متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
37 ـ السيد مهند جمال الدين (الليل ورفيقه في الليلة الأخيرة)
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر


37 ـ للسيد مهنّد جمال الدين (1)

الليل ورفيقه
في الليلة الأخيرة


 في آخر ليلة وقف الحسين بن علي عليه السلام بين يدي الله متهجِّداً كعادته...غير أن الليل في هذه المرّة له حوار مع نفسه وهو انه يشعر بانقضائه إلى الأبد حينما يأتي الصباح...»





الليلُ قد نثر الدموعَ رحيقـــا * وهوى يُقبّل في الظلامِ رفيقـا
خمسُونَ ما رعِشَ الضميرُ لغيره * أبداً... وما عَرفَ الفؤادُ عُقوقا
كانت لياليه الحسـانُ وضيئــةً * تزهو على كبد الزمان بروقـا
وتصاعدت أنفاسُه فـي موكـبٍ * قد زُفّ للأفلاك نوراً يوقــا
وإذ ارتقى نحو السماءِ نشيجــهُ * غفت الشجونُ وجُنّت الموسيقى
رقصت وقد سال النُهى في كأسه * فالفَجرُ جاءَ مُهرولاً ليذوقــا


____________
(1) هو : الفاضل الشاعر السيد مهند بن الشاعر الكبير المرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين ، ولد سنة 1395 هـ في سوق الشيوخ إحدى مدن العراق الجنوبية ، تخرّج من معهد التكنولوجيا ببغداد سنة 1407 هـ ، التحقَ بالحوزة العلمية في قم المقدسة 1412 هـ ، ومن نتاجه الأدبي ديوان شعر ( مخطوط ) وكتابات اُخرى ، وله مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية.

===============

( 382 )


 

حتى إذا اقتربـت إليــه غــادةٌ * حسناءُ تضرمُ في الدِماءِ حَريقــا
الصُبحُ في وَجناتَهــا مُتـــورّد * ومن الفضاءِ النورُ يشكو ضيقــا
فترنّحت بالوجد تَعتصـرُ المُنــى * لتصبَّ قلباً في الغـرام أُريقـــا
قالتْ وقدْ فاحَ العبيـرُ بصوتهــا * والثغرُ نثَّ أقاحيـاً وشقيقـــا :
« هلاّ نزلت إلى فـــؤادي مَرّةً * وهل ارتشفت رضابَهُ والريقـا »
« إنّي أمدُّ يداً لقد ذابـت لهـــا * كلُّ القلوبِ ومُزّقتْ تمزيقـــا »
فهل ارتضيتَ بأن أكون عقيلــةً * لأصونَ من غيظي الدّمَ المحروقا؟!
فأجاب :مَنْ هذي التي دَوّت بنــا * وَمَضَتْ إلى النجوى تَشقُ طَريقا؟!
قالت : أنا « الدُنيا » وهذي نِعمتي * تجني الثمارَ أسـاوراً وعقيقـــا
فأجابها والحلمُ يمتشق السنـــا * ويمدُّ صوتاً في الوجود طليقــا :
« حَرُمَتْ على الأبناء من قد طُلِقَتْ * وأبوهُمُ مَنْ أَوقـعَ التطليقـــا »
« وأبي لقد حَفِظَ الزّمـانُ طَـلاقهُ * لكِ في صَميمِ الخالداتِ بريقــا »

* * *


الليلُ يسمــعُ ما يـدورُ بقلبـــه * فيعدُّ دقــاتٍ لــه وشهيقـــا
ويعدُّ ليلته ـ وقد ماست بـــه ـ * أملاً يَمــوتُ وعالمــاً مَسروقا
هي آخـــرُ العنقودِ يَـدري أنهـا * تلِدُ الصباحَ وضــوءَه المخنوقـا
فلتستعدّي يـا نجــوم وتخمــدي * فجراً تخطّى نحونــا وشروقــا
طولي فقد شدَّ الرحيــلُ رِكـابَـهُ * وبه تهجّى الضــارعُ التفريقــا


 

===============

( 383 )


 

فغداً يخرُّ الوهم من عليائــه * « وأبو عليٍّ » يَرسمُ التصديقا
وغداً يُطهِّرُ من نزيف جراحه * ماءً على نهرِ الفراتِ غريقـا
ويشيدُ نصراً للإباءِ مُنضَّـراً * ويُنيرُ جُرحاً للسُراة عميقــا
ويَخطُّ للثوّارِ درباً واضحــاً * ويصونُ للمتطلّعين حقوقــا


مهند جمال الدين
الأحد 4 / 11 / 1416 هـ



===============

( 384 )


 

السيد مهند جمال الدين


في قصيدة ( الليل ورفيقه ) يبدو مهند جمال الدين وريثاً كفوءاً لتجربة أبيه الشاعر الدكتور مصطفى جمال الدين إلى حد الإقتراب من التطابق رؤىً وتأملاً وأدواتاً.. جزالة لفظ.. وتصورات مشرقة وبناء منتظماً بكل مميزات قصيدة مصطفى جمال الدين العاشقة الولهى التي تناغم إشراقات النَفَس العباسي الأصيل في استخدام معاصر للمفودات واستصحاب للتراكيب المتقدمة زمنياً وتفوق في إختيار موقع مغاير للإطلالة المتأملة على جوّ القصيدة وحدودها وآفاقها وتحولاتها وتطلعاتها.
إن هذه القصيدة تخيّرت الإصطفاف والإنضمام إلى طابور طويل يقف فيه شعراء العمود مدافعين بصرامة واستبسال عن ماء وجه القصيدة العربية الذي تأكّله جذام النظم الرديء والتنميط المسطح لكل خواء روحي مصبوب في قالب الوزن ومجترّات القوافي المقحمة.
على أني رأيت أخيراً في نتاج مهند جمال الدين تطلّعاً مختلفاً عن الإتّباعية والإحتذاء بالمثال في بواكيره على الرغم من إخلاصه ووفائه في هذه القصيدة لكي يكون صدى وترجيعاً حتى في إختياره لبحر الكامل دون البحور الاُخرى ( والذي يشكل ثلث شعر السيد مصطفى جمال الدين المنشور ) أو تطعيمه لقصيدته بصيغ بنائية تخصّ المرحوم والده كصيغة ( حتى إذا ) التي لاتكاد تخلو قصيدة من قصائد المرحوم الشاعر مصطفى جمال الدين منها فنرى عند مهند :

حتى إذا إقتربت إليه غـــادة * حسناء تضرم في الدماء حريقا


 

===============

( 385 )


ويمكننا أن نرى البذور المستزرَعة القابلة للنمو والإنطلاق الى آفاق جديدة في التعبير والتوصيل مثل هذه البذرة :

وإذا إرتقى نحو السماء نشيجه * غفت الشجون وجُنّت الموسيقى


فهو يقابل المحسوسات الصوتية المسموعة في نهاية الصدر ( نشيجه ) ونهاية العجز ( الموسيقى ) في حركة بنائية محدثة.
ونرى كذلك بذور الإنطلاق والتجدد في الحوارات المبثوثة في منتصف القصيدة بين ( قالت ـ وأجابها ) أو عندما يزاوج بين الخيالات والمحسوسات في :

فأجابها والحلم يمتشق السنا * ويمدّ صوتاً في الوجود طليقا


فالحلم خيالات تنطلق بلغة الضوء المرئيّ الحسيّ ( السنا ) إمتشاقاً أو تنطلق بلغة الصوت المسموع الحسيّ ( صوتاً ) إمتداداً في الوجود.
إنّ شاعرية مهند جمال الدين هنا تتبرزخ مشدودة الى أصداء ما مضى والى نداءات ما سيأتي بدون إنحياز واضح هذا على مستوى البناء ، أمّا على مستوى التأمل والتصور فهي منحازة بعض الشيء الى السياقات والأنساق الحديثة أكثر.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net