متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
لم يدخلوا البيت ، فكيف ضربوا الزهراء ؟
الكتاب : مأساة الزهراء عليها السلام .. شبهات وردود ج1    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

لم يدخلوا البيت ، فكيف ضربوا الزهراء ؟

يقول البعض : إن بعض الروايات تقول : إن المهاجمين لبيت الزهراء ( ع ) لم يدخلوا البيت ، فكيف يصح قول من يقول : إنهم ضربوها عليها السلام ، وأسقطوا جنينها ، وغير ذلك ؟ ! .

والجواب :
 أولا :
إن ما جرى على الزهراء من مصائب وبلايا ، لا يحتاج إلى دخول البيت ، فقد تعصر الزهراء بين الباب والحائط ، ثم يضربها المهاجمون دون أن يدخلوا البيت ، وهذا هو صريح النصوص التي تحدثت عن هذا الأمر . هذا إذا كان مراده بالدخول معناه المتبادر منه . ولو اعتذر عنه بأن مراده الهجوم ، فقول القائل . . . وددت أني لم اكشف باب فاطمة . ثم النصوص الكثيرة الدالة على دخولهم إلى البيت يرد هذا القول ويدفعه .

 وثانيا : لماذا يقتصر هذا البعض على رواية عدم دخولهم البيت ، مع أنها لم تصرح بعدم الدخول ، بل اكتفت بالسكوت والاكتفاء بذكر جانب مما جرى . ولو سلمنا صراحة رواية ما بذلك ، فهي معارضة بالروايات الكثيرة الأصح سندا ، والأكثر عددا ، التي تقول : إنهم قد دخلوا بيتها ، وانتهكوا حرمته وحرمتها .

- ص 309 -

 وثالثا : إن ضرب الزهراء عليها السلام ، وإسقاط جنينها ، ليس أمرا عاديا ، بل هو حدث هائل ، لا يمكن أن يقبله منهم أي مسلم صادق الإيمان .

ولسوف يجهر بالاعتراض عليهم والتقريع لهم ، إذا لم يكن ثمة خوف من سيف أو سوط . فليس من مصلحة الحكام ، ولا من مصلحة محبيهم أن يتناقل الناس هذه الواقعة ، ولا أن يعرفوا تفاصيلها ، فلم يكونوا يسمحون لأنفسهم ، ولا لغيرهم بنقلها وتداولها ، بل لقد رأينا البعض يعتبرون نقل هذه القضية جريمة لها تبعاتها على ناقلها ، وننقل من شواهد ذلك الموارد التالية :

 1 - لا تروه عني : يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : إنه قرأ على شيخه أبي جعفر النقيب قصة زينب حين روعها هبار بن الأسود ، فقال له أبو جعفر : " إن كان رسول الله ( ص ) أباح دم هبار ، لأنه روع زينب ، فألقت ذا بطنها ، فظاهر الحال أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها . فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم : إن فاطمة روعت ، فألقت المحسن ؟ ! فقال : لا تروه عني ، ولا ترو عني بطلانه ، فإني متوقف في هذا الموضع ، لتعارض الأخبار عندي فيه ( 1 ) " .

  ( 1 ) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي : ج 14 ص 193 ، والبحار : ج 28 ص 323 ، وإثبات الهداة : ج 2 ص 360 و 337 / 338 . ( * )  
 

- ص 310 -

فأبو جعفر النقيب يتراجع عن موقفه بسرعة عند توجيه المعتزلي هذا السؤال الحساس إليه ، رغم أنه كان قد أطلق حكمه بصورة قاطعة في أول الأمر . ولعل سبب تراجعه أنه رأى أن شيوع هذا الأمر عنه سوف يتسبب له بمشاكل هو في غني عنها .

 2 - أنا لا أقول ، بل علي ( ع ) ! ويشبه هذه الحادثة ، ما ذكروه في مورد آخر يتميز بحساسيته وخطورته أيضا ، من أن شيخا آخر للمعتزلي قد تراجع بنفس هذه الطريقة ، ومع المعتزلي نفسه أيضا ، لكي ينأى بنفسه عن مواجهة مشاكل لا يريد أن يواجهها .

فقد ذكر المعتزلي الشافعي : أن أستاذه ذكر له قول علي عليه السلام : أن عائشة هي التي أمرت أباها بالصلاة بالناس في مرض النبي ( ص ) الذي توفي فيه ، قال : " فقلت له رحمه الله : أفتقول أنت : أن عائشة عينت أباها للصلاة ، ورسول الله ( ص ) لم يعينه ؟ ! فقال : أما أنا فلا أقول ذلك ، ولكن عليا كان يقوله ، وتكليفي غير تكليفه ، كان حاضرا ولم أكن حاضرا ، فأنا محجوج بالأخبار التي اتصلت بي ، وهي تتضمن تعيين النبي ( ص ) لأبي بكر في الصلاة ، وهو محجوج بما كان قد علمه الخ . . " ( 1 ) .

  ( 1 ) شرح النهج للمعتزلي : ج 9 ص 198 . ( * )  
 

- ص 311 -

 3 - سماع رواية " ضرب فاطمة " أسقطه ! وقالوا عن أحمد بن محمد بن محمد بن السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث : " كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ، ورجل يقرأ عليه : " أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن " ( 1 ) . إذن ، فقراءة هذه القضية عليه أخرجته عن جادة الاستقامة التي لازمها عامة دهره ، وصار ذلك سببا للطعن عليه ، وجرحه ، وبالتالي إسقاطه عن الاعتبار .

 4 - الطعن على النظام : إنهم يعتبرون رواية ما جرى على فاطمة من أهم الطعون على النظام الذي كان أحد أعاظم شيوخ المعتزلة ، حتى إن الشهرستاني يقول عنه : " وزاد في الفرية ، فقال : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم السلام ( 2 ) " .

  ( 1 ) ميزان الاعتدال : ج 1 ص 139 ، ولسان الميزان : ج 1 ص 268 ، رقم 824 ، وسير أعلام النبلاء : ج 15 ص 578 .
( 2 ) الملل والنحل : ج 1 ص 57 ، وستأتي إنشاء الله مصادر أخرى في قسم النصوص . ( * )
 
 

- ص 312 -

وعد البغدادي قول النظام عن عمر : " أنه ضرب فاطمة ، ومنع ميراث العترة " من ضلالاته . 5 - تحريف كتاب المعارف : بل إنهم لأجل قضية إسقاط المحسن ، نجدهم لا يتورعون عن تحريف الكتب أيضا ، فقد حرفوا كتاب " المعارف " لابن قتيبة حسبما ذكره لنا ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 ه‍ ، حيث قال : " . .

وفي معارف القتيبي : أن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي ( 1 ) " .
وقال الكنجي الشافعي المتوفى سنة 685 ه‍ ، عن الشيخ المفيد : " وزاد على الجمهور ، وقال : إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا ، كان سماه رسول الله ( ص ) محسنا ، وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة " ( 2 ) .

ويظهر : أنه يقصد بذلك : نقل ابن قتيبة له في كتاب المعارف ، لا في الإمامة والسياسة ، وذلك بقرينة كلام ابن شهرآشوب المتقدم . لكن الموجود في كتاب " المعارف " لابن قتيبة المطبوع سنة 1353 ه‍ ص 92 هو العبارة التالية : " وأما محسن بن علي فهلك ، وهو صغير " .

  ( 1 ) مناقب آل أبي طالب : ج 3 ص 407 ( ط دار الأضواء ) ، والبحار ج 43 ص 233 .
( 2 ) كفاية الطالب : ص 413 . ( * )
 
 

- ص 313 -

وهكذا في سائر الطبعات المتداولة الآن ، فلماذا هذا التحريف ، وهذه الخيانة للحقيقة وللتاريخ يا ترى ؟ ! .

رواية " قنفذ " تعارض إجماع " الشيخ " :

يقول البعض : " إن الشيخ الطوسي ينقل اتفاق الشيعة على عبارة النظام من أن عمر ضرب بطن فاطمة حتى أسقطت ، في الوقت الذي جاءت الرواية عن دلائل الإمامة وغيره أن قنفذا هو الذي قام به " . وهو بذلك يريد أن يقول : إن هذه المنقولات متناقضة فتسقط عن الاعتبار .

والجواب :
 أولا :
إن الشيعة قد اتفقوا على الأول ، ولكنهم لم ينفوا إقدام قنفذ على هذا الأمر أيضا ، فرواية دلائل الإمامة وغيرها مما سيأتي شطر كبير منه تثبت مشاركته في هذا الفعل أيضا ، كما أن المغيرة أيضا قد شارك في ضرب الزهراء حتى أدماها ، كما سيأتي في قسم النصوص والآثار ، فلا مانع من أن يشارك الجميع في أمر كهذا ، ويتسببون في الاسقاط ، فيصح نسبته إليهم جميعا ، وإلى كل واحد منهم أيضا ، لتسببهم به . فهذه النسبة لا تعني أن كل واحد منهم كان علة مستقلة في الاسقاط .

 ثانيا : لقد أوضحت النصوص كما سترى : أن الهجوم قد تكرر على بيت فاطمة عليها السلام ، كما أن مبايعات أبي بكر قد تكررت أيضا ( 1 ) ، وقد حصلت إحدى هذه المرات وهي محاولة الإحراق ، فيما

  ( 1 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 188 . ( * )  
 

- ص 314 -

كان أبو بكر جالسا على المنبر يبايع له ، ويرى ما يجري ولم ينكر ذلك ، ولم يغيره ، كما ورد في أمالي المفيد رحمه الله ، وحصول هجومات عديدة نجده في العديد من الروايات بصورة صريحة حينا ، وهو مقتضى الجمع بين الروايات ، حيث تلاحظ خصوصيات الأشخاص والتصرفات التي ميزت كل هجوم حينا آخر .

بل بعض الروايات تؤكد : أن أبا بكر نفسه كان يصدر الأوامر بالهجوم ، وقد سبق الهجوم تهديدات بالاحراق ، وجمع للحطب . ثم أضرمت النار بصورة جزئية ، ثم كسر الباب ، وضربت الصديقة الطاهرة ، من أكثر من شخص من المهاجمين ، وسقطت إلى الأرض ، ورفسها ذلك الرجل برجله أيضا . وكل ذلك سيأتي في قسم النصوص الآتي إن شاء الله تعالى . . وبعض روايات إسقاط المحسن صحيحة السند . كما أن بعض الروايات المثبتة للضرب وشبهه أيضا صحيحة . وقد أشار نفس المعترض إلى صحة رواية الطبري في دلائل الإمامة .

والروايات بمجموعها متواترة عن أهل بيت العصمة ، فإذا ضم إليها ما سواها من نصوص فإنها تفوق حد التواتر . مع أن ذكر غير الشيعة لأمر كهذا يعتبر أمرا ملفتا ، بملاحظة أن ذلك الغير يرغب في تبرئة الفاعلين من ذلك كله .

- ص 315 -

وقد ورد هذا الأمر في كلمات كثير من أعلامهم ، كالجويني ، والكنجي ، والمسعودي ، والنظام ، وأبي جعفر النقيب أستاذ المعتزلي ، وأحمد بن محمد بن السري وغيرهم ممن سنذكر كلماتهم في الفصل المخصص لذلك إن شاء الله تعالى . وصرح بوجود هجومات عديدة ابن حمزة الزيدي ، وهو يجيب على اعتراض بعضهم بوجود تناقض بين الروايات . حيث إن واحدة تقول : إن عليا قعد عن البيعة في بيته ، وفر إليه طلحة والزبير ، ولم يخرجوا من البيت حتى جاء عمر ، وأراد إحراق البيت عليهم .

وأخرى تقول : إن أبا بكر خرج إلى المسجد يصلي ، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد بالصلاة إلى جنبه ، ثم قتله حينما ينطق أبو بكر بالتسليم في صلاته . وثالثة تقول : إنه أتي بعلي ملببا ، فبايع مكرها . فأجابه ابن حمزة بقوله : " إن ذلك كان في أوقات مختلفة ، وليس بين ذلك تناقض ، ولا تدافع ( 1 ) " . وذلك يعني : أن محاولة إحراق البيت قد كانت في وقت وفي هجوم ، مستقل عن الهجوم الذي تم فيه إخراج علي ملببا للبيعة . .

  ( 1 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 202 . ( * )  

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net