متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحق و الباطل
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

الحق والباطل .

ليس في الإسلام مذهبية . . ليس هناك ما يسمى بشيعة أو سنة أو شافعية أو مالكية أو أحناف أو حنابلة . . فكل هذه تسميات تأريخية من اختراع السياسة ( 3 ) . .


 

 

* هامش *

 

 

( 3 ) - يقف الحكام على الدوام وراء جميع النزعات المذهبية بهدف تشتيت الأمة سيرا مع مبدأ فرق تسد .

 

- ص 45 -

والحق أن هناك إسلام حق وإسلام باطل . . إسلام رباني وإسلام حكومي . . والذي ساد على مر التاريخ هو الإسلام الحكومي . . والذي ضرب واختفى هو الإسلام الرباني . . إن الأسماء والمسميات لا مجال لها هنا . فالمهم هو الحق .


وأمام الحق تتلاشى الأسماء والمسميات ويبدأ التركيز على الجوهر . . والبحث عن الحق يوجب تتبع النص لا تتبع أقوال الرجال . . تتبع النص سوف يقود إلى الحق . . وتتبع الرجال سوف يجعل هناك وسائط بين الباحث والنص .


وسوف يجعل الباحث رهين الرجال لا رهين النص . . إن النص هو المعيار وهو مناط التكليف . والمسؤولية إنما تقع على كاهل المسلم بالنص . وحسابه يقوم على النص . ونجاته من النار كذلك . . والنص هنا يقصد به النص القرآني أو النبوي

الصحيح الموافق للقرآن والعقل فيما يتعلق بمجال الغيبيات والإتباع والسياسة والأخلاق وأصول الدين والولاء والبراءة وخلاف ذلك غير النصوص المتعلقة بالأحكام فهذه محل اجتهاد وتتباين أمامها الأفهام ولها أهلها ممن تتوافر فيهم القدرات

العلمية وشروط الاجتهاد . . النصوص المتعلقة بقضايا الدعوة ومستقبل الدين ، وأصوله والولاء والبراء وتحديد مصدر التلقي والقدوة والسلوك الإنساني والنجاة من النار لا يجوز التقليد فيها .


ومن حق المسلمين أن يعملوا فيها عقولهم من أجل الوصول إلى الحق . . وما ضلت الأمة إلا بتعطيل العقل وتسليم زمامها لفقهاء الماضي وفقهاء الحكومات من المعاصرين لتتلقى منهم دينها دون أن تميز بين ما يجب فيه التقليد وما لا يجب فيه

التقليد . . ولو أتيحت الفرصة للمسلمين ليفهموا النصوص المتعلقة بالجهاد والسياسة والحكام ومستقبل الدعوة والقدوة الحقة بمعزل عن الفقهاء لكان من الممكن أن تتكون في أذهانهم صورة الإسلام الحقة التي سوف يجعلونها مقياس الحكم على
 

- ص 46 -

هؤلاء الفقهاء وأمثالهم . لكنهم جعلوا هؤلاء الفقهاء وسيلتهم لفهم هذه النصوص وبالتالي جعلوا أنفسهم رهينة لخط محدد هو الخط الذي رسمه الحكام بمعونة هؤلاء الفقهاء ( 4 ) . .


من هنا فإن التحرر من هذا الخط هو الخطوة الأولى للوصول إلى الحق . ولن يتحقق هذا التحرر إلا عن طريق النصوص . فهذه النصوص هي التي سوف تحدد لنا القدوة الحسنة التي يجب أن نتبعها ونتلقى منها ديننا من القدوة السيئة التي من الممكن

أن نسقط في حبائلها فيما لو نحينا النصوص جانبا وعطلنا العقل . . وعندما تحدد النصوص من هم القدوة ومصدر التلقي تحسم القضية وينتهي الخلاف ويتوجب الالتزام .


فهذه القدوة سوف تكون مناط الحق والمعبرة عنه والناطقة بلسانه . . ومن خلال بحثي وتأملاتي تبين لي أن هناك قدوة سيئة سادت الأمة من بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ومنها برزت جميع الأطروحات التي موهت على حقيقة الإسلام وزيفت النصوص وحجبت بأقوالها وتفسيراتها حقيقتها عن الأمة .


وبالتالي أسهمت في تمكين الباطل وإضعاف الحق واختراع سبل متفرقة أضلت الأمة عن سبيل الله . . وعندما يتم الكشف عن القدوة الحقة سوف تتضح أمامنا القدوة الباطلة والحكم في ذلك إنما يكون للنصوص وليس للرجال . . وتبرز لنا أهمية القدوة

وكونها قضية مصيرية حين يتبين لنا أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو خاتم الرسل وأن هذا الختم يفرض وجود قدوة حسنة تحفظ الدين من بعده وتسد الفراغ الذي أحدثه غيابه في واقع الأمة .


وهذه القدوة يجب أن تتوافر بها مؤهلات خاصة لتأدية هذه المهمة تميزها عن الآخرين حتى لا يقع النزاع وتستقطب الأمة قدوات أخرى تقودها نحو الباطل . . وقد شغلتني هذه المسألة كثيرا أو شكلت حيرة كبيرة بالنسبة لي . في وسط هذه الحيرة

كانت هناك تساؤلات كثيرة لا أجد لها إجابة في الأطروحة أو في التراث الذي بين أيدينا أول هذه التساؤلات كان في تحديد ماهية الحق بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ .
 

 

* هامش *

 

 

( 4 ) - أنظر الفصول القادمة من هذا الكتاب .

 

- ص 47 -

هل هو ينحصر في القرآن ؟ . وإذا كان ينحصر في القرآن فأين التفسير الحق لهذا القرآن ؟ .


ولقد تتبعت تأريخ القرآن فلم أجد جوابا بل زدت شكا وحيرة بسبب الطريقة التي تم بها جمع القرآن . والخلافات التي وقعت بين الصحابة حول جمعه وتفسيره ( 5 ) . .


وزاد الطين بلة تلك الروايات الكثيرة التي تتعلق بآيات من القرآن لم تدون فيه أو تم رفعها وبقي حكمها أو بقى نصها ورفع حكمها ( 6 ) . .


إن مثل هذا الخلاف حول القرآن قد ولد لدي قناعة بأنه لا بد وأن تكون هناك جهة ما تحسم هذا الخلاف وأن هذه الجهة لا بد وأن تكون هي القدوة الحسنة . .


ولكن من هي هذه القدوة ؟ . ولماذا لم تبرز لتؤدي دورها في حفظ الدين ؟ . إن أمة العرب كأي أمة سابقة لها لا بد وأن ينطبق عليها حال هذه الأمم .


ومن المعروف أن الأمم السابقة كانت تمر بحالة تراجع عن الدين ( ردة ) بعد رحيل الرسول الذي كلف بالدعوة فيها مما كان يقتضي إرسال رسول جديد .


فما الذي سوف يقوم هذا الانحراف ؟ . . لا بد وأن هناك قدوة حسنة تحل محل الرسول من بعده ترجع إليها الأمة ؟ . وإذا كان موسى ( ع ) عندما غاب عن قومه ليأتي بالألواح وضع أخاه هارون مكانه ليخلفه في قومه حتى يعود إليهم .


أليس من الأولى بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يفعل نفس الشئ في قومه خاصة وأنه يعلم أنه لا نبي بعده ؟ . قد يطرأ على الذهن أن الرسول قد ترك القرآن الذي تكفل الله بحفظه إلى قيام الساعة وهذا وحده كاف لسد الفراغ الذي أحدثه غيابه . والقرآن هو أفضل قدوة . .


وأمام هذا الاستنتاج تطرح تساؤلات أخرى : إن الرسل قد تركوا كتبا بين أقوامهم قبل رحيلهم ومع ذلك انحرفت هذه الأقوام . وبنوا إسرائيل على وجه المثال حرفوا الكلم عن مواضعه . أي أن
 

 

* هامش *

 

 

( 5 ) - أنظر باب القرآن من هذا الكتاب .
( 6 )
- أنظر باب القرآن .

 

- ص 48 -

انحرافهم تجاوز حدود السلوك الشخصي إلى تحريف الكتاب الذي ورثوه عن الرسول .

وهذا يدل على أن الكتاب وحده لا يكفي لضبط حركة الأمة من بعد الرسول فلا بد أن تكون إلى جواره قوة تنفيذية مميزة ترجع إليها الأمة حال الخلاف والانحراف ؟ . .


هذه القوة هي الفئة المصطفاة من الأمة التي ترث الكتاب من بعد الرسول كما هو حال الأمم السابقة . . وهي ما يتضح من خلال قوله تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) ( فاطر : 32 ) فلو كان الكتاب وحده يكفي ما أورثه سبحانه للفئة المصطفاة التي هي القدوة من بعد الرسول .


والقرآن لم يحسم الخلاف والردة التي وقعت بعد وفاة الرسول مباشرة وإنما حسم هذا الأمر بواسطة السيف . فالقرآن حاله كحال الكتب السابقة له لا بد وأن تنحرف عنه الأمة . وهو لم يحكم في الخلافات التي وقعت حول مسألة الخلافة .

كما لم يحكم في مواجهة القبائل التي اعتبرت مرتدة وقوتلت على هذا الأساس . ولم يحكم في قضايا أخرى كثيرة ( 7 ) . . وبالإضافة إلى الخلاف الذي وقع حول جمعه بين الصحابة .


يمكن طرح السؤال التالي : أن القرآن الذي تركه الرسول لم يحل دون وقوع الردة والخلاف . فهل هذه الردة وقعت بسبب الانحراف عن القرآن أم الانحراف عن القدوة ؟ . .

أن التاريخ يجيب مؤكدا أن السبب المباشر لهذه الردة كان بسبب الانحراف عن القدوة وليس بسبب القرآن . . فالذين منعوا الزكاة كانوا مسلمين . . والرافضون بيعة أبي بكر كانوا مسلمين ( 8 ) . .

فهم كانوا مسلمين ملتزمين بالقرآن مؤمنين به إلا أن هذا الإيمان وهذا الالتزام لم يحل دون انحرافهم . . من هنا بدأت رحلة البحث عن هذه القدوة المتميزة . وهذه الرحلة كان
 

 

* هامش *

 

 

( 7 ) - أنظر كتابنا السيف والسياسة وكتب التاريخ .
( 8 )
- أنظر المراجع السابقة . ( * )

 

- ص 49 -

اعتمادي وزادي فيها هو النصوص فهي الحكم الوحيد بين أيدينا للخلاص من متاهات الرجال والوصول إلى الحق . . إن الحق إنما يعرف بالنص لا بالرجال . والرجال إنما يعرفون بالحق لا العكس .


وما دمت معتقدا أن النص فوق الرجال فقد تكشفت أمامي معالم الطريق .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net