الاتهام بالشرك أخطر أنواع التكفير
أيها القارئ كما ترى الروايات صريحة في بيان أن المقر بلسانه بكلمة التوحيد مسلم ، ليس لك أن تتهمه بغير ذلك ، ومن يقر بالتوحيد يقر بأن الله الخالق المدبر المعبود لا يجوز له أن يرى غيره إلها خالقا مدبرا معبودا ، فمن يقر بأن الله خالق مدبر ولكن المعبودات متعددة هو مشرك .
نعم هذا لا يعني أنه لا يمكن أن نحكم بكفر من يقر بالتوحيد وذلك إذا أنكر ما هو ضروري من الدين مع انتفاء الشبهة في حقه ، وهذا أمر قضائي يجب أن يحكم به القضاء العادل غير المنحاز ، وأما دون ذلك ومع قوله لا إله إلا الله ، بمعنى اعتقاده بأن الخالق المدبر المعبود إله واحد هو الله لا إله غيره فهذا ما ردع عنه رسول الله (ص) فيما نقلنا من الأحاديث .
وبعبارة أخرى ما يريد رسول الله (ص) بيانه أنه لا يمكنكم أن تتهموا المقر بالتوحيد بالشرك بل ابحثوا عن أدلة أخرى لتكفيره كإنكار ضرورات الدين ، وكل ذلك لأن
12 ....................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني |
هناك معنى لغويا بسيطا لكلمة التوحيد عند العرب بل عند البشرية هي وحدانية الخالق المعبود .
من يقول أنا لا أعبد إلا الله وما أقوم به ليست عبادة لغيره ، لا يمكن أن يقال له : لا بل أنت مشرك ، أنت تعبد غير الله لأننا نحن نعرف معنى العبادة ومصاديقها وأنت لم تعرفها ، هو مسلم بمجرد اعتقاده بأن العبادة لا تكون إلا لله ولم يقصد غير الله بالأعمال العبادية ، فهو مسلم وإن قام بما تخيله الوهابيون عبادة لغير الله ما دام هو لا يراها عبادة لغير الله بل يقول كل ما فعلته بقصد احترام ذلك الغير وتقديره لا عبادته .
نعم اتضح عند الكثير منهم فداحة الأمر والخطأ الذي وقع به أسلافهم وخاصة مع ما روي عنه (ص) في صحيح مسلم : " إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما " (1) ، فغيروا عباراتهم وقالوا : بأننا لا نقول بأن المسلم الذي يتوسل بالأنبياء والصالحين مشرك وكافر ، بل نقول إن عمله عمل الكفار المشركين من دون الحكم بكفره .
ولكنها كلمات لا يقصد منها إلا تدارك الأخطاء الجسيمة والجرائم الفظيعة التي صدرت من أسلاف الحركة الوهابية في العصور المتأخرة ، بل إن نفور البعض من الانتساب إلى الوهابية ينطلق من ذلك ، ولذا فضلوا الانتساب إلى السلف والتسمي باسم السلفية .
عموما تبقى بذور الخطر كامنة حتى في ذلك البعض ، مع سهولة دعوى أن الحجة أقيمت على شخص ما أو جماعة ما فتعود الجرائم التي مورست في الماضي القريب ، بل عادت كما نراها جلية في ممارسات الحركات الإرهابية المعاصرة في مطلع القرن الحادي والعشرين .
إن جوهر الخلاف معهم يتلخص بأن ما ادعوه شركا ليس بشرك حتى يترتب عليه قولهم إنه وقع جهلا من المسلم فلا نحكم بكفره ، وهدفنا في هذا البحث بيان وتوضيح حقيقة كل من التوحيد والشرك الذي تحدث عنها القرآن وتحديد نقاط الخلل في فهم أصحاب هذه الرؤية ، وهو بحث مهم لكل من تأثر أو يمكن أن يتأثر بأرباب هذه الرؤية سواء كانوا مكفرين أم لا .
|