متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
كاشف الغطاء ماذا يقول ؟
الكتاب : مأساة الزهراء عليها السلام .. شبهات وردود ج1    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

الفصل الخامس : كاشف الغطاء وشرف الدين

--------------------------------- ص 189 -----------------------------------

كاشف الغطاء ما ذا يقول ؟ !

قد استدل البعض ، بإجابة العالم العلم الحجة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء - الذي وصفه بأنه من المفكرين - على سؤال حول هذا الموضوع ، معتبرا أن كلام كاشف الغطاء يثبت عدم صحة ما يقال من كسر ضلع الزهراء عليها السلام ، بسبب ضرب المهاجمين لها ، كما أن ذلك ينفي ما يقال من دخولهم بيتها ، وضربها وما لحق أو سبق ذلك من أحداث .

وما استدل به كاشف الغطاء هو ما يلي :

 1 - قال رحمه الله : " أنا لا أبرئ هؤلاء القوم ، لكن ضرب المرأة كان في ذلك الزمان عيبا ، فمن يضرب امرأة يصبح ذلك عارا عليه وعلى عقبه ، ففي نهج البلاغة عن علي عليه السلام : . . ولا تهيجوا النساء بأذى ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم ، فإنهن ضعيفات القوى ، والأنفس ، والعقول ، إن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات ، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر ، أو الهراوة ، فيعير بها وعقبه من بعده ( 1 ) " . .

  ( 1 ) نهج البلاغة : قسم الرسائل ( شرح محمد عبده ) : ج 3 ص 16 ط دار المعرفة ، بيروت ، لبنان . ( * )  
 

- ص 190 -

 2 - وقال رحمه الله : " ولكن قضية الزهراء ، ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ، ويتقبله عقلي ، ويقنع به مشاعري ، لا لأن القوم يتحرجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة ، بل لأن السجايا العربية ، والتقاليد الجاهلية التي ركزتها إلخ . . ( 1 ) " .

 3 - ثم اعتبر أنهم لو فعلوا ذلك لوجدوا من الصحابة ، من يمنعهم ويردعهم عن ذلك .

 4 - واستدل أيضا بأنها عليها السلام ما ذكرت أنهم قد اعتدوا عليها بالضرب ، أو أسقطوا جنينها ، ولا أشارت إليه في شئ من خطبها ومقالاتها المتضمنة لتظلمها من القوم ، وسوء صنيعهم معها ، مثل خطبتها في المسجد ، بحضور المهاجرين والأنصار " مع أنها كانت ثائرة متأثرة أشد التأثر " .

وقد خاطبت عليا ( ع ) بأن فلانا " يبتزني نحلة أبي ، وبلغة ابني " ، ولم تقل : إنه أو صاحبه قد ضربني . وكذلك الحال حين كلمت نساء المهاجرين والأنصار ، حيث بدأت كلامها بقولها : أصبحت والله عائفة لدنياكن ، قالية لرجالكن الخ . . . فلم تشك إلا من غصب فدك ، وغصب الخلافة ، مع أن ضربها ، ولطم خدها ، وكسر ضلعها ، ونبات المسمار في صدرها ، - لو صح - أعظم من غصب فدك . كما أنها حين جاء أبو بكر وعمر ، واستأذنا عليا ، ودخلا عليها لاسترضائها لم تذكر لهما شيئا مما يقال إنه قد جرى عليها . وعلي أمير المؤمنين عليه السلام أيضا لم يشر إلى ذلك في شئ

  ( 1 ) راجع : جنة المأوى : ص 81 . ( * )  
 

- ص 191 -

من خطبه ومقالاته . وقد هاجت أشجانه بعد دفنها ، وخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : السلام عليك يا رسول الله ، عني ، وعن ابنتك النازلة في جوارك . . . إلخ . . وقد كان المقام يقتضي ذكر ذلك ، لو أنه قد كان ، لأنه حجة قوية عليهم ، وفيه إثارة عاطفية ضدهم من جميع الجهات ( 1 ) .

ثم اعتبر رحمه الله أن هذا الأمر إنما صدر عن قنفذ الوردي دون سواه . هذا ، ما ذكره كاشف الغطاء ، وتمسك به وأعاده بعض من يريد التشكيك ، وإثارة غبار الريب حول هذه القضية .

ونقول في الجواب : إن كلام الشيخ كاشف الغطاء ، الذي استفاد منه هذا البعض للتشكيك بما جرى على الزهراء ، يتضمن العديد من النقاط ، نذكرها على النحو التالي :

 1 - كاشف الغطاء لا ينكر ما جرى : إننا على الرغم من أننا نعتقد أن كاشف الغطاء لا ينكر ما جرى على الزهراء من أحداث وبلايا فإننا نقول :

  ( 1 ) راجع المصادر المتقدمة . ( * )  
 

- ص 192 -

 أولا : إنه رحمه الله ، وإن كان عالما مبرزا ، لكن ذلك لا يجعله في مأمن من الوقوع في الخطأ والاشتباه ، لا سيما في أمر يحتاج إلى مزيد من التتبع للآثار والنصوص في مصادرها ، وقد رأيناه حين ذكر رأيه في مسألة الهجوم على بيت الزهراء عليها السلام ، وضربها وإسقاط جنينها ، قد ذكر ما استند إليه ، واعتمد عليه .

فالعمدة هو ذلك الدليل ، فلا بد من النظر فيه ومحاكمته ، فقد لا يكون صحيحا . . وكونه من الإمامية لا يجعله في منأى عن النقد العلمي والموضوعي لآرائه ، ولما يستدل به .

 ثانيا : لعل الشيخ كاشف الغطاء يخاطب أولئك الذين يقدسون هؤلاء المهاجمين ، ويرون فيهم معيار الحق وميزان الصدق ، فأراد إفهامهم حقيقة الأمر ، دون أن يثير حفيظتهم وعصبياتهم ، ولذا نراه يظهر استبعاده لحصول هذا الأمر ، ثم يلقي التبعة على شخص لا حساسية لهم منه ، ولا قداسة كبيرة له في نفوسهم ، وهو قنفذ العدوي .

ويؤيد هذا المعنى أنه رحمه الله إنما كتب ذلك جوابا على سؤال ورد إليه ، فهو قد راعى حال السائل ، أو الحالة العامة التي لا يريد أن يثير فيها ما يهيج أو يثير ، لا سيما مع ما ظهر من اهتمامه الكبير بأمر الوحدة فيما بين المسلمين .

 ثالثا : إننا نجد هذا العالم الجليل بالذات يصرح بحقيقة رأيه حينما لا يكون ثمة مبرر للمجاراة ، والمداراة ، حيث لا يكون خطابه موجها إلى أولئك الذين يفترض فيه أن لا يجرح عواطفهم ، فتراه رحمه الله يجهر منددا بإسقاط المحسن ، وبإضرام النار بباب فاطمة عليها الصلاة والسلام ، فهو يقول :

- ص 193 -

وفي الطفوف سقوط السبط منجدلا من سقط محسن خلف الباب منهجه وبالخيام ضرام النار من حطب بباب دار ابنة الهادي تأججه ( 1 )

 رابعا : هو نفسه رحمه الله يذكر أن هناك إجماعا على هذا الأمر ، وقد تقدم شئ من عبارته حول ذلك ، ونحن نعيدها كاملة هنا مرة أخرى ، وهي التالية : " طفحت واستفاضت كتب الشيعة ، من صدر الإسلام والقرن الأول ، مثل كتاب سليم بن قيس ، ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده بل وإلى يومنا هذا ، كل كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمة ، وأبيهم الآية الكبرى ، وأمهم الصديقة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين ، وكل من ترجم لهم ، وألف كتابا فيهم ، وأطبقت كلمتهم تقريبا أو تحقيقا في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة ، أنها بعد رحلة أبيها المصطفى ( ص ) ضرب الظالمون وجهها ، ولطموا خدها ، حتى احمرت عينها وتناثر قرطها ، وعصرت بالباب حتى كسر ضلعها ، وأسقطت جنينها ، وماتت وفي عضدها كالدملج .

ثم أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم هذه القضايا والرزايا ونظموها في أشعارهم ومراثيهم ، وأرسلوها إرسال المسلمات : من الكميت والسيد الحميري ، ودعبل الخزاعي ، والنميري ، والسلامي ، وديك الجن ، ومن بعدهم ، ومن قبلهم إلى هذا العصر .

وتوسع أعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر ، والرابع

  ( 1 ) راجع : مقتل الحسين ، للسيد عبد الرزاق المقرم : ص 389 ، منشورات قسم الدراسات الإسلامية - طهران - ايران . ( * )  
 

- ص 194 -

عشر ، الذي نحن فيه ، كالخطي ، والكعبي ، والكوازين ، وآل السيد مهدي الحليين ، وغيرهم ممن يعسر تعدادهم ، ويفوق الحصر جمعهم وآحادهم . وكل تلك الفجائع والفظائع ، وإن كانت في غاية الفظاعة والشناعة ، ومن موجبات الوحشة والدهشة ، ولكن يمكن للعقل أن يجوزها ، وللأذهان والوجدان أن تستسيغها ، وللأفكار أن تقبلها ، وتهضمها ، ولا سيما وأن القوم قد اقترفوا في قضية الخلافة ، وغصب المنصب الإلهي من أهله ما يعد أعظم وأفظع ( 1 ) " .

 2 - ضرب النساء : إن ما اعتبره رحمه الله مبررا لاستبعاد ضرب العربي للمرأة لا يصلح للتبرير ، وذلك :

 أولا : لأن كلمة أمير المؤمنين عليه السلام عن العار في ضرب المرأة لا يعني استحالة صدور هذا الأمر منهم ، إذا كان ثمة داع أقوى ، يدفع إلى ارتكاب أفظع الجرائم ، وهتك أعظم الحرمات .

ولا سيما إذا كان هذا الداعي هو شهوة الحكم والسلطة ، وخصوصا إذا كانت الحكومة تستطيع بعد توطيدها أن تمحو العار بما تفرضه من هيبة ، وبما تملك من مال وجاه ، وحيث تعنو لها الرقاب خوفا أو طمعا ، ثم بما يحيط المتصدي لمقام خلافة النبوة من شعور بالتقديس ، والاحترام من منطلق التدين والإيمان لدى عامة الناس .

ومن جهة أخرى : قد كان ولا يزال وأد البنات عارا ؟ ! وكان ولا يزال قتل الابن والأخ من أجل الدنيا عارا ؟ وقد قتلت الخيزران ولدها

  ( 1 ) لا حظ جنة المأوى : ص 83 - 84 و 78 - 81 . ( * )  
 

- ص 195 -

من أجل الملك كما يزعمون ، وقتل المأمون أخاه . وعرفت عنهم مقولة : الملك عقيم لا رحم له ( 1 ) .

ولو كان ثمة تقيد بعدم صدور القبيح منهم لما قالوا للنبي ( ص ) ، وهو يسمع : إن النبي ليهجر ، مع أن الوازع الديني يفترض أن يكون أقوى من وازع التقاليد والعادات .

بالإضافة إلى أن إطلاق هذه الكلمة بحق النبي أدعى للصوق العار الأبدي بهم ، وهو أعظم من تجرئهم على امرأة بالضرب ، أو باجتياح بيتها ، أو بإسماعها قواذع القول ، وعوار الكلام .

وخلاصة الأمر : إذا كان ثمة شخص يخاف من العار فلا بد أن يخاف منه في كل شؤونه وحالاته ، أما أن يخاف من العار هنا ، ولا يخاف منه هناك كما في جرأته على رسول الله ( ص ) فذلك غير واضح ولا مقبول . . بل إن جرأته على العار في مورد تجعلنا نتريث في تكذيب ما ينسب إليه منه في مورد آخر ، فكيف إذا كان ذلك ثابتا بالأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة .

وهل يسع هذا المشكك إنكار تهديدهم للزهراء عليها السلام بإحراق الدار عليها وعلى أولادها ؟ فهل هذا الأمر ليس عارا على من هدد به ؟ ! وهل يمكن أن يكون ضربها على خدها هو العار فقط دون سواه ؟ ! . ثانيا : إن هذا البعض الذي يستدل بكلام كاشف الغطاء ، هو

  ( 1 ) الكامل في التاريخ ، لابن الأثير : ج 6 ص 99 / 100 . تاريخ الطبري : ج 8 ص 205 . ( * )  
 

- ص 196 -

نفسه يضع علامات استفهام كبيرة حول صحة النصوص الواردة في نهج البلاغة ، وفي غيره ، إذا كانت تشير إلى أي ضعف في شخصية المرأة ، وقد تحدث هذا النص المستشهد به عن هذا الضعف ، فهو يقول : " فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول " . وقد شكك هو نفسه في صحة خصوص هذا النص أكثر من مرة ! ! فكيف يستدل هنا بأمر يرفضه جملة وتفصيلا في مقام آخر ؟ ! .

 ثالثا : لقد ضربت بنات رسول الله ( ص ) بالسياط في يوم كربلاء حين وجد الحقد الأسود الذي أعمى بصائرهم وأبصارهم ، وصدهم عن التفكير بما يترتب على ذلك من عار في الدنيا ، ومن التعرض لغضب الجبار في الدنيا والآخرة . . وهناك شواهد تاريخية كثيرة تؤكد : أنه إذا وجد دافع أقوى من دافع دفع العار ، فإنهم لا يتورعون عن قبول هذا العار .

ونحن نذكر من الشواهد ما يلي :

 1 - لقد كان أحدهم يدفن ابنته في التراب ، وهي حية ، مخافة أن تأكل من طعامه ، وقد قال تعالى : * ( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) * ( 1 ) .

 2 - إن هذا القائل نفسه يذكر : إن ابن زياد لعنه الله هم بأن يبطش بالسيدة زينب ، حينما خاطبته بما أثار حفيظته ، فتدخل عمرو بن حريث ، وصده عن ذلك بقوله : إنها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها ( 2 ) .

  ( 1 ) سورة التكوير : 8 . ( 2 ) جنة المأوى : ص 82 .  
 

- ص 197 -

 3 - بل لقد ذكر هذا المستدل بكلام كاشف الغطاء : إن زينب ( ع ) قد جلدت بالسياط وكذلك غيرها من بنات الوحي ( 1 ) صلوات الله وسلامه عليهم ، فراجع كتبه ومؤلفاته وخطاباته .

 4 - وقد قتلت سمية والدة عمار تحت وطأة التعذيب في مكة ، من قبل " فرعون قريش " أبي جهل لعنه الله ، فكانت أول شهيدة في الإسلام ( 2 ) .

 5 - وكان عمر نفسه يعذب جارية بني مؤمل أيضا ، فكان يضربها حتى إذا مل ، قال : إني أعتذر إليك إني لم أتركك إلا ملالة ( 3 ) . وعذبت أيضا أم شريك رحمها الله ، فلماذا لم يكن خوف لحوق العار به عائقا له عن اقتراف هذا الأمر الموجب للعار .

 6 - وتحدثنا كتب الحديث والتاريخ : أنه لما مات عثمان بن مظعون بكت النساء ، فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فأخذ رسول الله ( ص ) يده ، وقال : مهلا يا عمر ، دعهن يبكين الخ ( 4 ) .

 7 - ثم ضرب عمر النساء اللواتي بكين على أبي بكر ، حتى

  ( 1 ) الإنسان والحياة : ص 271 .
( 2 ) راجع : الإستيعاب ( هامش الإصابة ) : ج 4 ص 330 و 331 و 333 والإصابة : ج 4 ص 334 و 335 والسيرة النبوية لابن كثير : ج 1 ص 495 وأسد الغابة : ج 5 ص 481 واليعقوبي : ج 2 ص 28 .
( 3 ) السيرة النبوية لابن هشام : ج 1 ص 341 ، والسيرة الحلبية : ج 1 ص 300 والسيرة النبوية لابن كثير : ج 1 ص 493 المحبر : ص 184 .
( 4 ) مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ص 237 و 335 ، ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 190 ، وصححه وقال الذهبي في تلخيصه المطبوع بهامشه : سنده صالح . ومسند الطيالسي : ص 351 ، ومجمع الزوائد : ج 3 ص 17 . ( * )
 
 

- ص 198 -

قال المعتزلي : " أول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة ، مات أبو بكر فناح النساء عليه ، وفيهن أخته أم فروة ، فنهاهن عمر مرارا وهن يعادون ، فأخرج أم فروة من بينهن ، وعلاها بالدرة ، فهربن وتفرقن ( 1 ) . وذكر هذه القصة آخرون فليراجعها من أراد ( 2 ) .

 8 - ولما مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين ، فجاء عمر . . . فكان يضربهن بالدرة ، فسقط خمار امرأة منهن ، فقالوا : يا أمير المؤمنين خمارها ، فقال : دعوها ، فلا حرمة لها الخ . . ( 3 ) .

 9 - وقد أهدر النبي ( ص ) دم هبار بن الأسود لما كان منه في حق زينب . وذلك معروف ومشهور .

 رابعا : لماذا لا يقبل وجدان هؤلاء أن يكون عمر هو الذي ضربها ( ع ) ، معللين ذلك بأن ضربه لها يوجب لحوق العار به ، ثم يقبل وجدانهم أن يلحق العار بقنفذ ؟ ! فكما أن عمر عربي يخاف من العار ، فإن قنفذا عربي ويخاف من ذلك أيضا ! ! . وكما أن عمر من قبيلة بني عدي ، فإن قنفذا أيضا هو من نفس هذه القبيلة ، فلماذا تجر الباء هنا ولا تجر هناك يا ترى ؟ .

لكن المحقق التستري ( 4 ) قد ذلك : أن قنفذا تيمي لا عدوي ، وأن المراد أنه عدوي الولاء لأنه مولاهم ، وسواء كان عدويا أو تيميا فإنه إذا كان ضرب المرأة قبيحا عند العرب ، فلا بد أن ينكره الإنسان العربي ، ويرفضه سواء صدر من هذا الشخص أو ذاك . . بل إن صدوره

  ( 1 ) شرح نهج البلاغة : ج 1 ص 181 .
( 2 ) الغدير : ج 6 ص 161 عن كنز العمال : ج 8 ص 119 والإصابة : ج 3 ص 606 .
( 3 ) الغدير : ج 6 ص 162 . عن كنز العمال : ج 8 ص 118 .
( 4 ) راجع : قاموس الرجال : ج 7 ص 393 / 394 . ( * )
 
 

- ص 199 -

من المولى بحق العربية سيواجهه العربي - وفقا لمفاهيمهم - بحساسية أكبر ورفض أشد .

 خامسا : لقد روي عن علي عليه السلام : أنهم لم يصادروا أملاك قنفذ ، كما صنعوا بسائر ولاتهم ، لأنهم شكروا له ضربته للزهراء ( 1 ) .

فشكرهم له لكونه قد ضرب امرأة ، هي الزهراء عليها السلام ، سيدة نساء العاملين ، هو الآخر عار عليهم ، وهو يدينهم ، ويهتك الحجاب عن خفي نواياهم ، وعن دخائلهم .

ويظهر أنهم لا يهتمون لهذا العار ولا لغضب الله ورسوله ( ص ) ، بسبب غضب الزهراء ( ع ) ، إذا وجد لديهم داع أقوى ، ولا سيما إذا كان هو تحقيق شهوة هي بمستوى حكم العالم الإسلامي بأسره ، والحصول على مقام خلافة النبوة ، وهو مقام له قداسته وخطره بنظر الناس .

وذلك يبطل أيضا دعوى البعض : أنهم كانوا يجلون فاطمة ويحترمونها ويسعون لرضاها ، وما إلى ذلك . وأما استرضاؤهم لها ، فسيأتي أنه كان مناورة سياسية ، فاشلة وغير مقبولة . .

 3 - قبول الناس بضرب الزهراء ( ع ) : أما بالنسبة إلى قول المستدل : إن الناس لن يوافقوا على التعرض للزهراء ( ع ) بسوء أو أذى .

  ( 1 ) جنة المأوى : ص 84 والبحار : ج 30 ص 302 و 303 وكتاب سليم بن قيس : ج 2 ص 674 و 275 والعوالم : ج 11 ص 413 . ( * )  
 

- ص 200 -

فإننا نقول :
 أولا :
لو صح إن الناس سوف يواجهونهم لو أرادوا بالزهراء ( ع ) سوءا ، فإن محاولتهم إحراق الباب ، وجمعهم الحطب ، قد كان يجري بمرأى من الناس ، وقد امتلأت شوارع المدينة بالناس ، كما جاء في بعض النصوص ، فلماذا لم يتدخل أحد لمنعهم من ذلك ؟ !

 وثانيا : حين قال فلان للنبي ( ص ) لما طلب الدواة والكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده : إن النبي ليهجر . لماذا لم يجد أحدا يعترض عليه ، ويدينه ، أو يلومه ، أو يواجهه بما يكره ، أو حتى من يعبس في وجهه ؟ ! ألم يكن النبي ( ص ) أعظم وأقدس في نفوس الناس من الزهراء ( ع ) ، ومن علي عليه السلام ، ومن كل أحد ؟ ! .

 وثالثا : لو قبلنا بأن الناس لا يوافقونهم على ذلك ، لكن هل كان بوسع الناس وبمقدورهم الإنكار على الحكام الجدد ، الذين بدأوا حياتهم السياسية بالعنف وأقاموا حكمهم بقوة السيف ؟ ! . . ألم يكن الناس مغلوبين على أمرهم ؟ ! .

 4 - احتجاج الزهراء ( ع ) بما جرى ! وأما بالنسبة للاحتجاج على القوم بما اقترفوه في حق الزهراء عليها السلام فإننا نقول :

 أولا : إنه لا تصح مقولة : أن عدم الاحتجاج تلازم عدم وقوع الحدث ، إذ أن الحدث يقع ثم تحصل موانع من ممارسة الاحتجاج به

- ص 201 -

أحيانا ، وبعبارة أخرى إذا حدث أمر ، وشهده الناس وعاينوه ، وتحققوه بأنفسهم ، فلا تبقى ثمة حاجة إلى ذكره ، ولا فائدة من الإخبار به ، ولا سيما لمقترف ذلك الجرم نفسه ، إلا إذا كان ثمة ضرورة أخرى كإلزامه بالأمر أو ما شاكل .

 ثانيا : قد ذكرنا أنها عليها السلام لو جعلت هذا الأمر محور اعتراضها على الغاصبين للخلافة ، فإنها تكون قد وقعت في محذور تضييع القضية المحورية الكبرى ، وهي قضية الخلافة ، لأنهم سوف يتمكنون من أن يصوروا للناس : أن النزاع معها ( ع ) نزاع شخصي على أمور صغيرة ، ولن يعود نزاعا على الدين ، أو على من هو أحق بالخلافة ، أو على مصلحة الأمة .

وإذا صارت المسألة شخصية ، فإن الواجب يفرض على الزهراء ( ع ) العفو عن المسيئين ، حين جاؤا إليها ، وطلبوا العفو منها ، لأن العفو في الأمور الشخصية مما يفرضه الخلق الإنساني والإسلامي ، وقد قال الله تعالى : * ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) * ( 1 ) ، وقال : * ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ) * ( 2 ) ، وقال : * ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) * ( 3 ) .

إن تحويل النزاع إلى نزاع على أمر شخصي هو أعظم هدية تقدمها الزهراء ( ع ) إليهم ، مع أن القضية ليست شخصية ، ولم يرجعوا الحق إلى نصابه ، فلم يرجعوا الخلافة إلى صاحبها الشرعي ، ولا فعلوا أي شئ يدل على انصياعهم للحق ، إذن ، فلم يكن من حق الزهراء

  ( 1 ) سورة الأعراف : 199 .  ( 2 ) سورة البقرة : 109 . ( 3 ) سورة الحجر : 85 . ( * )  
 

- ص 202 -

عليها السلام أن تعفو عنهم ، أو أن تهادنهم ، وتظهر لهم القبول والرضا . ثالثا : إنها عليها السلام قد ذكرت ذلك وذكره علي أمير المؤمنين عليه السلام أيضا .

فلنلاحظ معا النصوص التي ستأتي في القسم المخصص للنصوص والآثار . ونشير هنا إلى بعض من ذلك أيضا .

 5 - احتجاج الزهراء ( ع ) : روى الديلمي : أنها عليها السلام قالت : " فجمعوا الحطب الجزل على بابنا ، وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا ، فوقفت بعضادة الباب ، وناشدتهم بالله ، وبأبي : أن يكفوا عنا وينصرفوا ، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ - مولى أبي بكر - فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على عضدي ، حتى صار كالدملج ( 1 ) .

وركل الباب برجله ، فرده علي وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر ، وتسفع وجهي ، فضربني بيده ، حتى انتثر قرطي من أذني ، وجاءني المخاض ، فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم " ( 2 ) .

  ( 1 ) الدملج : حلي يلبس في العضد . محيط المحيط : ص 293 .
( 2 ) البحار : ج 8 ط حجرية ص 231 عن إرشاد القلوب وستأتي المصادر في قسم النصوص . ( * )
 
 

- ص 203 -

 6 - ذكر علي ( ع ) لهذا الأمر : وبالنسبة لما روي عن علي عليه السلام نقول :

 أولا : روى الصدوق بسنده عن علي عليه السلام ، أنه قال : بينا أنا وفاطمة ، والحسن ، والحسين عند رسول الله ( ص ) إذ التفت إلينا فبكى ، فقلت : وما ذاك يا رسول الله ؟ ! قال : أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدها ( 1 ) .

 ثانيا : ثمة حديث آخر يقول : " وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام نحو العالية ، فلقيه ثابت بن قيس بن شماس فقال : ما شأنك يا أبا الحسن ؟ قال : أرادوا أن يحرقوا علي بيتي ، وأبو بكر على المنبر يبايع له ، ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره ( 2 ) .

فهو عليه السلام يشكو ويظهر ما فعلوه معه ، بطريقة عرض ما حدث ، لا بطريقة الاحتجاج ، بحيث يكون ذلك هو محور الأخذ والرد ، والجزم والحسم ، بل كانت الاحتجاجات تتجه دائما نحو إحقاق الحق في الأمر الأهم ، والقضية الكبرى ، قضية الانقلاب الذي استهدف الخلافة ( التي ترتبط بالواقع الإسلامي كله ) على حد تعبير المستدل . وثمة روايات أخرى ستأتي في فصل النصوص والآثار ، إن شاء الله .

  ( 1 ) أمالي الصدوق : ص 118 والبحار : ج 28 ص 51 وستأتي المصادر في قسم النصوص .
( 2 ) الأمالي للمفيد : ص 49 / 50 . ( * )
 
 

- ص 204 -

 7 - مبررات الاحتجاج غير متوفرة : أما بالنسبة لتساؤل البعض عن السبب في عدم استفادة علي عليه السلام من هذا الأمر في حجاجه واحتجاجه ، مع أن فيه حجة قوية وهامة عليهم ، وإثارة عاطفية من جميع الجهات ضدهم على حد تعبير المستدل . فإننا نقول :

 1 - لم يكن هذا الأمر خافيا على الناس ليذكره ( ع ) لهم ، ويخبرهم به . وليس بالضرورة استيعاب جميع الوقائع للاحتجاج بمضمونها لا سيما مع وضوحها وظهورها .

 2 - لم يكن الموقف يتحمل إثارة ، العواطف ، بل كان لا بد من المداراة ، وتهدئة العواطف الثائرة حتى لا يبلغ السيل الزبى ، ويقع في مخالفة أمر رسول الله ( ص ) له بالسكوت ، وعدم المواجهة المسلحة لهم ، لما في ذلك من أضعاف للدين ، وتهيئة لأجواء الردة عن الإسلام ، كما صرح به أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة وغيره .

 3 - قد تقدم أنه عليه السلام قد ذكر ذلك حين لم يكن ثمة ما يمنع من ذكره ، ولكن بطريقة هادئة ، لا تجعل الخلافة خلافا على أمر شخصي ، يمكن الاعتذار منه ، والعفو عنه .

 4 - إن مخالفتهم لأمر الله ولأمر رسول الله ( ص ) هي الأهم ، والأولى بالتذكير بها ، لأنها هي المعيار والمقياس للحق وللباطل ، أما الجراح الشخصية ، والآلام الروحية فيمكن حل عقدتها ببعض من

- ص 205 -

الكلام المعسول منهم ، وبالخضوع الظاهري بإظهار العذر والندم ، بحيث يظهر للناس أنه ليس ثمة مبرر للإصرار على إدانتهم . وما ذكر من محاولة استرضائهما لها ( ع ) قبل وفاتها خير دليل على ذلك . وسنوضح هذا الأمر في موضع آخر إن شاء الله تعالى .

 8 - لم تذكر الزهراء ( ع ) أبا بكر بما جرى : وقد تسائل المستدل بكلام كاشف الغطاء عن السبب في عدم ذكرها ما جرى - من ضرب وإسقاط الجنين - لأبي بكر وعمر ، حينما جاءا إليها ليسترضياها .

ونقول في الجواب :

 1 - إنها لم تذكر أيضا لهما حين جاءا غصب فدك ، ولا غصب الخلافة ، اللذين أشار إليهما المستدل في سؤاله ، وهو نفسه يعتبر غصب الخلافة أعظم من أي جريمة .

 2 - إن ذكر هذا الأمر لهما لا بد أن يكون له غرض ، وداع . ولم يكن غرضها آنئذ يتعلق بالذكر نفسه ، بل أرادت إقامة الحجة عليهما بانتزاع إقرار منهما بما سمعاه من أبيها ، فرفضت أن تكلمهما قبل هذا الإقرار ، ثم سجلت الموقف الحاسم والدائم لها بإدانتهما على مر الأعصار والأزمان ، ولم تفسح لهما في المجال لطرح أية قضية أخرى على الإطلاق ، ولم تكن جلسة حساب أو عتاب ، أو تعداد لما فعلاه معها ، لأن ذلك لن يجدي شيئا ، فقد يعتذران عن ذلك بأنها كانت فلتة ، فرضتها ظروف الهيجان والغضب غير المسؤول ، فلم تعطهما عليها السلام الفرصة لذلك ، وهذا من بالغ الحكمة ، وصواب الرأي منها ( ع ) .

 ولأجل ذلك : نجدها عليها السلام تكتفي بإجمال الأمور ، وتعرض عن تفاصيلها ، فهي تقول : اللهم اشهد أنهما آذياني الخ . .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net