متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
4 - نهاية الطريق
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

4 - نهاية الطريق:

أن بداية النهاية من هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم يزل

____________

(1) الخطط / المقريزي 88 / 1.

(2) عمر والخراج ص 42، 158.

(3) رواه أحمد وفيه شفيق بن حبان ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن حجر حسن الإسناد (الفتح الرباني 25 / 23).

(4) رواه البخاري (الصحيح 1136) ومسلم (الصحيح 49 / 13).

الصفحة 383
أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم المولدون وأبناء سبايا الأمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا " (1). ولقد علمت متى دخلت السبايا ومتى قالوا بالرأي. وأول نقص دخل كان من باب التخاذل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا إتق الله ودع ما تصنع فإنه لا عمل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض.

ثم تلى رسول الله قوله تعالى: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم)، إلى قوله: (فاسقون) ثم قال: " كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهن من المنكر، ولتأخذون على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا (2) ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم " (3).

فهذا أول النقص. فإذا لم يدفع منذ البداية. فلا جدوى من فعل أي شئ بعد ذلك لأن الشبل أصبح أسدا. قالوا: يا رسول الله متى ندع الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: " إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، إذا كانت الفاحشة في كباركم والملك في صغاركم والعلم في رذالكم " (4). لهذا قال النبي في روايات كثيرة وهو يتحدث عن أمراء السوء " لا أن الناس اعتزلوهم " فهذا الدواء خاص بالداء في أول الطريق. أما استفحال الداء بعد ذلك فله فقه آخر.

ومما لا شك فيه أن الفتوحات قذفت على الأمة بالسبايا وبالرأي وبأمراض أول الطريق التي لم يشعر بها أكثر الناس نظرا للبريق الذي حولها وحولهم.

____________

(1) رواه الطبراني في الكبير (كنز العمال 181 / 11).

(2) أي لترد به إلى الحق.

(3) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجال رجال الصحيح (الزوائد 269 / 7).

(4) رواه أحمد وابن ماجة وقال البوصيري في الزوائد ابن ماجة إسناده صحيح ورجاله ثقات (الفتح الرباني 177 / 19)، وقال في فتح الباري أخرجه ابن أبي خيثمة (فتح الباري 301 / 13).

الصفحة 384
فالفتوحات أيقظت غريزة العرب الجاهلية من الغرور والنخوة، بعدما كانت في سكن بالتربية النبوية. فكانت تتسرب فيهم روح الأمم المستعلية وتتمكن منهم رويدا. ويشهد بذلك شيوع تقسيم الأمة المسلمة يومئذ إلى العرب والموالي، وسيرة معاوية وهو والي الشام يومذاك بين المسلمين بسيرة ملوكية قيصرية، حتى قال عمر بن الخطاب: أتذكرون كسرى وعندكم معاوية، وأمور أخرى كثيرة ذكرها التاريخ. وتحت ظل الفتوحات راج الحديث رواجا بينا في عصر معاوية، وكان عدد من أهل الكتاب قد دخلوا في الإسلام، وأخذ عنهم المحدثون شيئا كثيرا من أخبار كتبهم وقصص أنبيائهم وأممهم فخلطوها بما كان عندهم من الأحاديث المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ الوضع والدس يدوران في الأحاديث. وتحت ظل الفتوحات اتسع نطاق المباحث الكلامية، لأن الفتوحات الواسعة أفضت بالطبع إلى اختلاط المسلمين بغيرهم من الأمم وأرباب الملل والنحل وفيهم العلماء والأحبار والأساقفة والبطاركة الباحثون في الأديان والمذاهب، فارتفع منار الكلام في عهد عمر، ثم اتسع في عهد عثمان وعلى امتداد حكم بني أمية. وتحت ظل الفتوحات نقلت علوم الأوائل من المنطق والرياضيات والطبيعيات والإلهيات والطب والحكمة العملية إلى العربية، نقل شطر منها في عهد الأمويين، ثم أكمل في أوائل عهد العباسيين. فقد ترجموا مئات الكتب من اليونانية والرومية والهندية والفارسية والسريانية إلى العربية، وأقبل الناس يتدارسون مختلف العلوم، ولم يلبثوا كثيرا حتى استقلوا بالنظر وصنفوا فيها كتبا ووسائل. وفي ظل الفتوحات ظهرت قوافل التصوف التي ترفض ما وصل إليه الحال. ثم ظهرت قوافل أخرى يتكلمون بأمور تناقض الدين وحكم العقل، وغير ذلك كثير. وما كان هذا ليحدث لو طاب أعلى الوعاء، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء، إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله " (1).

ولقد سقطت السياسة المالية يوم اتخذ الفيئ دولا، ففي حديث النبي

____________

(1) رواه الرامهرمزي في الأمثال.

الصفحة 385
صلى الله عليه وسلم قال: " إذا اتخذ الفئ دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير دين الله... فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع ". وفي رواية: " إذا فعلت أمتي خمس عشر خصلة حل بها البلاء "، منها: " إذا كان المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما " (1). إن النظام الاقتصادي في المقدمة، فإذا انحرف ظهر أمراء السوء وفقهاء السوء وعادت نخوة الجاهلية، وراجت الأحاديث التي يكذبون فيها على رسول الله، ودخلت المباحث الكلامية عالم البريق والزخرف. وروي الشعر وراج القصص وكل هذا من أجل المال الذي في بيت المال ويغترف منه الأمراء والأجناد. وعالم مثل هذا لا بد أن تجرى عليه الزلزلة فتتباعد أركانه، أو تنهدم ويجري عليه الخسف فيتوارى تحت التراب وتخسف هامته.

ومن الثابت أن الدولة الواسعة الأطراف لم تستطع البقاء تحت حكم إدارة مركزية واحدة، فكما توسعت بسرعة نراها تجزأت بسرعة أيضا، وأول من قام بتجزئتها أحد أفراد أسرة الأمويين في إسبانيا وهو عبد الرحمن الداخل، حيث أسس دولة مستقلة سنة 139 ه‍، ورفع يد الحاكم العباسي عن ذلك الجزء من الدولة الإسلامية. ثم انفصل الأدارسة وأسسوا الدولة العلوية في مراكش. ثم انفصل الأغالبة واستولوا على بقية مناطق إفريقيا سنة 184 ه‍، وأسسوا دولة الأغالبة، وبعد قرن أي في سنة 246 ه‍ ظهر ابن طولون في مصر ففصلها عن الدولة الإسلامية. أما في المشرق فتم تأسيس الدولة الطاهرية بخراسان (204 ه‍)، ثم ظهرت دويلات صغيرة بعد ذلك في شرق إيران كالصفاريين والسامانيين والغزنوبيين. وفي منتصف القرن الرابع الهجري سيطر على جهاز الدولة العباسية القواد والأمراء والحجاب والمماليك والأتراك. وخلال هذه الفترة قامت الدولة البويهية في الجزء المتبقى لهم في إيران. ثم انقرضت الدولة العباسية على يد المغول سنة 656 ه‍.

ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه النهايات قال: " منعت

____________

(1) رواه الترمذي على أبو هريرة وعن علي (الجامع 494، 495 / 4).

الصفحة 386
العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر أرد بها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم " (1). قال النووي: القفيز مكيال معروف لأهل العراق، والمدى مكيال معروف لأهل الشام، والأردب مكيال معروف لأهل مصر، والأشهر في معنى الحديث: إن العجم والروم يستولون على البلاد فيمنعون حصول ذلك للمسلمين، وقد روى مسلم عن جابر قال: يوشك أن لا يجئ إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك. وذكر في منع الروم ذلك بالشام مثله (2). لقد ذهب الخراج الذي فتح له بيت المال أبوابه، لأن فيه الأمن والأمان لحدود الدولة. ولم يأت الخراج بالأمن لأن السبي أصبح لهم موطئ قدم في الدولة، وتجول نصارى الحيرة وبني تغلب في الطرقات.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن يملأ الأرض عز وجل أيديكم من العجم ثم يكونون أسدا لا يفرون فيقتلون مقاتلتكم ويأكلون فيأكم " (3)، وعلى موائد الفئ لا ترى العجم وحدهم وإنما ترى كل وجوه الأمم. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قيل: يا رسول الله فمن قلة بما يومئذ؟

قال: لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا وكراهتكم الموت (4).

غثاء السيل: أي كالذي يحمله السيل من زبد ووسخ (5)

____________

(1) رواه مسلم كتاب الفتن (الصحيح 20 / 18) وأحمد (الفتح الرباني 37 / 24) وأبو داود حديث 3035.

(2) النووي شرح مسلم (20 / 18).

(3) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الفتح الرباني 55 / 24)، ورواه البزار والحاكم (كنز 188 / 11).

(4) رواه أحمد وقال الهيثمي إسناده جيد (الزوائد 287 / 7) وقال في الفتح الرباني رواه أبو داود والبخاري في تاريخه (الفتح 32 / 24).

(5) عون المعبود 405 / 11.

الصفحة 387


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net