متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - دائرة الطهر
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - دائرة الطهر:

إن المعارف الحقة والعلوم المفيدة التي تحقق سعادة الدنيا والآخرة. لا تكون في متناول الإنسان إلا إذا صلحت أخلاقه. وعن أصول الأخلاق: العفة والشجاعة والحكمة والعدالة. ولكل واحدة فروع ناشئة منها وراجعة بحسب التحليل إليها. والأخلاق على امتداد المسيرة الإنسانية. لا يمكن بحال أن تسير بمفردها. بل لا بد من عامل يحرسها ويحفظ دوامها وثباتها. وأن يكون هذا العامل مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقرآن الكريم. بمعنى أن العامل إذا دار لا يدور إلا مع القرآن. ويظل في حركته وسكونه مع القرآن حتى يوم القيامة. وعندما يقف القرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الحوض يكون هذا العامل مع القرآن على الحوض. فالنفس واحدة والحركة واحدة من الابتداء إلى الانتهاء.

إن حركة مثل هذه نطلق عليها هنا [ دائرة الطهر ].

ولكي نبحث عن هذه الدائرة وعن أصحابها يجب أن تكون البداية من القرآن الكريم ومن الحديث الشريف الصحيح الذي يفسر الآية ويرشد على العامل الذي نبحث عنه. ولتكن البداية من قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم * في

الصفحة 93
كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون) (1). إن المس المذكور في الآية الكريمة أوسع من أن يقال لا بد أن يكون من يمسه على طهارة من الخبث أو الحدث.

فلو اقتصر التعريف على هذا. لاحتج به علينا الكفار والمشركين. الذين يشترون المصاحف في كل مكان لأسباب عديدة. بل إن المصاحف تطبع في العديد من البلاد غير الإسلامية وتتناقلها الأيدي من هنا وهناك. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في زمن من الأزمنة سيقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر (2) فالمنافق كافر به. والفاجر يتأكل منه. والمؤمن يؤمن به (3)، نعم الطهارة مطلوبة ولكن المس الأوسع هو مس العقول له لنيل الفهم والعلم. وفي معنى (لا يمسه إلا المطهرون) قال أبو العالية: ليس أنتم. أنتم أصحاب الذنوب (4) والمطهرون هم الذين طهر الله تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي وقاذورات الذنوب. أو مما هو أعظم من ذلك وأدق. وهو تطهير قلوبهم من التعلق بغيره تعالى، وقال في الميزان: وهذا المعنى من التطهير هو المناسب للمس الذي هو العلم دون الطهارة من الخبث أو الحدث. فالمطهرون هم الذين أكرمهم الله تعالى بتطهير نفوسهم كالملائكة الكرام والذين طهرهم الله من البشر.

قال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (5) ولا وجه لتخصيص المطهرين بالملائكة كما ذكر بعض المفسرين لكونه تقييدا من غير مقيد (6).

والله جل شأنه ذكر أصنافا من عباده. وخص كل صنف بنوع من العلم والمعرفة. لا توجد في الصنف الآخر. كالموقنين، وخص بهم مشاهدة ملكوت

____________

(1) سورة الواقعة: الآية 77 - 79.

(2) رواه أحمد، وقال الهيثمي رجاله ثقات مجمع الزوائد 231 \ 6) ورواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 507 \ 4) وابن حبان والبيهقي (كنزل العمال 195 \ 11).

(3) رواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 507 \ 4).

(4) تفسير ابن كثير 298 \ 4.

(5) سورة الأحزاب: الآية 33.

(6) الميزان 137 \ 19.


الصفحة 94
السماوات والأرض "، قال تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) (1) وكالمنيبين وخص بهم التذكر قال تعالى:

(وما يتذكر إلا من ينيب) (2)، وكالعالمين بهم الذي يعقل أمثال القرآن، قال تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) (3)، كالأولياء وهم أهل المحبة الذين لا يلتفتون إلى شئ إلا له سبحانه ولذلك لا يخافون شيئا ولا يحزنون بشئ. قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (4) وكالمقربين. والمجتبين والصالحين والمؤمنين. ولكل منهم خواص من العلم والإدراك يختصون بها. ونظير هذه المقامات الحسنة. مقامات سوء في مقابلها. ولها خواص رديئة في باب العلم والمعرفة. ولها أصحاب كالكافرين والمنافقين والفاسقين وغيرهم. وهؤلاء لهم نصيب من سوء الفهم ورداءة الادراك لآيات الله ومعارفه الحقة.

وعلاقة المطهرين بالقرآن هي علاقة الفاهم للقرآن. أي العالم بمتشابه القرآن ورده إلى محكمه. ودائرة الطهر تقابل الذين قال تعالى فيهم: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (5)، وقوله: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (6)، فالمطهرين خصهم الله بعلم تأويل الكتاب. لينطلق طريق العلم في مواجهة أصحاب المقامات السوء والخواص الرديئة. ويجب أن يفهم. إن الطريق إلى فهم القرآن غير مسدود. فهو حجة على الناس بذاته. ولكن إذا كان للقرآن الدلالة على معانيه والكشف عن المعارف الإلهية فإن للمطهرين الدلالة على الطريق وهداية الناس إلى أغراض القرآن ومقاصده. فبهذا يحافظ العامل على المسيرة وعلى أخلاقها. بعيدا عن

____________

(1) سورة الأنعام: الآية 75.

(2) سورة المؤمن: الآية 13.

(3) سورة العنكبوت: الآية 43.

(4) سورة يونس: الآية 62.

(5) سورة محمد: الآية 24.

(6) سورة النساء: الآية 82.

الصفحة 95
الأفهام التي امتنع عليها التأويل لأن أفهامها غير مطهرة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net