متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
4 - حصار برنامج الشيطان
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

4 - حصار برنامج الشيطان:

لقد عمل الشيطان وقطاع الطرق على امتداد التاريخ الإنساني، من أجل التشكيك في كل رسول ونبي، رافعين في وجوههم أعلام الاستكبار والتحقير.

وعلى امتداد التاريخ لم ينقل إلينا أن هناك نبيا أو رسولا قد هزم وإنما نقل إلينا أن الاستكبار هزم في كل مكان وكل زمان، هزم تحت طين الطوفان أيام نوح عليه السلام. وهزم تحت الرياح العاصفة أيام هود عليه السلام. وهزم تحت صاعقة من السماء أيام صالح عليه السلام وهزم تحت قصف الحجارة من السماء أيام لوط عليه السلام. وهزم تحت أمواج البحر المتلاطمة أيام موسى عليه السلام. وما زال يهزم حتى يومنا هذا تحت شهادة الدعوة الخاتمة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم. * (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) * (3).

إن الباطل هو الذي يهزم وفي هزيمته آية لكل من له سمع وبصر وعبرة لمن أراد الاعتبار * (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) * (4).

ولقد عمل الشيطان وقطاع الطرق من أجل تدمير الدعوة، ولكن هيهات،

____________

(1) سورة الزمر: الآية 3.

(2) سورة محمد: الآية 7.

(3) سورة غافر: الآية 51.

(4) سورة الأنبياء: الآية 18.

الصفحة 36
منذ آدم عليه السلام وحتى محمد صلى الله عليه وسلم والتوحيد يسري في الوجود. لقد ذهب الجبابرة وأبناء الجبابرة الذين ادعوا أن دماء الآلهة تجري في عروقهم، ذهبوا، وذهب من بعدهم الجلادون الذين أرادوا أن تكون للشذوذ قداسة. ذهبوا وما زالوا يذهبون، ودعوة الحق راسخة في النفوس رسوخ الجبال * (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * (1).

ولقد عمل الشيطان وقطاع الطرق من أجل تدمير الفطرة. والفطرة التي استهدفوها يقدروا على تبديلها وفي هذا انتكاس لهم. أما تغيير الطريق الفطري، فإن الشيطان لم يمكن من إجبار الناس على المعاصي، هو يدعو إليها فقط. وهذا الباب أغلقته حجج الله على عباده في عالم الذر والخلق، وفي عالم المشاهدة المنظور. ولقد جاء رسل الله عليهم السلام بالدين الحق، وللدين طريقة خاصة في الحياة، وبه يميز الناس أي الطرق يسلكون إلى حياة طيبة في الدنيا والآخرة، والدين الصحيح لا يكون إلا بحفظ الصلة بالله تعالى وإخلاص العبادة له. فمن أخلص العبادة لله تكون له حياة طيبة والله تعالى يحيي في الدنيا الذين آمنوا حياة غير الحياة التي يعطيها للآخرين، فحياة المؤمنين والمجرمين وموتهما لا يتساويان. قال تعالى: * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) * (2).

ومن أعظم الحجج على الإنسان، أن الله ما ترك دعوة جاء بها رسول من رسله، إلا وأخبر فيها عن مكائد الشيطان، كي يحذر الجنس البشري من عمليات الاغواء والتزيين وغير ذلك. أليس في هذا تعرية لبرنامج الشيطان، والرسالة الخاتمة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، أفاض فيها سبحانه في هذا الجانب، وكشف كل مكر يقوم به الشيطان وأتباعه حتى يوم الوقت المعلوم.

____________

(1) سورة الصف: الآية 8 - 9.

(2) سورة الجبائية: الآية 21.

الصفحة 37
أليس في هذا حجة إضافية على ما عند الإنسان من حجج. إن الأخبار بما مضى حجة دامغة * (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) * (1).

لقد أخبر سبحانه عن أمره ونهيه تعالى فقال: * (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) * (2)، وبين سبحانه أن الشيطان سيعمل على طريق ما نهى الله عنه، فقال إنه (يأمر بالفحشاء والمنكر) * (3) ولأنه كذلك جاء التحذير من الحركة الشيطانية فقال سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم * (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق) * (4) وقال: * (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) * (5). إنه الحصار المضروب على برنامج الشيطان، حصار هدفه تحرير الإنسان ووضعه على طريق الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة. والحياة الدنيا لا تساوي ساعة واحدة أمام الحياة الآخرة.

وكما حاصر كتاب الله أعمدة البرنامج الشيطاني، الفحشاء والمنكر، حاصر قطاع الطرق الذين وجدوا في الطاغوت ضالتهم. فقال تعالى: * (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) * (6) وفي مقابل هذه الولاية قال سبحانه:

* (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى) * (7).

وقال تعالى: * (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) (8)، ثم حذر سبحانه فقال: * (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا

____________

(1) سورة يس: الآية 60 - 61.

(2) سورة النحل: الآية 90.

(3) سورة النور: الآية 21.

(4) سورة الأعراف: الآية 33.

(5) سورة الأنعام: الآية 151.

(6) سورة البقرة: الآية 257.

(7) سورة الزمر: الآية 17.

(8) سورة الأعراف: الآية: 27.

الصفحة 38
مبينا) * (1)، وقال * (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) (2).

وآيات القرآن التي تحاصر الشيطان وحزبه، وتبشر المؤمنين بالفوز، آيات كثيرة. أما من ناحية تمكين الشيطان كي يزين للناس المعاصي، فإن الله تعالى زين الإيمان في قلوب الذين آمنوا. قال تعالى: * (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) * (3) وجعل سبحانه لمن آمن نورا يمشي به في الناس، قال تعالى: * (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) (4). وإذا كان الشيطان قد أمهل حتى يوم الوقت المعلوم، فإن الله أيد الإنسان بتتابع الأنبياء والرسل والأئمة المهدين والملائكة الباقين ببقاء الدنيا. وهكذا، زينة في مواجهة زينة، وحياة في مواجهة حياة، ومنهج في مواجهة منهج.

منهج الله حيث التوحيد، وإعانة الله لعباده، والتسبيح، والتطهير، والحرية، والحلال، والحكمة، والخشوع، والعبادة الحق، والشكر، والشهادة، والخلود. ومنهج الشيطان حيث الاختلاف، والأزلام، والاستبداد، والاستعباد، والتفاخر، والتكذيب، والجهل، والجريمة، والفحشاء والمنكر، والخرافات، والطاغوت، والضلال، والفسق، والظلم والكفر، والنار.

____________

(1) سورة النساء: الآية 119.

(2) سورة النحل: الآية 99.

(3) سورة الحجرات: الآية 7.

(4) سورة الأنعام: الآية 122.

الصفحة 39


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net