متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الحسين عليه السلام يعالج سيفه ووصيته لأخته زينب عليها السلام
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر
الحسين عليه السلام يعالج سيفه
ووصيته لاُخته زينب ( عليها السلام )

رويَّ عن عليِ بنِ الحسينِ بن علي عليه السلام قال : إني جالسٌ في تلكَ العشيّةِ التي قُتل أبي صَبيحتَها وَعمتي زينبُ عندِي تُمرضُني إذ اعتزلَ أبي بأصحابِه في خَباء له وَعندَه حُوَىّ مَولى (1) أبي ذر الغُفاري وَهو يُعالجُ سَيفَه (2) ويُصلِحُهُ وأبي يقولُ :

يَا دهرُ أفٍّ لكَ مِنْ خَليـلِ * كَمْ لكَ بالاشراقِ وَالاصيلِ
مِنْ صَاحب أو طالب قَتيلِ * وَالدهرُ لا يَقنعُ بالبديــلِ
وإنَّمَا الامرُ إلى الجليــلِ * وَكلُّ حيٍّ سَالـكُ السبيـلِ

____________
(1) هو : جون بن حوى مولى أبي ذر الغفاري ، كما في الزيارة الرجبية وزيارة الناحية ، وكذا في مقاتل الطالبيين ، وذكره الخوارزمي والطبري باسم حُوى ، وذكره الشيخ المفيد في الارشاد وابن شهراشوب في المناقب باسم جوين. وكان جون منضمَّاً إلى أهل البيت عليهم السلام بعد أبي ذر فكان مع الحسن عليه السلام ثم مع الحسين عليه السلام ، وصحبَه في سفره من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق ، وفي كامل بهائي أنه كان بصيراً بمعالجة آلات الحرب واصلاح السلاح ، وقتل بين يدي الحسين عليه السلام ووقف عليه وقال : اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع الابرار ، وعرف بينه وبين محمد وآل محمد ، وروي عن الباقر عن علي بن الحسين عليهم السلام إنّ بني أسد الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد أيّام تفوح منه رائحة المسك.
راجع : مقتل الحسين للخوارزمي : ج 1 ص 237 ، تاريخ الطبري : ج 4 ص 318 ، المناقب لابن شهراشوب : ج 4 ص 103 ، كامل بهائي : ج2 ، ص280 ، إبصار العين : ص 105 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص 80 ـ 81.
(2) وفي مقاتل الطالبيين : ص113 ، وهو يعالج سهاماً له ، وبين يديه جون الخ.

===============

( 41 )

قال : فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتى فَهِمتُها ، فَعرَفتُ مَا أرادَ فَخنقَتني عَبرتي فرددّتُ دَمعي ولزمتُ السكون فَعلمتُ أنَ البلاءَ قد نزلَ ، فأمّا عمَّتي فإنها سَمِعت ما سمعتُ وهي امرأةٌ وَفي السماءِ الرقَّةُ والجزعُ فَلم تملك نفسَها أن وَثبت تَجرُّ ثوبَها وَإنها لحاسرةٌ حتى انتهت إليه فقالت : واثكلاه لَيتَ الموتَ أعدمني الحياة ، اليومَ ماتتْ فاطمةُ أمّي وعليٌّ أبي وحسنٌ أخي ، يا خليفةَ الماضي وثمال (1) الباقي (2).
قال : فَنظَر إليها الحسين عليه السلام فقال : يا أُخيّةُ لا يُذهبنَّ حلمَكِ الشيطانُ ، قالت : بأبي أنتَ وأمي يا أبا عبدالله استقتلتَ نَفسي فداكَ.

قالت أتُقتل نصبَ عيني جهرة * ما الرأي فيَّ وما لديَّ خفيـرُ
فأجابها قلّ الفدا كثُــر العدى * قَصُرَ المدى وسبيلنا محصور

فَردَّ غُصّتَهُ وَترقرقتْ عَيناهُ ، وَقالَ : لو تُركَ القطا (3) ليلاً لنام (4) ، قالت : يَاويلتي
____________
(1) جاء في حديث أبي طالب عليه السلام يمدح ابن أخيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثِمالُ اليتامي عصمةٌ للارامل

الثمال : ككتاب ، الغياث والذي يقوم بامر قومه ، يقال : فلانٌ ثِمالُ قومه أي غِياثٌ لهم. مجمع البحرين للطريحي : ج5 ، ص332.
(2) وفي الارشاد : ياخليفةَ الماضين وثمالَ الباقين.
(3) القَطَا : ضرب من الحمام ذوات أطواق يُشبه الفاخته والقُماري ، وفي المثل أهدى من القطا ، قيل أنه يطلب الماءَ مسيرة عشرة أيام وأكثر من فراخها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فترجع ، ولا تُخطيء صادرة ولا واردة. مجمع البحرين للطريحي : ج1 ، ص347.
(4) لو ترك القطا ليلاً لنام ، جاء في قصة هذا مثل : إنه نزل عمرو بن مامة على قوم مُراد ، فطوقوه ليلاً ، فأثاروا القطا من أماكنها ، فرأتها امرأته طائرة فنبّهت المرأةُ زوجها ، فقال : إنما هي القطا ، فقالت : لو تُرك القطا ليلاً لنام. يُضرب لمن حُمل على مكروه من غير إرادته وقيل : أول من قال : لو ترك القطا

=

===============

( 42 )

أفتَغصِبُ نفسَكَ اغتصاباً ؟ فذلكَ أقرحُ لِقلبي وأشدُّ على نَفسي وَلطمَتْ وَجهَهَا وأهوتْ إلى جَيبِها وشقتهُ ، وَخرّت مَغشياً عليها.
فقام إليها الحسين عليه السلام فصبَّ على وَجهِهِا الماءَ ، وقال لها : يا أُخيَّة اتقّي اللهَ وَتعزّي بعزاءِ اللهِ واعلمي أنَّ أهل الارضِ يَموتون ، وأنَّ أهل السماءِ لا يبقونَ وأنَّ كلَ شيء هالكٌ إلا وجهَ اللهِ الذي خَلقَ الارضَ بقُدرتهِ ، وَيبعثَ الخلقَ فيعودونَ وَهو فردٌ وحدَه ، أبي خيرٌ مني ، وأمي خيرٌ مني ، وأخي خيرٌ مني ، وَلي وَلَهم ولكلِ مُسلم برسولِ اللهِ أسوةٌ.
قال : فعزّاها بهذا وَنحوهِ ، وقال لها : يا أُخيّة إني اُقسمُ عليكِ فأبرِّي قَسمي ، لا تشُقي عليَّ جَيباً ، وَلا تخمشي عليَّ وَجهاً ، وَلا تدعي عليَّ بالويلِ والثبورِ إذا أنا هلكت.
وفي رواية (1) ثم قال عليه السلام : يا اُختاه يا اُمّ كلثوم ، وأنتِ يا زينب ، وأنتِ يا فاطمة ، وأنتِ يا رباب ، إذا أنا قُتلت فلا تشققنَ عليَّ جيباً ، ولا تخمشن عليَّ وجهاً ، ولا تقلن هجراً.
____________
=
ليلاً لنام ، حذام بنت الريان وذلك لما سار عاطس بن خلاج لقتال أبيها ليلاً فلما كانوا قريباً منه أثاروا القطا ، فمرت بأصحاب الريان فخرجت حذام إلى قومها فقالت :

الا يا قومنا ارتحلوا وسيروا * فلو تُرك القطا ليلاً لنامـا

أي أن القطا لو تُرك ما طار هذه الساعة وقد أتاكم القوم ، فلم يلتفتوا إلى قولها ، وأخلدوا إلى المضاجع لمّا نالهم من التعب ، فقام دَيسم بن طارق وقال بصوت عال :

إذا قالت حذام فصدّقوها * فإنَّ القولَ ما قالتْ حـذامِ

انظر : مجمع الامثال للميداني : ج 3 ، ص 82.
(1) اللهوف : ص36 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ص238.

===============

( 43 )

اٌخت يـا زينب اُوصيــك وصايــا فاسمعي * إنني في هــذه الارض مـُلاق مَصــرعي
فاصبري فالصبـرُ من خيم كــرامِ المتــرعِ * كلُ حيّ سينحيــه عن الاحيــاء حيـــن
في جليلِ الخطبِ يا أختُ اصبري الصبر الجميل * إن خيرَ الصبرِ ما كــان على الخطبِ الجليل
واتركي اللطمَ على الخــدِ وإعـلان العويــل * ثم لا أكــره سَقيَ العينِ ورد الوجنتيـــن
واجمعي شملَ اليتامى بعد فقــدي وانظمــي * واشبعي من جــاعَ منهم ثم اروي مَنْ ظُمي
واذكُــري انهــم في حفظهـم طُــل دمي * ليتني من بينهم كالانــف بيـن الحاجبيــن

قال : ثم جاء بها حتى أجلسَها عندي ، وَخرجَ إلى أصحابهِ فأمرَهم أن يُقرِّبوا بعض بيوتهم مِن بعض ، وأن يُدخِلوا الاطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا هُم بين البُيوت ، إلا الوجه الذي يأتيهم منهُ عدوّهُم (1).
____________
(1) تاريخ الطبري : ج4 ، ص318 ، نهاية الارب للنويري : ج20 ، ص436 ، الكامل في التاريخ لابن الاثير : ج4 ، ص58 ـ 59 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ص237 ـ 238 ، الارشاد للمفيد : ص232 ، إعلام الورى للطبرسي : ص239 ـ 240 ، بحار الانوار : ج45 ، ص1 ـ 3 ، أسرار الشهادة للدربندي : ج2 ، ص224.

===============

( 44 )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net