متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - ولاية الله عز وجل
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - ولاية الله عز وجل:

لقد أقام الله تعالى حجته على الخلق في عالم الغيب بميثاق الفطرة المغروس في داخل الكيان الإنساني بأنه تعالى رب كل شئ. وأقام حجته في عالم الاحساس الإنساني بأن زود الإنسان بما يهديه إلى طريق التقوى ويبتعد به عن طريق الفجور. وزوده في عالم المشاهدة المنظور بما يقربه إليه حيث الوجود كله من حوله يهتف بأنه لا إله إلا الله. وفي النهاية جعله مختارا. له أن يختار أي طريق يسلك. وعلى سلوكه سيترتب الثواب والعقاب يوم القيامة. فالفائز هو فقط من احترم المخزون الفطري وما زوده الله به واتبع الهدى الذي جاء به الأنبياء والرسل عليهم السلام، فهذا الهدى الذي جاء به الأنبياء يرشده ويسوقه إلى الصراط المستقيم الذي يتفنن الشيطان في كل عصر ومكان في وضع العراقيل عليه. فالهدى يتعامل مع كل حالة وفقا للزمان والمكان. ولهذا تتابع الرسل عليهم السلام في كل زمان ومكان من أجل أن يسدوا منافذ الشيطان الذي أمهله الله حتى يوم الوقت المعلوم. ومن أجل هذا تحتم على من أراد الفوز بالنجاة والثواب أن يقف تحت ولاية الله ورسوله. لأنها الولاية الوحيدة التي في ظاهرها وباطنها الرحمة وتقود من استظل بها إلى ساحة القرب يوم القيامة، ومن فضله سبحانه على خلقه أنه حذر من اتخاذ الشيطان وليا. ونهى عن مودة اليهود والنصارى - يعني نهى المحبة والاتحاد معهم - لأن هذا الطريق بكل ما عليه من رموز يصب في النهاية في ساحة الخاسرين.


الصفحة 139
والقرآن الكريم أخبر بولاية الله وأن الأمر كله إليه سبحانه في أكثر من موضع منه قوله تعالى: (أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيى الموتى وهو على كل شئ قدير * وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب * فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزوجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (1)، قال المفسرون: إنه تعالى ولي تنحصر فيه الولاية. فمن الواجب على من يتخذه وليا. أن لا يتعداه إلى غيره. إذ لا ولي غيره. وقوله: (وهو يحيي ويميت) حجة على وجوب اتخاذه تعالى وحده وليا. لأن الغرض من اتخاذ الولي والتدين له. هو التخلص من عذاب السعير والفوز بالجنة يوم القيامة. ولما كان ذلك كذلك فإن المثيب والمعاقب يوم القيامة هو الله. فهو وحده الذي يحيي الموتى فيجمعهم فيجازيهم بأعمالهم. وعلى هذا فهو الذي يجب أن يتخذ وليا. وأن لا يلتفت الناس إلى أولياء من دونه لأنهم أموات غير أحياء ولا يشعرون أيان يبعثون.

وقوله تعالى: (وهو على كل شئ قدير) حجة أخرى، على وجوب اتخاذه تعالى وليا دون غيره، لأنه من الواجب في باب الولاية. أن يكون للولي قدرة على ما يتولاه من شؤون من يتولاه وأموره. والله تعالى على كل شئ قدير ولا قدرة لغيره إلا مقدار ما أقدره الله عليه. فهو المالك والقادر على ما ملكه وأقدره عليه. فهو سبحانه الولي لا ولي غيره تعالى، وقوله سبحانه: (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله)، حجة أخرى على كونه تعالى وليا لا ولي غيره، فالاختلاف ربما كان في عقيدة في أن الإله واحد أو كثير، أو كان في نبوة أو إمامة. وربما كان في عمل أو ما يرجع إليه كالاختلاف في أمور المعيشة.

أمور المعيشة. فاختلافات الناس في عقائدهم وأعمالهم اختلاف تشريعي لا يرفعه إلا الأحكام والقوانين التشريعية ولولا الاختلاف لم يوجد قانون.

____________

(1) سورة الشورى: الآية 9 - 11.

الصفحة 140
والله تعالى هو المالك لكل شئ. لا مالك سواه. فكل شئ بوجوده وآثار وجوده قائما به تعال. فله سبحانه الحكم والقضاء بالحق قال تعالى: (كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) (1)، وقال (والله يحكم ما يريد) (2)، فالولي الذي يعبد يجب أن يكون رافعا لاختلافات من يتولونه، مصلحا لما فسد من شؤون مجتمعهم، سائقا لهم إلى سعادة الحياة الدائمة بما يضعه عليهم من الحكم وهو الدين. والحكم في ذلك كله إلى الله عز وجل. فهو الولي الذي يجب أن يتخذ وليا لا غير.

وبعد أن أقام الله الحجج في الآية أمر النبي أن يقول لهم: (ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب) إعلاما لهم بأنه تعالى هو الولي معترفا له بالربوبية التي هي ملك التدبير راجع إلى حكمه في كل واقعة تستقبل الإنسان في مسير حياته ففي هذا كله تكمن الإنابة وتظهر (عليه توكلت وإليه أنيب أنيب) أي أرجع في جميع أموري إليه. تكوينا وتشريعا. (فاطر السماوات والأرض. جعل لكم من أنفسكم أزواجا...)، أي أنه تعالى موجب الأشياء وفاطرها من كتم العدم إلى الوجود. وقد جعلكم أزواجا فكثركم بذلك وجعل من الأنعام أزواجا فكثرها بذلك لتنتفعوا بها. وهذا خلق وتدبير. وهو سميع لما يسأله خلقه من الحوائج، وبصير لما يعمله خلقه من الأعمال. وهو الذي يملك مفاتيح خزائن السماوات والأرض! وهو الذي يرزق المرزوقين فيوسع في رزقهم ويضيق ممن علم منه بذلك. وهذا كله من التدبير. فهو الرب المدبر للأمور ليس مثله شئ.

إن الله هو الولي. (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون) (3)، إن الله هو الولي: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) (4)، إن الله هو الولي: (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي

____________

سورة القصص: الآية 88.

(2) سورة المائدة: الآية 1.

(3) سورة السجدة: الآية 4.

(4) سورة البقرة: الآية 257.

الصفحة 141
المتقين) (1)، (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) (2)، إنه سبحانه مصدر جميع السلطات وإليه تنتهي جميع القرارات. وهو مصدر الخلق والتكوين وواهب الحياة ومقوماتها فكما أن له سبحانه الخلق والإبداع، كذلك له الأمر والنهي.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net