متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
9 - الصحابة في نظر الشيعة الإمامية
الكتاب : نظرات في الكتب الخالدة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

 9 - الصحابة في نظر الشيعة الإمامية
----------------------------- ص 108 -----------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
----------------------------- ص 109 -----------------------------

في رحلتي إلى القاهرة في عام 1398 ه‍ ذهبت لزيارة الأخ الأستاذ الكبير الدكتور حامد حفني داود وكان ذلك في أوائل شهر شعبان المعظم وكنت قبل عامين طلبت منه أن يكتب تقديما لكتاب : ( مع الخطيب في خطوطه العريضة ) للكتاب الإسلامي الكبير العلامة الشيخ لطف الله الصافي وقد فقد مع الأسف ذلك التقديم وإن لعلي علم من أن الدكتور حامد يحتفظ بمسودات كل ما يكتب وينشر وهو حريص على حفظها وإذا بي أفق على تقديم لكتاب : ( الصحابة في نظر الإمامية ) للعلامة الكبير الشيخ أسد حيدر وكنت قد طلبته منه قبل ثلاثة عشر عاما وقد قدمته إلى الرقابة في العراق قبل الطبع مع كتابين آخرين أحد ما : ( مع الشيخ أبي زهرة في كتابه الإمام الصادق ) .

وكان قد قدم لهذا الكتاب : فضيلة الأستاذ الكبير عبد الكريم الخطيب صاحب المؤلفات الخالدة وأما الثاني فلا يخطر على بالي الآن وقد ضاعف الكتب الثلاثة مع تقديم الأساتذة لها على يد شيخ عبد عاتي ويا للأسف في ذلك الوقت كان هذا الشيخ مراقب المطبوعات وعلى كثرة مراجعتي له وإلحاحي عليه بإعادة الكتب أجاب : الكتب استلمها الشيخ أسد حيدر - قال هذا لأن الكتب الثلاثة كانت بقلم الأستاذ الكبير والكاتب الإسلامي الجليل الشيخ أسد حيدر - وبعد هذا راجعت أستاذنا الشيخ أسد حيدر وأخبرته بما قاله : العاتي فأجاب بالنفي وهذا نص ما كتبه الدكتور حامد قبل أعوام :

- ص 110 -

في أغسطس من عام 1965 م زارني الناشر العراقي السيد مرتضى الرضوي وأطلعني على سلسلة ( بحوث إسلامية ) منها : ( المذهب الجعفري : نشأته وعوامل انتشاره و ( الشيعة وفنون الإسلام ) و ( القرآن والعقيدة ) و ( رجال الصحاح من الشيعة ) و ( الزهراء ) و ( مع الشيخ أبي زهرة في كتابه : الإمام الصادق و ( الصحابة في نظر الشيعة الإمامية ) و ( آراء الإمامية في مباحث الفقه الإسلامي ) .

وقد طلب من السيد مرتضى أن أكتب مقدمة لبحث من أبحاث هذه السلسلة أصل فيها بين القراء والكتاب ، وأقرب فيها بين وجهات النظر بين الشيعة والسنة فاخترت من بينها كتاب : ( الصحابة في نظر الإمامية ).

وعلى الرغم من أنه موضوع معقد في تفريعاته صعب في إصدار الأحكام فإن رغبتي الملحة في تقريب وجهات النظر بين الشيعة والسنة - وهم أهل قبلة واحدة - حملتني على أن أركب الصعب وأذلل العقبات وأن أبدأ الموضوع بدءا جذريا يتجه إلى الأعماق في توضيح عقيدة أهل القلبة وينفى منهم إصر الفوارق التي صنعها المغرضون من الطرفين ونماها المستعمرون ليفرقوا بين طوائف المسلمين وعساني بالله وحده أصل إلى ما أريد من تقريب وجهات النظر ، في الوقت الذي أعترف فيه بأني أسير لأخي الناشر وصنيعه الطيب في نشر هذه

- ص 111 -

الأبحاث القيمة مقرونة بمقدمات ضافية كتبت بأقلام مشاهير الكتاب في الجمهورية العربية المتحدة وكم للسيد مرتضى من يد بيضاء على الدراسات الإسلامية يحمدها له الجميع .

- 2 - لعل من أشق المسائل العلمية التي اعترضت الباحثين في العقيدة والشريعة والحقيقة موضوع ( عدالة الصحابة ) من انطباقها كحكم عام على جميع أفراد الصحابة أو قصرها على بعضهم دون البعض وقديما تعرض لها المعتزلة فيما تعرضوا له من مسائل العقيدة ، ولم يكتفوا فيما تعرضوا له بعامة الصحابة بل تعرضوا للخلفاء أنفسهم ، وكان لهم في ذلك خصوم ومؤيدون .

وقد كان موضوع نقد الصحابة قاصرا - في القرون الأولى - على الراسخين في العلم وبخاصة علماء المعتزلة ، وسبقهم في هذا الاتجاه رؤوس الشيعة وزعماء المتعصبين لآل محمد .

وسبق أن أشرت في غير هذا الموضع أن علماء الكلام وشيوخ المعتزلة كانوا عالة على زعماء الشيعة منذ القرن الهجري الأول وعليه فقضية ( نقد الصحابة ) إنما هي وليدة التشيع لآل محمد ، ولكنها كانت وليد التشيع لا لذات التشيع .

- ص 112 -

بل لأن المتشيعين لآل محمد عرفوا بتبحرهم في علوم العقائد بسبب ما نهلوا من موارد أئمة آل البيت وهم المصدر الأصيل والمعين الفياض الذي نهلت منه الثقافات الإسلامية منذ صدر الإسلام إلى اليوم .
يرى أهل السنة : أن الصحابة كلهم عدول ، وأنهم جميعا مشتركون في العدالة وأن اختلفوا في درجتها .
وأن من كفر صحابيا فهو كافر ومن فسقه فهو فاسق .
وأن من طعن في صحابي فكأنما طعن على رسول الله .
وأن من طعن على حضرة الرسول عليه السلام فهو زنديق بل كافر ويرى جهابذة أهل السنة أيضا أنه لا يجوز الخوض فيما جرى بين علي رضي الله عنه ومعاوية من أحداث التاريخ .
وأن من الصحابة من اجتهد وأصاب وهو ( علي ) ومن نحا نحوه وأن منهم من اجتهد وأخطأ مثل معاوية وعائشة رضي الله عنها ومن نحا نحوهما .

وأنه ينبغي - في نظر أهل السنة - الوقوف والإمساك عند هذا الحكم دون التعرض لذكر المثالب .

ونهوا عن سب معاوية باعتباره صحابيا ، وشدوا النكير على من سب عائشة باعتبارها أم المؤمنين الثانية بعد خديجة وباعتبارها حب رسول الله وما زاد على ذلك فينبغي ترك الخوض فيه وإرجاء أمر إلى الله سبحانه : وفي ذلك يقول أبو الحسن البصري وسعيد بن المسيب : تلك أمور طهر الله منها أيدينا وسيوفنا فلنظهر منها ألستنا .

- ص 113 -

هذه خلاصة آراء أهل السنة في عدالة الصحابة وفيما ينبغي أن نقف منهم .

- 3 - أما الشيعة فيرون أن الصحابة كغيرهم تماما لا فرق بينهم وبين من جاء بعدهم من المسلمين إلى يوم القيامة .
وذلك من حيث خضوعهم لميزان واحد هو ميزان العدالة الذي توزن به أفعال الصحابة كما توزن به أفعال من جاء من بعدهم من الأجيال وأن الصحبة لا تعطي لصاحبها منقبة إلا إذا كان أهلا لهذه المنقبة وكان لديه الاستعداد للقيام برسالة صاحب الشريعة ( ص ) وأن منهم المعصومين كالأئمة الذين نعموا بصحبة الرسول عليه السلام كعلي وابنيه عليهم السلام .
ومنهم العدول وهم : الذين أحسنوا الصحبة لعلي بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى .
ومنهم المجتهد المصيب ، ومنهم المجتهد المخطئ .
ومنهم الفاسق ، ومنهم الزنديق - وهو أقبح من الفاسق وأشد نكالا - ويدخل دائرة الزنديق المنافقون والذين يعبدون الله على حرف كما أن منهم الكفار وهم الذين لم يتوبوا من نفاقهم والذين ارتدوا بعد الإسلام .

ومعنى هذا أن الشيعة - وهم شطر عظيم من أهل القبلة - يضعون جميع المسلمين في ميزان واحد ولا يفرقون بين صحابي وتابعي ومتأخر

- ص 119 -

كما لا يفرقون بين مفرق في الإسلام وحديث عهد به إلا باعتبار درجة الأخذ بما جاء به حضرة الرسول صلوات الله عليه والأئمة الاثني عشر من بعده ، وأن الصحبة في ذاتها ليست حصانة يتحصن بها من درجة الاعتقاد وعلى هذا الأساس المتين أباحوا لأنفسهم - اجتهادا - نقد الصحابة والبحث في درجة عدالتهم كما أبا حوا لأنفسهم الطعن في نفر من الصحابة أخلو بشروط الصحبة وحادوا عن محبة آل محمد عليه السلام .

كيف لا ، وقد قال الرسول الأعظم : ( إني تارك فيكم ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي آل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) .

وعلى أساس من هذا الحديث ونحوه يرون أن كثيرا من الصحابة خالفوا هذا الحديث باضطهادهم لآل محمد.
ولعنهم لبعض أفراد هذه العترة ومن ثم فكيف يستقيم لهؤلاء المخالفين شرف الصحبة .

وكيف يوسموا بسمة العدالة ؟ ! ! ذلك هو خلاصة رأي الشيعة في نفي صفة العدالة عن بعض الصحابة وتلك هي الأسباب العلمية الواقعية التي بنوا عليها حججهم

- 4 - والمتأهل يرى أن الفرق بين هذين الموقفين كالفرق بين المنهج الأخلاقي

- ص 115 -

فالمنهج الذي بنى عليه أهل السنة حكمهم في عدالة الصحابة هو : ( المنهج الأخلاقي ) . وهو يقوم على أساس من إرجاء الأمور إلى الله .

وليس معنى حكمهم هذا أنهم يفرقون بتساوي الصحابة في درجة العدالة وإنما يكيلون الأمور إلى الله ، ويجأرون إلى الله من انتقاض واحد من أصحاب محمد عليه السلام إلا أن يكون منافقا متفقا على نفاقه بنص من القرآن أو بإشارة من الرسول الأعظم .

ولعل حجتهم في إرجاء الأمور إلى الله ما كان من موقف الرسول عليه السلام من ابن عبيد الله بن سلول حين طلب الابن قتل أبيه المنافق واستأذن في ذلك حضرة الرسول عليه السلام ، وخشي الابن أن يتولى ذلك دونه أحد الصحابة فيكون ذلك سببا في الوقيعة وإثارة الحفيظة وجلب المعرة .

ولكن الرسول عليه السلام لم يرض بقتل عبيد الله بن سلول معللا ذلك بقوله الحكيم : لا تفعل حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه . . . ! وهذه حجة لها بعض الوجاهة في الموقف العام من الصحابة ولكنها ليست كل شئ .

أما الشيعة : فهم يستمسكون - على ما أزعم لهم - بأسباب متينة من ( المنهج العلمي ) ويقدمون عدالة الحق على فضيلة الإرجاء وترك الأمور لمن بيده وحده حساب مخلوقاته .

- ص 116 -

وأزعم لهم في ذلك حجة من كلام الرسول في خطابه لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء في قوله : ( يا فاطمة بنت محمد اعملي ما شئت فإني لا أغني عنك من الله شيئا ومن هذا الحديث نعرف - عن يقين - أن العمل مقدم على الصحبة وأي صحبة أقرب إلى حضرة الرسول من صحبة ابنته وبضعته الطاهرة فاطمة عليها السلام .
وهذا النص السابق يدل بطريق التلميح لا التصريح على أن الصحابة ليسوا جميعا في مقام العدالة .
فإن هذا الخطاب مراد به العموم والتشريع ، فإنه لا يشك شاك في جلال فاطمة ومكانتها من نفس النبي ولا في شدة استمساكها بما جاء به .

ويؤيد هذا المعنى قوله عليه السلام في مقام المرأة المخزومية التي سرقت وشفع لها أسامة بن زيد : ( والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها ) فالمراد بهذه العبارة أن فاطمة في أعلى مقام من نفس الرسول عليه السلام وأن هذا حكم عام يتناول جميع الصحابة حتى فاطمة التي هي في أعلى مقام من الصحبة والقرابة .

وإذا ثبت هذا ثبت ضده ممن خالف السنة وحاد عما جاء به النبي ، وهم الذين ينفي عنهم إخواننا الشيعة معنى العدالة .
هذا في مقام التلميح أما في مقام التصريح فهناك نصوص من القرآن والحديث تدل على خروج بعض الصحابة عن معاني الصحبة فضلا على دلالتها على نفاقهم بل كفرهم .

- ص 117 -

ولكن هذا - في نظري - ينطبق فقط على النادر القليل منهم فهناك آيات المنافقون وقد امتلأت بها سورة التوبة وقد كان الكثيرون منهم يعيشون في مركز الدعوة الإسلامية مع حضرة النبي عليه السلام في المدينة ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ... ) .

وقد وسمهم القرآن بسمة الكفر بل بالغ في تصوير آثامهم وأنهم أشد خطرا من الكفار أنفسهم . ولذلك توعدهم كما توعد الكفار تماما ، بل صدرهم عليهم في مقام الوعيد . فقال سبحانه : ( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم ) .

ولولا رحمة الله بخلقه وحلمه على عباده وأنه ستار رحيم لسرد لنا سبحانه أسماءهم في القرآن واحدا واحدا ولكشف لنا عما تكنه قلوبهم من كفر وما تخفيه من آثام .

وفي ذلك يقول سبحانه : ( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله محزج ما تحذرون . . . ) وقد نما حضرة الرسول صلوات الله عليه منحى القرآن ونهج نهجه فاكتفى بذكر صفات المنافقون ممن شاهدوه وله يعملوا بمنهجه القويم وكيف لا وهو الرؤوف الرحيم المتخلق بأخلاق الله سبحانه من حيث الرحمة بمخلوقاته تعالى ومعاملة أصحابه بالحلم والرأفة والعطف والصبر من أجل تدعيم هذا الدين القويم

- ص 118 -

وأما تصريحه بذكر اسم واحد من الخارجين عليه من أصحابه فكان أشد ندرة من الكبريت الأحمر .

ومن هذا ما ذكر في شأن مروان بن الحكم .
فقد روى الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من ( المستدرك ) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به للنبي فيدعو له ، فأدخل عليه مروان الحكم فقال : ( هو الوزع بن الوزع الملعون بن الملعون ) ( 1 ) وكلام الأنبياء حق ، فما بالك بكلام سيدهم أقول : وهذا الحديث يؤيده الواقع .
ولكن تصريح الرسول بذكر أسماء المنافقون من أصحابه أمر شديد الندرة وهو شئ يتفق مع أخلاق النبوة .

ومن هنا لاحظت أن أكثر الأحاديث الواردة في المنافقين والمارقين من معاصريه صلوات الله وسلامه عليه كانت تذكر بطريق الكناية دون التصريح ، كقوله في قاتل ( علي ) رضي الله عنه : يا علي ، أتدري من أشقى الناس ( فقال : الله ورسوله أعلم ، فقال : أشقى الناس : عاقر ناقة صالح وضارب هامتك ) .

ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن عباس قال : إن النبي قال : ألا إنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصحابي أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم

 

 1 - وأنظر : حياة الحيوان للدميري ج 2 / 399 س 25 .

 
 

- ص 119 -

وفي رواية أخرى ( فأقول : سحقا سحقا ) .

ومن روايات علماء الشيعة في ذلك قول العلامة الحلي في شرح التجريد : والمحارب لعلي عليه السلام كافر لقول النبي ( حربك يا علي حربي ) قال : ولا شك في كفر من حارب النبي ( 1 ) وتخلص من ذلك أن أكثر ما جاء من ذكر المنافقين والمارقين في أحاديث الرسول عليه السلام كان بطريق الكناية لا التصريح بأسمائهم وإن أكثر هذه الأحاديث الواردة فيهم تقع تحت باب ( أحاديث المغيبات ) .

وفصل الخطاب في موضوع عدالة الصحابة يستوجب منا - لتكون أحكامنا قريبة من الحقيقة أن نوفق في هذا البحث بين منهج الأخلاق ومنهج العلم ، فلا نحن نسئ الظن بالسواد الأعظم من الصحابة فنجا في المنهج الأول الذي ارتآه السنة ولا نحن نغمض أعيننا عما وردت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية بإدانتهم - ولو بطريق التلميح والكتابة والتعريض - فنجا في لو فعلنا ذلك المنهج الثاني الذي آثره إخواننا الشيعة بل نحن نجمع بين هذا وذاك ، ونضع كل واحد منهم تحت أضواء من المنهج الذي يلائم طبيعته وبذلك نصل إلى أحكام إن لم تكن يقينية فهي أقرب إلى اليقين .

وقد يكون الخلاف بين شقي هذه الأمة خلاف شكلي للغاية وذلك إذا استطعنا أن نخرج المنافقين والمارقين الذين وردت فيهم النصوص من مفهوم كلمة ( الصحابة ) .

 

 1 - وانظر : الدرجات الرفيعة ص 33

 
 

- ص 120 -

لكن العقبة التي تقف أمامنا هو كيفية إخراجهم لأنه ليس لدينا نصوص صريحة بأسمائهم اللهم إلا النادر كعبد الله بن سلول وثعلبة .

على أن هذا النادر نفسه مختلف في بعضه ، وإذا كانت السنة والشيعة تتفقان على أن المنافقين والمارقين ليسوا من الصحابة في شئ ، فإن شقة الخلاف تكون قد آذنت بالزوال تماما ولم يبق أمامنا إلا الصحابة من أهل الغفلة .

فإن أهل السنة يوجبون عدالتهم ، لأن العبرة عندهم بأفعال القلوب وأما الشيعة فينقضون عدالتهم ويعتبرون ( أبا هريرة ) من هذا الطراز هذه مسألة تحتاج إلى بحث مسهب أبرأ إلى الله من الحكم فيها في هذه المقدمة الوجيزة .

- 5 - وأنا - وإن كنت سنيا - إلا أن الوفاء بالبحث والأمانة العلمية التي يفرضها على ( المنهج العلمي الحديث ) كل ذلك يحملني على أن أذكر في هذه المقدمة الأسباب التي حملت العلامة الشيخ أسد حيدر صاحب كتاب : ( الصحابة في نظر الإمامية ) على إيثار منهج العلم على منهج الأخلاق فيما استعرضه من نقد الصاحبة واستحق من أجله الحمد والتكريم .

 1 - وأول هذه الأسباب والمبررات ما شحنت به كتب السنن من الأحاديث الغريبة التي لا يقرها العقل والذوق العاديين ، والتي يرى البعض أنه لا مسحة عليها من نور النبوة .
وهي في نظرهم متخاذلة لا تكاد تنهض إلى مرتبة الأسلوب النبوي الشريف وهذه الأحاديث الغريبة وإن كانت قليلة أو نادرة في بعض الأسانيد

- ص 121 -

وكتب الصحاح المعتمدة إلا أنها تسئ إلى جلال الحديث النبوي ولم تشرفنا أمام أعدائنا المستشرقين الذين يتربصون بالإسلام الدوائر ويتمنون له الأخطاء والعقابيل لكي يكيدوا لنا وينالوا من ديننا القويم .

ومن هذه الأحاديث حديث سحر بنات لبيد لحضرة النبي عليه السلام فإن المحدثين بعتمدون هذا الحديث ويعتبرون أن النبي عليه السلام أصابه السحر ثم يقولون إن السحر لم يصب عقله الشريف بل أثر في مزاجه وجسده أقول : وهذا تلفيق من الشراح واضح العور وأنا لست أشك في صحة الخبر ولا في صحة نزول خادمة وأمين وحيه جبرئيل عليه السلام بسورة المعوذتين ولا في إخراج السحر من البئر المذكورة ( بئر معونة ) في شروح الحديث ولكن الذي لا نصدقه أن السحر أثر في عقله أو في مزاجه أو حسده الشريف لأن النبوة عند الله أكرم مما يتصوره هؤلاء الشراح بكثير جدا غاية ما في الأمر أن هذا الحديث ينزل منزلة التشريع من حيث الاعتقاد بالسحر كما نعتقد بنص القرآن في قصة هاروت وماروت وأن السحر يؤثر في سائر البشر حاشا الأنبياء والمرسلين لأنه لا يليق بمقام الوحي أبدا وعلى هذا فإني وإن صححت الحديث من حيث إجراء السحر من بنات لبيد المذكورين في الراوية إلا أني أنكر صحة تأثيره في حضرة النبي عليه السلام .

بل أعتبر القائل بتأثيره على عقله الشريف كافيا والقائل بتأثيره على مزاجه أو صحته الجسمية فاسقا أو جاهلا صاحب غفلة فالاعتقاد بوجود السحر وعلومه شئ ، والاعتقاد بتأثيره على عقول الأنبياء شئ آخر .

- ص 122 -

ومن هذه الأحاديث الغربية الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم : ( إن جهنم لا تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول : قط قط ) ولا يحتاج هذا الحديث إلى تعليق إلى الإشارة إلى كونه ينافي مقام التنزيه للبار سبحانه .

ومن هذا حديث الاغتسال من الجنابة المروي عن عائشة رضي الله عنها : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجال يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل ؟ وعائشة جالسة فقال صلى الله عليه وسلم : ( إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل ) وهذا الحديث أيضا لا يحتاج إلى تعليق في منافاته لآداب النبوة وحاشا لرسول الله أن يقول بمثله .

 2 - وثاني هذه المبررات التي حملت المؤلف على اقتفاء منهج العلم في نقد الصحابة إغفال الكثير من المحدثين للأحاديث عن أئمة آل البيت كعلي وابنيه أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين والإمام الفقيه أبي عبد الله جعفر الصادق عليهم السلام على حين لاحظ كما لاحظ المتقدمون من علماء الشيعة هذا الركام الزاخر من الأحاديث المروية عن أبي هريرة وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم .
فقد روى أصحاب الأسانيد والسنن عن أبي هريرة خمسة آلاف حديث .
ورووا عن ابن عمر ألفين وستمائة وثلاثين حديثا .
ورووا عن عائشة ألفين ومائتين وعشرة أحاديث .

 3 - وثالث هذه المبررات في النقد أن غرض المؤلف هو لتثبت من

- ص 123 -

الأحاديث وليس هو التجريح لرواتها . وأن ما يهدف إليه هو تنزيه كلام حضرة الرسول من كل شطط ونقص يمس كرامة الإسلام حتى نكون في مأمن من نقد علماء الاستشراق الذين يتربصون بالإسلام الدوائر ويريدون به الشر للذي يغلي في قلوبهم من حقد وكراهية .

 4 - ورابع هذه المبررات ما يهدف إليه المؤلف من تقديم آل بيت النبوة على غيرهم في رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف لا يكون ذلك ؟ وقد نشئوا في مدارج الوحي وتربوا في معارجه . ورضعوا من أفاويق النبوة وتوارثوا رسالة التشريع كابرا من كابر وإذا كان يحل لغيرهم رواية أحاديث جدهم عليه السلام فهم أولى بذلك من هذا الغير ، وكما يقال : ( إن أهل الدار أدرى بما فيه ) .

فإيثار الشيعة للأحاديث المروية عن الإمام علي وبنيه قائم على أساس من حب آل بيت النبوة وهو أمر أوجبه القرآن نفسه . ( قل لا أسألكم عليه أجرأ إلا المودة في القربى ) .

وقد نص عليه حضرة الرسول عليه السلام في مئات الأحاديث ، بل إن مبغض على منافق بنص الحديث الشريف : ( يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ) .
وهذا لا يتعارض مع الحديث الآخر : ( يا علي هلك فيك اثنان : محب غال وعدو قال ) .

- ص 124 -

فإن المراد بالمحب الغالي المؤلهون والمقدسون .
أو الذين أفردوه بالحب وحده وأبغضوا في نفس الوقت جميع الصحابة وهذا ما نزه عنه الشيعة الإمامية .
ولا غبار على الشيعة أن يتعصبوا للأحاديث المروية عن الإمام علي ومن ورثه من بيت النبوة للذي عرف به من فضائل كثيرة لا مجال لإفرادها بالحديث في هذا المقام .

بل وإن المفاضلة بين الراشدين لا تزال موضع جدال بين علماء الأمة إذا استثنينا من قهرتهم السياسة .
ومما سمعناه أن مالكا كان لا يرى مجالا للمفاضلة بينهم ، أي أنه كان لا يرى تفضيل أحدهم على الآخر ، وأن ترتيبهم الوارد في الحكم الإسلامي إنما هو ترتيب تاريخي زمني فقط .
وقريب من هذا ما سمع عن الشافعي فقد كان يرى أن الأحاديث الواردة في فضائل علي أكثر من غيره من الراشدين . فالمفاضلة الواردة على أساس الترتيب التاريخي غير مقطوع بها عند السنة .

- 6 - وقد يسألني القارئ عن الأسباب النفسية التي حملت علماء الشيعة على التعصب لمنهج العلم وإيثاره على غيره من مناهج في نقد الصحابة وربما كان محور هذه الأسباب يرجع في أساسه إلى اضطهاد الأئمة الاثني عشر أنفسهم فقد كان أئمتهم من آل علي و فاطمة عليهم السلام يطاردون من الحكم

- ص 125 -

في جميع بقاع الدولة الإسلامية ولا سيما في العراق موطن الخليفة العباسي وقد أثبت التاريخي أن ما من أحد منهم إلا ومات مقتولا أو مسموما إذا استثنينا محمد المهدي المنتظر ابن الإمام الحسن العسكري .

وثاني هذه الأسباب التي حملتهم على هذا الاتجاه النفسي ما رماهم به الخصوم كذبا وبهتانا - من تأليه لعلي تارة ومن إلحاق النبوة به تارة أخرى حين يزعمون لهم أنهم قالوا : بأن جبريل أمين الوحي أخطأ فأعطى الرسالة لمحمد على حين كان يراد بها علي .

والشيعة الإمامية براء من هذا البهتان العظيم إذا لا يوجد هذه في كتبهم ولم نسمعه من أحدهم .
وهذه فرية أظهرها خصوم الشيعة الإمامية وإن صح هذا الادعاء فهو منسوب إلى المتطرفين الذين يسميهم التاريخ ( أتباع علي إله ) وكان من جراء هذا أن جهل كثير من المسلمين في العالم الإسلامي حقيقة الشيعة الإمامية فتنسبوا إليهم ما هم براء منه من تقديس لعلي ومن تكفير لشيوخ الصحابة ومن اعتقاد في الخزعبلات التي تتنافى مع العلم وأقبح من ذلك أن يقع جماعة من الباحثين المحدثين في فهم طوائف الشيعة فلم يفرق بين الإمامية : وهم المعتدلون من الشيعة وبين غيرهم من المؤلهة والرافضة بل يعتبر جميع الشيعة تحت لواء واحد من الاعتقاد .

وكان أحمد أمين واحدا من هؤلاء الباحثين الذين ضلوا سبيل البحث في دراسة طوائف الشيعة .

- ص 126 -

تقرأ كتابات هؤلاء المحدثين فيخيل إليك أن الباحث منهم يكتب وكان الشيعة ليسوا منا أهل القبلة وهذه المثلة القبيحة والفرية الخبيثة المدعاة على الشيعة الإمامية - لا شك أنها - ستقر بها أعينهم عند الله يوم القيامة يوم ترد المظالم إلى أهلها .

- 7 - هذا المنهج العلمي الذي سلكه الشيعة في النقد منذ الصدر الأول من الإسلام وقف بهم موقف المجاهدين في كل عصر حين تآمر الحكام وأولوا الأمر على أئمتهم من آل بيت النبي . وقد كان ذلك حين أصبحت الحكومة الإسلامية في يد أعدائهم الأمويين لا في أيديهم ثم اشتدت الأزمات على الأئمة العلويين وحلت بهم الكوارث حين تلقف لواء الحكم أبناء عمهم العباسيون من أعدائهم الأمويين وتصدروا للحكم دونهم ، فكانوا أعرف بهم من أعدائهم الأول .
ومن ثم اشتد الاضطهاد وعظمت البلية .
وحين وقعت هذه الأحداث ازداد التفاف الشيعة حول أئمتهم وتحول حبهم من حب سياسي إلى حب عقائدي عميق الجذور لا يخشون من أجله في الله لومة لائم ولا يخافون بسببه سلطة الحاكم ولا قهر العدو .

وربما كان هذا الموقف هو الذي دفع بالحكام العباسيين إلى اضطهاد الشيعة دون غيرهم أي أن هذا الاضطهاد أساسه سياسي وهو التفافهم حول آل محمد

- ص 127 -

وبمعنى أوضح إن نقد الشيعة لبعض الصحابة لم يكون السبب الأصيل لعقاب الحكام لهم . وإنما السبب الأصيل هو كونهم شيعة . وبمعنى أكثر وضوحا لو وقع هذا النقد من غير الشيعة لما استوجب النكير على الناقد .

ومن هنا اتسعت رقعة الخلاف بين حكام العباسيين وبين الشيعة فرموا من رموا منهم بالفكر أو الفسق .
ولعل هذا الموقف السياسي هو الذي أخفي على سواد الأمة الإسلامية كثيرا من محاسن علماء الشيعة ومآثرهم الكريمة في الثناء على الإمام علي والأئمة من بعده في الوقت الذي اتهمهم فيه هذا السواد من الأمة بسبب الشيخين أبي بكر وعمر .

وهو أمر لا يصدق في حق الشيعة الإمامية المعتدلين الذين لا يذهبون في أحكامهم إلى أكثر من تفضيل علي على غيره وإعلان أحقيته في الخلافة ولا يرون تكفير أحد من أعيان الصحابة رضوان الله عليهم لأن القاعدة المشهورة : من كفر مؤمنا فقد كفر وأما النقد والمفاضلة اللذان ينتهجهما الشيعة المعتدلون في أحكامهم فلا يسمان الآخذ بهما بسمة الكفر فضلا عن الفسق بل هو رأي اجتهادي يقوم على دليل عند قائله .

وأحب أن أشير في هذه العرض إلى كلمة الإنصاف التي ذكرها الأستاذ

- ص 128 -

أسد حيدر في معرض حديثه عن نقد الصحابة حين استعرض رأي العلامة الجليل آل كاشف الغطاء في أمر سب الخلفاء والصحابة وأنا أقفل للقارئ الكلمة بنصها بين قوسين احتراما للأمانة العلمية و و . . . لعل قائلا يقول : إن سبب العداء بين الطائفتين أن الشيعة ترى جواز المس من كرامة الخلفاء أو الطعن فيهم ، وقد يتجاوز البعض إلى السب والقدح مما يسئ الفريق الآخر طبعا ويهيج عواطفهم فيشتد العداء والخصومة بينهم .

والجواب إن هذا لو تبصرنا به قليلا ورجعنا إلى حكم العقل بل والشرع أيضا لم نجده مقتضيا للعداء أيضا أما ( أولا ) فليس هذا من رأي جميع الشيعة وإنما هو رأي فردي من بعضهم وربما لا يوافق عليه الأكثر كيف وفي أخبار أئمة الشيعة النهي عن ذلك فلا يصح معاداة الشيعة أجمع لإساءات بعض المتطرفين . . . ) إلى آخر ما قاله آل كاشف الغطاء مما هو مدون بقلم المؤلف في هذا الكتاب

- 8 - ولا يفوتني في هذه المقدمة أن أعلن دفاعي عن الشيعة المعتدلين وهم السواد الأعظم من الشيعة الإمامية ، بل قد يؤدي بي التعمق في الأحكام ألا أجد فرقا ذا بال بين الشيعي المعتدل والسني المعتدل .
ولا أجد بينهما من فاصل أو مسافة إلا كما أجد بين سواد العين وبياضها ولئن حب آل محمد هو أسمى ما يباهي به الشيعة الإمامية فكذلك

- ص 129 -

هو الأمر في أهل السنة ، بل إن حب آل محمد من أخص خصائص العارفين من أهل السنة وقد أحسن ابن إدريس في قوله : -

إن كان رفضا حب آل محمد * - فليشهد الثقلان أني رافضي

ونحن نرى من واجبنا كباحثين الدفاع عن الشيعة الإمامية المعتدلين ، ومنهم الحبر الأستاذ أسد حيدر وقد رسم أمامنا في هذا الكتاب الخطوط العريضة في أوصاف الشيعي الحقيقي المذهبي الجعفري المعتدل فقد ذكر لنا أن الشيعة المعتدلين - وهم أتباع المذهب الجعفري - لا يكفرون الصحابة ، وحاشاهم ، ولا يدعون الربوبية لآل البيت ، ولم يأخذوا تعاليمهم من مجوس الفرس والهند كما أدعى ذلك جهلاء الباحثين دعاة التفرقة الإسلامية ولم يغيروا نصوص القرآن أو يحرفوا الكلم عن مواضعه ، وحاشاهم .

ولم يبتدعوا مذاهب خارجة عن مفاهيم الإسلام . وقد استمدوا أحاديثهم من رواية آل محمد . كما استمدوا أصولهم الفقهية وعباداتهم عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق محض الممارسة والتلقين العملي قبل الممارسة والتقليد الأبتر فلا أقل من أن نجازيهم بكلمة الإنصاف .

- 9 - وأخيرا أقول : يا معشر أهل القبلة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، يفتح الله علينا وعليكم ويرد بها كيد الكائدين من دعاة التفرقة والاستعمار

- ص 130 -

ونشر الإلحاد في نحورهم ويا معشر علماء أهل القبلة أنتم جديرون بتوحيد الصفوف وتصحيح العقيدة لأن الإسلام يربأ بكم عن الاتجار بالسياسة على حساب الدين فتحدث التفرقة التي حدثت في العصور الخوالي بسبب مزج الدين بالسياسة ، والاتجار بالسياسة على حساب الدين .
والدين القويم أعلى منزلة من السياسة ، تتصعد إليه السياسة ولا ينزل هو إليها أبدا .

ويوم تجتمع الكلمة وتوحد الصفوف ويقرب ما بين هذه المذاهب الفقهية الخمسة ( الجعفري والحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ) من حيث توحيد وجهات النظر وسلامة القصد وتحرى الصواب وطهر الطوية يكون الدين كله لله ويرفع الله يومئذ عن هذه الأمم الإسلامية ما ران على قلوبها من صدأ العصور الخوالي ، ويكشف عنها ما تليد فوق سمائها من سحب النقم والمقت والغضب وعسى أن يكون ذلك اليوم قريبا .

كتبه في ليلة النصف من شعبان الموافق 1 من أغسطس سنة 1976 م القاهرة


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net