منشأ الشرك عند البشر والرؤية الوهابية
نعم الضلالات البشرية صورت إمكان تعدده فأشركوا بالله ، وليس الشرك إلا الاعتقاد بتعدد مثل هذا الموجود وخرق آلهة أخرى اعتقدوا أن لها تأثيرا مستقلا في شئون الكون ولذا كانوا يتوجهون إليها في العبادة ويدعونها ، وفي الغالب الأعم كان على نحو الاعتقاد بالإله الأكبر الذي هو الله مع الاعتقاد بآلهة أخرى معه صغيرة اعتبروها أبناء لله ، وكانت تعبد مع الله تعالى أو من دونه كما نص القرآن الكريم ، وتعبد لأنها ذات قدرات إلهية هي من قبيل قدرات الإله الأعظم .
والفكر الوهابي السلفي لا يوافق على الرؤية السابقة للشرك ويصوره على نحو آخر ، فله رؤيته الخاصة للشرك الواقع عند الأمم ، وتقوم رؤيته على محورين هما : 1- التمييز بين نوعين من التوحيد ، الأول توحيد الربوبية والآخر توحيد الألوهية . 2- إن المشكلة الأساسية عند البشر تتركز في انتفاء المعنى الثاني للتوحيد أي توحيد الألوهية ، فالبشرية كانت
تقع في شرك الألوهية دون شرك الربوبية ، وحقيقته عبادة غير الله مع عبادة الله مع اعتقاد هذا المشرك في العبادة بأن الله هو الخالق المدبر لشئون الكون فهو يوحد الله في الربوبية ، وتتركز الرؤية الوهابية حول المحور الثاني هذا ، ولكن تجد في عباراتهم ترددا في تحديد موجب الوقوع في شرك العبادة ، فتارة تشعر بأنهم يرونه في مجرد اتخاذ الوسائط في عبادة الله الإله الأعظم وتارة أخرى في دعاء تلك الوسائط ، ولذا يمكن القول بأنك تجد صياغتين عندهم لشرك العبادة أي المحور الثاني :
19 ....................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني |
الأول : إن العبادة الأساسية والرئيسية التي أشرك فيها البشر تتمثل في توسيط موجودات أخرى ، فقصد الله من خلال الشفعاء والأولياء هو الذي يجعلهم عبادا لغيره ومشركين به ، وبذلك يكونون قد اتخذوا هذا الموجود إلها وإن لم يعتقدوا بأنه خالق مدبر .
الثاني : إن العبادة الأساسية التي أشرك بها هؤلاء هي دعاء تلك الموجودات والاستغاثة بها وطلب ما لا يقدر عليه إلا الله منها ، فقالوا إن الدعاء هو العبادة التي أشركوا بها فهي أهم وأكبر مصاديق العبادة ، فيكون كل من يدعو غير الله هو يعبد غير الله وإن لم يعتقد بأنه رب له دوره في تدبير شئون الكون أو بعض شئونه ، بل وإن لم يسم ما يقوم به عبادة ، وهي عبادة موجودة عند كثير من المسلمين الذين يدعون غير الله من الصالحين والأولياء ويطلبون منهم .
بذلك يتبين أن الشرك لا يندفع بمجرد النطق بالشهادتين وإقام الصلوات وغيرها من العبادات ، بل ابن عبدالوهاب يرى أن الشرك الواقع عند المسلمين الذين يشهدون الشهادتين أشد من شرك مشركي قريش عندما يقول : " فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين : أحدهما : أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله إلا في الرخاء ، وأما الشدة فيخلصون لله الدعاء كما قال تعالى ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا ) ...
الأمر الثاني : إن الأولين يدعون مع الله أناسا مقربين عند الله إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة أو يدعون أشجارا أو أحجارا مطيعة لله ليست عاصية ، وأهل زماننا يدعون مع الله أناسا من أفسق الناس ، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك " (1) .
|
(1) شرح كشف الشبهات ص 100- 103 . | |
|