متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
رابعا - الوصايا
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

رابعا - الوصايا:

إذا سألنا: بماذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الموت؟

فستكون الإجابة على هذا السؤال غير تامة في جميع الأحوال. ولقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من حق امرئ مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " (2)، ولقد روى فيما بعد أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوا عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسأل لهن ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت المفاجأة عندما أخبرهم أبو بكر رضي الله عنه أن الرسول قال: لا نورث " (3)... فمن هذا يمكن القول أن النبي لم يكتب وصيته ويقول فيها هذا. وعلى أقل تقدير لم يخبر أهل بيته بذلك. فإذا تركنا الوصية فيما يتعلق بميراث أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ونظرنا إلى الوصية بالأمة. نجد روايات تحتاج إلى إيضاحات. وعلى سبيل المثال روى الإمام أحمد عن ابن عباس أن النبي

____________

(1) البخاري شرح السندي (95 / 3).

(2) رواه الترمذي وصححه (الجامع 432 / 4).

(3) سنبين ذلك في حينه.

الصفحة 272
صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاث وقال: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم "، إلى هنا انتهت الوصايا. وأنت كما ترى من الوصايا ثلاث لكن الراوي أخبرنا بإثنين. وعندما جاء الدور على الوصية الثالثة قال الراوي: وسكت سعيد عن الثالثة. فلا أدري أسكت عنها عمدا أو قال مرة أو نسيتها " (1)، وهكذا حرمنا من الوصية الثالثة كما حرمنا من كتابة الصحيفة.

أين الوصية بخلافة راشدة متكفلة بصلاح النفوس والأموال والأحكام والأخلاق والصالح العام. هل يجوز أن يخشى معاوية بن أبي سفيان أن يترك أمة محمد بعده بلا راعي لها ولا يخشى محمد ذلك؟ أيكون سلاطين الإسلام الذين ورثوا الخلافة من والد إلى ولد أحرص على مصلحة الأمة من بني الرحمة؟ إن هذه التساؤلات ليست جديدة. فلقد طرحت من قبل وبعد وفاة الرسول بزمن يسير. روى البخاري: سئل بن أبي أوفى: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى؟ فقال: لا، فقيل: كيف كتب على الناس الوصية أو أمر بالوصية.

قال: أوصى بكتاب الله (2)، وفي رواية الترمذي: فقيل: كيف كتبت الوصية وكيف أمر الناس... " (3)، وقال في تحفة الأحواذي: أي كيف يؤمر المسلمون بشئ ولا يفعله النبي. وبذلك يتم الاعتراض (4).

وبعد هذا التساؤل من الناس جاء التساؤل الأهم روى البخاري عن الأسود قال: ذكروا عن عائشة أن عليا كان وصيا. فقالت: متى أوصى إليه؟ وقد كنت مسندته إلى صدري - أو حجري - فدعا بالطست - وفي رواية: فبال فيها - فلقد أثخنت في حجري فما شعرت أنه قد مات فمتى أوصى؟ (5)، والجدير بالتسجيل

____________

(1) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 224 / 21) وقال في الفتح رواه الشيخان.

(2) رواه البخاري ك الوصايا (الصحيح 125 / 2) ومسلم (الصحيح 74 / 5 ط اسطنبول).

(3) رواه الترمذي وصححه (الجامع 432 / 4).

(4) تحفة الأحواذي (309 / 6).

(5) رواه البخاري ك الوصايا 125 / 2، كتاب المغازي 95 / 3، ابن سعد (الطبقات 261 / 2).

الصفحة 273
هنا أن وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي كانت متداولة أيام الصحابة.

ألم تسمع قولهم في محضر أم المؤمنين: إن عليا كان وصيا.

وعلى أي حال فإن حديث الناس بالوصية لعلي لا خلاف عليه كما في هذا الحديث. وإنما الخلاف في رد أم المؤمنين على الذين قالوا بذلك. فلقد أخبرتهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات على صدرها وإنها آخر الناس عهدا به. وهذا القول تعارضه أحاديث صحيحة أخرى منها ما رواه الإمام أحمد عن أم المؤمنين أم سلمة، قالت: والذي أحلف به إن كان علي بن أبي طالب لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: عدنا رسول الله صلى الله عليه وآله غداة بعد غداة والنبي يقول: جاء علي، جاء علي - وفي رواية قالت فاطمة: كأنه بعثة في حاجة - فجاء علي، قالت أم سلمة:

فظننت أن له إليه حاجة. فخرجنا من البيت فقعدنا وكنت أدناهم إلى الباب فأكب عليه علي (1) فجعل يساره ويناجيه (2)، ثم قبض صلى الله عليه وآله من يومه ذلك. وكان علي أقرب الناس به عهدا " (3).

وروى ابن سعد عن أبي الغطفان قال سألت ابن عباس: يا ابن عباس أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال ابن عباس: توفي وهو لمستند إلى صدر علي بن أبي طالب. قلت: فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله بين سحري ونحري. فقال ابن عباس: أتعقل!! والله لتوفى رسول الله وإنه لمستند إلى صدر علي وهو الذي غسله (4)، وسئل عمر بن الخطاب: ما كان ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: سل عليا، فقيل له: من غسله؟ قال: سل

____________

(1) أي مال برأسه عليه.

(2) أي يحدثه سرا.

(3) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير أم موسى وهي ثقة (الزوائد 112 / 9)، ورواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي (المستدرك 139 / 3)، وأورده ابن كثير في البداية 360 / 7.

(4) ابن سعد (الطبقات 263 / 2).

الصفحة 274
عليا (1)، وعن حذيفة بن اليمان قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه فرأيته يستند إلى علي بن أبي طالب. فأردت أن أنحيه وأجلس مكانه فقلت: يا أبا الحسن ما أراك إلا تعبت في ليلتك هذه فلو تنحيت فأعنتك. فقال النبي صلى الله عليه وآله: دعه فهو أحق بمكانه منك " (2).

وكما ذكرنا لقد تحدث الناس في عصر الصحابة عن وصية النبي لعلي.

ولكن الوصايا وصلت إلينا مبتورة. وصحيح أن أم المؤمنين عائشة ذكرت أن النبي لم يوصي لعلي. وصحيح أيضا أن عليا كان آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله. وفي الحديث أنه مال برأسه على النبي وأن النبي حدثه سرا. وفي الحديث الصحيح. أن عليا قال: إن مما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله أن الأمة ستغدر بك بعدي " (3).

ورحل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، رحل النبي الأمي العربي القرشي الهاشمي المكي المدني ونشهد أنه أدى الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله حتى آتاه اليقين فجزاه الله خير الجزاء ونسأله سبحانه أن يحشرنا تحت لوائه يوم القيامة والمؤمنين أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

____________

(1) ابن سعد (الطبقات 263 / 2).

(2) رواه ابن عساكر (كنز العمال 228 / 16.

(3) رواه البيهقي بسند صحيح (كنز العمال 297 / 11) ابن كثير في البداية (218 / 6).

الصفحة 275


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net