متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - رياح بني أمية
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - رياح بني أمية:

كانت أشرف خصال قريش في الجاهلية: اللواء والندوة والسقاية والرفادة وزمزم والحجابة، وهذه الخصال مقسومة في الجاهلية إلى: بني هاشم وعبد الدار وعبد العزى دون بني عبد شمس. على أن معظم ذلك صار في الإسلام إلى بني هاشم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة صار مفتاح الكعبة بيده، فدفعه إلى عثمان بن طلحة، فالشرف راجع إلى من ملك المفتاح لا إلى من دفع إليه (1). وكان بنو عبد شمس في الجاهلية من ألد أعداء بني هاشم، وازداد هذا العداء حدة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قاد أبو سفيان ابن حرب بن أمية بن عبد شمس الحرب ضد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وسلم. وهذه الحرب لها جذور قديمة لم يقض عليها الإسلام فضلا على أسباب تتعلق بالإسلام ودعوته، ولهذا يمكن أن نفهم وصية أبي سفيان وهو يأمر معاوية بأن يطيع عمر فيقول له: فلا تخالفهم فإنك تجري إلى أمد فنافس فإن بلغته أورثته عقبك (2). وقوله في عهد عثمان كما جاء في مروج الذهب: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة. ثم وقوفه على قبر حمزة وقوله: يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتدلنا عليه أمس صار في يد غلماننا اليوم يتلعبون به (3). وذلك بعد أن تجول أمراء بني أمية في الأمصار وراء الخراج. فأبو سفيان لم يكن يريد لعقة وإنما كان يريد الاستمرارية على مدى الأيام والدهور، وهذا من الكبر وبطر الحق ويظهر شدة الخصومة، ولذا نجد

____________

(1) ابن أبي الحديد 611 / 4.

(2) البداية والنهاية 818 / 8.

(3) ابن أبي الحديد 4 / 51، الإمتاع والمؤانسة 75 / 2.

الصفحة 403
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم " (1). وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى بني أمية على منبره فساءه ذلك " (2). وقال صلى الله عليه وسلم: " ويل لنبي أمية " ثلاث مرات (3)، ومعنى أن يكون عثمان بن عفان على رأس الخلافة، أن الطريق أمام بني أمية أصبح ممهدا بصورة من الصور. فبني أمية هدفهم الحكم وهم في سبيله يركبون الصعب، ولو كان الملك من وراء الجبال ليثبوا عليه حتى يصلوا كما روي عن الإمام علي (4). فإذا كان كرسي الخلافة لا ينجو منهم إذا كان من وراء الجبال فكيف به إذا كان أمامهم والجالس عليه من وسطهم.

ونحن نقول إن عثمان باب لهم لأنه من نسيجهم، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما أعطى سهم ذي القربى ترك بني نوفل وبني عبد شمس، ولم يعط عثمان على الرغم من أن عثمان كان في موقف السائل، روى البخاري وأبو داود عن جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس، فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم. فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شئ واحد، وشبك بين أصابعه (5).

فالطريق الفطري واضح في الجاهلية والإسلام. وليست المسألة مسألة قرابة، فالنبي عندما أعطى أعطى على النصرة، وبنو عبد شمس يلتقون في

____________

(1) رواه الحاكم وأبو نعيم (كنز العمال 169 / 11).

(2) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 444 / 5).

(3) رواه ابن منده وأبو نعيم عن حمران عن جابر، وابن قانع عن سالم الحضرمي (كنز 165 / 11).

(4) رواه ابن عساكر (364 / 11 كنز).

(5) رواه البخاري (الصحيح 196 / 2) وأبو داود حديث 2980 واللفظ له.


الصفحة 404
قرابتهم مع بني هاشم في عبد مناف، ولكن ما قيمة قرابة لا نصرة فيها لفطرة أو لدعوة، وكما قال ابن قدامة: إن بني المطلب شاركوا بني هاشم بالنصرة والقرابة (1).

ومن الدليل على أن خلافة عثمان كانت بابا لبني أمية، أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل مدة حكم عثمان في المدة الإجمالية لبني أمية وهي ألف شهر. روي عن الحسن قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت (إنا أعطيناك الكوثر) نهر في الجنة ونزلت: (إنا أنزلناه في ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) تملكها بنو أمية، فحسبنا ذلك فإذا هو لا يزيد ولا ينقص (2).

وهذا الحديث رواه الحاكم وقال هذا إسناد صحيح، وقال الذهبي: وروي عن يوسف بن نوح بن قيس أيضا، وما علمت أن أحدا تكلم فيه والقاسم وثقوه رواه عنه أبو داوود والتبوكي (3). وقال في الدر المنثور أخرجه الخطيب عن ابن المسيب وروي أيضا مثله عن الخطيب في تاريخه عن ابن عباس. وأيضا ما في معناه عن الترمذي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن الحسن بن علي. وقال ابن كثير في البداية والنهاية رواه الترمذي عن القاسم بن الفضل وقد وثقه يحيى بن سعيد وغيره ورواه ابن جرير والحاكم والبيهقي (4). ورغم أن الحديث صحيح إلا أن منهم من لم يقبله قلبه. فترتب على ذلك مشكلة حتى أن الذهبي قال: وما أدري آفته من أين (5)، ولقد حاول ابن كثير في التفسير أن يظهر نقطة ضعف واحدة فلم يجد واكتفى بالقول إن الحديث منكر، وظهرت حيرة ابن كثير في البداية والنهاية بعد أن أنكر الحديث في تفسيره، فقال: سألت

____________

(1) المغني 657 / 2.

(2) الحاكم (المستدرك 171 / 3).

(3) المستدرك (171 / 3).

(4) البداية والنهاية (243 / 6).

(5) المستدرك (171 / 3).

الصفحة 405
شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي عن هذا الحديث، فماذا قال الحافظ لابن كثير؟

إن ما قاله كان هو حجر الزاوية الذي عليه أنكروا حديث صحيح. قال الحافظ:

إن القول بأنه حسب دولة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص فهو غريب جدا. وذلك لأنه لا يمكن إدخال دولة عثمان في هذه المدة، وذلك أنها ممدوحة ولأنه أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه يعدلون، وهذا الحديث إنما سبق لذم دولتهم (1).

وتحديد المدة بدقة هو من شأن علماء التواريخ والسير الأقدمين في بداية العصر العباسي. وما بين أيدينا اليوم من تواريخ يؤيد ما ذهب إليه الحديث ولا يستثني دولة عثمان. وفي محاولة قديمة أسقط من المدة أيام ابن الزبير فقارب من قام بهذه الصحة في الحساب. وعلى أي حال فإن التاريخ خير شاهد، فعثمان أقام خيمة وهذه الخيمة دخلها معاوية فلم يشعر فيها بغربة، وبعد أن جعلها معاوية وراثة انطلق الورثة من داخل الخيمة وقتلوا الأنصار والحسين والذين يأمرون بالقسط من الناس، وكل ذلك تحت هتاف واحد يقول: " يوم بيوم قتل عثمان "، وساروا وراء الخراج وجلسوا أمام بيوت المال ومعهم أختام ليست غريبة عن عهد عثمان.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net