متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ثانيا - قطع الطريق على الفطرة
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

ثانيا - قطع الطريق على الفطرة:

عندما قال الشيطان أنا خير منه، شمله عقاب الله تعالى: قال تعالى: * (فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) * (7). لقد نزل إلى منزلة

____________

(1) سورة يس: الآية 15.

(2) سورة التغابن: الآية 6.

(3) سورة المؤمنون: الآية 34.

(4) سورة فصلت: الآية 14.

(5) سورة الأنعام: الآية 8.

(6) سورة الإسراء: الآية 94.

(7) سورة الأعراف: الآية 13.

الصفحة 27
الهبوط، ليكون من الصاغرين أهل الهوان. ولم يترك الشيطان منزلة الهبوط دون استغلالها فقال: * (رب فأنظرني إلى يوم يبعثون) (1) لم يقل: رب انظرني إلى يوم يموت آدم، بل ذكر آدم وبنيه. فقال له سبحانه: * (إنك من المنظرين) * (2). وفي هذا النص دلالة على أن هناك منظرين غيره، منهم ملائكة ومنهم بشر، أخبرت عنهم السنة النبوية الشريفة (3).

وفي منزلة الهبوط صاغ الشيطان فقه الاغواء والتزيين، الذي به يخترق الكيان الإنساني وعليه تتعدد الأهواء * (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. * إلا عبادك منهم المخلصين) (4)، لقد اختار مساحة الزينة والزينة الحق جعلها الله لعباده كي يسوقهم التفكير فيها إلى العبادة الحق. قال تعالى: * (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب) * (5)، فأقام الشيطان له خيمة في اتجاه هذه الزينة، وهذه الخيمة بثت ثقافة ألوهية الكواكب والنجوم. تلك الألوهية التي اعترض عليها هد هد كان يحتفظ بفطرته التي فطره الله عليها. فعند ما ذهب هذا الطائر إلى مملكة سبأ، وجدهم يعبدون الشمس من دون الله، فعلم وهو الطائر أن هناك زينة أخرى غريبة، قد أدخلت على الزينة الحق التي تدعو إلى العبادة الحق.

فقال سليمان عليه السلام وهو يتحدث عن ملكة سبأ * (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون) (6) لقد وقعوا على الزينة المحرمة، وهم المجهزون بالفطرة، والفطرة نعمة والاختيار الخطأ يترتب على امتداده كفران النعمة. والسنة الإلهية عند كفران النعمة، تسلب نعمة الهداية. وفي عالم اللاهداية تعشق الأسماع والأبصار

____________

(1) سورة الحجر: الآية 36.

(2) سورة الأعراف: الآية 15.

(3) أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. بظهور المهدي ونزول عيسى عليهما السلام.

وبخروج الدجال والسفياني آخر الزمان ومن أراد المزيد فعليه ببحوثنا في المسيح الدجال.

(4) سورة الحجر: الآية 39 - 40.

(5) سورة الصافات: الآية 6.

(6) سورة النمل: الآية 24.

الصفحة 28
والقلوب كل زينة تنتهي بصاحبها إلى الهلاك. تعشق زينة الشهوات والأموال والبنين والمكر والصد عن السبيل. ومع هذا العشق تتحرك جحافل الليل أصحاب فقه الشيطان، ليدافعوا عن زينتهم أمام الذين يتعاملون مع الزينة الحق. على أنها للتفكر وللابتلاء في عالم الإنسان.

وفي الزينة الحق قال تعالى: * (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) * (1). قال المفسرون: إن المال والبنين وإن تعلقت بها القلوب، وتاقت إليها النفوس تتوقع منها الانتفاع وتحق بها الآمال. إلا أنها زينة سريعة الزوال، لا تنفع الإنسان في كل ما أراده وما يأمله وما يتمناه منها. ولأنها كذلك فلا بد للتعامل معها وفقا لما شرعه الله تعالى، وإذا كانت هذه الزينة زائلة، فإن الأعمال الصالحة هي الباقية. وهي عند الله خيرا ثوابا، لأن الله يجازي الإنسان الذي جاء بها خير الجزاء، وخيرا أملا. لأن ما يؤمل بها من رحمة الله وكرامته ميسور للإنسان، فهي أصدق أملا من زينات الدنيا وزخارفها التي لا تفي للإنسان في أكثر ما تعده.

وكما أقام الشيطان له خيمة في اتجاه زينة الكواكب، أقام خيمة في اتجاه زينة الأموال والأولاد، وعلى هذه الزينة قسمت القلوب ووجه أصحابها سهامهم في اتجاه طائفة الأعمال الصالحة التي تدعو إلى الخير والثواب. وجاء طابور طويل يصد بالمال عن سبيل الله كما فعل قارون * (فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) * (2)، واستمر هذا الطابور يتدفق على صفحة الوجه الإنساني آخذا صورا عديدة في عالم الرشوة وبيوت المال للصد عن سبيل الله. وفي عالم زينة الأولاد قالوا فيما أخبر سبحانه * (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) * (3). وعلى قاعدة الأبناء، جاء الآباء بالأبناء ليركبوا على رقبة الشعوب، ليصبح بذلك المستقبل ابنا لشذوذ

____________

(1) سورة الكهف: الآية 46.

(2) سورة القصص: الآية 79.

(3) سورة سبأ: الآية 35.

الصفحة 29
الحاضر والحاضر ابنا لشذوذ الماضي، والجميع يحافظون على سنة الآباء القومية التي أقام الشيطان خيامها، ورفع عليها قانونه الخالد الشاذ الذي وقف حجر عثرة على امتداد دعوة الأنبياء والرسل. لقد قالوا كما أخبر الله تعالى: (قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) * (1)، و * (قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) * (2)، و * (قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا) * (3)، وقالوا: * (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) * (4).

إن زينة المال والأولاد التي أضفى عليها الشيطان زخرفه ليتلقفه الغاوون، هذه الزينة المزخرفة أقامت جدرا من الأموال واللحوم للصد عن سبيل الله. وهذا الانحراف وغيره، ما زال حجر عثرة على طريق الدعوة الحق. فالفطرة التي تحمل كليات الدين، زخرف لصاحبها طريق الانجراف، وزين لهم الباطل والمعاصي، فنسوا الله. ومن ينسى الله ينسيه الله نفسه وتنتهي به خطاه إلى الهلاك. إن حامل الفطرة هداه الله إلى السبيل الحق، وعرفه طريق الحق وطريق الباطل، وله أن يختار. فمن اختار طريق الباطل، أضله الله. ومعنى إضلال الله له، إن الله يقطع عنه الرحمة لانحرافه في الاختيار. ولا يدخل في الرحمة إلا إذا أخذ الخطوة الأولى في اتجاه الاختيار الحق. وجحافل فقه الشيطان، لا ييأسوا من طرح ثقافات وعقائد من شأنها أن تفسد الدين الفطري، لأنه على فساد الدين الفطري يترتب عليه فساد القوة الحسية الداخلية للإنسان، ولا تتعادل فيما بينها. وعلى فساد القوى الحسية، يكون الإنسان مستعدا لتلقي أي إغواء أو تزيين، يشبع أي ملكة من ملكات النفس الجائعة. وعلى أعتاب الكثرة من الذئاب الآدمية، يأتي طغيان هذه الكثرة التي لا تتعظ بموقف، ولا تتفاعل مع وجدان. ويترتب على طغيانهم ضعف القوة المخالفة، لذلك كان طريق الدعوة طريقا شاقا على امتداد المسيرة البشرية.

____________

(1) سورة البقرة: الآية 170.

(2) سورة المائدة: الآية 104.

(3) سورة يونس: الآية 78.

(4) سورة الزخرف: الآية 22.

الصفحة 30


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net