متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
هل رضيت الزهراء على الشيخين ؟
الكتاب : مأساة الزهراء عليها السلام .. شبهات وردود ج1    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

هل رضيت الزهراء على الشيخين ؟ !

ويضيف هذا البعض : أن القضية قد انتهت في حينها ، فإنها صلوات الله وسلامه عليها قد رضيت على أبي بكر وعمر حينما استرضياها قبل وفاتها .

ونقول :
 أولا :
صحيح أن رضا الزهراء عليها السلام هو أمنية محبي التيار الذي هاجم فاطمة عليها السلام وآذاها ، حرصا منهم على أن لا يظهر ذلك الفريق في جملة من آذى رسول الله، وأغضبه ، ليكون في العلن مؤذيا ومغضبا لله سبحانه.

وقد حاول بعضهم أن يزور في الرواية التي ذكرت هذه القضية ، لصالح من يحبونهم ، فذكروا : أنها رضيت

- ص 239 -

عنهم ( 1 ) .

وهو ما ورد في حديث الشعبي الذي هو حديث موقوف ، لأنه لم يدرك زمن الحادثة . وسكت فريق آخر : عن التصريح بشئ من الرضا وعدمه ( 2 ) .

وأغرب من ذلك دعوى البعض : أن الذي صلى عليها حين ماتت هو أبو بكر ( 3 ) وعلي عليه السلام .

ولكن العلماء الذي يلتقون مع نفس هؤلاء في التوجه المذهبي ، هم الذين ذكروا لنا الرواية على وجهها الصحيح ، ولم يلتفتوا إلى ما أضافه أولئك ، بل قالوا : إنها حينما جاءا ليسترضياها لم تأذن لهما ، حتى توسلا بعلي عليه السلام ، فكلمها فلم تأذن أيضا ، بل قالت له : البيت بيتك ، أي : فأنت حر في أن تدخل فيه من تشاء ، بحسب ما تفرضه الظروف القاهرة عليك ، أما هي فتحتفظ برأيها وبموقفها ، وليس ثمة ما يفرض عليها غير ذلك .

فأذن لهما علي ( عليه السلام ) ، من موقع أنه صاحب البيت ، ولم تأذن لهما الزهراء عليها السلام .

  ( 1 ) راجع : دلائل النبوة للبيهقي : ج 7 ص 281 ، والرياض النضرة : ج 1 ص 176 ، وسير أعلام النبلاء : ج 2 ص 121 ، وتاريخ الخميس ج 2 ، ص 174 ، عن الوفاء ، وعن السماني في الموافقة والسنن الكبرى : ج 6 ص 301 ، والسيرة الحلبية : ج 3 ص 361 وطبقات ابن سعد : ج 8 ص 27 ، والبداية والنهاية : ج 5 ص 289 ، وحياة الصحابة : ج 2 ص 473 ، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 6 ص 19 و 49 و ج 2 ص 57 ، وفتح الباري : ج 6 ص 139 ، ، ونزهة المجالس : ج 2 ص 183 .
( 2 ) راجع : كنز العمال : ج 12 ، ص 515 ، و ج 13 ، ص 687 .
( 3 ) كنز العمال : ج 5 ص 605 ، ، عن البيهقي ، وقال : هذا مرسل حسن بإسناد صحيح وطبقات ابن سعد : ج 8 ص 29 . ( * )
 
 

- ص 240 -

ولما دخلا عليها أبت أن تكلمهما ، وكلمت عليا وقررتهما ، فأقرا أنهما سمعا رسول الله ( ص ) يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقط أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني . فقالت لهما : فإني أشهد الله وملائكته : أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه ( 1 ) . وحين بكى أبو بكر لأجل ذلك زجره عمر وقال له : تجزع لغضب امرأة الخ . . ( 2 ).

وحسب نص سليم بن قيس : " وكان علي عليه السلام يصلي في المسجد الصلوات الخمس ، فكلما صلى قال له أبو بكر وعمر : " كيف بنت رسول الله " ؟ إلى أن ثقلت : فسألا عنها وقالا : " قد كان بيننا وبينها ما قد علمت ، فإن رأيت أن تأذن لنا فنعتذر إليها من ذنبنا " ؟

  ( 1 ) الإمامة والسياسة : ج 1 ص 14 و 15 ، وراجع : البحار : ج 36 ص 308 ، و ج 78 ص 254 ، و ج 43 ص 170 ، و 171 ، ودلائل الإمامة : ص 45 ، وعوالم العلوم : ج 11 ص 411 و 445 و 498 ، و 499 ، وكفاية الأثر : ص 64 و 65 ، والبرهان : ج 3 ص 65 ، وعلل الشرائع : ج 1 ص 186 - 187 ، و 189 ، والشافي : ج 4 ص 213 ، وأهل البيت لتوفيق أبي علم : ص 168 ، و 169 ، و 174 ، ومرآة العقول : ج 5 ، ص 323 و 322 . وضياء العالمين ( مخطوط ) : ج 2 ق 3 ص 85 - 87 والجامع الصغير للمناوي : ج 2 ص 122 ، والرسائل الاعتقادية : ص 448 .
( 2 ) راجع عوالم العلوم : ج 11 ص 500 ، وعلل الشرائع : ج 1 ص 187 ، وضياء العالمين : ج 2 ق 3 ص 87 . ( * )
 
 

- ص 241 -

قال عليه السلام : ذاك إليكما . فقاما ، فجلسا بالباب ، ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فقال لها : " أيتها الحرة ، فلان وفلان بالباب ، يريدان أن يسلما عليك ، فما ترين " ؟ قالت عليها السلام : " البيت بيتك والحرة زوجتك ، فافعل ما تشاء " . فقال : " شدي قناعك " . فشدت قناعها ، وحولت وجهها إلى الحائط . فدخلا وسلما وقالا : ارضي عنا رضي الله عنك . فقالت : ما دعاكما إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك . فقالت : فإن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه ، فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه ، فإن صدقتما علمت أنكما صادقين في مجيئكما . قالا : سلي عما بدا لك . قالت : نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : " فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني " ؟ قالا : نعم .

- ص 242 -

فرفعت يدها إلى السماء فقالت : " اللهم إنهما قد آذياني ، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك . لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما ، فيكون هو الحاكم فيكما " . قال : فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور وجزع جزعا شديدا . فقال عمر : تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة ؟ " ( 1 )

ونحن لا ندري لماذا اختار هذا الرجل خصوص تلك الرواية التي رواها غير الشيعة ولم يكلف نفسه عناء المقايسة بينها وبين الرواية الأخرى ، بل هو لم يشير إليها أصلا .

مع أن هذه الرواية مزورة من قبل من يريدون تبرير ما صدر عن الذين هاجموا الزهراء وآذوها ، رغم وضوح التصرف الخياني فيها ، نعم ، لقد أخذ بها ، وترك هذه الرواية الصحيحة والصريحة .

 وثانيا : ( 2 ) العفو إنما يكون عن الشخص الذي يتوب توبة نصوحا مما اقترفه ، والتوبة تعني إرجاع الحق إلى أهله ، وتصحيح الخطأ وترميم الخراب الذي تسبب به . وإلا فهل تقبل توبة غاصب يمسك بكل شئ ، ثم يقول لهم : سامحوني وارضوا عني ، ولن أعيد أي شئ إلى أي كان منكم . إن اعتذارا لهذا سيكون أوجع للقلب لأنه أقبح من ذنب . فكيف ولماذا وعلى أي أساس تسامحهما ، وهما لم يتراجعا قيد

  ( 1 ) كتاب سليم بن قيس ( بتحقيق الأنصاري ) ج 2 ص 869 وجلاء العيون : ج 1 ص 212 و 213 مع تفاصيل أخرى ، وراجع : البحار : ج 43 ص 197 / 203 و ج 28 ص 357 وعلل الشرائع : ج 1 ص 186 و 187 .
( 2 ) قد أشار إلى ذلك أيضا في ضياء العالمين ( مخطوط ) : ج 2 ق 3 ص 108 . ( * )
 
 

- ص 243 -

أنملة عما اقترفاه في حقها ؟ ! . فهما لم يرجعا لها فدكا ، ولا غيرها مما اغتصباه من إرث رسول الله ( ص ) وغيره ، إذا أن يظن في حقها أنها أخطأت في ادعائها هذا .

كما أنهما لم يقرا بجريمتهما في حق الله والأمة باغتصاب الخلافة من صاحبها الشرعي ، ولم يظهر من أحد أي استعداد للقصاص ممن ارتكب جريمة الاعتداء عليها بالضرب إلى درجة إسقاط جنينها .

بل كان الذين فعلوا ذلك هم أركان الحكم وأعوان الحاكم الذي جاء يعتذر ، وسيوفه المسلولة على رقاب كل من يعترض أو يشكو ، فلم يكن ثمة توبة ، بل كان هناك محاولة لتلميع الصورة ، وتقوية الأمر ، والحصول على مزيد من القوة في الاحتفاظ بما اغتصبوه .

ولو كان الأمر على خلاف ذلك ، وكانوا جادين في طلبهم المسامحة ، فما الذي منع أبا بكر من أن يعاقب قنفذا أو المغيرة بن شعبة ، أو عمر بن الخطاب ، أو غيرهم ممن هتك حرمة بينها صلوات الله وسلامه عليها ؟ !

 ولو لم يمكنه ذلك فلا أقل من أن يؤنبهم أو يعبس في وجوههم ، أو يفعل أي شئ يشير إلى عدم رضاه عما صدر عنهم ، ولكنه لم يكتف بأن لم يفعل شيئا من ذلك بل زاد عليه توفير غطاء ومزيدا من الرعاية لهم ، والاهتمام بهم .

ولست أدري ، هل كان إعطاؤه المناصب والمزايا والأموال لفلان وفلان مكافأة لهم على ما اقترفوه من اعتداء ؟ ! . أما قنفذ فقد أعفوه من مشاطرته أمواله التي اكتسبها في ولاياته لهم .

- ص 244 -

وكان ذلك - كما روي عن أمير المؤمنين ( ع ) - مكافأة له ! ! ولست أدري أن لو كانت الزهراء عليها السلام أرادت أن تأخذ منهم ما اغتصبوه هل كانوا يضربونها من جديد ، أم كانوا قد حكموا عليها بالقتل بصورة علنية وظاهرة ؟ .

 ثالثا : إذا كانت عليها السلام قد رضيت عنهما ، فلماذا أوصت أن تدفن ليلا ، وأن لا يحضرا جنازتها ، فنفذ علي عليه السلام وصيتها بدقة ، وأخفى قبرها ، فثارت ثائرتهما ومن معهما ، وحاولا نبش القبور التي جعلها عليه السلام تمويها ، فواجههما بالموقف القوي والحاسم ، فتراجعا ( 1 ) .

وإذا كانت السلطة قوية وشديدة الهيمنة ، فهي قادرة على أن تشيع عنها ( ع ) أنها قد رضيت بعد السخط ، ولن يجرؤ أحد على تكذيب دعاوى السلطة ، وستكون هذه الشائعة مقبولة لدى الكثيرين ، خصوصا أنها بوصيتها أن تدفن ليلا ، وأن لا يحضرا ، ولا أحد ممن ظلمها جنازتها ، قد فوتت الفرصة عليهم أيضا لممارسة هذا التزوير للحقيقة ، حيث قدمت الدليل القاطع والبرهان الساطع، على شكل شاهد تاريخي حي على هذا السخط الذي تجسد أيضا في عدم معرفة

  ( 1 ) راجع : البحار : ج 30 ص 348 و 349 و 286 و ج 29 ص 193 . ونقل وصيتها تلك في هامش في البحار ج : 43 ص 171 ، عن المصادر التالية : حلية الأولياء : ج 2 ص 43 ، ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 162 ، وأسد الغابة : ج 5 ص 524 ، والإصابة : ج 4 ص 379 و 380 ، والإمامة والسياسة : ج 1 ص 14 ، وأعلام النساء : ج 3 ص 1214 . وراجع أيضا شرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 6 ص 50 ، وقال : إن الصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة عليهما الخ . . . مصنف عبد الرزاق : ج 3 ص 521 ، والاستيعاب ج 2 ص 751 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 83 ، ودلائل الإمامة : ص 44 . ( * )  
 

- ص 245 -

قبرها صلوات الله وسلامه عليها عبر الأحقاب والدهور ، وهي سيدة نساء العالمين ، والكريمة الوحيدة لخاتم الأنبياء وسيد المرسلين .

 رابعا : إن من المعقول والمقبول أن يكونوا قد أرادوا من محاولة استرضاء الزهراء عليها السلام هو إظهار الأمر على أنه مجرد مشكلة شخصية ، وقد انتهت كما بدأت ، فهي الآن قد رضيت ، ولم يعد هناك أية مشكلة معها ، كما قد يوحي به كلام هذا البعض .

لقد كانت هناك إساءة لفاطمة عليها السلام ، وكان هناك اعتداء على شخصها الكريم ، بالضرب أو بغيره ، وقد تبذل محاولة تفسير لذلك على أنه مجرد تسرع ، أو ثورة غضب عارمة أخرجت الفاعلين عن حد الاعتدال .

وهل السبب في حدوث هذا الغضب هو الزهراء ، نفسها ؟ بتصرفاتها ؟ أو بسبب كلماتها ؟ أو نبرات صوتها ؟ أو غير ذلك من الأسباب ؟ إنهم سوف يغضون الطرف عن تحديد المسؤول عن ذلك . وقد راجع المعتدون أنفسهم وتابوا ، وعلى الزهراء عليها السلام أن تعفو وتصفح ، فإن ذلك هو ما تفرضه الأخلاق الإسلامية ، وأكدته لآيات القرآنية ، وهي أولى الناس بالالتزام بذلك ، وهي المرأة التقية المطهرة المعصومة .

وهذا يعني أن تكون بذلك قد أعطت صك الشرعية للعدوان ، ولغصب الخلافة ، والاستئثار بإرث الرسول الله ، فلم يبق إلا أنهم قد تسرعوا قليلا في ضربها حين المواجهة ، وهم معذورون في ذلك ! لأنه قد جاء على فورة ، وبسبب حالة التوتر والهيجان ، وربما تكون هي التي تسببت في ذلك ( ! ! ) لأنها عليها السلام كانت

- ص 246 -

هي المخطئة حين وقفت في وجههم . وعلي مخطئ أيضا ، حين لم يبادر للاعتراف بالحاكم الجديد المتغلب ، ولا سبق إلى البيعة ، والمؤازرة ، وبذلك يتم إعادة الاعتبار لهم ، وهذه هي غاية أمنياتهم وأغلاها . ولكن حين ترفض الزهراء حتى دخولهما بيتها ، وترفض توبتهما ، وتصر على أن تشكوهما إلى رسول الله ( ص ) ، ثم توصي بأن تدفن ليلا ، وأن لا يحضرا جنازتها ، ثم تطلب إخفاء قبرها ، فإنها بذلك قد أفسدت عليهما خطتهما تلك .

وسجل التاريخ رغم ما ناله من تزوير وتحريف بعض الحقيقة وهي أنها ماتت وهي مهاجرة للذين اعتدوا عليها ، فدفنها علي ( ع ) ليلا ، ولم يؤذنهم بها وهو ما لهجت به الكتب المعتبرة والموثوقة لدى فريق كبير من المسلمين ( 1 ) .

وقد سئل الرضا عليه السلام عن الشيخين ، فقال : كانت لنا

  ( 1 ) البداية والنهاية ج 5 ص 285 و 286 و 287 و 250 ، عن البخاري ، وأحمد ، وعبد الرزاق ، وراجع البخاري كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، وباب قول رسول الله لا نورث ما تركناه صدقة ، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 6 ص 49 / 50 ، و ج 16 ص 232 و 218 ، وراجع صحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير . والشافي لابن حمزة : ج 4 ص 211 وراجع ص 205 ، والثقاة ج 2 ص 164 و 165 ، وتاريخ الأمم والملوك : ط دار المعارف ج 3 ص 208 ، وأهل البيت لتوفيق أبي علم ص 172 ، ومشكل الآثار : ج 1 ص 48 ، والعمدة لابن البطريق : ص 390 و 391 ، والسنن الكبرى : ج 6 ص 300 و 301 ، والتنبيه ، والأشراف : ص : 250 ، وتاريخ الإسلام للذهبي : نشر دار الكتاب العربي ( قسم السيرة النبوية ) ص 591 ، وفي الهامش أشار إلى مصادر كثيرة . وطبقات ابن سعد : ج 8 ص 28 و 29 . وروضة المتقين : ج 5 ص 349 ، والطرائف : ص 262 / 269 / 258 / 257 ، وتحرير الأفكار : ص 228 ، وألقاب الرسول =>  
 

- ص 247 -

أمة ( 1 ) بارة خرجت من الدنيا وهي عليهما غضبى ، ونحن لا نرضى حتى ترضى ( 2 ) .

ونقل ما يقرب من ذلك عن عبد الله بن الحسن ( 3 )

وهكذا يتضح : إن الزهراء التي هي المرأة المعصومة المطهرة ، والتي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، قد أفهمت بموقفها الواعي كل أحد ممن كان ، وممن ولج أو سيلج باب التاريخ : إن القضية لم تكن قضية شخصية ، وإنما هي قضية الدين والإسلام ، قضية الاعتداء على الله ورسوله صلى الله عليه وآله ، وعلى الحق ، وعلى الإنسانية ، وعلى الإسلام المتجسد فيها ، لأن العدوان عليها إنما يهدف إلى منعها من الدفاع عن الإمامة التي بها قوام الدين . والتي هي قرار إلهي قاطع ، وهي حق الأمة ، وحق الإنسان ، كل إنسان .

وقد سجلت موقفها هذا بعد أن قررتهما بما يوجب إدانتهما الصريحة ، التي تبين أن التعدي قد نال رسول الله ( ص ) ، وبالتالي فقد كان تعديا وجرأة على الله سبحانه ، وليس لها أن تسامح من يجترئ

  => وعترته : ص 44 ، وراجع : كفاية الطالب : ص 370 ، ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 162 ، وإثبات الهداة : ج 2 ص 366 ، ومسند أحمد : ج 1 ص 6 / 9 . وراجع : الرياض المستطابة : ص 291 ، وتاريخ الخميس : ج 1 ص 174 ، ومرآة العقول : ج 5 ص 322 / 323 ، والمصنف للصنعاني : ج 5 ص 472 و ج 4 ص 141 و ج 3 ص 521 ، وتيسير الوصول : ج 1 ص 209 . وراجع ضياء العالمين ( مخطوط ) : ج 2 ق 3 ص 65 و 66 و 91 .

( 1 ) الأمة : لغة في الأم ، راجع الطرائف : ص 252 .
( 2 ) ألقاب الرسول وعترته ص 44 والطرائف ص 252 .
( 3 ) شرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 16 ص 232 و ج 6 ص 49 . ( * )

 
 

- ص 248 -

على الله سبحانه ، وعلى رسوله الكريم صلى الله عليه وآله ، وقد أعلمتهما بهذه الحقيقة حين قالت لهما : لأشكونكما إلى رسول الله ( ص ) .

ثم وليي لا يقال للناس : إن الزهراء قد عادت فراجعت نفسها بعد ذلك ، أو أنها أرسلت إليهم مع فلان من الناس : أنها قد رضيت عنهم ، ها هي توصي بأن تدفن ليلا .

وقد يدعي أيضا : - وقد حصل ذلك بالفعل - أن الدفن ليلا سنة ( 1 ) ، وتشريع ، فلا يكفي لإثبات استمرار غضبها عليهم ، فأوصت أن لا يحضروا جنازتها ، ولا يصلوا عليها وغيبوا قبرها ، فحاولوا نبش عدد من القبور ليصلوا إليها ، ويصلوا عليها ، فمنعهم علي عليه السلام ( 2 ) .

  ( 1 ) المغني للقاضي عبد الجبار : ج 20 ق 1 ص 335 .
( 2 ) راجع : الإستغانة ص 10 و 11 وعوالم العلوم : ج 11 ص 467 و 505 و 506 و 523 و 508 و 493 و 411 و 501 و 502 و 504 و 404 و 534 و 122 و 515 و 512 ، وبحار الأنوار : ج 78 ص 250 و 253 / 256 و 310 و 387 و ج 43 ص 201 و 207 و 218 و 181 و 191 و 214 و 199 و 182 و 183 و ج 28 ص 353 و ج 29 هامش ص 192 و 193 و ج 30 ص 348 / 349 و 286 ، والمناقب لابن شهر آشوب : ج 3 ص 363 و 362 ط المطبعة العلمية قم - ايران . وروضة الواعظين ص 151 - 153 ، وعلل الشرائع : ج 1 ص 185 و 188 و 189 ، والشافي لابن حمزة : ج 4 ص 211 و 210 ، وإتمام الوفاء : ص 16 والثقات : ج 2 ص 170 ، وروضة المتقين : ج 5 ص 347 ، وتقريب المعارف : ص 251 و 252 ، وبشارة المصطفى : ص 258 ، واللوامع الإلهية للمقداد : ص 300 ، والمجالس السنية : ج 5 ص 347 ، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 6 ، ص 49 و 50 و ج 16 ص 52 / 53 ، وص 214 و 217 ، وكشف الغمة : ج 1 ص 494 ، و ج 2 ص 130 ، وتلخيص الشافي : ج 3 ص 138 و 150 و 152 ، وشرح الأخبار : ج 3 ، ص 31 و 69 ، وجلاء العيون :
=>
 
 

- ص 249 -

وفي بعض المصادر : " أنها أخذت على أمير المؤمنين عهد الله ورسوله أن لا يحضر جنازتها إلا أم سلمة ، وأم أيمن ، وفضة ، والحسنان ، وسلمان ، وعمار ، والمقداد ، وأبو ذر ، وحذيفة " ( 1 ) .

وقد صلى عليها علي عليه السلام ( 2 ) ، وكبر عليها خمسا ( 3 ) . .

  => ج 1 ص 214 و 220 ، والأمالي للطوسي : ص 107 ، والكافي للكليني : ج 1 ص 458 ، ومعاني الأخبار ص 356 ، وإعلام الورى : ص 152 ، وإثبات الهداة : ج 2 ص 334 ، عن كتاب : أساس الجواهر ، وراجع : تاريخ المدينة لابن شبة : ج 1 ص 197 ، وتاريخ الأئمة ، لابن أبي الثلج : ص 31 ، وعن الأمالي للمفيد : ص 281 ، وتاريخ الصحابة لابن حبان : ص 208 ، ومرآة العقول : ج 5 ص 322 و 323 . والرسائل الاعتقادية : ص 449 و 450 و 459 ، والاختصاص : ص 185 والوسائل : ج 2 ص 832 وضياء العالمين : ج 2 ق 3 ص 65 / 66 / 67 / 91 / 92 / 95 / 140 ( مخطوط ) عن مصادر كثيرة ودلائل الإمامة : ص 44 ، وأنوار الملكوت في شرح الياقوت للعلامة الحلي : ص 228 .

( 1 ) البحار : ج 78 ص 310 .
( 2 ) مستدرك الحاكم : ج 3 ص 162 ، وتهذيب الأسماء للنووي : ج 2 ص 353 وصفة الصفوة : ج 2 ص 14 ، وتاريخ المدينة لابن شبة : ج 1 ص 197 ، وتاريخ الصحابة لابن حبان : ص 208 . والعمدة لابن البطريق : ص 390 / 391 ، وفي هامشه عن صحيح مسلم : ج 5 ص 154 ، وعن صحيح البخاري ، باب غزوة خير والروضة الفيحاء للعمري الموصلي : ص 252 وكشف الغمة للإربلي : ج 2 ص 128 ، وضياء العالمين ( مخطوط ) ج 2 ق 3 ص 3 وجامع الأصول : ج 12 ص 9 / 10 .

( 3 ) راجع : الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : ص 131 . وجواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ( مطبوع مع البحر الزخار ) ج 3 ص 118 وكشف الغمة : ج 2 ص 128 . ( * )

 
 

- ص 250 -

ولا صحة لزعمهم : أن أبا بكر قد حضر ، وصلى عليها ( 1 ) ، فإنه لم يصل عليها ، ولا على الرسول مع أنه صلى الله عليه وآله قد مكث ثلاثا ( 2 ) . وإنما تمت بيعتهم بعد دفنه ( 3 ) .

وليكن خفاء قبرها إلى يومنا هذا ، وعدم قدرة أحد على معرفته بالتحديد برهانا ساطعا على هذا الإقصاء ، الذي هو إدانة لهما ، وجميع الشواهد التاريخية الصحيحة والمعتبرة تؤكد على كذب ما يزعمه مزوروا التاريخ وأعداء الحق .

وهكذا يتضح : أنها عليها السلام قد جعلت حتى من موتها ، ومن تشييع جنازتها وسيلة جهاد وكفاح من أجل الله وفي سبيله ، ومن أجل الدين وفي سبيل توضيح الحقائق للأجيال . وقد بدأت نتائج هذا الكفاح بالظهور منذ اللحظات الأولى.

فقد روي : أنه لما انتشر خبر دفن الزهراء عليها السلام " ضج الناس ، ولام بعضهم بعضا . وقال : لم يخلف فيكم نبيكم إلا بنتا واحدة ، تموت ، وتدفن ولم تحضر وفاتها ولا دفنها ، ولا الصلاة عليها ، ولم تعرفوا قبرها فتزورونها ؟ ! " ( 4 ) .

  ( 1 ) راجع : الرياض النضرة ج 1 ص 176 وقال : خرجه البصري ، وخرجه ابن السمان في الموافقة . وذخائر العقبى ص 54 ، والإصابة ج 4 ص 479 ، وتهذيب الكمال : ج 35 ص 252 ، وتاريخ الهجرة النبوية : ص 58 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 86 ، وتاريخ الخميس : ج 1 ص 278 ، والسيرة الحلبية : ج 3 ص 361، والمغني للقاضي عبد الجبار : ج 20 ق 1 ص 335
( 2 ) راجع : تقريب المعارف لأبي الصلاح : ص 251 . وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج 1 ص 297 .
( 3 ) مناقب آل أبي طالب : ج 1 : ص 297 .
( 4 ) دلائل الإمامة : ص 46 ، وضياء العالمين ( مخطوط ) : ج 2 ق 3 ص 93 / 94 عن المناقب . ( * )
 
 

- ص 251 -

قال الفتوني : " وإذا تأملت فيما ذكرناه فضلا عما لم نذكره ، وعما سيأتي من الشواهد ، عرفت أن أصل تأذي فاطمة صلوات الله عليها من الرجلين وأتباعهما إجمالا ، بحيث ماتت ساخطة سخطا عظيما مما لا يمكن إنكاره بل بحيث يوجب القطع للمتفحص عن الحق ، بتحكم الإنكار والتعصب جهارا ، كما هو شأن ساير المتواترات ( 1 ) " .

تمحلات غير ناجحة : والغريب في الأمر هنا : أننا نجد البعض يحاول التخلص والتنصل من حقيقة هجران الزهراء عليها السلام لمن ظلمها إلى أن ماتت ، بإطلاق القول : إن معنى أن فاطمة عليها السلام هجرت أبا بكر ، فلم تكلمه إلى أن ماتت : " أنها لم تكلمه في هذا الأمر ( أي المال ) ، أي لم تطلب حاجة ولا اضطرت إلى لقائه ، ولم ينقل قط أنهما التقيا ، فلم تسلم عليه ولا كلمته " حيث تشاغلت بمرضها وغير ذلك ( 2 ) .

ثم هم يقررون : إن الزهراء أتقى لله من أن يصدر منها ذلك وأورع ( 3 ) .

ونقول :

  ( 1 ) ضياء العالمين ( مخطوط ) ج 2 ق 3 ص 95 ، والهداية الكبرى : ص 179 .
( 2 ) شرح بهجة المحافل : ج 1 ص 131 عن الذهبي ، وفتح الباري : ج 6 ص 139 ، والسيرة الحلبية : ج 3 ص 361 .
( 3 ) فتح الباري : ج 6 ص 139 . ( * )
 
 

- ص 252 -

إن نفس أولئك الذين يقولون ذلك قد ذكروا : أنها عليها السلام قد التقت بالشيخين ، حينما جاءاها لاسترضائها ، حينما مرضت ، فكلمتهما ورضيت عنهما ، حسب زعمهم ( 1 ) .

كما أن الشاشي قد رد على ذلك بأن قولهم : " غضبت " يدل على أنها عليه السلام قد امتنعت عن الكلام جملة ، وهذا صريح الهجر ( 2 ) .

هل عرف قبر الزهراء عليها السلام :

ويلاحظ : أن الأئمة عليهم السلام لم يتصدوا لتعريف شيعتهم موضع قبرها عليها السلام ، كما كان الحال بالنسبة لأمير المؤمنين الذي أظهر الإمام الصادق قبره كما هو معلوم ، وكذا الحال بالنسبة لسائر الأئمة حيث عرفوا شيعتهم بمواضع قبورهم ، باستثناء الزهراء عليها السلام ، بل إن شيعة أهل البيت أيضا ، الذين حضروا تشييع الجنازة والدفن ، مثل عمار وأبي ذر ، وسلمان ، والعباس ، وعقيل ، وغيرهم لم يدلوا أحدا على قبرها ، وفاء لها ، وحبا بها ، وهذا ابن أبي قريعة المتوفى سنة 367 ه‍ يقول :

ولأي حال لحدت * بالليل فاطمة الشريفة
ولما حمت شيخيكم * عن وطئ حجرتها المنيفة

  ( 1 ) تاريخ الإسلام للذهبي : ( عهد الخلفاء الراشدين ) ص 47 وفتح الباري ج 6 ص 139 .
( 2 ) فتح الباري ج 6 ص 139 . ( * )
 
 

- ص 253 -

أوه لبنت محمد * ماتت بغصتها أسيفة ( 1 )

وقال السيد محسن الأمين رحمه الله :

ولأي حال في الدجي دفنت * ولأي حال ألحدت سرا
دفنت ولم يحضر جنازتها * أحد ولا عرفوا لها قبرا
( 2 )

ومما تقدم تعرف أن دعوى هذا البعض : أن قبر الزهراء عليها السلام قد عرف الآن ، هي دعوى لا وجه لها ، ويا ليته يدلنا على هذا القبر الذي عرف الآن ، ويبين لنا ما استند إليه من أدلة قطعت له كل عذر ، ودحضت كل شبهة ، وسوف نكون له من الشاكرين . ونحن على يقين من أنه غير قادر على ذلك .

  ( 1 ) كشف الغمة للإربلي ج 2 ص 131 . ( 2 ) المجالس السنية ج 5 ص 120 . ( * )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net