متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ج ـ لا إكراه على المناصرة
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

ج ) لا إكراه على المناصرة
ومما اتسمت به أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) في تعاملهم مع الاخرين أنهم لا يفرضون أنفسهم عليهم بالغلبة والقوة ، بل يتركون لهم حرية اتخاذ القرار بأنفسهم.
كما نجد هذا واضحاً في سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أصحابه ومَنْ حوله ، فلم يقسر أحداً على موالاته ، أو على صحبته أو بيعته ، فإن هناك من تخلف عن بيعته ، ولم يجبر أحداً منهم على ذلك ، ولم يمنعهم عطاءهم.
ناهيك عن موقف الزبير وطلحة تجاهه ـ وذلك حينما أرادا الانصرافَ عنهُ ، استأذناه في الذهاب إلى العُمرة ، مع علمه (عليه السلام) بما يضمراه له من سوء ، فلم يمنعهما من الانصراف بل أذن لهما ، مع علمه أيضاً أنهما سوف يؤلبان الناس عليه.
ولما خرجا قال (عليه السلام) لاصحابه : والله ما يريدان العمرة وإنما يريدان الغدرة (1) فتركهما وشأنهما فكانت مكافأتهما له عداوته وجر الناس إلى حربه.
وغيرهما ممن تركه وانصرف عنه كالذين انصرفوا عنه إلى معاوية بن أبي سفيان في جنح الليل ، وقد كان قادراً على منعهم وردهم إلا أنه ترك لهم حرية الرأي وتحديد المصير ، وإن كان على خلاف ما يريد ويهوى مالم يستلزم من ذلك محذوراً آخر يقتضي خلاف ذلك.
نعم لا ينافي هذا أنهم(عليهم السلام) يُرشدون أمثال هؤلاء إلى طريق الحق ، كما لا
____________
(1) بحار الانوار : ج32 ، ص25 ، ح8 ، ب1 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ، ص232.

===============

( 158 )

يدخرون وسعاً في إيقاظهم وتوعيتهم وهدايتهم ، إن كان هؤلاء أهلاً لذلك ، وإلا خلوا بينهم وبين أنفسهم ، وهذا على خلاف ما جرت به سيرة الكثير من الذين يرغَموا الاخرين ـ وإن لم يقتنعوا بهم ـ على الانضواء في صفوفهم وفي حمايتهم ، بالقَسر والغلبة مما يؤدي بهم إلى الانخراط قهراً تحت سيطرتهم والدفاع عنهم خوفاً من بطشهم وجبروتهم ، وإذا ما دافعوا عنهم تعَرضوا حتماً للاذى والبطش ، وإذا ما واجهوا الحرب فلاخيار لهم غيرها ، ولذا غالباً أمثالُ هؤلاء يقاتلون بالجبر والاكراه وليس عن قناعة من أنفسهم.
وأما إذا جئت تستوحي عظمة الأخلاق وسمو الرفعة والنبل في موقف الحسين (عليه السلام) مع أصحابه وأتباعه تجده مثالاً فريداً من نوعه في كيفية التعامل معهم ، فقد التحق بركبه كثيرٌ من الناس وهو في مسيره إلى كربلاء إلا أنه كان يطلعهم على حقيقة الامر فمن شاء التحق به ومن شاء انصرف عنه غير مكره لاحد منهم على مناصرته واللحوق به.
كما أكَّد بهذا ونحوه على أصحاب الابل حينما مَر عليهم بالتنعيم (1) قائلاً لهم : لا اكرِهُكُم ، مَنْ أحبَّ أنْ يمضيَ معنا إلى العراق أو فينا كراءَهُ وأحسنا صحبتَهُ ، ومَنْ أحَبَّ أن يُفارقنا من مكاننا هذا أعطيناهُ من الكراءِ على قَدْر ما قطع من الارض (2).
____________
(1) التنعيم : موضعٌ بمكة خارج الحرم ، هو أدنى الحلّ إليها ، على طريق المدينة ، منه يحرم المكيُّون بالعُمْرة ، به مساجدُ مبنية بين سرف ومكة. مراصد الاطلاع : ج1 ، ص277.
(2) تاريخ الطبري : ج4 ، ص290 ، الارشاد للمفيد : ص219 ، اللهوف : ص30 ، بحار الانوار : ج44 ، ص367.

===============

( 159 )

وفي ليلة عاشوراء بعد ما خَيّمَ الليلُ وأرخى سترَهُ ، حيثُ إن الليل ستير ، والسبيل غير خطير ، يقف (عليه السلام) خاطباً في أصحابه آذنا لهم بالتفرق والانصراف عنه ، في وقت يتطلب الناصر والمُعين ، قائلاً لهم : ألا وإني قد أذنت لكم ، فانطلِقُوا جَميعاً في حِلٍّ ليسَ عليكُم حرجٌ مني ولا ذِمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرقوا في سوادكم ، ومدائنكم حتى يُفرج الله فإِن القومَ إنما يطلبوني ، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري (1) وفي رواية أخرى قال لهم :وانتم في حلٍّ وسعة من بيعتي وعهدي الَّذي عاهدتموني(2).
الامر الذي يدل على عدم إكراهه (عليه السلام) لاحد منهم على مناصرته.
وقد أكد هذا الامر أيضاً للحضرمي حينما سمعَ أن ابنه اُسر في ثغر الري قال له (عليه السلام) رحمك الله ، أنت في حل من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك (3) ؟!
هذا ولم يُبدِ (عليه السلام) لهم وحشتَه وانكساره فيما لو تفرقوا عنه ، بل أكد عليهم أن انصرافهم عنه ليلاً أسهل منه نهاراً ، وذلك للاختفاء عن الانظار بعكس النهار الذي قد لا يأمن فيه الهارب من الطلب.
ولذا قال (عليه السلام) كما في بعض الروايات : فالليل ستير والسبيلُ غير خطير ، والوقت ليس بهجير....(4)
والحسين (عليه السلام) على الرغم من إبلاغ أصحابه بذلك وتركه الامر لهم ، إلا أنه أخذ يؤكد عليهم في ذلك مِراراً ، كما حصل هذا مع نافع بن هلال ، وذلك حينما تبع
____________
(1) تاريخ الطبري : ج4 ، ص317 ، الارشاد للمفيد : ص231.
(2) موسوعة كلمات الامام الحسين : ص401.
(3) أسرار الشهادة : ج2 ، ص219 ، اللهوف : ص40 بحار الانوار : ج4 ، ص392.
(4) الدمعة الساكبة : ج4 ، ص271.

===============

( 160 )

الحسين (عليه السلام) لما خرج في جوف الليل يتفقد التلاع والعقبات ، فلما رآهُ قال له (عليه السلام) : ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك ...(1)
الامر الذي يدل على تأكيده لهم وعدم خصه أحداً بالبقاء معه ، بل خاطبهم جميعاً بما فيهم الصغير والكبير والعبد والحر حتى نساءهم.
وقد وجدناه (عليه السلام) يومَ العاشر عند اشتداد الامر ، وهو يطلق العنان لواحد منهم ، وقد أحله من بيعته وهو : الضحاك المشرقي الذي تعهد للحسين (عليه السلام) بالدفاع عنه ما رأى معه مقاتلاً ، ولما بقي (عليه السلام) وحده ، قال للامام : يا بن رسول الله قد علمت أني ما كان بيني وبينك ، قلت لك أقاتل عنك ما رأيتُ مقاتلاً فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حلّ من الانصراف ؟ فقلتَ لي نعم.
فقال له (عليه السلام) : صدقت وكيف لك بالنجاء إن قدرت على ذلك فأنت في حلٍّ.
فأخرج فرسه من الفسطاط وركبه وهرب ونجا بنفسه (2).
وهذا الموقف النبيل في تعامل الحسين (عليه السلام) مع أصحابه لا تجده في سائر المعسكرات الاخرى والتي قد يُتناسى فيها العهود والمواثيق.
فلم يجبر الحسين (عليه السلام) أحداً من أصحابه على نصرته والدفاع عنه ، بل ترك الامر لهم وباختيارهم ، وهذا في الواقع ما زاد في عزيمتهم وجعلهم يقاتلون بمحض إرادتهم عن عزيمهُ صادقة.
وكم هو فرق بين أن يقاتل المقاتل في المعركة عن رغبة وشوق وبين أن يقاتل مُكرَهاً على ذلك ، أو من أجل المطامع الدنيوية التي هي منتهى الزوال والاضمحلال.
____________
(1) معالي السبطين : ج1 ، ص344 ، الدمعة الساكبة : ج4 ، ص273.
(2) تاريخ الطبري : ج4 ، ص339.

===============

( 161 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net