متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
آية أخرى استدل بها على توحيد المشركين في الربوبية
الكتاب : الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

آية أخرى استدل بها على توحيد المشركين في الربوبية

هي قوله تعالى ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) يوسف/ 106 .
فقد اعتبر البعض أن هذه الآية تؤيد من يقول بأنهم موحدون في الربوبية ، وقد روى الطبري عن ابن عباس قوله : " ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ ... ) قال : من إيمانهم إذا قيل لهم : من خلق السماء ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال ؟ قالوا : الله ، وهم مشركون ...

وعن عكرمة قال : تسألهم من خلقهم ومن خلق السماوات والأرض ؟ فيقولون : الله فذلك إيمانهم بالله وهم يعبدون غيره ...

عن عكرمة : هو قول الله ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) فإذا سئلوا عن الله وعن صفته ، وصفوه بغير صفته وجعلوا له ولدا وأشركوا به ...

عن عكرمة ومجاهد وعامر ، أنهم قالوا في هذه الآية ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) قال : ليس أحد إلا يعلم أن الله خلقه وخلق السماوات والأرض ، فهذا إيمانهم ويكفرون بما سوى ذلك ... عن قتادة : ... إنك لست تلقى أحدا منهم إلا أنبأك أن الله ربه وهو الذي خلقه وهو مشرك في عبادته ... عن ابن عباس قوله : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) يعني النصارى يقول ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ

102 ...................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) ، ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) ، ولئن سألتهم من يرزقكم من السماء والأرض ؟ ليقولن : الله ، وهم مع ذلك يشركون به ويعبدون غيره ويسجدون لأنداد دونه .

ابن زيد ... قال : ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ويعرف أن الله ربه وأن الله خالقه ورازقه هو يشرك به ، ألا ترى كيف قال لإبراهيم ( أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ) ، قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون ، قال : فليس أحد يشرك به إلا وهو مؤمن به ، ألا ترى كيف كانت العرب تلبي ، فتقول : لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك ، المشركون كانوا يقولون هذا " (1) .

وهو ظاهر من قال أنهم يقرون بخالقية الله ويشركون في عبادته ، كما في عبارة القرطبي : " نزلت في قوم أقروا بالله خالقهم وخالق الأشياء كلها وهم يعبدون الأوثان ، قاله الحسن ومجاهد وعامر والشعبي وأكثر المفسرين ... " (2) ، ثم عدد الأقوال الأخرى .

وقال النسفي : " أي وما يؤمن أكثرهم في إقراره بالله وبأنه خلقه وخلق السماوات والأرض إلا وهو مشرك بعبادة الوثن ، الجمهور على أنها نزلت في المشركين لأنهم مقرون بالله خالقهم ورازقهم وإذا حزبهم أمر شديد دعوا الله ومع ذلك يشركون به غيره " (3) .

 

(1) تفسير الطبري المجلد 8 ، ج13 ص 100 - 103 ، روى البخاري معلقا عن عكرمة : " ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) ، ولئن سألتهم من خلقهم ومن خلق السماوات الأرض ليقولن الله ، فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره ، قال ابن حجر ( الفتح ) ج13 ص 494 : " ( وقال عكرمة ... الخ ) وصله الطبري ... وبأسانيد صحيحة عن عطاء وعن مجاهد نحوه ، وبسند حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماوات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال ؟ قالوا : الله ، وهم به مشركون " .
(2) تفسير القرطبي ، المجلد الخامس ، ج9 ص 238 .
(3) تفسير النسفي ج1 ص 626 .

 
 

103 ...................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني

وعليه ينبغي حمل مثل عبارة الثعلبي : " يؤمنون بالله أنه ربهم هو خالقهم ويشركون من دونه ، وهذا قول أكثر المفسرين " (1) .

وأما ابن أبي حاتم فينقل روايتين يظهر منهما أن الحديث في الآية عن الشرك الأصغر ، قال : " ... عن زكريا بن زرارة ثنا أبي قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قوله ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) ، قال أبو جعفر : شرك طاعة قول الرجل : لولا الله وفلان ، لولا وكلب بني فلان . ...
عن عزرة قال : دخل حذيفة على مريض فرأى في عضده سيرا فقطعه أو انتزعه ، ثم قال : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) " (2) .

وروى نحوه الطبري عن عكرمة لكن في تفسير الآية السابقة قال : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً ) أي تقولوا : لولا كلبنا لدخل علينا اللص الدار ، لولا كلبنا صاح في الدار ونحو ذلك " (3) .

وصحيح أن الطبري ذهب إلى إن شركهم في العبادة مع إيمانهم بوحدانية الله في شئون الخلق والتدبير ، ولكنه ملتفت إلى أمور أخرى كادعائهم لوجود الولد لله تعالى عن ذلك ، قال : " وما يقر أكثر هؤلاء ... بالله أنه خالقه ورازقه وخالق كل شيء إلا وهم به مشركون في عبادتهم الأوثان الأصنام ، واتخاذهم من دونه أربابا وزعمهم أن له ولدا تعالى عما يقولون " (4) .

أما الأقوال الأخرى التي ذكرها القرطبي فعددها قائلا : " وقال عكرمة : هو قوله ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) ثم يصفونه بغير صفته ويجعلون له أندادا ، وعن الحسن أيضا أنهم أهل الكتاب معهم شرك وإيمان ، آمنوا بالله وكفروا بمحمد (ص)

 

(1) تفسير الثعلبي ج5 ص 263 .
(2) تفسير ابن أبي حاتم ج7 ص 2208 .

(3) تفسير الطبري ، المجلد الأول ، ج1 ص 237 .
(4) المصدر السابق ، المجلد الثامن ، ج 13 ص 100 .
 
 

104 ...................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني

حكاه ابن الأنباري ، وقال ابن عباس : نزلت في تلبية مشركي العرب لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، وعنه أيضا أنهم النصارى ، وعنه أيضا أنهم المشبه آمنوا مجملا وأشركوا مفصلا ، وقيل : نزلت في المنافقين ، المعنى ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ ) أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه ذكره الماوردي عن الحسن أيضا ، وقال عطاء : هذا في الدعاء وذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء بيانه ( وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ) الآية ، وقوله ( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ ) الآية ، وفي آية أخرى ( وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ ) ، وقيل : معناها أنهم يدعون الله لينجيهم من الهلكة ، فإذا أنجاهم قال قائلهم : لولا فلان ما نجونا ، ولولا الكلب لدخل علينا اللص ونحو هذا ، فيجعلون نعمة الله منسوبة إلى فلان ، ووقايته منسوبة إلى الكلب ، قلت : وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وقيل : نزلت هذه الآية في قصة الدخان ، وذلك أن أهل مكة لما غشيهم الدخان في سني القحط قالوا ( رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ) فذلك إيمانهم وشركهم عودهم إلى الكفر بعد كشف العذاب ، بيانه قوله ( إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ) والعود لا يكون إلا بعد ابتداء ، فيكون معنى ( إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) أي إلا وهم عائدون إلى الشرك ، والله أعلم " (1)

وكلمة ابن الجوزي ( ت 597 ) صريحة في أنهم ليسوا مؤمنين حقيقة قال : " فإن قيل كيف وصف المشرك بالإيمان ؟ فالجواب : أنه ليس المراد به حقيقة الإيمان ، وإنما المعنى أن أكثرهم مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم مشركون " (2) .

وقال ابن عطية ( ت 546 ) : " قال ابن عباس : هي في أهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ثم يشركون من حيث كفروا بنبيه أو من حيث قالوا عزير ابن الله والمسيح

 

(1) تفسير القرطبي ، المجلد الخامس ج9 ص 238 .

(2) زاد المسير ج4 ص 227 .  
 

105 ...................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني

ابن الله ، وقال عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد هي في كفار العرب وإيمانهم هو إقرارهم بالخالق والرازق والمميت فسماه إيمانا وإن أعقبه إشراكهم بالأوثان الأصنام ، فهذا الإيمان لغوي فقط من حيث هو تصديقها ، وقيل : هذه الآية نزلت بسبب قول قريش في الطواف والتلبية .. " (1) .

المعنى الصحيح المبين في كلمات أهل البيت (ع)
ولكن مع ذهاب عدد من المفسرين إلى ذلك إلا أن الصحيح هو التفسير المتفق عليه في قوله تعالى ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) الفرقان/ 43 ، فقد اتفق المفسرون على أن الآية لا تقصد أنهم اتخذوا الهوى إلها يركع ويسجد له ، ولكن بمعنى الشرك في الطاعة ، فالصحيح ما في رواية ابن أبي حاتم عن الباقر(ع) من قوله أنه : شرك طاعة .

وقد نقلت الرواية في مصادر الشيعة بعدة طرق عن الباقر وغيره من الأئمة (ع) ، وأكدت عليه الروايات بعبارات تشعر كأنها رد على ما انتشر بين غيرهم من تفسير خاطئ للآية ، أهمها ما رواه القمي بسند موثق عن الفضيل عن أبي جعفر (ع) في قول الله تعالى ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) ، قال : شرك طاعة ، وليس شرك عبادة ، والمعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة ، أطاعوا فيها الشيطان ، فأشركوا بالله في الطاعة لغيره ، وليس بإشراك عبادة أن يعبدوا غير الله " ، ورواه العياشي عن زرارة عن الباقر (ع) .

وفي الكافي عن الصادق (ع) : " شرك طاعة وليس شرك عبادة ، وعن الرضا (ع) قال : " شرك لا يبلغ به الكفر " (2) .

 

(1) المحرر الوجيز ج9 ص 386 -387 .
(2) تفسير القمي ج1 ص 358 ، ورواية زرارة في العياشي ج2 ص 199 ، ورواية الرضا والصادق (ع) في الكافي ج2 ص292 .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net