متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ثانيا: أبناؤنا خير من أبنائهم
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

ثانيا: أبناؤنا خير من أبنائهم:

بينما كان الإعلام الأموي يشيد بأبناء بني أمية ويردد قول معاوية: " إنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم وابني أحق " كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام.

الحجة على هذا القول ومثله، وأودع هذه الحجة في ذاكرة الجيل الأول، وقوله تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) (2) وقوله النبي صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين: " هذان ابناي وابن ابنتي اللهم إني أحبهما... " (3).

وقوله: " إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه. وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب (4)، وقوله: " إن لكل نبي أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم.. " (5) وقوله: " نحن خير من أبنائنا، وبنونا خير من أبنائهم، وأبناء بنينا خير من أبناء أبنائهم " (6). إلى آخر الأحاديث التي ذكرت علاقتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم. فجميع هذا يطيح بادعاءات معاوية وغيره. لأن محبة الوالد لوالده، وتوسم الوالد في ولده النجابة الدنيوية، والقيام بأبهة الملك شئ، ومحبة النبي لأبنائه وتعليمهم للقيام بأمر الله شئ آخر، وهذا لا يلتقي مع هذا من أول الخط وحتى حوض النبي صلى الله عليه وسلم، لأن لكل مقدمة نتيجتها وفقا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذا كله كان في دائرة الذهن لدى الجيل الأول، ولأن النبي صلى الله عليه.

____________

(1) البداية والنهاية 230 / 8.

(2) سورة آل عمران: الآية 61.

(3) رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم وابن حبان (تحفة الأحوازي 274 / 10)، (الجامع 656 / 5).

(4) رواه الطبراني عن جابر والخطيب عن ابن عباس (كنز العمال 600 / 11).

(5) رواه الحاكم وابن عساكر عن جابر (كنز العمال 98 / 12).

(6) رواه الطبراني عن معاذ (كنز العمال 104 / 12).

الصفحة 237
وسلم يحبهم، فلقد حصنهم وحذر من اقتحامهم بسوء، لأن حربهم حربه (1)، ومن آذى أهله فقد آذى الله (2). ومن أبغض الحسن والحسين فقد أبغض رسول الله (3). ومعنى تحصين النبي لهم أن النبي رفعهم إلى مكانه لا يضرهم فيها من خذلهم. وهذه المكانة هي نفسها مكانة الدعوة والدعوة هي الحق. والحق حق ولو قل اتباعه، والباطل باطل ولو كثر اتباعه. وبهذا التحصين يكون الاعتداء عليهم هو اعتداء على الدعوة، ومن اعتدى على الدعوة فقد اعتدى على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا ما صرحت به الأحاديث ونرى أنه لا داعي لتكرارها هنا.

إن السيدة فاطمة كانت لها مهمة في حدث محدد، قد نراه صغيرا، ولكنه تحت المجهر يكون كبيرا، والإمام علي كانت له مهمة محددة، وكذلك الإمام الحسن، والإمام الحسين جاء دوره في الوقت المناسب. فهو حجة على عصر يتم فيه ترجيح الأبناء، فابن عثمان، وابن خالد، وابن سعد، وابن معاوية، وابن الزبير، وابن أبي بكر كل منهم يريد الملك. فشاء الله أن تبدأ حركة الحسين في هذا الوقت، علما بأن في ذاكرة الجيل الأول الأحاديث التي تضع أبناء أمية وأبناء الحكم في دائرة التحذير منهم. فهم الذين رآهم النبي على منبره ينزون نزو القردة، وهم الذين سيتخذون مال الله دولا، ودين الله دخلا، وعباد الله خولا.

وفي نفس الوقت تحتوي الذاكرة على أبناء دائرة الطهر، أبناء الكساء والمباهلة.

ولقد علم الجميع أنهم أهل البيت ولا أحد غيرهم. فالنبي كان يمر ببيت فاطمة لمدة سبعة أشهر ويقول في وقت الصلاة والناس في المسجد: " الصلاة يا أهل

____________

(1) رواه أحمد والترمذي والحاكم والطبراني وابن ماجة وابن أبي شيبة وابن حبان في صحيحه والضياء (جامع الترمذي 699 / 5)، (الفتح الرباني 106 / 22)، (المستدرك 149 / 3)، (كنز العمال 96 / 97 / 12 /، 149، 640 / 13)، (البداية والنهاية 38 / 5).

(2) أبو نعيم عن علي (كنز العمال 103 / 12).

(3) أحمد (الفتح الرباني 7 / 23) والحاكم وصححه (المستدرك 166 / 3)، وابن ماجة وصححه البوصيري (كنز العمال 116 / 12).

الصفحة 238
البيت... " (1). وعلى هذا فدائرة الاختيار لا إجبار فيها، والله تعالى ينظر إلى عباده كيف يعملون. فإن ركبوا طريق الدعوة أنزل عليهم بركات، وإن لم يركبوا، فإن الدعوة سائرة في عالميتها، ولن توقف حركتها قبيلة من القبائل، حتى ولو قامت بتجنيد عصر بالكامل للنيل من هذه الدعوة، ولمن صد عقوبة عند الله والله يطارده ولا بقاء لشئ يطارده الله. إن الحسين بن علي جاء في الوقت المناسب كي يسوق الناس إلى الطريق المستقيم، فهو في هذا الوقت عنوان لدائرة المبشرات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ذهبت النبوات وبقيت المبشرات " (2). فالحسين يقف عند مرحلة من مراحل الإخبار بالغيب، يقف كعلامة بارزة، فإذا بعث إليه الناس أو جاؤوه، فليس عليه إلا أن يلبي.

وكذلك كان الإمام علي. لقد عهد إليه النبي أن لا ينازع، فإذا بايعه الناس فعليه أن يلبي. فإن تركوه فعليه أن يأخذ بالأسباب ويدعوهم وفقا لحركة الدعوة، ووفقا لحركة الناس بحيث أن لا يكون هناك إكراه بأي صورة من الصور.

فالإسلام لا يكره أحدا، والإسلام لا يقيم وزنا إلا للذين يفكرون بمفهوم الحلال والحرام، ويؤمنون بأن غدا حساب وما الدنيا إلا قنطرة للآخرة. فالإمام علي شق الطريق معهم، وقاتل على التأويل آخذا بكل سبب من الأسباب. وعند ما وقفوا بالغ في نصحهم، وهو يعلم أنه على طريق هو مقتول فيه لا محالة.

وسنة الأخذ الأسباب سنة إلهية، فالله سبحانه يقول: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * أنهم لهم المنصورون " (3) أي: أنا قضينا قضاء محتوما فيهم أنهم لهم المنصورون. فالرسل عليهم السلام منصورون في الحجة لأنهم على الحق، والحق غير مغلوب، وهم منصورون على أعدائهم، إما بإظهارهم عليهم، وإما بالانتقام منهم. وهم منصورون في الآخرة، وقال تعالى:

" كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " (4) فالنصر هنا واقع لا محالة ولكن طريقه هو

____________

(1) رواه الترمذي (البداية والنهاية 205 / 8).

(2) ابن ماجة وابن حبان في صحيحه (الإصابة 272 / 8).

(3) سورة الصافات: الآية 171 - 172.

(4) سورة المجادلة: الآية 21.

الصفحة 239
طريق الأخذ بالأسباب، يقول تعالى: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) (1)، فهذه الآية تدل على دوام أمر الابتلاء والامتحان وجريانه على امتداد التاريخ الإنساني. والابتلاء والامتحان لا بد أن يكون له حركة، لينظر الله ماذا يفعل عباده وهو أعلم بحركاتهم وسكناتهم من أنفسهم. وأيضا في قوله تعالى: (وإن جندنا لهم الغالبون) (2)، فالمؤمنين الذين يعملون بأمر الله ويجاهدون في سبيله، ما داموا على هذا الطريق وهذه الصفة، فهم متصورون غالبون. ولكن لا بد لهم من الأخذ بالأسباب التي تحكمها الدعوة، وفي عالم الأسباب يكون الابتلاء والامتحان. يقول تعالى وهو يخاطب المؤمنين: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) (3)، إنه ضوء على الحركة لتستقيم المقدمات مع النتائج.

والإمام الحسين ادخره الله سبحانه لوقت سارت فيه الأمة في أعماق الفتن والابتلاء، وكان عليه السلام يعلم بأنه مقتول في نهاية الطريق، والذين من حوله يعرفون هذا جيدا. ولكنه لم يجئ ليقتل، وإنما جاء ليخرج أهل عصره من كهف مظلم، وأهل عصره أحرار في الاختيار، فمن أجابه ونصره يكون قد عبر قنطرة الدنيا بأمان - وركب معهم الذين جاؤوا من بعدهم، وفي الحديث: " المرء مع من أحب " (4)، ومن قاتله وسفك دمه فله عند الله عقوبة، وركب معه من أحبه، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، إيمان لا نفاق فيه، ونفاق لا إيمان فيه.

حتى يأتي الله بأمره. فيركب المهدي فسطاط الأيمان. ويركب الدجال فسطاط النفاق. " وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة

____________

(1) سورة البقرة: الآية 214.

(2) سورة الصافات: الآية 173.

(3) سورة آل عمران: الآية 139.

(4) البخاري (الصحيح 77 / 4).

الصفحة 240
الدجال " (1).

ولدقة مهمة الحسين عليه السلام أحيط بدائرة تحذيرية من أخطر ما يكون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط " (2). قال في تحفة الأحواذي: علم الرسول ما سيحدث له، فخصه بالذكر، وبين أنهما كالشئ الواحد في وجوب المحبة، وحرمة التعرض والمحاربة. وأكد ذلك بقوله: " أحب الله من أحب حسينا "، فإن محبته محبة الرسول، ومحبة الرسول محبة الله، وقوله: " حسين سبط من الأسباط " أي: أمة من الأمم في الخير، والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل. وأحدهم سبط، فهو واقع على الأمة والأمة واقعة عليه (3). وقال في لسان العرب: إن الأسباط في ولد إسحاق من إبراهيم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل عليهم السلام، فولد كل ولد من ولد إسماعيل قبيلة، وولد كل ولد من ولد إسحاق سبط. وإنما سمي هؤلاء بالأسباط وهؤلاء بالقبائل، ليفصل بين ولد إسماعيل وولد إسحاق. وسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم معناه أي: طائفة وقطعة منه. ومن هذا الحديث يمكن القول. بأن الذي يقاتل الحسين فإنه سيدخل في دائرة الذي يريد أن يقضي على نسل الرسول حتى قيام الساعة، أي سيكون بمثابة الذي يريد أن يقضي على نسل الرسول حتى قيام الساعة، أي سيكون بمثابة الذي يريد أن يخلع الشجرة بجذورها، وهذا قمة الفساد في الأرض.

فأي مكان لأولادهم هنا؟ وكيف يتم وضعهم على رقبة الأمة؟ أن لفظ سبط جاء ليكون مميزا عن لفظ القبيلة، فهم قبائل. وحتى لا تختلط عليهم الأمور، ويدخلون دهاليز الرأي والتأويل، جاءت الكلمة التي يعرفون أنهم ليسوا

____________

(1) رواه أحمد والبزار وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 335 / 7).

(2) رواه الترمذي وحسنه وقال رواه غير واحد (الجامع 658 / 5) وقال في تحفة الأحوازي رواه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجة والحاكم (تحفة الأحوازي 280 / 11)، ورواه أحمد (الفتح الرباني 179 / 23).

(3) تحفة الأحواذي 280 / 10.

الصفحة 241
من نسيجها. وبنفس الكلمة أقام النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الحجة فقال: إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلف نبي، وإنه لا نبي بعدي. إنه سيكون خلفاء فنكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم الذي جعل الله لهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم " (1).

إنه طريق الحسن والحسين، ومن معالمه: " وأعطوهم حقهم الذي جعل الله لهم " ومن معالمه أن الله هو الذي استرعاهم. بمعنى أن معاوية، والمغيرة، وزياد، ومروان، وغيرهم ليس لهم يد في عملية التنصيب وهذا باب كبير لا مجال لبحثه هنا. وكان الحسين يعلم أنه سبط من الأسباط، وأنه سيعتدى عليه كما اعتدت اليهود على أعلامها. فكان يقول: " والله لتعدن كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت " (2). والذي يتدبر أحاديث الإخبار بالغيب، يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحذر من اتباع طريق الذين ضلوا وانحرفوا من بني إسرائيل. وفي هذا إشارة إلى أن بعد الحسين الذي وصفه الحديث بسبط من الأسباط سيكون اختلاف وفرقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لتهوكن كما تهوكت اليهود والنصارى " (3)، فالنبي حذر، وعلم من ربه أن هناك من لن يأخذ بالتحذير - فأخبر بما سيكونوا عليه في بطن الغيب.

إن الحسين لم يأت ليقتل، وإنما جاء لينظر الله عمل الأمة فيه، وهو سبحانه العليم المطلق، والأمة ستقتل الحسين، وهي في هذا العمل مختارة، ولو شاء الله ما فعلوه. فهو سبحانه العزيز وغيره ذليل، فقول معاوية: " إنه لم يبق إلا ابني وأبناءهم وابن أحق " قول يصلح للتجارة، وزينة يتزين بها الذين لا يشبعون حتى ولو جلسوا على آرائك الملك. إن أبناء النبي في دائرة الطهر وعلى قمة الحجة. أما غيرهم فهم مبتلون بهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن

____________

(1) رواه عبد الله بن أحمد وقال في الفتح إسناد صحيح (الفتح 52 / 23).

(2) البداية والنهاية 169 / 8، الطبري 217 / 6.

(3) رواه ابن حبان في صحيحه (كنز العمال 201 / 1).

الصفحة 242
أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم " (1). فإذا رفع واحد من أولادهم سيفا على أبي عبد الله الحسين فسيكون بمثابة الذي رفع سيفه على طائفة هي من الرسول والرسول منها. عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرج ما بين فخذي الحسين وقبل زيبته " (2).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net