متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
نقاط الخلل في الرؤية الوهابية للدعاء الموجب للشرك
الكتاب : الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

نقاط الخلل في الرؤية الوهابية للدعاء الموجب للشرك

نذكّر بأننا انطلقنا من آيتي الزلفى والشفعاء ، وهما لم تتضمنا إلا كلمة العبادة ، فما هو دخل الدعاء في البين ؟! تذكيرا بالأمر نقول بأنّا عقدنا هذا الباب لأن الوهابية ترى أن العبادة التي تجعل المسلمين زوار القبور مشركين بالله وعبدة للقبور هو دعاء صاحب

225 ...................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني

القبر والطلب منه ، فمفردة الدعاء مفردة محورية في الرؤية الوهابية ، فيرون أن كل دعاء وطلب من موجود ما هو عبادة لذلك الموجود .

فما يجب عليهم إثباته هنا أن دعاء غير الله عبادة لذلك الغير كما أن الصلاة عبادة ، فما نعرضه هنا هو أدلتهم على أن الدعاء عبادة ، ولا نبالغ إن قلنا إن الجزء الأساس من البحث يتركز في مفردتي العبادة في الباب الأول والدعاء في هذا الباب ، ومستندهم الأساس في ذلك الكم الكبير من الآيات التي يظهر منها نوع وحدة بين لفظتي عبادة الله ودعوة الله أو عبادة غير الله ودعوة غير الله شكلت أساسا مهما لرؤيتهم ودعواهم بأن الدعاء عبادة ، وإليك نماذج من تلك الآيات .
قال تعالى :
( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ) الجن / 18 .
( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ … وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ ) يونس / 104 .
( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ … هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) غافر / 60 .
( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ) فاطر / 40 .
( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) الأحقاف / 5-6 .

226 ...................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني

( قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) الإسراء / 57 .
( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) الشعراء / 71 .

وإليك بعض الأمثلة لاستدلالهم بتلك الآيات .
قال ابن تيمية : " وهذا ونحوه مما يبين أن الذين يدعون الأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم من المشركين الذين يدعون غير الله كالذين يدعون الكواكب والذين اتخذوا الملائكة والنبيين أربابا قال تعالى ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ... ) ... ، وقال تعالى ( قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) وقال تعالى ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ... ) ومثل ذلك كثير في القرآن ينهى أن يدعى غير الله لا من الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم فإن هذا شرك أو ذريعة إلى الشرك " (1) .

قال ابن عبدالوهاب : " وعرفت أن رسول الله (ص) قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده كما قال الله تعالى ( فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) وكما قال تعالى ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْ ) ، وتحققت أن رسول الله (ص) قاتلهم ليكون الدعاء كله لله " (2) .

 

(1) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 32 - 33 .

(2) شرح كشف الشبهات ص 35 - 36 .  
 

227 ...................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني

وقال : " من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره ، وقول الله تعالى ( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ * وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ ) الآية ، وقوله ( فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ ) الآية ، وقوله ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ ) الآيتان ، وقوله ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) .

وروى الطبري بإسناده أنه كان في زمن النبي (ص) منافق يؤذي المؤمنين ، فقال بعضهم : قوموا بنا نستغيث برسول الله (ص) من هذا المنافق ، فقال النبي (ص) : إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل .

وفيه مسائل ... الثالثة : إن هذا هو الشرك الأكبر " (1) .
لكن ينبغي التنبيه أن الفرض هو الحديث عن أناس يدعون الأولياء عند القبور أي يطلبون منهم ، ويريد هولاء أن يثبتوا أنهم أشركوا لأنهم دعوا أصحاب القبور بمعنى

 

(1) كتاب التوحيد ص 32 - 33 ، ولا بأس هنا بعد أن نقل ما روي عنه (ص) : " أنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله " من التذكير بقول ابن عبدالوهاب في ( كشف في الشبهات ) عند رده على من أشكل بثبوت النص على جواز الاستغاثة بالأنبياء : " والجواب أن نقول سبحان من طبع على قلوب أعدائه فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها كما قال الله تعالى في قصة موسى ( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) " ص 125 -126 ، رجل لا يستطيع أن يدرك التناقض بين عباراته يخبرنا أن المسلمين وقعوا في الشرك ، مع أن الشيخ أرناؤوط الذي أشرف على تحقيق مسند أحمد علق على سند الخبر بقوله : " إسناده ضعيف لضعف عبدالله بن لهيعة ، ولإبهام الراوي عن عبادة " مسند أحمد ج37 ص 381 .

 
 

228 ...................................................................... الخلل الوهابي في فهم التوحيد القرآني

سألوهم وطلبوا منهم ، فهل هذه الآيات تتحدث عن الدعاء بمعنى الطلب بعد أن رأينا تعدد معاني الكلمة في اللغة العربية بل في استعمالات القرآن ، هذا ما سيجرنا لتشخيص الخلل الأول في الرؤية الوهابية للآيات .

ثم لو سلمنا بأن دعاء غير الله دعاء مسألة وحاجة يوقع في الشرك ، فهل يعقل أنك لو طلبت من صديقك وسألته مالا أو حاجة ما أشركت ؟! أم الحديث عن نوع معين ومقيد من دعاء المسألة ، فإذن ما هو القيد الذي يجب أن يقيد به دعاء المسألة الشركي ، هذا ما سيجرنا للحديث عن الخلل الثاني في الرؤية الوهابية للآيات التي تتحدث عن الدعاء الموجب للوقوع في الشرك .
فلنفصل الحديث حول الخللين الكبيرين في الاستدلال بهذه الآيات .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net