متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 - القرارات الأخيرة للنبي صلى الله عليه وآله
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

أولا - الأمر الواقي من الضلال:

لقد علم النبي من ربه أن الاختلاف والافتراق واقع. وعلى فراش المرض أخذ النبي بالأسباب. وطلب من الحاضرين وكان فيهم عمر بن الخطاب. أن يأتوه بدواة وكتف ليكتب لهم كتابا لا يضلون بعده. فهذا أمر صريح مقدمته تستقيم مع نتيجته. فهو صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتب حتى لا يضلوا.

فماذا حدث؟ عن جابر بن عبد الله قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا

____________

(1) رواه مسلم كتاب الفتن (14 / 18 الصحيح) وأحمد (الفتح الرباني 215 / 23) والترمذي (الجامع 472 / 4).

(2) قال ابن كثير تفرد به الإمام أحمد (التفسير 562 / 4).

الصفحة 260
عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده. فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها (1) فهذا الحديث حدد الزمن " عند موته " وحدد الطلب " صحيفة ليكتب فيها كتابا " وحدد هدف الكتاب " لا تضلون بعده " وحدد الذي خالف " فخالف عليها عمر بن الخطاب ".

وفي رواية عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده. فقال عمر: إن النبي قد غلبه الوجع وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا. منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوه بعده.

ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي: " قوموا " (!!) فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (2)، وفي رواية: قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وأكثروا اللغط فقال النبي: " قوموا عني. ولا ينبغي عندي التنازع "، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه (3).

وفي رواية لابن عباس قال: يوم الخميس وما يوم الخميس (4) ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء ثم قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا.

____________

(1) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 225 / 22) وابن سعد (الطبقات 243 / 2) والطبري (تاريخ الأمم 193 / 4).

(2) رواه البخاري ك المرض (الصحيح 7 / 4) ومسلم ط استنبول (الصحيح 76 / 5)، وأحمد (الفتح 191 / 22) وابن سعد بلفظ: وغموا رسول الله. فقال: قوموا عني (الطبقات 244 / 2).

(3) رواه البخاري (الصحيح 32 / 2).

(4) كان اشتداد المرض يوم الخميس وكانت الوفاة يوم الاثنين.

الصفحة 261
فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: هجر رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه " (1).

وقال في لسان العرب في معنى هجر: إذا جعلت إخبارا " هجر " فيكون المعنى أما من الفحش أو الهذيان. أما إذا كان على سبيل الاستفهام كقولهم " أهجر " يكون المعنى: هل تغير كلامه واختلط. وقال ابن الأثير: والقائل كان عمر بن الخطاب. والذي يليق بعمر أن يكون قد استفهم (2). وبالنظر فيما ورد نجد أن المسلمين الذي حضروا سماع الأمر افترقوا في الدار. لقد وقع الاختلاف بين قولين. قول النبي وقول عمر! وحيل المسلمون بينهما فرجح قوم هذا. إن المهم هنا أن القوم سووا بين النبي وبين عمر وجعلوا القولين مسألة خلاف ذهب كل فريق إلى نصرة واحد منهما.

ولقد اعتذر العديد لعمر بن الخطاب. فقال النووي في شرح مسلم: إن قول عمر حسبنا كتاب الله من قوة فقهه ودقيق نظره لأنه خشي أن تكتب أمور ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة! ولكن السندي في شرح البخاري كان له قول آخر قال: إن الأمر الصادر يفيد أنه أمن من الضلال فالكتاب الذي يريد الرسول أن يكتبه سبب للأمن من الضلال ودوام الهداية.

فكيف يخطر على باب إنسان أنه سيترتب عليه عقوبة أو فتنة أو عجز. أما قوله:

" حسبنا كتاب الله " لأنه تعالى قال: (ما فرطنا في الكتاب من شئ)، ويقول:

(اليوم أكملت لكم دينكم)، فكل من الآيتين لا يفيد الأمن من الضلال ودوام الهداية للناس، ولو كان كذلك لما وقع الضلال ولكن الضلال والتفريق في الأمة قد وقع بحيث لا يرجى رفعه كما أن النبي لم يقل لهم: إن مراده أن يكتب لهم الأحكام حتى يقال على ذلك: إنه يكفي فهمها من كتاب الله. ولو فرض أن مراد

____________

(1) رواه البخاري له الوصايا (الصحيح 178 / 2) ومسلم (الصحيح 76 / 5)، وأحمد (الفتح الرباني 224 / 21).

(2) لسان العرب ص 4619 وقال أبو حامد الغزالي في كتابه سر العالمين أن القائل كان عمر، وقال هذا أيضا سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 62.

الصفحة 262
النبي كان كتابة بعض الأحكام، فلعل النص على تلك الأحكام منه صلى الله عليه وآله وسلم سبب للأمن من الضلالة. وعلى هذا فلا وجه لقولهم " حسبنا كتاب الله " بل لو لم يكن فائدة النص ليس إلا الأمن من الضلال لكان مطلوبا جدا ولا يصح تركه للاعتماد على أن الكتاب جامع لكل شئ كيف والناس محتاجون إلى السنة أشد احتياج مع كون الكتاب جامعا وذلك لأن الكتاب وإن كان جامعا إلا أنه لا يقدر كل أحد على الاستخراج منه، وما يمكن لهم استخراجه منه لا يقدر كل أحد على استخراجه منه على وجه الصواب. ولهذا فوض الله لرسوله البيان مع كون الكتاب جامعا فقال تعالى لنبيه: (لتبين للناس ما أنزل إليهم)، ولا شك أن استخراجه صلى الله عليه وآله من الكتاب على وجه الصواب يكفي ويغني في كونه نصا مطلوبا لنا لا سيما إذا أمرنا به. ولا سيما إذا وعد على ذلك الأمن من الضلال. فما معنى قول حسبنا كتاب الله بعد ذلك (1)، ويبدو أن السندي كان يرد على النووي فيما ادعاه.

أدلى العديد من الباحثين بدلوهم. فقال بعضهم: إذا تأملت قول النبي صلى الله عليه وآله: " أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده "، وقوله: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: أحدهم أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي " (2)، تعلم أن المرمى في الحديث واحد. وقال البعض: من ألم بأطراف حديث " هجر رسول الله " يقطع بأنهم كانوا عالمين أنه إنما يريد أمر يكرهونه ولذا فاجاؤوه بهذه الكلمة وأكثروا عنده اللغو واللغط كما لا يخفى. وكان هناك إصرارا حتى لا يكتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أراد أن يكتبه الأمر الذي جعل بعض نساء النبي يتحدثن من وراء حجاب (3)، وقالوا كما في الحديث: " ائتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحاجته. فقال عمر: اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتن

____________

(1) السندي شرح البخاري (33 / 1) بتصرف.

(2) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 663 / 5).

(3) القائلة هي أم المؤمنين زينب كما جاء في رواية عند ابن سعد (الطبقات 242 / 2).

الصفحة 263
أعينكم وإذا صح أخذتن بعنقه. فقال النبي: هن خير منكم " (1).

وبقي سؤال: لماذا لم يصر النبي على كتابة الصحيفة. والإجابة: لأنهم جردوه من العصمة من الضلال بقولهم: " هجر " لقد أراد أن يكتب لهم كتابا يكونوا به في مأمن الضلالة، فقالوا: الكلمة التي بها يصبح الكتاب مصدر ضلالة فلو كتب الكتاب بعد هذه الكلمة لشكك الذين في قلوبهم مرض في كل مكتوب بعد ذلك حتى كتاب الله. ولهذا قال لهم فيما رواه ابن عباس بعد أن قالوا أن نبي الله ليهجر: فقيل له ألا نأتيك بما طلبت، فقال صلى الله عليه وسلم:

أو بعد ماذا؟!! (2)، وهناك سبب آخر. وهو أنه صلى الله عليه وآله قد علم من ربه أن الاختلاف واقع لا محالة. ولقد رآهم النبي يختلفون في أمر أصدره داخل حجرته. فرجحوا بين قوله وبين قول عمر وكثر اللغط. والله تعالى أعلم ماذا كان سيحدث لو أصر النبي على كتابة الصحيفة أثناء هذا اللغو واللغط.

ولقد اكتفى صلى الله عليه وسلم بما أمر به وحذر منه على امتدار رسالته.

ودعنا نفترض أن الرسول قد كتب ما يريده. فهل تمنع الكتابة هذه الأنماط البشرية التي يعلمها الله من الكف عن مخططاتها. كلا! لقد كانوا سيعملون في وجود الصحيفة نفس علمهم في عدم وجودها. والقرآن الكريم كشف عن أنماط بشرية إذا جاءهم الرسول بآية ظاهرة. قالوا في ظهورها ما كانوا سيقولونه في عدم ظهورها يقول تعالى: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون * كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) (3)، بل إن القرآن كشف عن نمط بشري أرادوا أن يبدلوا كلام الله ليكون وفقا لما يريدون قال تعالى: (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) (4)، إن النبي أخذ بالأسباب وهو يعلم أنه لن يمكن من كتابة

____________

(1) رواه الطبراني في الأوسط (كنز 644 / 5) وابن سعد (الطبقات 244 / 2).

(2) رواه ابن سعد (الطبقات 242 / 2).

(3) سورة الروم: الآية 58، 59.

(4) سورة الفتح: الآية 15.

الصفحة 264
الصحيفة. كما أمر من قبل يقتل ذو الثدية وهو يعلم أن هذا المارق لن يقتله الشيخان أبو بكر وعمر. وإن له يوما في بطن الغيب وأخبر النبي بهذا اليوم.

وأمر بقتل ابن أبي السرح وهو يعلم أن أحدا لن يقتله وأن عثمان بن عفان سيخفيه في داره وهي نفس الدار التي حاصرها الذين ظلمهم بن أبي السرح.

ونفى الحكم بن أبي العاص، وعندما طلب بعض الصحابة أن يقتلوه، رفض وأخبرهم أن في صلبه ذرية الويل لأمته منهم واكتفى بنفيه حتى أعاده عثمان في عهده.

إن الأحداث تجري بمشيئة الله. وما فعل النبي أمرا إلا بإذن من الله. وكل حدث يجري كان من ورائه هدف ومن وراء الهدف حكمة. وعالم الفتن عالم عميق. وأعظم الفتن هي التي تأتي من مكان يستبعد الناس أن تأتي منه الفتن.

وما فعله النبي من طرد الحكم وأمره بقتل ذي الثدية وغير ذلك يكون اختبارا لمن عاصر الحدث وتحذيرا لهم ولمن بعدهم. وعليه تأتي أحداث يترتب عليها امتحان. وهذا من حكمة الوجود. ألم تر أن الله تعالى قبل أن يخلق آدم أخبر سبحانه ملائكته أن آدم مخلوق ليمارس واجب الخلافة في الأرض. ولكن آدم لم يهبطه الله إلى الأرض عقب خلقه مباشرة. وإنما كان بين الخلق وبين الهبوط أوامر ونواهي وأحداث ترتب عليها أن آدم هبط إلى الأرض باختياره وليس قهرا.

والرسول حذر وأمر ونهى وفي علم الله أن الهبوط والاختلاف والافتراق واقع لا محالة. لأنه سبحانه العليم المطلق بطبائع الناس. والله لا يظلم مثقال ذرة. وما من طريق إلا ودل على موطن الهداية فيه. وما ترك الشيطان طريقا للهداية إلا دق عليه أوتادا. ألم تر أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت الحرام وبعد فترة من الزمان أوحى الشيطان إلى أتباعه بزرع الأصنام حول الكعبة. فأصبح الناظر في المكان يرى هذا وذاك فأصحاب الفطرة السوية يعرفون طريق الصواب وأصحاب النفوس المريضة يعكفون على كل صنم.

إن النبي الأعظم أمر أن يأتوه بصحيفة ليكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده.

وكان هذا لهدف من ورائه حكمة. وكان أيضا مادة يختبر بها من عاصر الحادثة وشعاعا يهدي إلى الحق لكل باحث عن الحقيقة، وكم كنا نتمنى أن تكتب هذه

الصفحة 265
الصحيفة. نعم لقد كان العديد من الجيل الأول سوف يشكك فيها وربما شكك فيها عشرة أجيال أو أكثر. ولكن الشئ الأكيد أن هذا التشكيك ما كان ليكتب له الخلود وعلى أي حال لم تصلنا هذه الصحيفة لأنها لم تكتب. فدعونا نبحث ودعونا نبكي مع ابن عباس رضي الله عنهما.

إن الرسول إذا أمر لا ينبغي أن نناقش ماذا وراء هذا الأمر. لأن المخالفة لا تصب إلا في وقت الفتن والعذاب قال تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (1)، قال المفسرون:

دعاء الرسول هو دعوته الناس إلى أمر من الأمور كدعوتهم إلى الإيمان والعمل الصالح ودعوته ليشاورهم في أمر جامع ودعوته إلى الصلاة جامعة وأمرهم بشئ في أمر دنياهم أو أخراهم فكل ذلك دعاء ودعوة منه صلى الله عليه وآله وسلم. ويشهد بهذا المعنى قوله: " قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا "، وما يتلوه من تهديد فخالفي أمره صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا المعنى يناسب سياق الآية السابقة وهي قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله فإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله..) فهذه الآية تمدح الذين يلبون دعوته ويحضرون عنه ولا يفارقونه حتى يستأذنوه. أما هذه الآية فهي تذم وتهدد الذي يدعوهم فيتسللون عنه لواذا غير مهتمين بدعائه ولا معتنين وقوله: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصبهم فتنة أو يصبهم عذاب أليم "، تحذير لمخالفي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته. من أن تصيبهم فتنة وهي البلية أو يصيبهم عذاب أليم.

والقرآن الكريم كما حذر الذين يخالفون أوامر الرسول. حذر أيضا الذين لا يستجيبون إلى الله، فالرسول إذا دعاهم لما يحييهم ويجعلهم في مأمن من الضلال. أن تصيبهم فتنة، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم. واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وإنه إليه تحشرون

____________

(1) سورة النور: الآية 63.

الصفحة 266
واتقوا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة واعلم أن الله شديد العقاب) (1)، قال المفسرون: لقد أحس سبحانه بالاستجابة لما يحيي الإنسان بإخراجه من مهبط الفناء والبوار. وأخبر أنه سبحانه المالك لكل القلوب. وهو أقرب إلى الناس من كل شئ. حتى يعلم المنافقين أنه أعلم بما في قلوبهم منهم فيرتدعوا. وأحاط الجميع علما بأنهم إليه سيحشرون يوم القيامة، ويومئذ تظهر حقيقة ملكه لهم وسلطانه عليهم. ويومئذ له يغني عنهم منه شئ. ثم حذرهم من فتنة. تختص بجماعة منهم. لكن السئ من أثرها يعم الجميع. وقد أبهم الله تعالى أمر هذه الفتنة. ولم يعرفها بكمال اسمها ورسمها. غير أن قوله تعالى فيما بعد: (لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة)، وقوله: (واعلموا إن الله شديد العقاب)، يوضحها بعض الإيضاح. وهو إنها اختلاف البعض من الأمة مع بعض منها في أمر يعلم جميعهم وجه الحق فيه. فيجمع البعض عن قبول الحق. ويشق طريقه بالظلم وهذا الظلم هو الذي أمر سبحانه باتقائه. لأنه يرى سوء أثره إلى كافة المؤمنين وعامة الأمة. وقد تفطن بعض المفسرين بأن الآية تحذر الأمة وتهددهم بفتنة تشمل عامتهم وتفرق جمعهم وتشتت شملهم.

وهذه الفتنة حدثت أيام الصحابة وليس في أيام غيرهم. هم وحدهم المسؤولون عنها. فعن الزبير بن العوام قال: لقد خوفنا الله بقوله: (واتقوا فتنة...) الآية نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وما ظننا أنا خصصنا بها خاصة (2) وعنه أيضا قال: لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها (3)، وقال السدي: نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا (4)، ويوم الجمل ما جاء فجأة. ولكن كانت له مقدمات. وإتقاء هذه الفتنة يكون بالبحث عن المقدمات الحقيقية اليقينية لاستنتاج معلومات تصديقية واقعية. فإذا تشابهت الأمور اعتبر آخرها أولها

____________

(1) سورة الأنفال: الآية 25.

(2) رواه ابن جرير (تفسير ابن كثير 299 / 2).

(3) ابن كثير في التفسير 299 / 2.

(4) ابن كثير في التفسير 299 / 2.

الصفحة 267
فحسب البدايات تكون النهايات.

وفي رأينا أن هذا الأسلوب هو الأمثل للكشف عن فتنة ترتدي ثياب القداسة والخشوع وأول باب للبحث لاتقاء هذه الفتنة يجب أن يبدأ من قوله تعالى: (لا تصيبن الذين ظلموا) وليكون السؤال: الذين ظلموا! ظلموا من؟ ثم يتم البحث عن المقياس الذي عليه يظهر الظلم وحجمه وحركة الظالم والمظلوم.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net