متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المقدمة
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

المقدمة

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على النبي الأكرم المبعوث بالشريعة الخاتمة وعلى آله ومن تبع هداه إلى يوم الدين وبعد:

على امتداد المسيرة البشرية دار الصراع بين الخير الذي تمثله أعلام ومشاعل المثل الأعلى المرتفع وبين الشر الذي يمثله الدخان الكثيف للمثل الأعلى المنخفض. وعلى امتداد هذه المسيرة كانت أعلام الأنبياء والرسل عليهم السلام تقيم الحجة على الجميع، وتدون تاريخ الإسلام الذي لم يحمل هزيمة واحدة منذ ذرأ الله ذرية آدم عليه السلام. وكان هذه التاريخ زاد للفطرة في كل زمان ومكان ففيه ترى العلم والهدى والرحمة والسعادة وبه تعبر الحياة الدنيا بسلام إلى الآخرة فتاريخ الإسلام هو تاريخ الحجة ودعوة الناس إلى صراط العزيز الحميد. وهذا التاريخ يمكن أن نرصد بدايته عندما أخذ الله الميثاق من ذرية آدم وأشهدهم على أنفسهم * (ألست بربكم قالوا بلى) * ويمكن أن نرى امتداده وشواهده من خلال مسيرة الأنبياء.

وعلى امتداد المسيرة البشرية أيضا كان الناس يدونون تاريخهم، وهذا التاريخ يمكن أن ترى امتداده وشواهده من خلال حركة الناس على امتداد تاريخهم. فمن توافقت حركته مع حركة الوجود فهو عضو في تاريخ الإسلام الذي تمثله أعلام المثل الأعلى المرتفع. أما من توافقت حركته مع حركة فقه الاغواء والتزيين والاحتناك والفحشاء والمنكر إلى آخر هذا الشوط الذي تأنف منه الفطرة فلا يمكن بحال أن يكون عضوا في تاريخ الإسلام وإنما هو عضو في تاريخ الناس

الصفحة 12
الذي يدثره هذا الدخان الكثيف للمثل الأعلى المنخفض. ولا يمكن بحال أن ترى بصمات كفار قوم نوح وهود وصالح ولوط وأصحاب الأيكة على تاريخ السلام وإنما تراها على صفحات تاريخ الناس. ويمكن أن ترى هذه البصمات بوضوح عندما يحدثك تاريخ الإسلام بما حدث لأتباع المثل الأعلى المنخفض على امتداد تاريخهم الأسود وكيف ضربهم الطوفان والصيحة وكيف نالوا جزاءهم في الدنيا تحت ضربات الماء والهواء والحجارة، ولعذاب الآخرة أشد.

وعلى هذا فالحجة والدعوة أعلام ظاهرة في تاريخ الإسلام، والتدمير أثر ظاهر في تاريخ الناس، وفي هذا وذاك زاد للفطرة على امتداد المسيرة. فأصحاب الفطرة السليمة إذا نظروا إلى حركة المسيرة البشرية وشاهدوا علامات التاريخ المهزوم كانت هذه المشاهدة حجة بذاتها ودعوة في الوقت نفسه إلى ترتيب الأوراق في اتجاه تاريخ السلام الذي تظهر عليه معالم الطهر والنقاء، وهذه المعالم حجة بذاتها على كل إنسان. وسيتبين كل إنسان حقيقة هذا عندما يقف عاري المشاعر وعاري التاريخ أمام الله الواحد الحق يوم القيامة.

وعلى امتداد التاريخ الإنساني عمل الشيطان من أجل أن يعلم الخلق أن تاريخ الإسلام وتاريخ الناس تاريخ واحد. لأنه تحت هذا القالب تختلط الأمور وعلى امتداده يحقق الشيطان أهداف خطته لإضلال أكثر الناس. وما فقه الاغواء والتزيين إلا خلط على امتداده يكون الضلال والارتياب والحيرة.

وفي عصرنا الحديث تعالت الأصوات التي ترفع إعلام " لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة " وقامت أجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله بترقيع التاريخ ليعطي في النهاية صورة أن الناس أدرى بمصالحهم. وهذا القول في حد ذاته مصادرة لتاريخ الإسلام لحساب تاريخ الناس.

وفي عصرنا الحديث أيضا تعالت أصوات ناس من المسلمين وقالوا: إن الدين منفصل عن الدولة بالفعل على امتداد التاريخ السلامي.

وهنا خلط واضح وتحميل تاريخ السلام ما ليس منه. وتعاليت أصواتهم أكثر فأكثر وقالوا: إن الخلافة على امتداد التاريخ الإسلامي لم تكن أصلا إسلاميا.


الصفحة 13
وإنما مجرد اجتهاد وتطبيق ارتضاه المسلمون الأوائل.

وهذا أيضا خلط يهدف إلى إعلاء كلمة المثل الأعلى المنخفض. والذي يدقق النظر في تاريخ السلام عند اللبنة الأولى يرى أن الخالفة أصل أصيل في البناء الفطري، قال تعالى: * (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) * (1).

وعلى امتداد تاريخ الإسلام خاطب الله تعالى أنبياءه ورسله فقال لإبراهيم عليه السلام: * (إني جاعلك للناس إماما) * (2).

بل إن نظام الخلافة يرى أيضا على المساحات الواسعة، يرى على وجه الماضي والحاضر. قال تعالى: * (واذكروا إ ذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) * (3).

وقال: * (وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا) * (4).

وقال * (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره) * (5).

فالخلافة في البناء الفطري ترى عند القمة وعند القاعدة. وعلى هذا فإن القول بأن الخلافة ليست أصلا إسلاميا قول فيه نظر. وهذا القول روج له أعداء الفطرة في عصرنا الحديث عندما بدأت الروح الإسلامية تدب وترج أجساد وعقول المسلمين وتدعوهم إلى أعلام المثل الأعلى المرتفع. وأشعل أعداء الفطرة النار في كل طيب، وزينوا كل خبيث ليصدوا عن سبيل الله. وتوج الوغد الهندي سلمان رشدي وغيره هذه الأعمال بروايات وأقوال الهدف منها النيل من أعلام تاريخ الإسلام لحساب الأطروحة الغربية التي تعمل من أجل توثيق الفطرة.

____________

(1) سورة البقرة: الآية 30.

(2) سورة البقرة: الآية 124.

(3) سورة الأعراف: الآية 69.

(4) سورة يونس: الآية 73.

(5) سورة فاطر: الآية 39.

الصفحة 14
ونحن في كتابنا هذا سنعرض أطروحات الإسلام التي جاء بها النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم في ما يتعلق بمستقبل الأمة ودورها الرسالي الذي عهد به إليها وموقف الأمة من تلك الأطروحات النبوية. وسنعرض تجربة الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وما تمخض عنها من نتائج امتدت عبر القرون إلى اليوم.

وسنبين مدى ملائمة ذلك مع أطروحات الرسول صلى الله عليه وسلم التي تمثل المنهج الإسلامي الأصيل. وسنقيم تلك التجربة التي تحرك فيها لا مسلمون بشكل موضوعي للخروج منا بالعبر والدروس التي تعيننا على تمييز الحق من الباطل والعودة تارة أخرى إلى ذات المنهج الإسلامي الذي رسمه النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.

ومنهجنا في البحث يقوم على تحديد المشكلات واستبعاد الزائف منها بعد قراءة نقدية ومتفحصة وتقييمية. مع الوضع في الاعتبار أن جانب كبير من التراث صنعه أفراد، وهذا الجانب تداخل مع تاريخ السلام كما ذكرنا. وعلى هذا فتاريخ المسلمين عندي قابل للنقد كما أنه معرض أحيانا للرفض إذا تعارض مع القرآن والسنة الصحيحة. وقراءتي للأحداث كان الهدف منها تقديم تاريخ شامل. بمعنى تاريخ تجتمع فيه جميع الخيوط، وهذه القراءة التي تمارس النقد وفقا للكتاب والسنة تنظر إلى التراث على أنه نقطة بداية. فالبدايات دائما ترى عليه وجه النهايات. وعلى هذا فإن الأمور إذا اشتبهت اعتبر بآخرها أولها. أي يقاس آخرها على أولها فحسب البدايات تكون النهايات. هذا ولقد آثرت في هذا البحث الطريقة السردية التي تعتمد على آيات القرآن الكريم والحديث الشريف والرواية التاريخية. هذا وبالله التوفيق.


الصفحة 15


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net