متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
6 ـ الأستاذ جاسم الصحيح (تأملات في ليلة عاشوراء)
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر


6 ـ للشاعر الأستاذ جاسم الصحيّح(1)

تأملات في ليلة عاشوراء

ذكراكِ مـِلءُ مَحـاَجِرِ الأجيالِ * خَطَرَاتُ حـُزْنٍ يَزْدَهِـي بِجَلأل
وَرَفَيفُ سـِرْبٍ من طُيُوفِ كآبةٍ * تختالُ بيــنَ عَـوَاصِفٍ ورِماَل
يَا لَيْلَــةً كَسـَت الزمانَ بِغَابَةٍ * مِنْ رُوحِها ، قَمــَرِيَّةِ الأَدْغـاَل
ذكراكِ مَلْحَمــَةٌ تَوَشَّحَ سِفْرُهاَ * بروائعٍ نُسِجَت مـن الأَهْــوَال
فَهناَ (الحسينُ) يَخِيطُ من أحْلأمِهِ * فَجْرَيْنِ : فَجْرَ هوىً وَفَجْرَ نِضَالِ
وَ أَماَمَهُ الأجيالُ...يلمحُ شَوْطَها * كَابٍ على حَجـَرٍ مــن الإِذْلألِ
فيجيشُ في دَمِهِ الفداءُ ويصطلي * عَزْمــاً يُرَمّــِمُ كَبْوَةَ الأجيالِ


***


وَهُنِا (الحسينُ) يُرِيقُ نبضَ فؤادِهِ * مُتَمَرِّغاً في جَهْشَهِ الأطفالِ

____________
(1) هو : الشاعر المبدع جاسم محمد أحمد الصحيّح ، ولد سنة 1384 هـ في الجفر إحدى قرى الأحساء ، حاز على بكالوريس في الهندسة الميكانيكية ، ويعمل حالياً موظفاً في شركة آرامكو السعودية ، ومن نتاجه الشعري الرائع ، أربعة دواوين وهي : 1 ـ عناق الشموع والدموع 2 ـ خميرة الغضب 3 ـ ظلّي خليفتي عليكم 4 ـ سهام أليفة ، وله مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية والدينية.

===============

( 233 )

طَعَنُوهُ مــن صَرخـَاتِهِمْ بِأَسِنَّةٍ * وَرَمَوْهُ مــن أَنَّاتِهــِمْ بِنِبـَالِ
(فَأَحَلَّ) مـن ثَوْبِ التــجلُّدِ حَانِياً * وَ (أفاَضَ) في دَمْعِ الحنانِ الغالي
وانْهاَرَ فــي جُرْحِ الإباءِ مُضَرجاً * بِالحُزْنِ... مُعْتَقَلاً بِغَيـٍرِ عِقَالِ
فَتَجَلَّتِ (الحوارءُ) في جَبَرُوتِها الـ * قُدْسِيِّ تجلو موقف الأبطــال
مَدَّتْ علـى البَطَلِ الجريحِ ظِلألَها * وَ طَوَتْهُ بين سَوَاعِـدِ الاّمـال
فَتَعاَنَقاَ...رُوحَيــْنِ سَلَّهُمِا الأسى * بِصَفَائِهِ من قَبْضَةِ الصَـلْصَالِ
وعلى وَقِيدِ الــهَمِّ فـي كَبِدَيْهِما * نَضَجَ العِنَاقُ خَمَائِلاً و دَواَلـيِ


***

وَهُنـَاكَ ( زينُ العابدين) يَشُدُّ في * سَاقَيْهِ صَبْرَهُماَ علـى الأَغْلألِ
و (سُكَيْنَةٌ) بـاَتَتْ تـُوَدِّعُ خِدْرَهاَ * فَتدِبُّ نارُ الشوقِ فـي الأسْدَالِ
والنسوةُ الخَفِراَتُ طـِرَنَ حمائماً * حيرى الرفيفِ كـئيبةَ الأَزْجَالِ
مَازِلْنَ خلفَ دموعِ كـل صَغِيرةٍ * يَخْمِشنَ وَجْهَ الـصبرِ بالأذيالِ
حتَّى تفجَّرَ سِرْبُها في سَرْوَةِ الـ * َأحزانِ فاحْتـَرَقـَتْ مِنَ المَوَّالِ
ووراءَ أروِقَةِ الخيــامِ حكـايةٌ * أُخْرَى تتيـهُ طيُـوفُها بِجَمَالِ
فَهُناَلِكِ (الأَسَدِيُّ) يُبْدِع صــورةً * لِفِدائِهِ ، حُورِيَّــةَ الأشكـالِ
ويحاولُ استنفارَ شِيمَةِ نــُخْبَةٍ * زرعوا الفَلأةَ رُجُولَةً ومعـَاَلي (1)
نادى بِهِمْ... والمجدُ يشهــدُ أنَّهُ * نادى بِأعظمِ فَاتِحِينَ رِجــاَلِ
فإذا الفضاءُ مُُدَجَّجٌ بِصــوارمٍ * وإذا الترابُ مُلَغَّـمٌ بِعَوَالــي

____________
(1) حكم ( دوالي ـ معالي ) النصب عطفاً.

===============

( 234 )

ومشى بِهِم أَسَـداً يقــودُ وَرَاءه * ُنحو الخلــودِ ، كتيبةَ الأشْبَالِ
حتـَّى إذا خدرُ (العقيلةِ) أجهشتْ * أستارُه فــي مِسْمــعِ الأَبْطَالِ
ألقـى السلامَ.... فما تبقَّتْ نَبْضَةٌ * في قَلْبِه لــم ترتعــشْ بِجَلألِ
وَمـُذِ الْتَقَتْهُ ـ مَعَ الكآبةِ ـ زينَبٌ * مخنــوقَةً مــن هَمِّها بِحِبَالِ
قَطــَع استـدارةَ دمعةٍ في خَدِّها * وَأَراَقَ خَاطِــرَها مـن البَلْبالِ
وَتَفَجَّرَ الفــرسانُ بِالعَهْـدِ الذي * ينسـابُ حــول رِقَابِهـم بِدَلألِ
قرِّي فُؤَاداً يا (عقيلةُ) وأحــفظي * هـذي الدموع.. فإنَّهنَّ غـوالي
ما دامتِ الصحراءُ... يَحْفَلُ قلبُها * مِنَّـاـ بِنَبْضـَةِ فــَارِسٍ خَيَّالِ
سيظلُّ في تاريخ كـلِّ كــرامة * ٍميزان عِــزِّكِ طَـافِحَ المِكْيَالِ
عَهْدٌ زَرَعْناَ في السـيوفِ بُذُورَهُ * وَسَقَتـْهُ دِيـمَةُ جُرْحِناَ الهَطَّالِ


***

أمـاَّ (الفراتُ) فَمُقْلةٌ مَشبُوحَةٌ * نحو الصباح ، مُسَهَّدُ السَلْسَالِ
يَتَرقَّـبُ الغَدَ...بِالدِمَاءِ يَزُفُّهُ * عَبْرَ امْتِــدَادِ أَبَاطِحٍ وتلأل
وَيَتُوقُ (لِلْعَبَّاسِ) يَغْسِلُ مَائَه * ُبِأَجَلِّ مَعْنـىً للوفاءِ ، زُلألِ
جاسم محمد أحمد الصحيّح
24| شهر رمضان |1416 هـ
الجفر ـ الأحساء




===============

( 235 )

الأستاذ جاسم الصحيّح (1)

نحن إزاء شاعرية تهندس خطابها بصخب هادر وتُزاوج رؤاها بليونة الطين في يد النّحات المتمرّس.
هناك مخطط في بناء القصيدة لا يُخطيء المتلقي في فرزه وتمييزه ، وهناك جهد يختبيء خلف سطور النص ، وهناك جدارة تنزوي خوفاً من قسوة التلقي وبطشه ، لكن هناك جرأة وشجاعة على مستوى التعبير وعلى مستوى الخروج على النمط لايستطيع القاريء إغفاله :

ياليلة كست الزمان بغابة * من روحها قمرية الأدغال

إنّ القوافي سلسة المجيء الى نهايات البيت الشعري ولها ما يبرر مجيئها في حشو البيت ، لكن ماهذه الجرأة في التركيب (غابة من روحها) وما هذا الإنشاء التصويري في المزاوجة بين خطابه لليلة وبين إكتساء الزمان منها بضوء قمر جاء على شكل غابة من الروح أدغالها نورانية الإشعاع ؟
وسنلاحظ هذا النهج في أكثر من بيت عند الصحيّح مما يؤكد أصالة الإلتصاق والإلتحام بما هو جوهري في التأمل الشعري وكيفية معالجته.
والامثلة تتعدد في قصيدته الهادرة فمثلاً نلاحظ :

فهنا الحسين يخيط من أحلامه * فجرين : فجر هوى وفجر نضال
وهنا الحسين يريق نبض فؤاده * متمــرّغاً فـي جهشة الأطفال

ونلاحظ (متمرّغاً في جهشة الأطفال) التي لها معنى بعيد عن المعنى

===============

( 236 )

المعجمي المحدود ، وكأن الصحيّح إنتشلها من نسقها القديم ونظّفها من أغبرة الإستخدام المألوف وركّب لها جناحين لتطير في سماء شاعريته ، ونرى أيضاً :

فتعانقا روحين سلّهماالأسى * بصفائه من قبضة الصلصال

وكأنه يقول أن الألم الإنساني في تجلّياته المأساوية يجرّد الإنسان من طينيته ليسمو روحاً تعانق الأرواح القدسية المتآخية.
ونلاحظ ايضا :

قطع استدارة دمعة في خدّها* وأراق خاطرها من البلبال

هذا النظر الى كتلة الأجسام التي يصوّرها وتحديد أشكالها داخل منظور هندسي تتشابك المفردات في تظليلها وتلوينها ، يكشف اللمسات البارعة للريشة المبدعة التي يقبض عليها جاسم الصحيّح بكل كفاءة واقتدار تجعل من شاعريته الفيّاضة متقدمة بخطوةٍ أوسع من مجايليه.

===============

( 237 )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net