متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - الرسول ونظرات على واقع بعيد
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - الرسول ونظرات على واقع بعيد:

لم يكن النبي يحذر من الفتن فقط، وإنما كان يبين لمن حوله أن الفتنة إذا هبت انطلق دخانها في سماء العصور والدهور. وعلى امتداد هذه المسيرة يدون لها ثقافات وقوانين لا تخدم إلا أنصار الشذوذ الذين لا هم لهم إلا التعتيم على نور الفطرة والصد عن السبيل. وفي نهاية المطاف يستخدم المسيح الدجال هذه الأوراق لصالحه.

والدجال أعظم فتنة منذ ذرأ الله ذرية آدم وما من نبي إلا وحذر قومه الدجال، ولقد حذر نوح قومه منه ليس على أساس أنه خارج فيهم. لأن نوح كان يعلم من ربه أنه يخرج في الأمة الخاتمة. وإنما حذرهم من نسيج الشذوذ.

لأن كل نسيح من هذا يتلقفه الشيطان ويلقيه على رأس البشرية من جيل إلى جيل، حتى يستقر عند الدجال آخر الزمان، والنبي حذر أصحابه على هذا النحو، لأن الدجال خارج في الأمة الخاتمة لا محالة. فعن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لأنا لفتنة بعضكم بعضا أخوف عندي من فتنة الدجال. ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها، وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال " (2).

فالشذوذ حلقات، وحلقات الشذوذ يصنعها أصحاب القسم الزائف، أي الأئمة المضلين، فعن أبي ذر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

" غير الدجال أخوف على أمتي؟) ".

قلت: يا رسول الله أي شئ أخوف على أمتك من الدجال؟

____________

(1) رواه البخاري (فتح الباري شرح صحيح البخاري حديث رقم 3104 ص 243 / 6 ط دار الريان).

(2) رواه أحمد والبزار وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 335 / 7).

الصفحة 202
قال: " الأئمة المضلين " (1).

فهؤلاء الباب الذي يدون عنده القانون ذو الغلاف المزخرف، الخارج عنه في عرفهم خارج عن الدين، ولأن الدين غلافه في عالمهم. يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر.

والنبي صلى الله عليه وسلم حدد ثلاث فتن: الأولى فيها موت والثانية فيها قتل والثالثة فيها الدجال، ومن نجا عند الباب نجا عند الدجال. عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة من نجا منها فقد نجا.

من نجا عند موتي فقد نجا، ومن نجا عند قتل خليفة يقتل مظلوما وهو مصطبر يعطي الحق من نفسه فقد نجا. ومن نجا من فتنة الدجال فقد نجا " (2).

فعند موته صلى الله عليه وسلم تحدث أحداث من نجا منها فقد نجا، فهذه الأحداث باب وهذا الباب يوصل إلى الحلقة الثانية. حيث الخليفة المظلوم. فمن وقف في دائرة المظلوم الذي يعطي الحق ثم يأتيه القتل وهو مظلوم فقد نجا، وكم من خليفة قتل على امتداد التاريخ الإسلامي. وكل حزب وكل قبيلة تقسم أن خليفتها قتل مظلوما. ولكي لا تضيع الحقيقة لصالح الدجال فلا بد لتحديد الخليفة أن يقال: خليفة من؟ فإن قيل: خليفة لله، قلنا: ما البرهان؟ إذا نسب أي شئ إلى الله لا بد أن يكون عليه دليل.

ألم تر أن المشركين كانوا إذا فعلوا فاحشة قالوا أن الله أمرهم بهذا. ألم تر أنهم عبدوا من دون الله ما لا ينفع ولا يضر وقالوا لو شاء الله ما أشركنا ولم يكن معهم دليل على هذا وذاك.

ألم ترى أن عبادة الأصنام دخلت من باب التقرب إلى الله والله برئ من المشركين.

____________

(1) رواه أحمد وقال في الفتح الرباني إسناده حسن (الفتح 26 / 23).

(2) رواه الطبراني والخطيب وأحمد والضياء بسند صحيح عن عبد الله بن حوالة (كنز 180 / 11) والحاكم وصححه (المستدرك 101 / 3).

الصفحة 203
ألم تر أن دأب القرآن التمييز بين الحق والباطل والعلم والجهل والجهاد والقعود وغير هذا حتى يكون لكل شئ معالمه ولا تختلط الأوراق. حتى النبوة لا بد أن يكون عليها من الله برهان، والإمامة قال تعالى فيها لإبراهيم عليه السلام: (لا ينال عهدي الظالمين) (1). وعلى هذا لا بد أن يحدد للناس من العادل ويكون عدله حجة بذاتها على الظالمين.

وكذلك الخلافة. فالخلافة عنه تعالى منزلة. وما دامت عنه تعالى فهو سبحانه الذي يحدد دائرتها. فكم من دائرة إنسانية مهمتها الصد عن السبيل وكل دائرة لها أسماؤها الرنانة. وإذا كان الشيطان قد زخرف قاموس الأسماء وخرج من أتباعه من يدعي الألوهية والنبوة ومراتب الصلاح فلا بد أن يقابل هذا الدوائر الحق التي تشير للناس نحو دوائر الزيف وتسوقهم إلى الصراط المستقيم.

والقرآن أشار إلى دائرة الخلافة وكيف نسبها الله إلى نفسه. فداوود عليه السلام كان رسولا. وبمنزلة الرسالة كان يحق له أن يدخل أي دائرة من دوائر الهدى ولكنه لم يدخل إلا بإذنه، قال تعالى: (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) (2).

فالخلافة ليست وجاهة، لا بد للخليفة أن يتخلق بأخلاق الله. ويريد ويفعل ما يريده الله. ويحكم ويقضي بما يقضي به الله. والله يقضي بالحق وأن يسلك سبيل الله ويسوق الناس إليه ولا يتعداه. ولا يتبع في قضائه الهوى هوى النفس لأنه يضل عن الحق. ولهذا وصف النبي الخليفة المظلوم الذي يقتل فقال: " خليفة يقتل مظلوما وهو مصطبر يعطي الحق من نفسه ".

ودائرة الخلافة لا يجب أن تفترق عن القرآن ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي

____________

(1) سورة البقرة: الآية 124.

(2) سورة ص: الآية 26.

الصفحة 204
الحوض " (1).

والدائرة الثانية في الحديث دائرة الخليفة الذي يقتل مظلوما، تمهد للدائرة الثالثة التي يتربع فيها الدجال. والطريق بين الدائرتين يجلس فيه القاتل. أي قاتل الخليفة المظلوم. فمن تبين هذه الحقيقة بعد قتل الخليفة. فقد نجا مثل الذين نصروا الخليفة المظلوم في حياته. فعن عبد الله بن مسعود. قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله. كيف تقول في الرجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال النبي: المرء مع من أحب (2)، أما من وضع على عينيه الغمامة ومر على الخطيئة مر الكرام. فيجيبه أبو العرس بن عميرة. قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها (3)، فمن غاب عنها ورضي وشارك الذي شهدها ورضي وإن بعدت المسافة وبعد الزمان بينهما.

والفتنة في كل حلقة لا بد من أن تترك أثرا لها على القلوب. فمن أنكر لا يتعكر قلبه. ومن رضي تعكر قلبه ودخل على فتنة الدجال وهو يهلل للدجال مغديا له بالروح والدم والمال. وعن أثر الفتن على القلوب. يقول حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعرض الفتن على القلوب. فأي قلب أنكرها. نكتت في قلبه نكتة بيضاء. وأي قلب لم ينكرها نكتت في قلبه نكتة سوداء. حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا. لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض. والآخر أسود مربدا كالكوز مجفيا. لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.

إلا ما شرب من هواه " (4)، ومن أجل هذا لا بد من البحث عن الحقيقة. لأن الحلقة القادمة هي حلقة الدجال. ومن دخل عليها وهو عارف بحقيقتها فقد

____________

(1) رواه أحمد وقال الهيثمي إسناده جيد (الزوائد 193 / 9).

(2) رواه البخاري ك الآداب (الصحيح 77 / 4).

(3) رواه أبو داود حديث 4345.

(4) رواه أحمد (كنز العمال 119 / 11) والحاكم وصححه (المستدرك 468 / 4).

الصفحة 205
نجا. أما الذي يدخلها ليبحث عن الحقيقة بداخلها، فلن ينفعه إيمانه لأن لله آيات لا ينفع فيها إيمان نفس لم تكن آمنت من قبل. قال تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا أيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) (1)، وهذه الآيات حددها البني صلى الله عليه وسلم فقال: " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا أيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في أيمانها خيرا. الدجال والدابة. وطلوع الشمس من المغرب "، رواه الترمذي وغيره (2).

فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من أصول الفتن وهو يشير إلى بيوت أصحابه. وحذر من فتنة قومه وفتنة قتل الخليفة القائم بالحق. وبين أن الفتن كبيرها وصغيرها يقود إلى الدجال. كان يحذر وفي التحذير حجة كي لا يفتح فاتح الباب.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net