متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
39 ـ الشيخ نزار سنبل (حوار في دائرة الضوء)
الكتاب : ليلة عاشوراء في الحديث و الأدب    |    القسم : مكتبة الأدب و الشعر

39 ـ للشيخ نزار سنبل (1)

حوار في دائرة الضوء

يجلس أصحاب الحسين عليه السلام يتحدّثون فيما بينهم :

في هُدوء الظلامِ يَفتـرش الر * مل كماةٌ من الهُدى أمنـاءُ
قد اُديرت حكايةُ الزمـنِ الما * ضي وما قد تفوّهَ الأنبيـاءُ
خيرةُ الناس في الزمان رجالٌ * حضنتهم في تُربها كربلاءُ
في غدٍ تُفرشُ الجنانُ الروابي * ويلمُّ السعـادةَ الشهــداءُ
فعَلت في ثغـورهم بسمـاتٌ * إيهِ يا قوم إنّنا السعــداءُ

يأتي الإمام الحسين عليه السلام فيجمع أصحابه ويخاطبهم :

لفَّ جنحُ الظلام أودية الأر * ض فأَغفت عيونها الأعـداء

____________
(1) هو : الفاضل والشاعر الشيخ نزار بن محمد شوقي بن عبد الرزاق بن الشيخ بدر آل سنبل ، ولد سنة 1385 هـ في الجش إحدى بلاد القطيف ، التحق بالحوزة العلمية بعد إنهائه شطراً من الدراسة الأكاديمية سنة 1401 هـ ودرس في القطيف والنجف الأشرف وأخيراً في قم المقدسة حيث يحضر الآن البحث الخارج ، ومن نتاجه الأدبي : 1 ـ ديوان شعر 2 ـ أهل البيت في الشعر القطيفي المعاصر 3 ـ رواية ـ عندما يُرفع الستار ( عقائدية ) ، كما نُشرت له بعض القصائد في مجلتي الموسم والتوحيد ، ومن نتاجه العلمي 4 ـ تقرير بحث الخارج فقهاً واُصولاً لبعض الأساتذة الأعلام ، وله أيضاً مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية.

===============

( 390 )

والدروبُ السمراءُ تعتنـق الليـ * ل بشـوقٍ فتختفـي الأشيـاء
قد وَفيتُم وليس غيـريَّ مطلـو * باً لدى القـوم أيهـا الأوفيـاء
ارتدوا الدربَ في الخفاء سُراعاً * واركبوا الليل أيهـا الأزكيــاء

فيقوم أخوه العباس عليه السلام ويتبعه بنو هاشم فيقولون :

أفنمضي وأنت وحدك تبقى ؟ * ليس هذا من شيمة النبـلاء
أفنمضي لكي نعيش فنشقى ؟ * قد أبينا الحياة في الظلمـاء

ثم يتوجه الإمام عليه السلام نحو بني عقيل ويقول :

حسبكُم مسلم العظيم شهيداً * فاذرعوا الليل خلسةً والبيـدا

ولكنهم يجيبونه :

نحن...نحن...الفداء والقربان * إنما أنـت بالقلـوب تُصـانُ
كيف نمضي وما تعرَّت ذراعٌ * واكتوى خـافِقٌ وبُـحَّ لِسـانُ

ثم يقوم مسلم بن عوسجة الأسدي ويُشير إلى معسكر الأعداء فيقول :

السياجُ الــذي تلـوثَ بالحـقـ * دِ ذئــابٌ ممسـوخـةُ الألـوانِ
أي عـذرٍ إذا التحــم القــومُ * فأقعـت عن نَصركُـم ساعــدان
لا يراني الإلهُ أهــربُ خوفـاً * سوف أمشي للحـرب والميــدانِ
إنّ سهميَّ مرماه صدرُ الأعـادي * ورماحــي مشتاقةٌ للطعـــان

ويقوم سعيد بن عبدالله الحنفي فيقول :

لو قُتلنا سبعبن قتلـة عزٍ * ما تركناك للسيوف طعاما
وسنبقى ليعلم الله أنّــا * قد حفظنا فيك العهود ذماما

ويقوم زهير بن القين ويقول :

===============

( 391 )

قد وددت الممات ألفاً وكانت * لغةُ القتل للحسيــن وقِــاءا
إنّ روحي على يديَّ وأمشي؟ * حاشـا لله أن أروم بقـــاءا
إنها النعمـة الكبيـرة تنصّبُ * لاُلقي لهـا الفـؤاد إنـــاءا
فرحةُ النفس أن تروح فـداءاً * لحسينٍ فترتـدي الأضـواءا

ويتكلم جماعة أصحاب الإمام عليه السلام بكلام يشبه بعضه بعضاً فيقولون :

قد أبت أنفـسُ الكـرام انهزاما * وأحطنــاك سيداً وإمامـا
في غدٍ نُطعمُ المواضي قلوبـاً * ونهزّ الرمــاحَ والأعلامـا
شرفٌ أن نموت دون حسيـنٍ * ونفوسٌ نفدي بهــا الأسلاما

وهنا يشكرهم الإمام عليه السلام على موقفهم هذا :

لكم الجنة الموشاة بالنـور * وفائـي وعينُ كـل وســامِ
أنتمُ الهالة المضيئة ســرٌ * غرقت فيــه قصــة الأيام
في غدٍ تنطوي الحياة ولكن * سوف تحيونَ في نفوس الكرام
كلُ فردٍ يلقى المنية دونـي * دمه الماءُ في عروق النوامـي

صوت يجيء من وراء الغيب :

بارك الله في النفوس نفوســـا * عانقت في الوغى السيوف عروسا

نزار سـنبل
الخميس 1 / 11 / 1416



===============

( 392 )

الشيخ نزار سنبل

ما نفذه العسيلي في ملحمته من وحدة البحر واختلاف القوافي نفذه الشيخ نزار سنبل في (32) بيتاً من ملحمة مصغرة من بحر الخفيف ومن قواف متعددة تحت عنوان يشع شعراً ـ أيضاً ـ هو ( حوار في دائرة الضوء ).
ويبدو الشيخ نزار سنبل هنا وهو يدور حول الحادثة بعينيّ فنان تشكيلي تقتنصان ما يجري لتوصلاه الى مخزن التأمل والرؤيا عند الشاعر فمثلاً :

الدروب السمراء تعتنق الليل * بشوق فتختفي الاشيـــاء


أو :

السياج الذي تلوث بالحقـد * ذئاب ممسـوخـة الألوان
لكم الجنة الموشاة بالنـور * وفائي وعيـن كل وسـام
أنتم الهالة المضيئـة سـر * غرقت فيه قصـة الايـام

وتتم عملية تحويل الصور الملتقطة ألواناً وخطوطاً وظلالاً الى لغة مركزة وتراكيب كثيفة تبتدئ المقطعين الاولين من الظلام لتدخل الى المكان بطريقة سردية مستقاة من تقنيات القصة القصيرة أو الأدب الروائي في الاستهلال المكاني فنرى المقطع الاول يبتدئ هكذا :

فى هدوى الظلام يفترش الرمل * كمـــاة من الهـدى أمنـاء

وفي المقطع الثانى :

لف جنح الظلام أوديـة الارض * أغفـت عيونهـــا الاعــداء

===============

( 393 )

ثم تبتدئ الحوارات في تقابلها من جميع الأطراف يصعّدها الايجاز والإختصار في درامية شفافة تسجل لنزار سنبل تمكناً واضحاً في إستخدام لغة المسرح وأدواته فنرى مثلاً حوار زهير بن القين مع الإمام عليه السلام :

قد وددت الممات الفاً وكانت * لغة القتل للحسيـن وقـــاءا
إن روحي على يديّ وأمشـي * حاشـى لله أن أروم بقــاءا
إنها النعمة الكبيرة تنصــبّ * لاُلقي لها الفــؤاد إنـــاءا
فرحة النفس أن تروح فـداءاً * لحسين فترتـدي الاضــواءا

ولا تسلم تقنيات فن السينما من توق الشاعر الى إستخدام كل الطرق والوسائل التعبيرية الفنية الممكنة ليوصل القاريء الى ما يريد فمقاطع قصيدته لقطات سينمائية قريبة ومتوسطة وبعيدة يلمها مونتاج متتابع في تشابك من خارج بناء القصيدة يمنحها إيقاعاً صورياً يقطعه ( صوت يجي من وراء الغيب ) ليعلن نهاية المشاهد وإنغلاق دائرة الضوء.
إن قصيدة نزار سنبل قصيدة ذاهبة الى المستقبل والتجدد بكفاءة أدواتها وكثافة رؤاها وأشكالها المتحركة على محاور تعبيرية متعددة ناقلة ولاءها وإخلاصها عبر تقاطع أبعاد الزمان وهي من نصوص المجموعة المتفوقة في عطائها.

===============

( 394 )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net