متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
كتب العقائد - الفرقة الناجية
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

كتب العقائـد


انتشرت بين شباب التيارات الإسلامية في فترة السبعينات كتب العقائد بتوجيه من قيادات هذه التيارات وعلى رأس هذه الكتب

كتاب " العقيدة الطحاوية " للطحاوي المصري .
وكتاب " العقيدة الواسطية " لابن تيمية .
وكتاب " التوحيد الذي هو حق الله على العبيد " لمحمد بن عبد الوهاب .


ومثل هذه الكتب كانت تركز على القضايا المتعلقة بالأسماء والصفات والإيمان والشرك موهمة الشباب أن عدم معرفة هذه الأمور من شأنه أن يضيع إسلامه ويحبط عمله . . وكتب العقائد هذه تحوي الكثير من الأطروحات السياسية والفكرية

والاجتهادية التي لا صلة لها بمسألة العقيدة والإيمان والكفر . لكن القوم حشروها في هذه الكتب حتى يدفعوا المسلمين إلى الاعتقاد بها والذود عنها وبالتالي يتقيدون بالخط الذي رسموه لهم . . ( 17 ) .


ولقد كنت أتأمل هذه الكتب وأطرح على نفسي التساؤلات التالية :

ما صلة مسألة الخلفاء الأربعة : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بالعقيدة . . ؟

ولماذا يصر فقهاء السلف على ضرورة الاعتقاد بهم بهذا الترتيب الرباعي . . ؟

وما هو الدليل الشرعي على ذلك . . ؟

وما صلة الحكام بالعقيدة . وكيف يجعل أمر طاعتهم والصلاة خلفهم والحج معهم والجهاد تحت رايتهم من العقيدة ؟

ولماذا يحاول الفقهاء إجبار الأمة على الاعتقاد بضرورة الصلاة وراء كل بر وفاجر . . ؟

ولماذا تحيز فقهاء السلف لرأي يناقص القرآن والعقل حول هذه القضية . . ؟ ( 18 ) .

ولماذا يصر الفقهاء على تلقين الأمة مفهوما محددا عن آل البيت ويجعلونه عقيدة . . ؟ .

ولماذا يسمون كتب العقائد بأسماء أصحابها كالعقيدة الطحاوية . والعقيدة
 

 

* هامش *

 

 

( 17 ) - أنظر باب رحلة الشك .
( 18 )
- يتبنى فقهاء السنة الكثير من الروايات والآراء التي تفيد التجسيم والتشبيه . أنظر عقائد السنة وعقائد الشيعة . .

 

- ص 30 -

النسفية والعقيدة السلفية . والعقيدة الحموية . والعقيدة الواسطية . . ؟ ( 19 ) .

أليست هذه التسميات تشبه تسميات النصارى لأناجيلهم المختلفة : إنجيل متى . وإنجيل لوقا . وإنجيل يوحنا . وإنجيل مرقس وخلافه . . ؟ ( 20 ) .


لقد خرجت من هذه التأملات بنتيجة مفادها أن جميع هذه الأمور لا صلة لها بالعقيدة وأن العقيدة الحقيقية هي شئ آخر غير هذه المفاهيم والأطروحات التي لا تخرج عن كونها أطروحات فرضتها السياسة وباركها الفقهاء ( 21 ) .


إلا أن هذه النتيجة لم ترح عقلي فقد كنت أشك أن هناك سرا أو دافعا قويا وراء حشو كتب العقائد بمثل هذه الأمور . . وهذا التفسير كما هو واضح لا يحسم الأمر ويرجح كفة أهل السنة . ففضلا عن كون هذا الحديث ( 22 ) هو الدليل الوحيد الذي يتمسكون به لإثبات هذا الادعاء .


فهو من جهة أخرى ظني الدلالة ولا يفيد معنى قطعيا من هذه المسألة . . ( 23 ) وإن صح التسليم بمنطق أهل السنة فهذا يعني كفر جميع الفرق الأخرى . وانحصار الحق في دائرتهم .


وهذا أمر يرفضه العقل فهم لا يتميزون عن الآخرين بشئ وما يطرحونه لا يخرج عن كونه اجتهادا يحتمل الخطأ والصواب . . ( 24 ) ولقد كانت كتب العقائد تزكي في نفوس الشباب مفهوم أهل السنة للفرقة الناجية مما كان يدفع بهؤلاء الشباب إلى

الاستسلام المطلق لأطروحتهم وقبول محتوياتها دون قيد أو شرط وقد عشت طويلا في هذا الوهم حتى هداني عقلي إلى التحرر منه بفضل الله تعالى . . إن فكرة الفرقة الناجية لم تكن لتتوافق مع اتجاه يوالي بني أمية وبني العباس وغيرهم من

الحكام أصحاب التاريخ المسطر بدماء المسلمين . .ولم تكن لتتوافق مع فقهاء يبررون مواقف وممارسات هؤلاء الحكام ( 25 ) . . لم تكن لتتوافق مع أناس يهينون الرسول ويفضحونه ( 26 ) . . وكيف يقبل العقل وتستريح النفس إلى أن شخصا مثل يزيد بن معاوية يمكن أن يكون من الفرقة الناجية . . ؟


إن قوما بهذه العورات يغرقون في هذه الانحرافات لا يمكن أن يكونوا من الناجين .
 

 

* هامش *

 

 

( 19 ) - أنظر مناقشة هذه الكتب في كتابنا فقه الهزيمة . وهذه الكتب عدا كتاب العقيدة النسفية . تقوم بطبعها وتوزيعها بعض الدول مجانا
          على المسلمين في كل مكان . .
( 20 ) - أنظر عرض هذه النصوص في باب رحلة الشك .

( 21 )
- من هذه الكتب كتاب الفرق بين الفرق للبغدادي . وكتاب الملل والنحل للشهرستاني . وكتاب مقالات الإسلاميين للأشعري .
( 22 )
- رواه أبو داود وأحمد وابن ماجة . والحديث من رواية معاوية . . تأمل . وقد انتقد الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الراحل
          هذا الحديث في كتابه التفكير الفلسفي في الإسلام . كما انتقده الشيخ الغزالي في كتابه المستشرقون .

( 23 )
- أنظر مناقشة هذا الحديث في كتابنا فقه الهزيمة . وأنظر المراجع السابقة .
( 24 )
- أنظر عقائد السنة وعقائد الشيعة .
( 25 )
- أنظر فصل التبرير والتأويل من الكتاب .
( 26 )
- أنظر فصل الرسول والنساء .

 

- ص 31 -

وهم بهذه الحالة إنما يؤكدون أن المقصودين بهذا الحديث هم سواهم من المسلمين . . إن التحرر من وهم الفرقة الناجية كان من أهم العوامل التي ساعدتني في التحرر الكامل من الماضي برموزه وأطروحاته .


فهذا الوهم كان يفرض سياجا حول العقل ويحول بينه وبين أية محاولة للشك أو النظر في محتويات الأطروحة السنية . وكذلك إخضاع رجال السلف صحابة وفقهاء لدائرة النقد . وبحث مواقفهم وأقوالهم .


فما دام العقل يعيش حالة من الاستسلام المطلق للماضي المقدس على أساس كونه يمثل أهل الفرقة الناجية فمن الصعب أن يصدر حكما فيه دون أن يتحرر من وهم القداسة النابع من مفهوم الفرقة الناجية . . ولقد شكل مفهوم الفرقة الناجية حالة من

التعصب لدى الشباب المسلم الذي تشبع بهذه الفكرة وبني على أساسها موقفا عدائيا من الآخرين خاصة من الشيعة حال بينه وبين المرونة في مواجهة الواقع والأحداث وانعكس هذا الموقف بالتالي على واقع الحركة الإسلامية وتصوراتها . . الإتباع

. . كان مما يثيرني في الوسط الإسلامي بمصر قضية حصر دائرة الإتباع في محيط مدرسة ابن تيمية وأتباعه .
 


وكنت كلما تأملت هذا الأمر تطرأ على ذهني التساؤلات التالية :

لماذا حصر الإتباع في دائرة ابن تيمية وأتباعه . . ؟ .

وأين دور المدارس السلفية الأخرى . . ؟ .

ولماذا تبرز مسألة رفض المذهبية بقوة بين أوساط الشباب المسلم . . ؟ .


لقد بدأت أشك أن هناك قوى خفية تستدرج هذا الشباب إلى خط محدد يجعلهم صيدا سهلا لتيارات مشبوهة . . وعندما برز أمامي الدور الوهابي المشبوه وجدت الإجابة على هذه التساؤلات جاهزة .


فقد تكشف لي أن هذا الخط الذي اخترق صفوف الشباب والجماعات هو منبع هذا الموقف وهو الذي يغذي مثل هذه التصورات التي تقوم على الاستخفاف
 

- ص 32 -

بالمذاهب الإسلامية وتقديس ابن تيمية ورفعه فوق فقهاء المسلمين والتعتيم على المدارس الإسلامية الأخرى . . وقد اكتشفت أن هؤلاء الذين ينادون برفض المذهبية من الشباب ورموز التيارات الإسلامية هم متمذهبون دون أن يعلموا .


فهم إن كانوا يرفضون الالتزام بمذاهب الفقهاء الأربعة المعروفة هم في الحقيقة يتبعون مذهب الحنابلة بل ويلتزمون بالشق المتطرف منه الذي تبناه ابن تيمية وبعثه محمد بن عبد الوهاب . . ( 27 ) لقد تبين لي أن أية محاولة لنبذ الإتباع والتقليد إنما هي في حقيقتها محاولة لنقل المرء من إتباع إلى إتباع ومن تقليد إلى تقليد .


فهؤلاء الذين ينادون برفض المذهبية والتقليد إنما تمذهبوا بمذهب ابن تيمية بطريق غير مباشر بل ومذهب باعث أفكاره وأطروحته محمد بن عبد الوهاب فهم قد انتقلوا من تقليد وإتباع أبي حنفية والشافعي ومالك وابن حنبل إلى اتباع وتقليد

ابن تيمية وهم بهذا لم يأتوا بجديد سوى أنهم غرروا بالشباب المسلم وعزلوه عن المدارس الإسلامية المتنوعة وحصروه في دائرة مدرسة محددة شاذة عن المسلمين . . ( 28 )



وفريق التكفير عندما نادى بنبذ التقليد إنما وقع في نفس المتاهة وانتقل بأتباعه من تقليد أهل الفقه المعروفين إلى تقليد شكري مصطفى مؤسس تيار التكفير وصاحب أطروحته وبالبحث والدراسة فيما يتعلق بالمذاهب والمدارس الإسلامية المختلفة

توصلت إلى الحقائق التالية :
أن هناك مدرسة منبوذة بين مدارس السلف وهي مدرسة آل البيت ( ع ) . .
أن نبذ هذه المدرسة وعزلها كان لأغراض سياسة . .
أن هذه المدرسة تتلمذ عليها الكثير من الفقهاء على رأسهم مالك وأبو حنفية والشافعي . .
أن الشيعة هم الطائفة الوحيدة من بين المسلمين الذين يتقيدون بهذه المدرسة ويتلقون منها . .
 

 

* هامش *

 

 

( 27 ) - غرر بالحركة الإسلامية والرموز الإسلامية المعاصرة الذي توهموا بأن الخط الوهابي يمثل أطروحة السلف بينما هو في الحقيقة يمثل خط ابن تيمية المنبثق عن الحنابلة الذين كانوا في شقاق وصدام دائم مع المسلمين المخالفين .

( 28 ) - يعتبر طرح ابن تيمية شاذا في الفقه السني وقد عودي من علماء عصره وحكم بكفره وحبس بتحريض من الفقهاء حتى مات في الحبس . أنظر الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ( ج 1 / 152 ) .

 

- ص 33 -

أن مدرسة الحنابلة وخاصة جناح ابن تيمية هم خصوم لهذه المدرسة متربصون بها . .
أن ابن تيمية هو أبرز فقهاء السنة وأكثرهم عداء للشيعة ومحاربة لها .

بعد هذه النتائج بدت المسألة لي أكثر وضوحا . هناك مجموعة من الخطوط التي عبثت بها السياسة وهناك خط معادي من الجميع . . ( 29 ) الخطوط هي المذاهب . . والخط الآخر هو خط آل البيت ( ع ) . .


والسؤال الذي فرض نفسه علي بعد هذا كله هو : لماذا يعادى خط آل البيت ( ع ) . وما هي معالم هذا الخط . وأين هي أطروحته . . ؟ . وبالطبع لم أجد الجواب عند القوم .
 

فقد محت السياسة كل شئ يتعلق بآل البيت من تراثهم ولم تبقى إلا على القشور وما يخدم مآرب وتوجهات ومصالح الحكام .

فمنذ أن برز معاوية وساد الخط الأموي وبدأت الأمة تسير في خط آخر معاد لآل البيت بدأ بسب الإمام علي على المنابر وانتهى بذبح وتصفية أبناءه وأشياعهم ومحو تراثهم وعلومهم . . ( 30 )


منذ ذلك الحين برزت عائشة وابن عمر وأبو هريرة لينطقوا بلسان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ويكونوا المتحدثين الرسميين باسم الإسلام لتتبعهم الأمة وتسير على هداهم . . من هنا فقد تكشف لي أن عملية حصر دائرة الإتباع في مدرسة محددة إنما هي وليدة مراحل سابقة لمرحلة ظهور المذاهب . أنها وليدة عصر ما بعد وفاة الرسول .


وبرزت بصورة أكبر على يد الأمويين بقيادة معاوية الذي وجه الأمة نحو صحابة ورموز تدعم شرعيته ولا تتناقض مع خطه وقام بنبذ الصحابة والرموز الذين يوالون خط آل البيت بقيادة الإمام علي والتعتيم عليهم . . ( 31 )
 

وهكذا تبين لي أن الإتباع والتلقي قد قام على أساس الانحياز لخط معين من الحكام .

وأن الأمة سارت في ذلك الخط على حساب مدرسة آل البيت وخطهم .
وأن هذا الانحياز كان بتخطيط وتوجيه من الحكام .
وأن الأمة سارت على هذا النهج دون أن تدري شيئا عن حقيقة هذه المؤامرة .
 

 

* هامش *

 

 

( 29 ) - دعم العباسيون المذاهب وكذلك صلاح الدين والظاهر بيبرس . وكان الهدف من دعم هذه الخطوط هو ضرب خط آل البيت
           المتمثل في الشيعة . ( * )
( 30 ) - أنظر كتابنا السيف والسياسة في الإسلام .
( 31 ) - أنظر باب تضخيم الرجال من هذا الكتاب . . ( * )

 

- ص 34 -

ثم وقعت الحركة الإسلامية المعاصرة في هذا الفخ الذي نصبه لها بعض الحكام . . وكان علي بعد هذا كله وبعد أن تبين لي هذا الخلل وتكشف لي هذا التناقص وأفاق عقلي من وهم الفرقة الناجية ودخل الشك نفسي في مسألة الإتباع والتلقي من

مدرسة أهل السنة ، كان علي أن أتحرر من هذا الماضي وأرفع أغلاله عن عنقي لأتمكن من البحث في حرية عن دائرة الإتباع والتلقي الشرعية متبنيا منهج الشك فيما بين يدي من أطروحات سلفية على ما سوف أبين في الفصل القادم . .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net