متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1) البعد الديني ، أ ـ البعد الديني في موقف الحسين عليه السلام
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر
 

البعد الديني

===============

( 104 )

===============

( 105 )

أ ـ البعد الديني في موقف الحسين (عليه السلام)
إن ليلة عاشوراءَ وما ترتب عليها من آثار ومواقف جاءت نتيجة لموقف الحسين (عليه السلام) الشرعي ، وانطلاقاً من مبدئه السامي القائم على طلب الاصلاح في أُمة جده (صلى الله عليه وآله)كما أوضح هذا قبل خروجه قائلاً :
وأني لم أخرُج أَشِراً ولا بَطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالِماً ، وإِنما خَرجتُ لطِلبِ الاصلاح في اُمّة جَدّي (صلى الله عليه وآله) ، اُريدُ أَن آمرَ بالمعروف وأَنهى عن المُنكر ، وأَسيرَ بسيرةِ جَدّي وَأبي علي بن أبي طالب ، فمن قَبلني بقَبول الحق فاللهُ أولى بالحق َ ومَنْ رَدَّ عليَّ هذا أصبرُ حتى يقضي اللهُ بيني وبين القوم وهو خيرُ الحاكمين(1).
وقد أكد على ذلك أيضاً في خطبته التي خطبها في ذي حُسْم(2) قائلاً :
إنَّهُ قد نَزل بنا مِن الامر ما قد تَرون ، وإِنَّ الدُّنيا قَدْ تَغيَّرت وتَنكّرَت وأَدبر معرُوفُها ، واستمرَّت جِدّاً ، فلم يَبقَ مِنْها إلا صُبابَةٌ كصُبابةِ الاناءِ ، وخَسيسُ عَيش كالمرعى الوبيلِ ، أَلا تَرَونَ أن الحَقَّ لا يُعملُ بهِ ، وأن الباطل لا يُتناهى عنهُ ، ليرغَبِ المؤْمنُ في لقاءِ اللهِ مُحقّاً ، فإنّي لا أَرى المَوتَ إلاسعادةً ، ولا الحياةَ مع الظالِمين إلا بَرماً(3).
____________
(1) بحار الانوار : ج44 ، ص329 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج1 ،ص188ـ 189 ، مقتل الحسين للمقرم : ص139.
(2) قيل : إنه موضع بالكوفة أو جبل في طريق البر ، وفيه استقبل الحر الرياحي في ألف فارس.
(1) تاريخ الطبري : ج4 ،ص 305 ، تاريخ دمشق لابن عساكر ( ترجمة الامام
الحسين (عليه السلام) ) : ص214 ، بحار الانوار : ج44 ، ص381.

===============

( 106 )

فقد أوضح (عليه السلام) في خُطبته أن الدنيا تغيرت عما هو المرجو من جريانها ، وأنكرت وأدبر معروفها ، بحيث صار المُنكر مَعروفاً والمعروف مُنكراً ، ولا بدَ من إصلاح ما فسد وتقويم ما اعوج ، وإن أدى ذلك إلى الشهادة ، وهو ما عَبّر عنه بقوله (عليه السلام) : ليرغب المؤمنُ في لقاءِ الله مُحقاً.
ومما أشار إليه (عليه السلام) في خطبته هو أنه يرى الحياةَ مع الظالمين برماً ، ولِذا وَقف موقفاً صارماً وحازماً من بيعة يزيد بن معاوية.
وحيث أن الامام الحسين (عليه السلام) إمامٌ معصومٌ مفترضُ الطاعة فيجب على الامة الانقياد إليه والائتمار بأمره ، فما رآه (عليه السلام) ودعا إليه فهو الحق وما رفضه ونهى عنه فهو الباطل ، فلما رأى (عليه السلام) بأن وظيفته وتكليفه يحتمان عليه السير في إصلاح ما فسد في الامة ، ليحق الحق ويبطل الباطل سار على ذلك وإن انتهى به الامر إلى الشهادة ، وله بهذا أسوةٌ بالانبياء (عليهم السلام) الذين واجهوا الصعاب في سبيل الله تعالى ، حتى أُوذوا وشُرِّدوا ونُفوا عن أوطانهم ، ومنهُم من تَعرَّض للقتل ونُشر بالمنشار ، ومنهم من قُطع رأسُه في سبيله تعالى كيحيى بن زكريا (عليه السلام) وأُهدي رأسُه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

واختار يحيى أن يُطاف برأسه * وله التأسي بالحسين يكونُ

ومنهم من أرادوا إحراقه بالنار لولا أن نجاه اللهُ كإبراهيم الخليل (عليه السلام) الذيِ سار على ضَوءِ ما يُمليِه عليه الواجب الديني ، فَكسّرَ أصنام المشركين فكانت النتيجة تعرضه للقتل ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وانصُرُوا آلهَتكُم )(1) وغيرهما من
____________
(1) سورة الانبياء : الاية 68.

===============

( 107 )

الانبياء (عليهم السلام) وَلم يَمنعهم كلُ ذلك من السعي قُدماً تجاه وظائفهم الشرعية من أجل إصلاح الامة ، ودعوتهم إلى الله تعالى وإن أدى ذلك إلى الشهادة.
فكذلك الحسين (عليه السلام) الذي لا يثنيه عن عزيمته ّمرٌ ولا يلويه أحدٌ عن موقفه الديني ، سار حسبما أملاه عليه الواجب الشرعي والديني وإن تعرض هو مع أهل بيته للتشريد والقتل والابادة ما دام ذلك بنظر الله وأمره تعالى.
وقد ذكر الحجة الشيخ التُستري أعلى الله مقامه : أن للحسين (عليه السلام) تكليفين : واقعي وظاهري :
أ ـ أما الواقعي الذي دعاه للاقدام على الموت ، وتعريض عيالهِ للاسر وأطفاله للذبح مع علمه بذلك ، فالوجه فيه : أن عتاة بني اُمية قد اعتقدوا أنهم على الحق ، وأن علياً وأولاده وشيعتهم على الباطل ، حتى جعلوا سبَّه من أجزاء صلاة الجمعة ، وبلغ الحالُ ببعضهم أنه نَسي اللعن في خُطبة الجمعة فذكره وهو في السفر فقضاه ! وبنوا مسجداً سَمُوه « مسجدَ الذكر » فلو بايع الحسينُ يزيدَ وسَّلَّم الامرَ إليه لم يبق من الحقِ أثرٌ ، فإن كثيراً من الناس يعتقدُ بأن المحالفة لبني أُمية دليلُ استصواب رأيهم وحسن سيرتهم ،
وأما بعد محاربة الحسين لهُم ، وتعريض نفسه المقدسة وعياله وأطفاله للفوادح التي جرت عليهم ، فقد بيَّن لاهل زمانه والاجيال المتعاقبة أحقيتهُ بالامرِ وضَلال من بعى عليه.
ب ـ وأما التكليف الظاهري فلأنه (عليه السلام) سعى في حِفظ نفسهِ وعياله بكل وجه ، فلم يتيسر له وقد ضَيّقوا عليه الاقطار ، حتى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أن يقتله فيها ، فخرَج منها خائفاً يترقب ، فلاذَ بحرم الله الذي هو اَمْنُ الخائف وكهف

===============

( 108 )

المستجير ، فجَدُّوا في إلقاءِ القبض عليه ، أو قتله غيلةً ولو وُجدَ مُتعلقاً بأستارِ الكعبة ، فالتزم بأن يجعل إحرامَهُ عُمرةً مُفردةً وترك التمتعَ بالحج ، فتوجه إلى الكوفة لانهم كاتبوه وبايعوه وأكدوا المصيرَ إليهم لانقاذهم من شرور الامويين ، فألزمَهُ التكليف بحسب ظاهر الحال إلى موافقتهم إتماماً للحجة عليهم ، لئلا يعتذروا يوم الحساب بأنهم لجأوا إليه واستغاثوا به من ظلم الجائرين ، فاتهمهم بالشقاق ولم يغثهم مع أنه لو لم يرجع إليهم فإلى أين يتوجه ، وقد ضاقت عليه الارض بما رحُبت ، وهو معنى قوله لابن الحنفية : لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لا ستخرجوني حتى يقتلوني(1) !
وقال لابي هرّة ـ الازدي ـ : إنَّ بني أُميةَ أخذُوا مالي فَصبرْت ، وَشتموا عِرضي فَصبرت ، وَطلبُوا دَمي فهرَبت(2)(3).
ولهذا كان (عليه السلام) يُؤكدُ للناس أنها وظيفةٌ شرعيةٌ لا محيص عنها ، وخصوصاً مع أُولئك الذين حاولوا صرفَهُ عن طريقه ، وتغيير وجهَة نظره ، فكان ينسبُ الامرَ إلى الله تعالى وبأمر من جده (صلى الله عليه وآله)كما أوضح هذا إلى أخيه محمد بن الحنفية حينما عزم على الخروج من مكة المكرمة ، وقد قال له أخوه ابن الحنفية : ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى ، ولكن بعدما فارقتك أتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقال : يا حسين اخرج فان الله تعالى شاءَ أن يراك قتيلاً.
____________
(1) تاريخ الطبري : ج4 ، ص288 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ج1 ، ص218 ، بحار الانوار : ج45 ، ص99.
(2) مقتل
الحسين للخوارزمي : ج1 ، ص226 ، بحار الانوار : ج44 ، ص368 ، اللهوف : ص30.
(3) مقتل
الحسين
للمقرم : ص170 عن الخصائص الحسينية ص85.

===============

( 109 )

فاسترجع محمد ، وحينما لم يعرف الوجه في حمل العيال معه وهو على مثل هذا الحال ، قال له الحسين (عليه السلام) : قد شاء الله تعالى أن يراهن سبايا(1).
الامر الذي يدل على أن هناك أمراً وتكليفاً شرعياً كما يُستفاد هذا أيضاً من كلمة « شاء الله » حيث قيل أنها المشيئة التشريعية التي يتعلق بها الامرُ ، فاللهُ تعالى يُريد أن يرى الحسين (عليه السلام) المُدافع والمُحامي عن الدين ، والمصلح لما فسد منه ، ولو أدى ذلك إلى الشهادة والقتل في سبيله.
وقد أكَّد هذا أيضاً وذلك حينما اعترضه أحدهم يريد أن يثنيه عن عزمه ، قائلاً له : إني أُذكركَ اللهَ في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتُقتلنّ !!
فقال له الحسين (عليه السلام) أفبالموت تخوفني ، وهل يَعدو بكمُ الخطبُ أن تَقتلوني ، وسأقول ما قال أخو الاوس لابن عمه وهو يريد نصرةَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى * إذا مــا نوى حقاً وجــاهد مسلماً
وواسى الــرجال الصالحين بنفسه * وفــارق مثبوراً وخــالف مُجرماً
فإن عشت لم أندم وإن مـتُ لـم اُلَمْ * كفـى بك ذُلاً أن تعــيش وتُرغما(2)

وفي رواية أنه لما أكثروا عليه في ذلك قرأ (عليه السلام) بعد الابيات المذكورة هذه الاية الشريفة : ( وَكَانَ أَمرُ اللهِ قَدَراً مَّقدُوراً )(3)(4).
____________
(1) اللهوف : ص28 ، بحار الانوار : ج44 ، ص364 ، مقتل الحسين للمقرم : ص167.
(2) تاريخ الطبري : ج4 ، ص305 ، مقتل
الحسين
للخوارزمي : ج1 ، ص232 ، الارشاد للشيخ المفيد : ص225.
(3) سورة الاحزاب : الاية 38.
(4) تذكرة الخواص لابن الجوزي : ص217 ، نفس المهموم : ص170.

===============

( 110 )

وفي رواية قال (عليه السلام) بعد الشعر : لَيسَ شَأني شأَنَ مَنْ يَخافُ الموتَ ، ما أهوَنَ الموت على سبيل نَيْلِ العزِّ وإحياءِ الحقِّ ، ليسَ الموتُ على سبيلِ العزِّ إلا حياةً خالدةً ، وليستِ الحياة مَعَ الذُّلِّ إلاَّ المَوتَ الَّذي لا حَياةَ مَعَهُ ، أفَبالمَوتِ تُخوّفُني ، هيهاتَ طاشَ سهْمُكَ وَخاب ظَنّك لستُ أخافُ الموتَ ، إنَّ نَفْسي لا بْكر وَهِمَّتي لأعلى مِنْ أن أحمِل الضَّيم خَوفاً مِنَ الموتِ ، وهل تقدرُون على أكثر من قتلي ؟ ! مرحباً بالقتل في سبيلِ اللهِ ، ولكنَّكُم لا تقدرُون على هَدم مَجدي ومَحو عزّي وَشرَفي فإذاً لا اُبالي بالقتل (1).
يقول السيد حيدر ـ عليه الرحمة ـ :
كيف يَلوي على الدنيَّة جيداً * لسـوى الله مـالواهُ الخضوعُ
ولديه جأشٌ أردُّ من الدُرع * لظمـأى القنـا وَهـُنَّ شُروعُ
وبه يَرجعُ الحفاظُ لصـدر * ضاقتِ الارضُ وهي فيه تَضيعُ
فأبىَ أن يعيش إلا عزيـزاً * أو تجلى الكفاحُ وهو صَريعُ(4)

____________
(1) إحقاق الحق : ج11 ، ص601 ، أعيان الشيعة : ج1 ، ص581 ، موسوعة كلمات الامام الحسين : ص360.
(4) ديوان السيد حيدر الحلي : ج 1 ص 87.

===============

( 111 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net