متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الشفاعة من مسلمات الإسلام
الكتاب : الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

الشفاعة من مسلمات الإسلام

المشكلة الكبيرة التي تواجه من يريد أن يضمّن الشرك في مفهوم الشفاعة المستعملة في الآية أن الشفاعة في نفسها من الواضحات التي يقبلها القرآن ويقر بها ، فليست هي مرفوضة في الإسلام ولا مذمومة في نفسها ، بل الرفض هو لبعض تصورات الكفار التي لازمت الشفاعة لا أصل الشفاعة ، وآيات القرآن واضحة في إثباتها للمؤمنين ونفيها عن المشركين ، كما أن من الواضح أن الكفار كانوا يؤمنون بها ويرجونها .

فأي رؤية لآيتي الزلفى والشفعاء يجب ألا تصطدم بمسلمة إسلامية هي ثبوت شفاعة رسول الله (ص) بل شفاعة كل مؤمن أذن الله له ، وتجد ذلك في قوله تعالى ( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ) طه / 109 ، فإذا كانت الشفاعة شركا ، فهل يمكن أن يجيز الله الشرك في بعض الأحيان مع تحقق ضابطته وموجبه ؟! كيف وقد قال عز وجل ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) آل عمران/ 79-80 .

قد يتخيل البعض ذلك بل يتوهمه من قوله تعالى ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) الأعراف/33 ، فالآية توهم إمكان أن ينزل الله بسلطان أي حجة يجيز الشرك ، قال الرازي تعليقا على الآية : " وفيه سؤال : وهو أن هذا يوهم أن في الشرك بالله ما قد أنزل به سلطانا ، وجوابه : المراد منه أن الإقرار بالشيء الذي ليس على ثبوته حجة ولا سلطان ممتنع ، فلما امتنع حصول الحجة والتنبيه على صحة القول بالشرك ، فوجب أن يكون القول به باطلا على الإطلاق " (1) .

 

(1) تفسير الرازي ، المجلد السابع ، ج14 ص 70

 
 

199 ...................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني

واعتبرها الزمخشري تهكما بالمشركين ، قال : " ( مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) فيه تهكم ، لأنه لا يجوز أن ينزل برهانا بأن يشرك به غيره " ، وكذلك اعتبرها الشوكاني (1) .

لكن الظاهر أن عدم نزول السلطان من الله كناية عن عدم وجود دليل عندهم ، واستعمال صيغة الماضي ( مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) باعتبار أنه مواجهة لعقيدة قديمة فاسدة انطلقت من الماضي فلم ينزل به سلطان حينما بدأت ، وكل موراد استعمال العبارة في القرآن استعملت على نحو النفي في الماضي كما في قوله تعالى ( مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) يوسف /40 ، فالمقصود أنها لم تنطلق من دليل وبرهان وحجة ، ومثل هذا المقصود وهذا المعنى لا مفهوم له .

وعلى ذلك يجب حمل مثل قوله تعالى ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) الزخرف /45 وقوله تعالى ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) الأنبياء /24 ، ولا بد من الحمل على ذلك لأنه لا يمكن أن ينزل برهانا وسلطانا يجيز الشرك ،كيف وقد قال عز وجل ( وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) آل عمران / 80 .

 

(1) الكشاف ج2 ص 61 ، فتح القدير ج2 ص 229 .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net