ما عشت أراك الدهر عجبا [ شبهة النويري والمقريزي في أن عيد الغدير ابتدعه علي بن بويه ]
إلى هنا أوقفك البحث والتنقيب على حقيقة هذا العيد وصلته بالأمة جمعاء ، وتقادم عهده المتصل بالدور النبوي .
ثم جاء من بعده متواصلة العرى من وصي إلى وصي يعلم به أئمة الدين ، ويشيد بذكره أمناء الوحي ، كالإمامين أبي عبد الله الصادق وأبي الحسن الرضا بعد أبيهم أمير المؤمنين صلوات الله عليهم ، وقد توفي هذان الإمامان ونطف البويهيين لم تنعقد بعد ، وقد جاءت أخبارهما مروية في تفسير فرات والكافي المؤلفين في
القرن الثالث ، وهذه الأخبار هي مصادر الشيعة ومداركها في اتخاذ يوم الغدير عيدا منذ عهد طائل في القدم ، ومنذ صدور تلكم الكلم الذهبية من معادن الحكم والحكم . إذا عرفت هذا ، فهلم معي نسائل النويري والمقريزي عن قولهما : إن هذا العيد ابتدعه معز الدولة علي بن بويه سنة 352 .
قال الأول في نهاية الإرب في فنون الأدب 1 : 177 في ذكر الأعياد الإسلامية : وعيد ابتدعته الشيعة ، وسموه عيد الغدير ، وسبب اتخاذهم له مؤاخاة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علي بن أبي طالب يوم غدير خم ، والغدير : على ثلاثة أميال من
الجحفة بسرة الطريق قالوا : وهذا الغدير تصب فيه عين وحوله شجر كبير ( 1 ) ملتف بعضها ببعض ، وبين الغدير والعين مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، واليوم الذي ابتدعوا فيه هذا العيد هو الثامن عشر من ذي الحجة ، لأن المؤاخاة
كانت فيه في سنة عشر من الهجرة ، وهي حجة الوداع ، وهم يحيون ليلتها بالصلاة ويصلون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال ، وشعارهم فيه لبس الجديد وعتق الرقاب وبر الأجانب والذبائح . وأول من أحدثه معز الدولة أبو الحسن علي بن بويه ، على ما نذكره إن شاء الله في أخباره في سنة 352 .
ولما ابتدع الشيعة هذا العيد واتخذ [ و ] ه من سننهم ،
|
( 1 ) في المصدر : كثير . ( * ) |
| |
عمل عوام السنة يوم سرور نظير عيد الشيعة في سنة 389 ، وجعلوه بعد عيد الشيعة بثمانية أيام ، وقالوا : هذا يوم دخول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الغار هو وأبو بكر الصديق ، وأظهروا في هذا اليوم الزينة ونصب القباب وإيقاد النيران . انتهى ( 1 ) .
وقال المقريزي في الخطط 2 : 222 : عيد الغدير لم يكن عيدا مشروعا ولا عمله أحد من سالف الأمة المقتدى بهم ، وأول ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معز الدولة علي بن بويه ، فإنه أحدثه سنة 352 ، فاتخذه الشيعة من حينئذ عيدا. انتهى ( 2 )
[ دفع شبهة النويري والمقريزي ]
وما عساني أن أقول في بحاثة يكتب عن تأريخ الشيعة قبل أن يقف على حقيقته ، أو أنه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة ، أو أغضى عنها لأمر دبر بليل ، أو أنه يقول ولا يعلم ما يقول ، أو أنه ما يبالي بما يقول . أو ليس المسعودي المتوفى 346 يقول في التنبيه والإشراف :
|
( 1 ) نهاية الإرب في فنون الأدب 1 : 184 - 185 الباب الرابع في ذكر الأعياد الإسلامية ، ط وزارة الثقافة والإرشاد القومي . وعد في كتابه هذا 1 : 132 في ذكر الليالي المشهورة : ليلة البراءة ، وليلة القدر ، وليلة الغدير ، قال : وهي ليلة الثامن عشر من ذي الحجة .
( 2 ) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار : 230 ، ط نوادر الاحياء في لبنان . ( * ) |
| |
221 : وولد علي ( رضي الله عنه ) وشيعته يعظمون هذا اليوم ؟ ! . أو ليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفي سنة 329 ، وقبله فرات بن إبراهيم الكوفي المفسر الراوي لحديثه الآخر في تفسيره الموجود عندنا الذي هو في طبقة
مشايخ ثقة الإسلام الكليني المذكور ؟ ! فالكتب هذه ألفت قبل ما ذكراه - النويري والمقريزي - من التأريخ ( 352 ) . أو ليس الفياض بن محمد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة 259 ، وذكر أنه شاهد الإمام الرضا سلام الله عليه المتوفى سنة 203
يتعيد في هذا اليوم ويذكر فضله وقدمه ، ويروي ذلك عن آبائه عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) ؟ ! والإمام الصادق المتوفى سنة 148 قد علم أصحابه بذلك كله ، وأخبرهم بما جرت عليه سنن الأنبياء من اتخاذ يوم نصبوا فيه خلفاءهم عيدا ، كما جرت به العادة عند الملوك والأمراء من التعيد في أيام تسنموا فيها عرش الملك .
وقد أمر أئمة الدين ( عليهم السلام ) في عصورهم القديمة شيعتهم بأعمال برية ودعوات مخصوصة بهذا اليوم وأعمال وطاعات خاصة به . والحديث الذي مر عن مختصر بصائر الدرجات يعرب عن كونه من أعياد الشيعة الأربعة المشهورة في أوائل القرن الثالث الهجري .
هذه حقيقة عيد الغدير ، لكن الرجلين أرادا طعنا بالشيعة ، فأنكرا ذلك السلف الصالح ، وصوراه بدعة معزوة إلى معز الدولة ، وهما يحسبان أنه لا يقف على كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب . ( فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ) ( الأعراف / 116 - 117 )
|