متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 - المنابع
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

1 - المنابع:

إن جميع موجودات العالم ما نر وما لا نرى ما نعلم وما لا نعلم، تنتهي في وجودها وآثارها إلى الله الواحد الأحد عز وجل، ولأنها منها وإليه، فلا يمكن لأي موجود في الوجود من الفراد من ملكه جل أنه، ولأن جميع الموجودات في هذا العالم حياتها وقدرتها وعلمها متصل بالله تعالى، فلا يمكن لموجود مهما كان قدره وعلمه من الفرار من الله الذي يملك كل شئ، فقد خلق سبحان الخلق لهدف من ورائه حكمة، وأوجب سبحانه على نفسه فتح الطريق لعبادة وهداية عباده إليه قبل أن يخطوا فيه خطوة واحدة.

فكما أن حبة القمح توضع في الأرض فتنشق للنمو قاصدة في نموها اتجاها واحدة لتكون شجرة كاملة عليها سنابلها، وكما أن نطفة الحيوان تعرف طريقها فتتوجه إلى اتجاه واحد ينتهي بها إلى إيجاد النوع، فكذلك الإنسان من أول بداية التكوين يتجه في طريق نحو غاية واحدة على امتدادها يكدح حتى يلاقي ربه، والعبودية هي الغرض الإلهي من خلق الإنسان، وحقيقة العبادة أن يضع الإنسان نفسه في مقام الذلة والعبودية، ويوجه وجهه إلى مقام ربه، طاهر النفس عن الكفر بمراتبه، وعن الاتصاف بالفسق كما قال تعالى: (ولا يرضى لعباده الكفر) (1).

وقوله تعالى: (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) (2).

____________

(1) سورة الزمر: الآية 7.

(2) سورة التوبة: الآية 98.

الصفحة 18
والعبودية إذا تمكنت من نفس العبد رأى ما يقع عليه بصره وتبلغه بصيرته مملوكا لله، خاضعا لأمره، ووجد أن كل ما آتاه الله فهو من فضله سبحانه، وما منعه فإنما منعه عن حكمة، وعلم أن هناك غاية مقصودة من خلق العالم ستظهر بعد فناء العالم.

وطريق العبودية فتحه الله وهدى عباده إليه، واللبنة الأولى في هذا الطريق هي الفطرة، أودع فيها سبحانه ميثاق الربوبية الذي شهد به الإنسان عند العتبة الأولى في طريق العبودية، قال تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) (1).

لقد أخذ جل شأنه الميثاق - ف موطن قبل الدنيا - من عباده في عالم الذر (ألست بربكم؟) خطاب حقيقي وتكليم إلهي، (قالوا بلى شهدنا) إنهم يفهمون مما يشاهدون، إن الله سبحانه يريد منهم الاعتراف وإعطاء الموثق، فشهد كل إنسان على نفسه، ولم يعد لأحد منهم حجة على الله يوم القيامة، ليقول أنه كان غافلا في الدنيا عن ربوبيته تعالى، ولا تكليف على غافل ولا مؤاخذة.

وكما هدى الفطرة إلى معرفته تعالى، ألهم النفس الإنسانية التجنب عن الفجور والورع عن محارم الله، فجعل نهيه سبحانه عن فعل حجاب مضروب، فإذا اقترب الإنسان المنهي عنه يكون قد شق الستر المضروب وخرق الحجاب. قال تعالى: (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) (2).

إن النفس ملهمة كي تميز بين الفجور والتقوى. ووضع لبنة التقوى فيها. تزكية وإنماء وتزويد لها بما يمدها في بقائها على طريق غايتها، قال تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا

____________

(1) سورة الأعراف: الآية 172.

(2) سورة الشمس: الآية 7 - 10.

الصفحة 19
أولي الألباب) (1).

وكما أقام سبحانه الحجة على الإنسان في عجينته الداخلية أقام عليه الحجة في عالم الحياة الدنيا، عالم المشاهدة المنظور، فجهز بدن الإنسان بما يبصر به، وما يستعين به على الكلام. فإذا نظر، أو تكلم واستقام نظره وكلامه مع المخزون الفطري، ومخزون التقوى، تقدم في طريق الخير. قال تعالى: (ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين) (2).

والمراد بالنجدين طريقا الخير والشر. أي علمناه طريق الخير وطريق الشر بإلهام منا. فهو يعرف الخير من الشر. والإنسان مخير في أي الطريقين يسلك. قال تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا * إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا) (3).

لقد زود تعالى الإنسان داخليا وخارجيا بالوقود الذي يؤدي إلى الفوز. وأراه السبيل المؤدي إلى الغاية المطلوبة. وعلمه بواسطة الأنبياء والرسل عليهم السلام أن سلوك هذا السبيل ينتهي بالإنسان إلى سعادته في الدنيا والآخرة. وأخيره أن الشكر لهذه الهداية الإلهية إنما يكون بوضع النعمة في محلها، واستعمال هذه النعمة على أساس أنها من المنعم الحق.

لقد أقام سبحانه الحجة على جميع خلقه، وقد قضى الله أن الإنسان راجع إليه. وسيسأل الإنسان عن عمله، أشكر النعمة أم كفر بها؟

والنعم تبدأ من الفطرة ولا تنتهي لأنها لا تحصى ولا تعد.

وأمام الله قاصم الجبارين سيق الإنسان عاريا من كل شئ. عاري النفس، عاري المشاعر، عاري التاريخ (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه

____________

(1) سورة البقرة: الآية 197.

(2) سورة البلد: الآية 8 - 10.

(3) سورة الإنسان: الآية 3 - 4.

الصفحة 20
سوف يرى) * (1) وأمام الله قاصم المستكبرين سيقف الإنسان المحاصر بحجج الله، لتشهد كل حجة عليه، فلا يجد ملجأ يذهب إليه * (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) * (2).

إن ينبوع دين الله فطرة الإنسان نفسه. والفطرة تصرح أن الإنسان لم يكن له إلا أن يخضع لله تعالى خضوع عبادة، خضوع الضعيف للقوي، ومطاوعة العاجز للقادر، وتسليم الصغير الحقير للعظيم الكبير الذي لا يماثله شئ في وجوده، العزيز الذي لا يغلبه شئ وغيره ذليل.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net