متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
لا داعي لمهاجمة الزهراء ( ع ) وعلي ( ع ) موجود
الكتاب : مأساة الزهراء عليها السلام .. شبهات وردود ج1    |    القسم : مكتبة رد الشبهات

لا داعي لمهاجمة الزهراء ( ع ) وعلي ( ع ) موجود

ويقول البعض : سلمنا أنهم دخلوا البيت ، فلماذا يهاجمون خصوص الزهراء ، ويضربونها ، ويتركون عليا ؟ فإن المفروض هو أن يهاجموه هو في غرفته ، التي يجلس فيها مع بني هاشم ، فإن البيت ليس عشرة كيلو مترات ، بل هو عشرة أمتار فقط .

والجواب :
 أولا :
قد ذكرنا فيما سبق ، أن : هذا البعض يقول : إن جميع بني هاشم كانوا مع علي في داخل البيت ، فكيف وسعتهم غرفة صغيرة بمقدار عشرة أمتار يا ترى ؟ !

 ثانيا : إنهم إنما دخلوا البيت بعد أن فرغوا من مهاجمة الزهراء عند الباب ، ولم تعد قادرة على التصدي لهم ومنعهم .

 ثالثا : كأن هذا البعض يرى أن بيت الزهراء كان مؤلفا من غرف متعددة ، أو من دار وغرفة على الأقل . . فكيف أثبت ذلك ، وما هي النصوص التي اعتمد عليها ؟

 رابعا : إن مهاجمتهم لها عليها السلام ليس لأجل أنهم كانوا يقصدونها لذاتها ، بل هاجموها لأنها منعتهم من الوصول إلى علي ، وحالت بينهم وبينه ، وقد صرحت النصوص بذلك ، وبأنها حاولت منعهم من فتح الباب ، أو تلقتهم على الباب . ونحن نشير هنا إلى نموذج من كلا الطائفتين :

- ص 317 -

فمن النصوص التي صرحت بأنها حالت بينهم وبين علي ( ع ) ، نذكر :

 1 - قال الفيض الكاشاني : " فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها ، وقالت : والله لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلما ( 1 )".

 2 - وروى المجلسي عن علي ( ع ) : " فلما أخرجوه حالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها ، فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها ، ودفعها فكسر ضلعا من جنبها ، وألقت جنينا من بطنها " ( 2 ) .

 3 - عن علي عليه السلام : إن سبب إعفاء قنفذ من إغرام عمر له ، أنه هو الذي ضرب فاطمة بالسوط حين جاءت لتحول بينه ( ع ) وبينهم ، فماتت صلوات الله عليها وإن أثر السوط في عضدها مثل الدملج ( 3 ) .

ومن النصوص التي صرحت بأنها حاولت منعهم من فتح الباب ، نذكر :

 1 - ما رواه البلاذري وغيره من أن عمر جاء ومعه قبس ، فتلقته فاطمة على الباب ، فقالت : يا ابن الخطاب ، أتراك محرقا علي بابي ؟ ! قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك ( 4 ) .

  ( 1 ) علم اليقين في أصول الدين : ص 686 و 687 - الفصل العشرون .
( 2 ) الاحتجاج : ج 1 ص 212 ، وفاطمة بهجة قلب المصطفى : ص 529 ، عن مرآة العقول : ج 5 ص 320 .
( 3 ) كتاب سليم بن قيس : ص 134 .
( 4 ) راجع : المصادر التالية : البحار : ج 28 ص 389 ، و 411 وهامش ص 268 ، =
>
 
 

- ص 318 -

 2 - وتقول رواية المفضل : وخروج فاطمة ، وخطابها لهم من وراء الباب . . . إلى أن تقول : وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب . . ثم تذكر أن عمر ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها الخ . . " ( 1 ) .

 3 - وفي كتاب سليم بن قيس : " انتهى إلى باب علي ، وفاطمة قاعدة خلف الباب . . إلى أن قال : فأقبل عمر حتى ضرب الباب ، ثم نادى : يا ابن أبي طالب ، افتح الباب . فقالت فاطمة ( ع ) : يا عمر ، ما لنا ولك ، ألا تدعنا وما نحن فيه ؟ قال : افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم . . إلى أن قال : فأحرق الباب ، ثم دفعه عمر ، فاستقبلته فاطمة ، وصاحت : يا أبتاه الخ . . " ( 2 ) .

 4 - وعن عمر : " فركلت الباب ، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه . . إلى أن قال : فدفعت الباب فدخلت ، فأقبلت إلي بوجه غشى بصري الخ . . ( 3 ) " .

  => وأنساب الأشراف : ج 1 ص 586 ، والشافي للسيد المرتضى : ج 3 ص 241 ، والعقد الفريد : ج 4 ص 259 و 260 ، وكنز العمال : ج 3 ص 149 ، والرياض النضرة : ج 1 ص 167 ، والطرائف : ص 239 ، وتاريخ الخميس : ج 1 ص 178 ، ونهج الحق : ص 271 ، ونفحات اللاهوت : ص 79 ، وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156 ، وغيرها مما سيأتي .
( 1 ) البحار : ج 53 ص 14 / 17 / 19 .
( 2 ) البحار : ج 43 ص 197 و 198 و ج 28 ص 299 ، وكتاب سليم بن قيس ص 250 ، ( ط الأعلمي ) .
( 3 ) البحار ( الطبعة الحجرية ) : ج 8 ص 220 / 227 عن دلائل الإمامة . ( * )
 
 

- ص 319 -

 5 - وعن عمر أيضا : " فلما انتهينا إلى الباب ، فرأتهم فاطمة ( ع ) أغلقت الباب في وجوههم ، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها ، فضرب عمر الباب برجله فكسره - وكان من سعف - ثم دخلوا ( 1 ) " .

 6 - وتقول عليها السلام : " وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا ، فوقفت بعضادة الباب ، وناشدتهم بالله الخ . . ( 2 ) ".

 7 - وعن عمر بن الخطاب أيضا : " فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه ، فرمته ، فتصعب علي ، فضربت كفيها بالسوط فآلمها . . إلى أن قال : فركلت الباب ، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه . . إلى أن قال : فدفعت الباب ودخلت ، فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري ، فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار ، فانقطع قرطها ، وتناثرت إلى الأرض ، وخرج علي ، فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار ، وقلت لخالد ، وقنفذ ، ومن معهما : نجوت من أمر عظيم . إلى أن قال : وجمعت جمعا كثيرا ، لا مكاثرة لعلي ، ولكن ليشد بهم قلبي ، وجئت - وهو محاصر - فاستخرجته من داره الخ . . ( 3 ) " .

ومن جهة ثانية : فإن بعض النصوص تشير إلى أن المهاجمين كانوا يحاولون الضغط على فاطمة عليها السلام وتخويفها ، حتى لا

  ( 1 ) تفسير العياشي : ج 2 ص 67 ، والبحار : ج 28 ص 227 وراجع : الاختصاص : ص 185 و 186 ، وتفسير البرهان ج 2 ص 93 .
( 2 ) البحار : ج 30 ص 348 ، عن إرشاد القلوب للديلمي .
( 3 ) البحار : ج 30 ص 293 - 295 . ( * )
 
 

- ص 320 -

تقف حاجزا بينهم وبين علي ومن معه ، بل هم يريدون منها أن تساعدهم في كسر قرار الممتنعين في بيتها ، فمن ذلك :

 1 - قولهم : إن المهاجمين حين جاؤا إلى بيتها نادى عمر : " يا فاطمة بنت رسول الله ، أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع ، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلا - والله - أضرمت عليهم نارا ( 1 ) " .

 2 - وفي نص آخر ، أنه قال : " يا بنت رسول الله ، والله ، ما من الخلق أحب إلي من أبيك ومنك ، وأيم الله ، ما ذلك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك ، أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب الخ . . ( 2 ) " .

 الإرتباك والتعارض في الروايات :

ويظهر البعض تحيره هنا وهو يواجه هذا الإرتباك الكثير في الروايات - على حد تعبيره - ثم هو يقول : " إن أحاديث إحراق البيت المذكورة في تلخيص الشافي ، والاختصاص ، والأمالي للمفيد متعارضة ، بين من يذكر فيه التهديد من دون الإحراق ، وهي كثيرة ، وبين ما يذكر فيه الإحراق " .

  ( 1 ) الجمل : ص 117 و 118 ( ط جديد ) وراجع : نهج الحق : ص 271 والإمامة والسياسة : ج 1 ص 12 وتاريخ ابن شحنة ( مطبوع بهامش الكامل ) ، ج 7 ص 164 ، وتاريخ أبي الفداء : ج 1 ص 156 ، والعقد الفريد : ج 4 ص 295 ، وتاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 126 .
( 2 ) راجع : منتخب كنز العمال : ( مطبوع بهامش مسند أحمد ) ج 2 ص 174 ، عن ابن أبي شيبة . وراجع أيضا شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي : ج 2 ص 45 ، عن الجوهري والمغني للقاضي عبد الجبار : ج 20 قسم 1 ص 335 ، والشافي للمرتضى : ج 4 ص 110 . ( * )
 
 

- ص 321 -

ونقول في الجواب : لا يوجد أي ارتباك في الروايات ، وليس ثمة تعارض فيما بينها ، وذلك لما يلي :

 1 - إن أحاديث التهديد بالإحراق لم تنف وقوعه ، وقد ذكرنا في إجابة سابقة : أن كل واحد ينقل ما يقتضيه غرضه السياسي ، أو المذهبي ، أو ما تسمح له الظروف بنقله ، أو بالاطلاع عليه ، لا سيما في تلك الحقبة القاسية التي كان يجلد فيها الراوي لأجل رواية في فضل علي ( ع ) ألف سوط ( 1 ) بل كانت تسمية المولود بعلي كافية لمبادرتهم إلى قتل ذلك المولود ( 2 ) ، وقد ذكرنا في كتابنا " صراع الحرية في عصر المفيد " ، أمورا هامة تدخل في هذا المجال فلا بأس بالرجوع إليه والاطلاع عليها .

والخلاصة : إن النقل يختلف ويتفاوت بسبب الأغراض والظروف وغيرها . كما أن هذا المنقول يختلف قلة وكثرة ، وحرارة وبرودة حسب الظروف وحسب الأشخاص ، وحسب الانتماءات وغير ذلك .
فقد ينقل أحدهم التهديد بالإحراق .
وآخر ينقل جمع الحطب .
وثالث ينقل الاتيان بقبس من نار .

  ( 1 ) تاريخ بغداد : ج 13 ص 387 / 388 ، وسير أعلام النبلاء : ج 11 ص 135 ، وتهذيب التهذيب : ج 10 ص 430 .
( 2 ) راجع : الوافي بالوفيات : ج 21 ص 104 . ( * )
 
 

- ص 322 -

ورابع ينقل إشعال النار بالباب أو بالبيت .
وخامس ينقل كسر الباب . .
وسادس ينقل دخول البيت ، وكشفه وهتك حرمته .
وسابع ينقل عصر الزهراء بين الباب والحائط .
وثامن ينقل إسقاط الجنين بسبب الضرب .
وتاسع ينقل ضرب جنينها ، أو متنها ، أو عضدها حتى صار كالدملج ، أو ضربها على أصابعها لتترك الباب ، ليمكنهم فتحه .
وعاشر ينقل كسر ضلعها أيضا .

ومن جهة ثانية نجد : إن هذا ينقل : أن عمر قد ضربها ، وذلك ينقل ضرب المغيرة بن شعبة لها ، وثالث ينقل ضرب قنفذ و . . فلا تكاذب بين الروايات ، ولا ارتباك فيما بينها ، بل إن كل واحد ينقل شطرا مما جرى لتعلق غرضه به ، لسبب أو لآخر ، كمراعاة ظرف سياسي ، أو لحوافز مذهبية أو غيرها .

وقد علل الشيخ محمد حسن المظفر ذلك بقوله : " لأن كثير الإطلاع منهم الذي يريد رواية جميع الوقايع لم يسعه أن يهمل هذه الواقعة بالكلية ، فيروي بعض مقدماتها لئلا يخل بها من جميع الوجوه ، وليحصل منه تهوين القضية كما فعلوا في قصة بيعة الغدير وغيرها ( 1 ) " .

  ( 1 ) دلائل الصدق : ج 3 قسم 1 ص 53 . ( * )  
 

- ص 323 -

 2 - إن الذين كتبوا التاريخ ، ودونوا الحديث كانوا يراعون الأجواء خصوصا السياسية منها ، حيث كان الحكام وغيرهم يرغبون في التخفيف من حجم ما فعلوه في حق أهل بيت العصمة والنبوة أمام الناس ، ولو أمكنهم إنكار الواقعة من الأساس لفعلوا ذلك ، ولأظهروا أن المهاجمين كانت قلوبهم مملوءة بحب الزهراء ، بل ذلك هو ما نجده فيما يبذله البعض من محاولات لإظهار حميمية العلاقة بين الزهراء وبين المهاجمين وإنكار ما يقال من حدوث أي سوء تفاهم في هذا المجال ، فراجع ما ذكره ابن كثير الحنبلي في بدايته ونهايته وكذلك غيره . . . ولعل ما سمعناه أخيرا من البعض ، من شدة حبهم لها قد أخذه من بعض هؤلاء .

وقد بات واضحا : أن نقل حقيقة ما جرى على الزهراء يستبطن إدانة قوية وحاسمة لها أثارها في فهم ووعي التاريخ ، وتقييم الأحداث ، وهي تؤثر على الذين يتصدون لأخطر منصب ومقام ، بالإضافة إلى ما لها من تأثيرات على مستوى المشاعر والأحاسيس ، والارتباطات العاطفية والدينية بهذا الفريق أو ذاك ، فالسماح بنقل ذلك ، والتساهل فيه لم يكن هو الخيار الأمثل ولا الأولى والأفضل بالنسبة لكثيرين من الناس .

 3 - إن حصول الإحراق قد روي من طرق شيعة أهل البيت بطرق بعضها صحيح ومعتبر . فلا داعي للتقليل من أهمية هذه الروايات بالقبول عن أحاديث التهديد بالإحراق - إنها كثيرة - موحيا بعدم اعتبار ما عداها .

وهناك شطر من النصوص الدالة على وقوع الإحراق أوردناه في الفصل المخصص لنقل الآثار والنصوص وسيأتي إن شاء الله تعالى .

- ص 324 -

 4 - إن رواية من يهمهم التخفيف من وقع ما جرى ، ويهمهم إبعاد من يحبونهم عن أجواء هذا الحدث المحرج ، بل وتبرئتهم منه إن أمكن . إن روايتهم لوقوع الإحراق بالفعل يجعلنا نطمئن أكثر إلى صحة ما روي من طرق شيعة أهل البيت عليهم السلام .

 5 - أما بالنسبة لكتب الشيخ المفيد رحمه الله تعالى ، فقد تحدثنا في فصل سابق عن نهجه رحمه الله في كتاب الإرشاد ، وأنه كان يريد في كتابه هذا ، أن يتجنب الأمور الحساسة والمثيرة ، ولذا أعرض عن الدخول في تفاصيل ما جرى في السقيفة ، مصرحا بذلك ، وقد كان عصره بالغ الحساسية ، كما فصلناه في كتابنا : " صراع الحرية في عصر المفيد " .

أما الأمالي ، فهو كتاب محدود الهدف ، والاتجاه . ولم يكن بصدد إيراد أحداث تاريخية مستوفاة ، وبصورة متناسقة .

أما الاختصاص فقد ذكر فيه تفاصيل هامة وأساسية ينكرها المعترض نفسه ، أو يحاول التشكيك فيها . على أنك قد عرفت أنه رحمه الله قد أورد في كل من المزار والمقنعة زيارتها عليها السلام المتضمنة لقوله : " السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة " أو " السلام عليك أيتها البتول الشهيدة " .

 6 - وأخيرا ، نقول : إنه إذا كان المقصود ، أن الذين باشروا إحراق البيت كانوا يريدون أن تحرق النار البيت كله بمن فيه ، ثم لم يتحقق ذلك لهم ، فيصح أن يقال : أرادوا أن يحرقوا ، أو هموا بإحراق البيت ، أو ما أشبه ذلك ، فلا تختلف هذه النصوص عن النصوص التي تقول : إنهم أضرموا النار فيه ، أو نحو ذلك .

- ص 325 -

النفي يحتاج إلى دليل : يقول البعض : أنا لا أنفي قضية كسر الضلع ، ولكنني أقول : التي غير مقتنع بذلك . وكما أن الإثبات يحتاج إلى دليل ، كذلك فإن النفي يحتاج إلى دليل .

ثم ذكر أسباب عدم اقتناعه . ونحن قد ذكرنا هذه الأسباب كلها في هذا الكتاب ، وأثبتنا عدم صحة الاستناد إليها ، ولكنا نزيد هنا أمورا على ما تقدم ، وهي :

 الأول : سلمنا أنه غير مقتنع بكسر الضلع ، ولكننا نسأله : هل هو مقتنع بسائر ما جرى على الزهراء ، من ضرب ، وإسقاط جنين ، وتهديد بإحراق البيت بمن فيه ، وفيه أولادها وزوجها ، ثم بإشعال النار بقصد إحراقهم .

فإن كان مقتنعا بكل ذلك ، ولم يبق عنده شئ مشكوك سوى كسر الضلع فلا ضير في ذلك ، لأن سائر الأمور تكفي لإثبات اللوازم التي يثبتها إقدامهم على كسر ضلع الزهراء ولا سيما النصوص التي تنص على أنها عليها السلام قد ماتت شهيدة صديقة .

 الثاني : ليس ثمة من مشكلة إذا لم يقتنع زيد من الناس بقضية ما ، ولكن المشكلة هي : أن يكون هذا الذي يظهر أنه غير مقتنع بثبوت شئ يجهد في سبيل إقناع الناس ، بعدمه ، ويحشد ما يعتبره أدلة وشواهد من كل حدب وصوب ليثبت هذا العدم ، وذلك تحت شعار وستار عدم الاقتناع .

- ص 326 -

وقد قال أحدهم لآخر عن صياد كان يذبح طائرا ، وعيناه تدمعان بسبب مرض فيهما : انظر إلى هذا الصياد ما أرق قلبه ، أنه يبكي على الطائر الذي يذبحه رأفة به ورحمة له . فقال له رفيقه : لا تنظر إلى دموع عينيه ، بل انظر إلى فعل يديه . فكيف يقنعنا قول هذا البعض بأنه لا ينفي كسر الضلع ، وهو يأتي بألف دليل ودليل - بزعمه - على هذا النفي . وعلى غيره مما ينفي القضية من أصلها .

 الثالث : إن مهمة العالم هي أن يحل المشكلات التي يواجهها الناس في حياتهم الفكرية والثقافية ، خصوصا فيما يرتبط بما هو من اختصاصه ، ومن صميم مهماته ، فلا بد أن يحسم أمره ، إما إلى جانب الإثبات بدليل ، أو إلى جانب النفي بدليل ( 1 ) أو الانسحاب من الإجابة إلى أن يحزم أمره ، ويتخذ قراره .

وليس من حقه أن يثقف الناس بمشكوكاته ، التي لم يستطع إنجاز دراستها ، أو لم يحصل اليقين فيها ، أو لم يعمل هو للحصول على هذا اليقين ، وإلا فكيف نفسر قوله : سألت السيد شرف الدين في أوائل الخمسينات أثناء دراستي للموضوع ، ثم يقول في سنة 1414 ه‍ عثرت أخيرا على نص في البحار يقول كذا . . .

فهل استمر بحثه أكثر من أربعين سنة حتى أمكنه العثور أخيرا على هذا النص أو ذاك . وهل يصدق على هذا اسم البحث ، والدرس ، وهو لم ينظر إلا

  ( 1 ) لا سيما إذا كان هو الذي يقول : إن النفي أيضا يحتاج إلى دليل ( * )  
 

- ص 327 -

إلى كتاب البحار ، وفي هذا الوقت المتأخر جدا ، وحيث لم يعثر فيه إلا على هذا النص اليتيم . رغم ما حفل به كتاب البحار من نصوص كثيرة جدا ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى . وإذا كان قد عثر على هذا النص الذي يريد أن يظهر لنا أنه قد حل له المشكلة ، فلماذا عاد إلى التشكيك وإلى التساؤل ؟

 الرابع : إن الذي يثير التساؤلات قد يكون إنسانا عاديا غير متعلم ، لم يتخرج من جامعة ، ولا درس في الحواضر العلمية الدينية ، فله عذره ، والحال هذه ، وعلى العالم العارف أن يحل له تلك العقدة ، أو العقد ويجيب على ذلك السؤال أو تلك الأسئلة . وأما إذا كان الذي يثير تلك الأسئلة هو العالم المتصدي للإجابة على مسائل الناس ، فإن الناس يفهمون من عدم إجابته عليها أنه ملتزم بمضمون السؤال ، وبكل لوازمه وآثاره .

مصادرة الموقف :

هل ثبت عندكم كسر الضلع ؟ ! وقد نجد البعض إذا سئل عن رأيه في موضوع الاعتداء على الزهراء وكسر ضلعها ، يبادر هو إلى سؤال سائله الذي هو إنسان عادي ويقول له : هل كسر الضلع ثابت عندكم أنتم ؟ ! وما الدليل ؟ !

ونقول :
 أولا :
أنه لا يحسن بمن يعتبر نفسه من أهل العلم ، ويعتبر نفسه مسؤولا عن هداية الناس أن يواجه إنسانا عاديا من عامة الناس بهذا

- ص 328 -

السؤال ، إلا إذا كان يقصد إثارة الشبهة في ذهنه ، لتسهل السيطرة عليه ، وإخضاعه لما يريد بأيسر طريق .

 ثانيا : إن النصوص المثبتة لما جرى على الزهراء كثيرة ، والكتب المؤلفة في القرون السابقة تطبع باستمرار ، وتكتشف المخطوطات هنا وهناك ، ونجد فيها المزيد مما يؤيد ويؤكد هذه القضية .

ولا نريد أن نصر على هذا الرجل كثيرا بقبول روايات كسر ضلع الزهراء وجرحها ، واستشهادها عليها السلام ، وإن كانت كثيرة ومتنوعة ، ولكننا نقدم للقارئ الكريم نموذجا منها هنا ، فنقول :

 1 - قال الطبرسي : " فحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط . . . إلى أن قال : فأرسل أبو بكر إلى قنفذ لضربها ، فألجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعا من جنبها ، وألقت جنينا من بطنها ( 1 ) " .

وقد قال الطبرسي في مقدمة كتابه " الاحتجاج " الذي ذكر فيه هذا الحديث ما يلي : " ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إما لوجود الإجماع عليه ، أو موافقته لما دلت العقول إليه ، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤلف ، إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري ( ع ) ( 2 ) .

 2 - وروى السيد ابن طاووس رحمه الله نص الزيارة التي يقول فيها : " الممنوعة إرثها ، المكسورة ضلعها ، المظلوم بعلها ، والمقتول

  ( 1 ) الاحتجاج : ج 1 ص 212 ، ومرآة العقول : ج 5 ص 320 . ( 2 ) الاحتجاج : المقدمة ص 4 . ( * )  
 

- ص 329 -

ولدها " ( 1 ) .

 3 - قد روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه ، عن أبي الحسن ( ع ) قال : إن فاطمة ( ع ) صديقة شهيدة ، وإن بنات الأنبياء لا يطمثن ( 2 ) " .

 4 - وروى الصدوق عن علي بن أحمد بن موسى الدقاق ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن النوفلي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إن رسول الله كان جالسا إذ أقبل الحسن عليه السلام . . . إلى أن قال : " وأما ابنتي فاطمة . . . وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأني بها وقد دخل الذل بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصب حقها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها وأسقطت جنينها الخ . . . ( 3 ) " . ورواه الديلمي ( 4 ) والجويني أيضا ( 5 ) .

 5 - وروى سليم بن قيس الهلالي ، قال : " فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها ، فكسر ضلعها من جنبها ، فألقت جنينا من بطنها ، فلم تزل صاحبه فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك

  ( 1 ) إقبال الأعمال : ص 625 ، والبحار : ج 97 ص 200 .
( 2 ) الكافي : ج 1 ص 458 . عوالم العلوم : ج 11 ص 260 .
( 3 ) الأمالي للصدوق : ص 100 و 101 ، وإرشاد القلوب للديلمي : ص 295 ، والبحار : ج 28 ص 37 / 39 و ج 43 ص 172 / 173 ، والعوالم : ج 11 ص 391 ( الجزء الخاص بالزهراء ) ، وستأتي مصادر أخرى .
( 4 ) إرشاد القلوب : ج 2 ص 295 .
( 5 ) فرائد السمطين : ج 2 ص 35 . ( * )
 
 

- ص 330 -

شهيدة " ( 1 ) .

 6 - وذكر ابن شهر آشوب : أن ابن قتيبة قال : إنها أسقطت محسنا بسبب زخم قنفذ العدوي . والزخم هو الجرح .

 7 - وقال السيد الحميري رحمه الله :

ضربت واهتضمت من حقها * وأذيقت بعده طعم السلع
قطع الله يدي ضاربها * ويد الراضي بذاك المتبع
( 2 )

السلع : الشق والجرح . وشعر السيد الحميري يدل على شيوع هذا الأمر في عهد الإمام الصادق عليه السلام ، وذيوعه ، حتى لتذكره الشعراء ، وتندد به ، وتزري به على من فعله .

 8 - وقد ذكر الإمام الحسن أن المغيرة قد ضرب الزهراء حتى أدماها .

 9 - ونجد الشيعة في عهد الصدوق رحمه الله ، يصرون على زيارتها عليها السلام بالزيارة التي تضمنت : أنها صديقة شهيدة . وسيأتي في هذا الكتاب نصوص ذلك ، وكذا النصوص الدالة على استشهادها عليها السلام .

 وثانيا : إذا لم يثبت كسر الضلع ، فإن ذلك لا يعني نفي هذا الأمر من الأساس ، ولا يصح منع قراء العزاء من ذكره ، ما دام أن المؤرخين قد رووه ، وحدثوا به .

  ( 1 ) كتاب سليم ، بتحقيق محمد باقر الأنصاري : ج 2 ص 588 . ( 2 ) الصراط المستقيم : ج 3 ص 13 . ( * )  
 

- ص 331 -

 ثالثا : هل يجب توفر سند صحيح لكل قضية تاريخية ؟ !
وكم هو عدد القضايا التي ثبتت كذلك ؟
وهل ثبوت أية قضية تاريخية يتوقف على وجود سند صحيح وفق المصطلح الرجالي ؟ ! .
ولماذا يطلب السند الصحيح في خصوص هذه القضية ، مع أن نفس هذا المتسائل يقول : إننا لا نحتاج إلى السند الصحيح في إثبات القضايا ، ويكفي الوثوق بصدورها ، بل هو يكتفي بعدم وجود داع إلى الكذب لصحة الأخذ بالرواية ، ولو من كتب غير الشيعة الإمامية ، مع أنه يحاول إثارة الشبهات حول روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) بالتأكيد المستمر على وجود المكذوب والموضوع فيها ، دون أن يشير إلى جهود العلماء في تمييز الصحيح والمعتبر عن غيره . . .

وخلاصة الأمر : إنه لا يمكن بملاحظة كل ما ذكرناه تكذيب هذا الأمر ما دام أن القرائن متوفرة على أنهم قد هاجموها ، وضربوها ، وأسقطوا جنينها : وصرحت النصوص بموتها شهيدة أيضا ، الأمر الذي يجعل من كسر الضلع أمرا معقولا ومقبولا في نفسه ، فكيف إذا جاءت روايته في كتب الشيعة والسنة ، بل وأشار إليه الشعراء أيضا ، ولا سيما المتقدمون منهم .

 رابعا : لو فرضنا أن كسر الضلع لم يثبت ، فلماذا يجعل ذلك ذريعة للتشكيك في ثبوت ضربهم للزهراء عليها السلام ، وإسقاط جنينها ، وانتهاك حرمة بيتها ، مع أن ذلك مما أجمعت عليه طائفة الشيعة الإمامية ، واستفاضت به رواياتهم ، بل تواترت ، ورواه الكثيرون من مؤرخي ومحدثي باقي الفرق الإسلامية .

- ص 332 -

أم أن البحث الموضوعي يقتضي التركيز على أمر ، ظن ذلك البعض أنه النقطة الأضعف فأراد التشكيك بها ليسهل التشكيك بما سواها ، بأسلوب إطلاق الحكم الكلي ، والحديث بالعمومات والمبهمات ، حيث لا يلتفت الناس إلى التفاصيل ، وبذلك يكون قد تمكن من نسف الثوابت والقطعيات ، وما أجمع عليه علماء المذهب ، ورووه متواترا ومستفيضا ، بل رواه غيرهم ممن لا يسعدهم ثبوت ذلك لما فيه من إزراء على من يحبونهم ويتولونهم .

سقوط المحسن لحالة طبيعية طارئة !

ثم إن البعض يزداد جرأة ، إلى درجة أنه يقول : إن سقوط الجنين " محسن " يمكن أن يكون قد حصل في حالة طبيعية طارئة ! ولم يكن نتيجة اعتداء ؟ !

والجواب : لقد دلت النصوص الكثيرة ، بل المتواترة وأجمع الشيعة على سقوط المحسن بسبب الاعتداء على الزهراء كما قاله الشيخ الطوسي رحمه الله ، بل لقد روى ذلك وأشار إليه كثيرون من أتباع وأنصار المهاجمين أنفسهم ، ممن لا يسعدهم حتى توهم نسبة ذلك إلى من يحبونهم من المهاجمين - ومع هذا كله - فلماذا الإصرار من هذا البعض على تبرئة المهاجمين من هذا الأمر وكيف نجيز لأنفسنا أن نكون ملكيين أكثر من الملك نفسه ؟ ! .

وهل هناك مبرر علمي لهذا الإصرار ، بعد أن كان من يصر على ذلك يقول : إن النفي يحتاج إلى دليل ، كما هو الإثبات ؟ !

- ص 333 -

إن هناك دليلا قاطعا للعذر قائما على الإثبات ، فهل نرفضه ؟ ونصر على النفي بلا دليل أصلا ؟ ! .

ملاحظة : والملفت للنظر هنا : أن بعضا آخر قد تجاوز ذلك إلى إنكار أصل وجود ابن لفاطمة ( ع ) اسمه " محسن " . وبعض آخر سكت عن الإشارة إليه بسلب أو بإيجاب ، وكأنه يريد أن يوحي بسكوته هذا بأنه لا وجود لطفل بهذا الاسم ينسب للزهراء عليها السلام .

لكن البعض الآخر حين رأى أن إنكار هذا الأمر غير ممكن ، ولم يستطع أن يعترف بما ارتكبوه في حقه ، وحق أمه ، تخلص من ذلك بدعوى أنه " مات صغيرا " فلم يصرح بإنكار إسقاطه ، لكنه المح إلى ذلك الإنكار حين قال : " مات صغيرا " .

وفريق رابع قد ذكر هذا الطفل ، وذكر كونه سقطا ، ولكن سكت عن ذكر حقيقة ما جرى .
وهناك الفريق الذي صرح بالحقيقة المرة وأفصح عنها ، وقد أوردنا جملة من أقوال هؤلاء الفرقاء في قسم النصوص ، فلتراجع ثمة .

ولم يكن في مصلحة الذين ظلموا وآذوا ، وضربوا ، وأسقطوا جنين الزهراء أن يشاع ذلك عنهم ويذاع ، لأنه سيهز صورتهم ، وربما يهز أيضا مواقعهم على المدى الطويل ، فكان لا بد لهم من طمس الحقيقة ، وتزوير التاريخ ، وفرض هيمنة قاسية ومريرة على الإعلام ، ولا بد من كم الأفواه بكل وسيلة ممكنة .

- ص 334 -

ولم يصل إلينا إلا ما أفلت من براثنهم حيث حمله إلينا فدائيون حقيقيون تاجروا مع الله سبحانه بدمائهم ، وبكل غال ونفيس ، تماما كما أفلت إلينا من براثن المستكبرين الحاقدين الكثير الطيب ، بل بحر زاخر من فضائل ومواقف وجهاد علي عليه السلام ، حتى حديث الغدير ، وحديث الثقلين وحديث أهل بيتي كسفينة نوح وحديث المنزلة ، - لقد أفلت ذلك كله - من براثنهم رغم كل الجراح ، ورغم كل الدماء النازفة ورغم كل الآلام .

لقد أفلت إلينا مثخنا بالجراح ، غارقا بالدماء ، مرهقا بالآلام . . ليجسد لنا بعمق وبصدق حقيقة اللطف والرعاية الإلهية للأمة وللأجيال ، ولهذا الدين .

فإن كل دعوة حاربها الحكام ما لبثت أن تلاشت واندثرت إلا دعوة الحق ، فإنها قد استمرت واحتفظت بأصالتها ، وبمعالمها رغم مرور مئات السنين على هذه الحرب الساحقة الضروس ، رغم أنها تتحدى الحكام في أساس حاكميتهم ، وفي شرعيتهم ، إذ أن عقيدتها بالإمام هي رفض للشرعية ، واتهام للحكام بالغاصبية وبالظلم ، وبمحاربة تعاليم الله ورسوله ( ص ) وأدل دليل على ذلك كله وعلى إرادة التبرير والتزوير والتجني وعلى اللطف الإلهي بحفظ الحق هو كل ما يرتبط بمقام علي ( ع ) وبمظلومية الزهراء ( ع ) التي قدمها رسول الله ( ص ) على أنها المعيار للحق وللباطل ، وهذا ما جعل دورها عليها السلام بعد وفاته ( ص ) مؤثرا وفاعلا ، حاسما وقويا ، عرف به الصحيح من السقيم والمحرف والمزيف ، من السليم والقويم .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net