متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
محطة ( دوي النحل )
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر
محطة (دويّ النحل)

بعد أن رأينا التعامل مع الصورة البصرية فيما سبق سنتناول الان صورة (دويّ النحل) السمعية ، ومع إن إستحضار الواقعة التاريخية يجري عادة على المستوى الشعوري حسّاً وانفعالاً ، فإن الصورة البصرية تكون قريبة الاثر في الاستحضار أكثر من الصورة السمعية لاسباب تتعلق بطبيعة حاسة البصر وقابليتها التخييلية فهي

===============

( 208 )

تعطي الانفعال مساحة أوسع من قابلية حاسة السمع على ذلك ، نظراً للمسحة الموضوعية الدقيقة التي تتمتع بها السمعيات.
فالسمع والمسموعات أكثر عقلنة ـ إن صح التعبير ـ من البصر والمرئيات . وفي موضوع معالجتنا للصورة السمعية التي تناولها شعراء المجموعة سنفترض وجود إسلوبين من الاستحضار هما :

1 ـ الاستحضار المقترب:
وهو إستحضار تدرّج في الاقتراب من اللفظ على الاقل وورد على نوعين :

أ ـ مقترب مطابق :
وهو إستحظار جاء فيه التركيب كاملاً (دويّ النحل) مثلما أورده الشيخ هادي كاشف الغطاء في إرجوزته :

لهم دويّ كدويّ النحل * من ذاكر لله أو مصلِّ

وجاء في ملحمة (أهل البيت عليهم السلام ) للشيخ الفرطوسي :

كدويّ النحل ابتهالاً ونجوى * لهم في غياهب الظلماء

أو إستخدام السيد محمد رضا القزويني له في :
ولهم فيها دويّ كدويّ النحل قد غادر وكرا
أو الشيخ محمد حسين الانصاري حين قال :

ودويّ كالنحل في صلوات * لو أتوها على الوجود لزالا

أو السيد الامين في قصيدته (همم على هام النجوم) :

===============

( 209 )

بات الحسين وصحبُه من حوله * ولهم دويّ النحل لمّا باتوا


ب ـ مقترب غير مطابق :
وهو في إستحضار جزء من التركيب لمتطلبات ومقتضيات جعلته هكذا كما في بائية السيد محسن الامين :

باتوا وبات إمامهم ما بينهم * ولهم دويٌّ حوله ونحيب

أو الشيخ محمد سعيد المنصوري عندما أورده ناقصاً :

ثم باتوا لهم دويّ تعالى * بالمناجاة للاله المجيب

وكذلك فعل الشيخ عبد الكريم آل زرع :

يقضّي بها صحب الحسين دُجاهم * دويّاً كمن يُحصي بجارحة تعبى


2 ـ الاستحضار المُزاح:
وهو إستحضار يتمثّل اللحظة جمالياً من خلال طاقتها الصوتية ويتمادى أحياناً في إستخدام جزء صغير من الظاهرة الصوتية وهو إهتزاز الحبال الصوتية فيركّب صورة ذهنية مرتبطة بالجوّ العام لكنها مزاحة بالكامل عن ألفاظها في النص ، مثل هذا الاستخدام ورد في قصيدة فرات الاسدي (الليلة الآخرة) :

عكفت تشحذ للموت نصالا * أو تهزّ الليل ذكراً وابتهالا

أو تتم الازاحة الى ظاهرة صوتية طبيعية أخرى عبر إستحضار مقترب غير مطابق كما عند مهدي المصلّي عندما أزاح النحل عن الدويّ ليشكل صورة أخرى بربطه للدويّ بالنهر في إنشاء تصويري يفيض إيحاءً وترميزاً فيقول :

===============

( 210 )

في دوي كالنهر يملؤه التسبيح * ينساب مــن ربــى شــلال

لكن الإزاحة عند الشيخ علي الفرج جاءت متشابكة مع الأقتراب المطابق حيث استخدم التركيب كاملا ( دوي النحل ) وأضاف اليه ظاهرة الأهتزاز أيضاً ليصورهما في بيت محبوك بحنكة ودراية وتأمل :

عجب أن أرى لديك ( دوي النحل ) * يــهتز مــن إسود الغــاب

وقصارى القول أن التحام الشاعر مع هذه الليلة الجليلة القدر يتم بوجل وخوف وخصوصاً عندما يتم اختيار الشعر لتوثيق الواقعة أو توصيلها بشكلها الشعري ، فكما هو معلوم ، فالشاعر ليس مدوّناً ولا موثقاً ولا مسجلا للأحداث ، لكنه كائن نوعي ينفعل بواقعة عظيمة فيختار أن يوصلها عبر قنوات التعبير الفني والجمالي.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net