متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
سادسا - غروب الشمس والقمر
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

سادسا - غروب الشمس والقمر

مما سبق علمنا منزلة علي بن أبي طالب. فهو من بني هاشم كالقمر في كبد السماء. وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لبني هاشم: " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " (1)، ومن بني هاشم اخترق هذا التكليف والأمر جدار القبيلة. إلى دار الأمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا أمته " علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي " (2)، وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " (3)، وقال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (4)، إلى غير هذا من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول وصححها علماء الحديث.

فعلي بن أبي طالب له مكانه الواضح الظاهر في منطقة المركز. ثم في جميع مناطق الاتساع التي تنشأ نتيجة لحركة الدعوة. وهذا المكان تم تأمينه بوضع علامات تحذيرية من حوله. كي يعلم كل من يريده بسوء أن الأمر لن يكون سهلا عندما يقف التابع والمتبوع أمام الله تعالى يوم القيامة. ويكفي من

____________

(1) حديث قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) رواه أحمد وابن جرير وصححه والطحاوي والضياء بسند صحيح، وتم تخريجه من قبل راجع (كنز العمال 129 - 133، 174، 175 / 13) (الفتح الرباني 122 / 23) (المستدرك 35 / 3).

(2) تم تخريجه والحديث صحيح راجع (جامع الترمذي 635، 636 / 5) (كنز العمال 599، 636 / 5).

(3) تم تخريجه والحديث صحيح راجع (الفتح الرباني 213 / 21) (كنز العمال 609 / 11، 134 / 13) (المستدرك 110 / 3) (الزوائد 104 / 9).

(4) رواه مسلم وغيره وتم تخريجه من قبل راجع (صحيح مسلم 174 / 15).


الصفحة 236
علامات التحذير قوله صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين:

" أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم " (1)، وخطابه صلى الله عليه وسلم أمته قائلا: " أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي.

أذكركم الله في أهل بيتي " (2).

ولما كان من مهام الإنسان خلافة الله في الأرض - فإن هذه المهمة في جوهرها مادة للابتلاء. وعلى امتداد التاريخ الإنساني. رفضت أقوام الأنبياء والرسل. وكان العمود الفقري للرفض أنه من بين هذه الأقوام من كان يزعم أنه الأجدر والأحق بقيادة المسيرة. وهذا في حد ذاته خروج عن واجب الخلافة.

وترتب على هذا الزعم أن انحرفت قوافل الضلال وتاهت في أودية عبادة المادة بجميع أشكالها - وظهر في الوجود آلهة من الأصنام والأوثان والبشر. ومن ينظر بتدبر تحت أقدام هذه الآلهة المتعددة. يجد أن السبب الرئيسي لوجودها هو رفض خليفة الله في الأرض. وإذا عدنا بالذاكرة إلى الخلف لنلتقط مشهد وحركة من أعماق الوجود لندلل به على ذلك. فلنقف أمام قصة آدم عليه السلام وموقف الشيطان الرجيم منه فآدم عليه السلام خليفة. والشيطان خارج على هذه الخلافة. ولكل منهما منهاج له مقدمة وعليها نتيجة.

والأمة الخاتمة بين لها رسولها صلى الله عليه وسلم المقاعد الأولى فيها. وذلك كما بينا من قبل. ولما كان التشريع مبنيا على أساس أنه لا إجبار في دين الله. وإنه لا إجبار في الأفعال. وإن التكاليف مجعولة على رفق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم أولا، وهي متوجهة إلى العباد من حيث أنهم مختارون في الفعل والترك ثانيا. والمكلفون إنما يثابون أو يعاقبون بما كسبت أيديهم من خير أو شر اختيارا. فإنه لا معنى للقول بأن التكليف أهمل مصالح العباد في تعيين الخليفة الذي يسوق الناس إلى الله تعالى، ويعبر بهم الحياة الدنيا

____________

(1) رواه أحمد وتم تخريجه من قبل راجع (المسند 2 / 242) (المستدرك 149 / 3) والحديث صحيح.

(2) رواه مسلم وتم تخريجه من قبل. راجع (صحيح مسلم 179 / 15).

الصفحة 237
بما يوافق الكمال الأخروي الحياة الدائمة الحقيقية. وكيف يهمل التكليف هذا.

وفي الاهمال إلغاء لآدم وبرنامج آدم، وفي الالغاء ضياع للسعادة الحقيقية التي لا يصل الإنسان إليها. إلا عندما يكون مؤمنا بالله وكافرا بالطاغوت. وبضياع السعادة الحقيقية يفسد دين الإنسان الفطري ولا تتعادل قواه الحسية الداخلية.

وعندما يفسد الدين الفطري يميل الإنسان إلى قوة من القوى ويتبعها. ويؤدي هذا الميل إلى طغيان تلك القوة. ويعلو هبل بل ألف ألف هبل.

ولا معنى أيضا للقول بأن الإنسان خلقه الله تعالى كحصاة في الطريق تلهو بها كل قدم. وإن على عباقرة القبائل في كل عصر أن يستخدموه في أي عمل شاءوا كيف؟ وهل جاءت الأصنام والأوثان إلا من طريق الفراعنة والقياصرة والأكاسرة. أصحاب المقاعد الأولى التي زخرف الشيطان حولها. إن التسليم لفقه الحصى الذي تلهو به كل قدم. يعني إبطال معرفة الحسن من القبيح.

ويعطل الثواب والعقاب. وكيف يكون هذا والتكاليف متوجهة إلى العباد من حيث أنهم مختارون في الفعل والترك. ويثاب المكلفون أو يعاقبون بما كسبت أيديهم من خير أو شر اختيارا. والقرآن الكريم أخبر بأن الكفار والمشركين سيعترفون يوم القيامة بأنهم إنما أشركوا واقترفوا المعاصي بسوء اختيارهم واغترارهم بالحياة الدنيا، إن فقه الحصى وضعه علماء الشذوذ والترفيع ليخدم سياسة الاحتناك لأن من أبوابه دخل الجلادون ليمارسوا واجب الاستكبار الذي دور أوتاده الشيطان. وفقه الحصى والحجارة مهمته تبرير أعمال المنافقين والفساق والمشركين والكفار. ونسي عباقرة هذا الفقه أن الله تعالى عندما تبرأ من المشركين لم يتبرأ سبحانه من خلق ذواتهم أو ألوان بشرتهم. وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم. وتحت سقف التبرير دخل علماء الحجارة من باب القضاء والقدر. ومن هذا الباب قتلوا المقاومة والتصدي للشر عند أكثر الناس: بحجة أن الله أجبر العباد على أفعالهم. أو أن الأنبياء والرسل عليهم السلام قد يريدون لذويهم أن يكونوا على المقاعد الأولى في أممهم. ولكن الله تعالى يريد غير ذلك لأن الناس سواسية كلهم لآدم وآدم من تراب. ولهذا سبق القضاء وجاء الفراعنة والقياصرة. لقد كان هذا الباب من فقه الحصى والحجارة. من أخطر الأبواب

الصفحة 238
على المسيرة البشرية. وكيف يجلس الفراعنة في دائرة الفحشاء والمنكر ثم يقال بعد هذا إن الله أمر بذلك؟ إن البرنامج الذي يأمر بالسوء والفحشاء حذر الله تعالى الجنس البشري منه. وما قال أتباع هذا البرنامج ذلك إلا ليحتموا وراء جدار من الزينة ليغووا الناس ويدعونهم إليه. أما القول الحق في هذه المسائل ما روي عن الإمام الصادق. وقد قيل له: هل فوض الله الأمر للعباد؟ فقال: إن الله أكرم من أن يفوض إليهم. فقيل له: فأجبر الله العباد على أفعالهم؟ قال: الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه. وروي عنه أنه قال: إن الله عز وجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون. وعنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من زعم أن الله يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله. ومن زعم أن الخير والشر بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه.

وبيان هذا كله فيما روي عن الإمام الرضا. قال: إن الله عز وجل لم يطع بإكراه. ولم يعص بغلبة ولم يهمل عبادة في ملكه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله منها صادا ولا منها مانعا. وإن ائتمروا بمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ذاك فعل، وإن لم يحل فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه. ثم قال الإمام الرضا: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه - أي من جادله.

لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أين المركز من الدائرة. وأحاط أمته علما بأن اختيار الأمة سيكون حول هذا المركز. ونهى عن إيذاء أهل المركز أو حربهم وأمر بالالتفات حولهم. واختبار الناس بالناس سنة إلهية جارية. قال تعالى: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين) (1)، وقال تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا

____________

(1) سورة الأنعام: الآية 53.

الصفحة 239
وليعلمن الكاذبين) (1)، ففي الآيات مرتكزات ودوائر. وحول هذا وذاك يجري الامتحان الذي سيترتب عليه الثواب أو العقاب. قال تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) (2)، وبما أن الأمة الخاتمة من الناس وعليها يجري الاختبار. وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بما هو كائن وما سيكون. وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها حتى لا يكون للناس على الله حجة. فإننا سنلقي الضوء هنا على معالم العقبات التي لم تمكن أهل البيت من القيام بواجب الخلافة.

وفي البداية إذا سألنا: ما هي العوامل التي أدت إلى ابتعاد أهل البيت عن القيادة، رغم ما أحيط حولهم من مناقب وتبشير وتحذير؟ فإن الإجابة لا بد لها من مقدمة. نقول فيها: إن الأمور الماضية يتعذر الوقوف على عللها وأسبابها.

ولا يعلم حقائقها إلا من شاهدها ولابسها. وكما قال ابن أبي الحديد: بل لعل الحاضرين المشاهدين لها. لا يعلمون باطن الأمر فيها... ولأن الأمر كذلك.

فنحن هنا نقوم بترتيب المعلومات لاستنتاج المجهولات ونستعمل مقدمات حقيقية يقينية لاستنتاج معلومات تصديقية واقعية. وفي مجال البحث عن الحقيقة نعلم أن الأمور إذا اشتبهت اعتبر آخرها أولها أي يقاس آخرها على أولها فحسب البدايات تكون النهايات، وعمودنا الفقري في البحث هنا الحديث الشريف، وفيه نسلط الضوء على التاريخ وحركته وتحت الضوء تظهر المعلومات وبحديث آخر ترتب هذه المعلومات، وفي النهاية نحصل على مقدمة حقيقية يقينية على ضوئها يفتح التاريخ أبوابه لنستنتج المعلومات التصديقية الواقعية.

والمقدمات الحقيقية التي يمكن أن يستند عليها لاستنتاج الأسباب التي أدت إلى إبعاد أهل البيت عن ممارسة واجب الخلافة مقدمات كثيرة. ولكننا سنسلط الضوء على وجه المجتمع أولا فعلى الوجه ترى ما نريده من مقدمات.

____________

(1) سورة العنكبوت: الآية 2 - 3.

(2) سورة آل عمران: الآية 142.

الصفحة 240


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net