متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
6 - وغاب القمر
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

6 - وغاب القمر:

روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي: ألا أحدثك بأشقى الناس.

رجلين: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه (يعني رأسه) حتى تبتل منه هذه (يعني لحيته) (4)، وقال له: " إن الأمة ستغدر بك

____________

(1) ابن أبي الحديد 436 / 3.

(2) الدولابي في الكنى والأسماء، ابن أبي شيبة (كنز العمال 780 / 5).

(3) ابن أبي الحديد 437 / 3.

(4) رواه أحمد وقال الهيثمي رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات (الزوائد 136 / 9)، والحاكم والبيهقي بسند صحيح (المستدرك 141 / 3)، (كنز 136 / 13) (البداية والنهاية 218 / 6).

الصفحة 150
بعدي، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي. من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا (يعني لحيته من رأسه) (1). وروي أن أنسا قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم على علي وهو مريض.

وعنده أبو بكر وعمر. فقال أحدهما لصاحبه: ما أراه إلا هالكا. فقال النبي: إنه لن يموت إلا مقتولا. ولن يموت حتى يملأ غيظا (2).

وروي أن أبا فضالة الأنصاري خرج ليعود علي في مرض أصابه، وأثناء حديثه مع علي قال علي: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا أموت حتى تخضب هذه من هذه (يعني لحيته من هامته) (3). وعن أبي سنان أنه عاد عليا في شكوى اشتكاها، فقال لعلي: لقد تخوفنا عليك في شكواك هذه. فقال: ما تخوفت على نفسي، عهد إلي أن لا أموت حتى تخضب هذه من هذه (4). وروي أن رجلا من الخوارج يقال له الجعد بن بعجة قال لعلي: اتق الله يا علي فإنك ميت، فقال: بل مقتول، ضربة على هذا تخضب هذه. عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى (5)، وروي أن عليا كان يعرف قاتله وذلك لأن النبي وصفه له وسماه واسم أبيه، وعندما جاء ابن ملجم مع الناس ليبايع عليا قال علي:

أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك (6) من خليلك من مرادي (7)

____________

(1) رواه أحمد وصححه (المستدرك 142 / 3) والدارقطني والخطيب (كنز العمال 617 / 11).

(2) قال السيوطي في الخصائص الكبرى رواه الحاكم (الخصائص 210 / 2).

(3) قال ابن كثير رواه الطبراني (البداية والنهاية 218 / 6).

(4) رواه الطبراني وقال الهيثمي إسناده حسن (الزوائد 137 / 9) والحاكم وصححه (113 / 3).

(5) رواه أحمد (الفتح الرباني 163 / 23) والطبراني والبغوي والضياء بسند صحيح (كنز العمال 297 / 11) والحاكم (المستدرك 143 / 3)، وقال ابن كثير رواه الطيالسي (البداية 218 / 6).

(6) أي هات من يعتذر منك.

(7) رواه ابن سعد ووكيع (كنز العمال 191 / 13).

الصفحة 151
وكان يقول هذا كلما رآه، وروي أنه لما دخل شهر رمضان، كان يفطر عند الحسن ليلة وعند الحسين ليلة، وليلة عند عبد الله بن جعفر، ولا يزيد على اللقمتين أو ثلاث. فقيل له في ذلك فقال: إنما هي ليال قلائل، يأتي أمر الله وأنا خميص (1). وفي اليوم الذي قتل فيه جاءه ابن النباح حين طلع الفجر يؤذنه بالصلاة، فقام يمشي وهو يقول:

أشدد حيازيمك للموت * فإن الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت * إذا حل بواديكا (2)

وقال: والله ما كذبت وكذبت، وإنها الليلة التي وعدت فيها (3). وعندما خرج، أقبل الوز والبط يصحن في وجهه، فطردوهن عنه فقال: ذروهن فإنهن نوائح (4)، وكان ابن ملجم قد أتى الأشعث بن قيس في هذه الليلة، فخلا به في بعض نواحي المسجد، ومر بهما حجر بن عدي، فسمع الأشعث يقول لابن ملجم: النجاء النجاء بحاجتك فقد فضحك الصبح. فقال حجر: قتلته يا أعور، وخرج مبادرا إلى علي ليخبره (5)، وقال أبو الفرج: وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين أخبار يطول شرحها (6). ولم يلتق حجر بن عدي بعلي، وسبقه ابن ملجم فضربه، فأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين (7). وعن أبي عبد الله بن محمد الأزدي قال: إني لأصلي تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر، كانوا يصلون في ذلك الشهر من أول الليل إلى آخره. إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة. قياما وقعودا وركوعا وسجودا ما يسأمون إذ يخرج عليهم علي بن أبي طالب الفجر. فأقبل

____________

(1) رواه ابن عساكر والعسكري (كنز 190 / 395 / 13).

(2) رواه ابن عساكر (كنز العمال 196 / 13) وابن أبي الحديد 339 / 2.

(3) مروج الذهب 459 / 2.

(4) ابن كثير (البداية 14 / 8)، (مروج الذهب 459 / 2، ابن عساكر 195 / 13.

(5) ابن أبي الحديد 340 / 2، مقاتل الطالبين.

(6) مقاتل الطالبين، ابن أبي الحديد 340 / 2.

(7) مقاتل الطالبين، ابن أبي الحديد 340 / 2.

الصفحة 152
ينادي: الصلاة الصلاة، فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول: الحكم لله يا علي لا لك. ثم رأيت بريف سيف آخر وسمعت علي عليه السلام يقول: لا يفوتنكم الرجل (1).

قال أبو الفرج: فأما بريق السيف الأول، فإنه كان شبيب بن بحير ضربه فأخطأه، ووقعت ضربته في الطاق، وأما بريق السيف الثاني، فإنه ابن ملجم ضربه فأثبت الضربة في وسط الرأس، وشد الناس عليهما من كل ناحية حتى أخذوهما (2)، وانصرف الناس من صلاة الصبح، فأحدقوا بابن ملجم ينهشون لحمه بأسنانهم ويقولون: يا عدو الله ماذا صنعت؟ أهلكت أمة محمد وقتلت خير الناس. وأنه لصامت لا ينطق (3).

وأمر أمير المؤمنين علي إذا مات من الضربة أن يفعلوا بقاتله كما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل برجل أراد قتله. وهو أن يقتل ويحرق بالنار (4). وطريقة القصاص من قاتله تدل أيضا على منزلة أمير المؤمنين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وروي أن الناس أخذوا ابن ملجم وأدرجوه في بواري ثم طلوها بالنفط وأشعلوا فيها النيران فاحترق (5).

ورحل الإمام علي عليه السلام من الدنيا. وروي أنه قال: إن خليلي صلى الله عليه وآله وسلم حدثني أن أضرب لسبع عشر قضى من رمضان، وهي الليلة التي مات فيها موسى عليه السلام، وأموت لاثنين وعشرين من رمضان، وهي الليلة التي رفع فيها عيسى عليه السلام (6). وبعد أن صعدت روح الإمام

____________

(1) رواه الطبراني (الزوائد 141 / 9)، الطبري 84 / 6، ابن أبي الحديد 340 / 2.

(2) مقاتل الطالبين، ابن أبي الحديد 340 / 2.

(3) مقاتل الطالبين، ابن أبي الحديد 341 / 2.

(4) رواه أحمد ورجاله ثقات (الفتح الرباني 163 / 23)، (الزوائد 142 / 9) والحاكم (المستدرك 144 / 3).

(5) مروج الذهب 461 / 2.

(6) كنز العمال 697 / 13. وهذا الحديث اعترض عليه ابن الجوزي. وكم رد ابن الجوزي أحاديث صحيحة. ولقد تصدى له السيوطي وبين أنه لم يصب الحق في الكثير من =

الصفحة 153
إلى بارئها وقف الحسن بن علي في الناس خطيبا ثم قال: " أيها الناس. لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يفتح الله له، وزاد في رواية - وما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطاء، كان يرصدها لخادم لأهله، ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه (1).

وروى الطبري: لما إنتهى إلى عائشة قتل علي بن أبي طالب قالت:

فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم قالت: من قتله؟ فقيل: رجل من مراد. قالت:

فإن يك بك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب ابنة أبي سلمة: العلي تقولين هذا؟ فقالت: إني أنسى فإذا نسيت فذكروني (2)، وكانوا قد قالوا لعائشة أيام صفين: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلافة؟ فقالت: وما تعجب من ذلك؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر (3).

وبعد مقتل الإمام أنشد الخارجي عمران بن حطان (4) شعرا يمدح فيه قاتل عليا فقال:

يا ضربة من تقي ما أراد بها * ألا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا (5)

____________

= اعتراضاته. والحديث رواه أبو يعلى وابن جرير وابن عساكر (كنز 693 / 13).

(1) رواه أحمد بسند صحيح (الفتح الرباني 164 / 23) وابن أبي شيبة وأبو نعيم وابن عساكر وابن جرير (كنز العمال 193 / 13)، مروج الذهب 461 / 2.

(2) الطبري 67 / 6.

(3) البداية والنهاية 131 / 8.

(4) قال في الإصابة: كان من رؤوس الخوارج.

(5) مروج الذهب 462 / 2، البداية والنهاية 329 / 7.

الصفحة 154
وعمران بن حطان هذا له رواية في صحيح البخاري، الذي قيل فيه أنه أصح كتاب بعد كتاب الله، وممن عاب على البخاري إخراجه حديث عمران بن حطان الدارقطني فقال: عمران متروك لسوء اعتقاده وسوء مذهبه (1). وأخرج أبو داوود أيضا حديث عمران عن عائشة. وقال: إن الخوارج أصح أهل الأهواء حديثا (2). والخوارج هم الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم:

" يمرقون من الدين " (3)، أي أن أهواءهم خارج نطاق الدين. وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا بأنهم " لن يعودوا إلى الدين " (4). وبين أنهم " لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال " (5). فالطريق واضح فكيف يكونوا أصح أهل الأهواء حديثا وهم الذين أرادوا هدم الدين من رأس؟ يقول شاعرهم ابن مياس المرادي في قتل علي:

ونحن خلعنا ملكه من نظامه * بضربة سيف إذ علا وتجبرا
ونحن كرام في الصباح أعزة * إذا الموت بالموت ارتدي وتأذرا

وقال أيضا:

فلا مهر أغلى من علي وإن غلا * ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم (6)

ولقد رد القاضي أبو الطيب على شعر عمران بن حطان فقال:

إني لأبرأ مما أنت قائله * عن ابن ملجم الملعون بهتانا
يا ضربة من شقي ما أراد بها * ألا ليهدم للإسلام أركانا
إني لأذكره يوما فألعنه * دنيا وألعن عمران ابن حطانا

____________

(1) الإصابة / ابن حجر 180 / 3.

(2) الإصابة 119 / 3.

(3) رواه أحمد (البداية والنهاية 292 / 3).

(4) رواه أحمد (البداية والنهاية 297 / 7).

(5) رواه أحمد ورجاله ثقات (الزوائد 229 / 6).

(6) الطبري 87 / 6، البداية والنهاية 329 / 7.

الصفحة 155
وقال:

أنتما من كلاب النار جاء به * نص الشريعة برهانا وتبيانا (1)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net