متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - مقتل حجر بن عدي
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - مقتل حجر بن عدي:

قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه جل وعلا:

" سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء " (4). وروي عن الإمام علي أنه قال: " يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود " (5). وحجر بن عدي هو الذي قام بفتح عذراء، قال: إني لأول فارس من المسلمين هلل في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها (6).

فمن الذي قتل في عذراء؟ الإجابة: إنه حجر بن عدي. فماذا قتل؟

____________

(1) الطبري 132 / 6.

(2) الطبري 132 / 6.

(3) الطبري 132 / 6.

(4) ابن عساكر ويعقوب بن سفيان (كنز العمال 126 / 1) ابن كثير (البداية 55 / 8).

(5) البداية والنهاية 55 / 8.

(6) الكامل 241 / 3، أسد الغابة 412 / 1، الطبري 154 / 6.

الصفحة 221
الإجابة: قتل في مولاه علي بن أبي طالب! (1).

يقول ابن كثير: كان المغيرة بن شعبة على الكوفة إذا ذكر عليا في خطبته يتنقصه بعد مدح عثمان، فيغضب حجر... فلما توفي المغيرة وجمع معاوية لزياد الكوفة مع البصرة، فعل ما كان يفعله المغيرة، فكان حجر يغضب كغضبه أيام المغيرة (2). وروي أن زياد خطب يوما في الجمعة، فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقال له حجر: الصلاة، فمضى زياد في خطبته، وكما ذكرنا من قبل أن بني أمية كانوا يتعاملون مع الصلاة بطريقة خاصة بهم. وعند ما مضى زياد في الخطبة، خشى حجر فوات الصلاة فضرب بيده إلى الحصا. وثار إلى الصلاة وثار الناس معه (3). فلما رأى زياد. نزل وصلى بالناس. ثم كتب إلى معاوية في أمر حجر. فكتب إليه معاوية: أن شده في الحديد واحمله إلي (4). وتم القبض على حجر، وأحضر الشهود الذين يشهدون عليه أنه سب الخليفة، وحارب الأمير، وأنه قال: إن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل علي بن أبي طالب (5).

وروي أنه لما أخذ في قيوده سائرا إلى الشام، تلقته بناته في الطريق وهن يبكين، فمال نحوهن وقال: اسكتن، فسكتن، فقال: اتقين الله عز وجل واصبرن، فإني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين، إما الشهادة وهي السعادة، وإما الانصراف إليكن في عاقبة. وإن الذي كان يرزقكن ويكفيني مؤونتكن هو الله تعالى، وهو حي لا يموت، أرجو أن لا يضيعكن. وأن يحفظني فيكن (6).

وروي أنه ذهب إلى معاوية أولا في دمشق، ثم أمر معاوية بقتله في

____________

(1) الحاكم (المستدرك 470 / 3).

(2) البداية والنهاية 51 / 8، الطبري 143 / 6.

(3) الطبري 143 / 6، الكامل 243 / 3.

(4) البداية 51 / 8، الطبري 143 / 6، الكامل 243 / 3، كتاب المحن 120 / 1.

(5) البداية 51 / 8.

(6) الطبري 152 / 6.

الصفحة 222
عذراء. وقيل: إن معاوية تحرك في موكبه من دمشق وضرب خيمته في عذراء، وجاء حجر إليه. ولا ندري لماذا اختار معاوية عذراء بالذات! وكما ذكرنا أن حجرا هو أول فارس قال لا إله إلا الله فيها.

وروي أن معاوية عندما أمر بقتل حجر وأصحابه، جاء رسول معاوية فقال لهم: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي بن أبي طالب واللعن له، فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم. وإن أمير المؤمنين معاوية يزعم أن دماءكم قد حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم. غير أنه قد عفى عن ذلك، فابرؤوا من هذا الرجل نخلي سبيلكم. فقالوا: إنا لسنا فاعلي ذلك. فأمر بقبورهم فحفرت، وأدنيت أكفانهم، فقاموا الليل كله يصلون. فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية:

يا هؤلاء لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة، وأحسنتم الدعاء، فاخبرونا ما قولكم في عثمان. قالوا: هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق. فقال أصحاب معاوية: أمير المؤمنين معاوية أعلم منكم. ثم قالوا: تبرؤون من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه. فأخذ كل رجل من أصحاب معاوية رجلا منهم ليقتله. فقال لهم حجر: دعوني أتوضأ. قالوا: توضأ. فلما توضأ قال لهم: دعوني أصلي ركعتين، فأيمن الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين. فتركوه يصلي. فلما صلى قال: والله ما صليت صلاة قط أخف منها.

ولولا أن تظنوا في جزعا من الموت لاستكثرت فيها (1).

وروي أن بعض أصحاب حجر قالوا: ابعثوا بنا إلى معاوية، فلما دخلوا عليه دخل الخثعمي قال: الله الله يا معاوية! فإنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة، ثم مسؤول عما أردت بسفك دمائنا. فقال له معاوية: ما تقول في علي؟ قال: أقول فيه قولك. أتبرأ من دين علي الذي يدين الله به.

فسكت معاوية ثم قال لعبد الرحمن العنزي: ما تقول في علي: فقال لمعاوية:

دعني ولا تسألني فهو خير لك. قال: والله لا أدعك حتى تخبرني عنه، فقال:

أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا، ومن الأمرين بالحق، والقائمين بالقسط،

____________

(1) الطبري 154 / 6، الكامل 241 / 3، أسد الغابة 462 / 1.

الصفحة 223
والعافين عن الناس، فقال معاوية: فما قولك في عثمان؟ قال: هو أول من فتح باب الظلم، وأرج أبواب الحق، فقال معاوية: قتلت نفسك، قال: بل إياك قتلت (1).

لم يأمر معاوية بقتل العنزي في مرج عذراء، بل اختاره من بين أصحاب حجر ليرى أهل العراق قتله. روى أن معاوية بعث به إلى زياد وكتب إليه: إن هذا العنزي شر من بعثت، فعاقبه عقوبته التي هو أهلها، واقتله شر قتلة (2).

وروي أن العنزي قبل أن يغادر عذراء قال لحجر: نعم أخو الإسلام كنت. ثم حمل إلى العراق فلما قدم به على زياد، أمر بدفنه حيا (3).

وروي أن حجرا لما مشى إليه فياض الأعور بالسيف، ارتعدت فرائصه، فقيل له: يا حجر أليس زعمت أنك لا تجزع من الموت؟ فقال: وما لي لا أجزع، وأنا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا (4). وروي أنه قال:

اللهم إنا نستعديك على أمتنا، فإن أهل الكوفة شهدوا علينا، وإن أهل الشام يقتلوننا، أما والله لئن قتلتموني بها، إني لأول فارس من المسلمين هلل في واديها، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها. فمشى إليه الأعور، هدية بن فياض بالسيف، فأرعدت خصائله، فقال لحجر: أنا أدعك فابرأ من صاحبك.

فقال حجر: لا أقول ما يسخط الرب. فقتله، وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة (5). روى الطبري: قال الحسن: حجوهم ورب الكعبة (6)، وفي قتل حجر قالت هند ابنة زيدان الأنصارية:

ألا يا حجر بني عدي * تلقتك السلامة والسرور

____________

(1) الطبري 155 / 6، الكامل 242 / 3.

(2) الطبري 155 / 6، الكامل 242 / 3.

(3) الطبري 155 / 6، الكامل 242 / 3.

(4) الطبري 154 / 6، الكامل 241 / 1، الحاكم (المستدرك 469 / 3) كتاب المحن 188 / 1.

(5) الطبري 155 / 6، الكامل 241 / 3، كتاب المحن 188 / 1.

(6) الطبري 155 / 6.

الصفحة 224

أخاف عليك ما أروي عديا * وشيخا في دمشق له زئير
يرى قتل الخيار عليه حقا * له من شر أمته وزير (1)

وروي أن حجرا أوصى قبل قتله فقال: لا تغسلوا عني دما، ولا تطلقوا عني قيدا، وادفنوني في ثيابي، فأنا سألقى معاوية غدا (2). وفي رواية: فإني لاق معاوية بالحادة، وإني مخاصم (3).

وقتل أصحاب عذراء الذين وصفهم الحديث بأن مثلهم كمثل أصحاب الأخدود. لقد لفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأنظار إليهم، ليعلم الذين عاصروا الحدث حقيقة الأحداث. فحجر لم يكن مجرد قتيل، ولكنه شاهد على تاريخ مضى، وشاهد على إمارة تقلدها رجل وقع في دائرة اللعن يوم غدير خم، يوم أن قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لعن الله من ادعى إلى غير أبيه... ". وكان حجر شاهدا أيضا على كرسي كبير يجلس عليه شيخ في دمشق له زئير، وهذا أيضا مخالف لما قيل يوم الغدير. ترى هل فهم أحد يومئذ الحكمة التي رواء قتل حجر. إنني أميل إلى القول بأن الكثرة لم تفهم المغزى بدليل أن حجرا دعا ربه وقال: اللهم إنا نستعديك على أمتنا، فإن أهل الكوفة شهدوا علينا وإن أهل الشام يقتلوننا. وأغلب الظن أن أهل الشام ما كانوا في حاجة إلى شهود، فالذي يضيع الصلاة على أقل تقدير ليس بعيدا عليه أن يضيع الشهود - وها هو سمرة بن جندب الذي قتل الآلاف وما خاف أن يكون فيهم بريئا واحدا.

وبعد أن فرغ معاوية من قتل حجر ورفاقه ذهب إلى المدينة، وروي أنه دخل على عائشة ولم يشهد كلامهما أحد إلا ذكوان مولى عائشة (4)، فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء حجر وأصحابه؟ قال: يا أم المؤمنين، إني رأيت

____________

(1) الطبري 157 / 6.

(2) الحاكم (المستدرك 469 / 3).

(3) الحاكم (المستدرك 470 / 3) ابن عساكر (كنز العمال 353 / 11) أسد الغابة 462 / 1.

(4) البداية 143 / 8.

الصفحة 225
قتلهم صلاحا للأمة، وبقاءهم فسادا للأمة فقالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء " (1)، وبعد أن عاتبته عائشة قال: أنت والله العالمة العاملة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناصحة المشفقة البليغة الموعظة، حضضت على الخير وأمرت به، ولم تأمرينا إلا بالذي هو لنا مصلحة وأنت أهل أن تطاعي (2). وروي أنها عاتبته أيضا في قتل أخيها فقالت: أما خفت أن أقعد لك رجلا فيقتلك؟ فقال: ما كنت لتفعليه، وأنا في بيت أمان، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

" الإيمان قيد الفتك ". ثم قال: كيف أنا في الذي بيني وبينك وفي حوائجك؟

قالت: صالح، فقال: فدعينا وإياهم حتى نلقى ربنا (3). وفي رواية قال: كيف بري بك يا أمة، قالت: إنك محب لنا، فقال: يكفيني هذا عند الله (4).

ولقد كان معاوية برا بأم المؤمنين، فعن سعيد بن عبد العزيز قال: قضى معاوية عن عائشة أم المؤمنين ثمانية عشر ألف دينار، وما كان عليها من الدين الذي كانت تعطيه الناس (5). وعن عطاء قال: بعث معاوية إلى عائشة وهي بمكة بطوق قيمته مائة ألف فقبلته (6). وروي أن زيد بن منبه، أخو يعلى بن منبه صاحب حجل عائشة، ومتولي تلك الحرب دخل على معاوية وشكا إليه دينا لزمه فأمر معاوية له بثلاثين ألف، وعندما هم زيد بالانصراف قال معاوية: وليوم الجمل ثلاثين ألف أخرى (7).

وليس معنى هذا أن أم المؤمنين تبحث عن الثروة، معاذ الله. فلقد كانت تأخذ المال من معاوية لتعطي المحتاجين. ولقد روي عن عائشة قالت: جلست

____________

(1) ابن عساكر ويعقوب بن سفيان (كنزل العمال 588 / 13) كتاب المحن 119 / 1.

(2) البداية والنهاية 143 / 8.

(3) رواه أحمد (الفتح الرباني 234 / 19) كتاب المحن 120 / 1.

(4) البداية والنهاية 57 / 8.

(5) البداية والنهاية 136 / 8.

(6) البداية والنهاية 137 / 8.

(7) العقد الفريد 68 / 2.

الصفحة 226
أبكي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما يبكيك. إن كنت تريدين اللحوق بي، فيكفيك من الدنيا مثل زاد الراكب، ولا تخالطين الأغنياء (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net