متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
6 - البطانة السوء
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

6 - البطانة السوء:

جاءت سياسة التسيير بمزيد من الصعوبات أمام دولة عثمان فبعد أن انقضى عام 33 ه‍ - 34 ه‍ بدأت الأمصار تضج من ظلم الولاة، فمصر تحت قيادة عبد الله بن أبي السرح أخو عثمان من الرضاعة. وكان عبد الله يكتب الوحي للنبي، ثم ارتد مشركا، ويوم فتح مكة أمر النبي بقتله، ولو وجد تحت أستار الكعبة، ولكن عبد الله اختفى عند عثمان. وبعد أن هدأت الأمور في مكة جاء به عثمان ليستأمن له، ولكن النبي صمت طويلا، ثم قال: نعم. فلما انصرف عثمان قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن حوله: ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل: فهلا أومأت إلي يا رسول الله، فقال: إن النبي لا

____________

(1) الطبري 90 / 5.

(2) الطبري 90 / 5.


الصفحة 421
ينبغي أن تكون له خائنة الأعين (1). وفي عهد عمر بن الخطاب ولاه عمر على صعيد مصر وفي عهد عثمان ضمت إليه مصر كلها بعد أن عزل عمرو بن العاص عنها. وأمره عثمان أن يغزو بلاد إفريقيا، فإن فتحها فله خمس الخمس من الغنيمة، فسار إليها في عشرة آلاف فافتتحها وقتل خلقا كثيرا من أهلها (2).

وعلى الرغم من أن خمس الخمس قد دخل جيبه إلا أنه فرض الضرائب على مصر حتى اشتكى أهلها. أما في الكوفة فقد اجتمع الناس وتذاكروا أعمال عثمان وما صنع، واجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلا يكلمه، فأرسلوا إليه عامر بن قيس. فلما دخل عليه قال: إن ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما، فاتق الله عز وجل وتب إليه. فقال عثمان: أنظر إلى هذا!! تكلمني في المحقرات، فوالله ما تدري أين الله. فقال عامر: بلى والله إني لأدري إن الله بالمرصاد لك (3). وعقب هذا اللقاء أرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان وإلي عبد الله بن أبي السرح وإلى سعيد بن العباس وإلى عمرو بن العاص وإلى عبد الله بن عامر، فجمعهم ليشاورهم. فلما اجتمعوا عنده قال لهم: إن لكل امرئ وزراء ونصحاء، وإنكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إلي أن أعزل عمالي، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون، فاجتهدوا رأيكم وأشيروا علي (4).

فماذا قال الذين تطالب الشعوب بعزلهم؟ قال عبد الله بن عامر: رأيي لك أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك، فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه... (5). فهذا الرأي جعل الجهاد سقفا له، وفي الميدان إما بقتل. وإما التصفية الجسدية، وأما الابقاء في ثغور العدو، أو

____________

(1) راجع أبو داود حديث 2666، أسد الغابة 259 / 3، البداية والنهاية 152 / 7، الإصابة 317 / 2، الإستيعاب 376 / 2.

(2) البداية والنهاية 152 / 7.

(3) الطبري 94 / 5، مروج الذهب 372 / 2.

(4) الطبري 94 / 5، مروج الذهب 372 / 2.

(5) الطبري 94 / 5، مروج الذهب 372 / 2.

الصفحة 422
الحبس في أرض العدو. وهذه أمور نهى عنها الشرع (1). أما سعيد بن العاص فقال: إن لكل قوم قادة متى تهلك يتفرقوا ولا يجتمع لهم أمر. فقال عثمان: إن هذا الرأي! لولا ما فيه (2)! أما معاوية فقال: الرأي أن تأمر أمراء أجنادك فيكفيك كل رجل منهم ما قبله وأكفيك أنا أهل الشام (3). لقد أراد معاوية أن تجري في الأمصار بحور الدماء، ولم لا وهم في أيديهم المال والسلاح والجند.

أما عبد الله ابن أبي السرح فقال: إن الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم (4). وهذا الرأي يعني التلويح بالرغيف والزخرف لشراء الدين والنفوس. أما عمرو بن العاص فقال: إنك قد ركبت الناس بما يكرهون، فاعتزم أن تعتدل، فإن أبيت فاعتزم أن تعتزل، فإن أبيت فاعتزم عزما وامضي قدما. فقال عثمان: ما لك قمل فروك. أهذا الجد منك. فسكت عمرو. وعندما تفرق القوم قال: يا أمير المؤمنين قد علمت أنه سيبلغ الناس قول كل رجل منا، فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيرا أو أدفع عنك شرا (5).

إن هذا الاجتماع الذي رواه غير واحد من أصحاب التاريخ. هو المقدمة الأولى التي قامت على عثمان فقرارات غرفة المشورة هذه أشعلت النيران لحسابها الخاص، وذلك بعد أن تمكن المال من نفوسهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يتخذوا الأمانة مغنما والزكاة مغرما " (6). فأصحاب المشورة الذين شاورهم عثمان هم المقدمة الأولى لقيادة فاسدة الفطرة، لأن المال والجاه والترف هو رأس الزاوية لتحركاتهم. وروي أن عثمان بعد هذا الاجتماع قرر أن يضيق الأمراء على من قبلهم، وأن يجمروا الناس في البعوث، وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا

____________

(1) لسان العرب مادة حجر.

(2) الطبري 94، 95 / 5، مروج الذهب 372 / 2.

(3) الطبري 94، 95 / 5، مروج الذهب 372 / 2.

(4) الطبري 94، 95 / 5، مروج الذهب 372 / 2.

(5) الطبري 94، 95 / 5، مروج الذهب 372 / 2.

(6) رواه الضياء (كنز العمال 62 / 3).

الصفحة 423
إليه (1). ولم يمض عام 34 ه‍ حتى كتب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهم إلى بعض: أن اقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد، وكثر الناس على عثمان ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد (2). وأمام هذه التحولات خطب عثمان في الناس: فقد والله عبتم علي بما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه، فدنتم له ما أحببتم أو كرهتم، ولنت لكم وأوطأت لكم كتفي ولقفت يدي ولساني عنكم فاجترأتم علي، أما والله لأنا أعز نفرا وأقرب ناصرا وأكثر عددا وأمن إن قلت هلم أتى إلي، ولقد أعددت لكم أقرانكم وأفضلت عليكم فضولا وكشرت لكم عن نابي، فكفوا عليكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم، فإني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا إلا فما تفقدون من حقكم والله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي، ومن لم تكونوا تختلفون عليه (3).

فأمام الزحف الساخط على الأمراء، كشر عثمان عن نابه وأمر بالكف عن الطعن على الولاة، وأخبر أن عمر بن الخطاب كان يطؤهم برجله ويضربهم بيده ويقرعهم بلسانه، وعثمان لا يختلف عن عمر لأن عثمان يمسك بذيل عمر في كيفية تولية الأمراء وتوزيع المال. وإذا كانت الثورة قد جاءت لأن عثمان قد لان لهم وكف يده عنهم، فلا، لأنه أعز نفرا وأقرب ناصرا وأكثر عددا. فهذا مجمل خطاب عثمان أثناء العاصفة. وترتب على ذلك أن أهل الكوفة خرجوا على أميرهم سعيد بن العاص بالسلاح وردوه إلى عثمان وقالوا: لا والله لا يلي علينا حكما ما حملنا سيوفنا (4). ولم تجدي أنياب الدولة أمام هذا الموقف شيئا، وبعث عثمان بأبي موسى أميرا عليهم فأقروه (5).

____________

(1) الطبري 95 / 5.

(2) الطبري 96 / 5.

(3) الطبري 97 / 5، البداية والنهاية 169 / 7.

(4) الطبري 95، 96 / 5.

(5) الطبري 95، 96 / 5.

الصفحة 424


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net