مثلكم أو خيرا منكم ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها ) رواه جبير بن نضير وأخرجه الحاكم في مستدركه .

وبعد فإني لا أنسى في ختام هذه العجالة أن أذكر بالتقدير أخي في الله

 

 1 - الجامع الصغير 1 / 109

 
 

- ص 97 -

السيد مرتضى الرضوي على ما بذله من جهد طيب في نشر هذا الكتاب الجليل ، وإخراجه في صورة محققة للقارئ المسلم في مشارق الأرض ومغاربها والكتاب خير هدية تهدى إلى كل مسلم منصف يدعو إلى التقريب ونبذ الخلاف .

الأمر الذي دعونا إليه - احتسابا بالله وحده - منذ ربع قرن ، وهو ما يحملنا على أن نغبط أخانا الناشر في نشر هذا الكتاب وأمثاله ، هدانا الله وإياه إلى ما يحبه ويرضاه وطهر ألسنتنا عن زيف القول وهجره وجعل أعمالنا وأقوالنا خالصة لوجهه تعالى .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net