متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ثانيا: أضواء على المنزلة العالية
الكتاب : وجاء الحق    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

ثانيا: أضواء على المنزلة العالية

قامت الدعوة الإلهية على امتداد المسيرة البشرية، بمخاطبة الإنسان الذي يسلك طريقها، وإرشاده إلى ما فيه سعادته، وحذرت من الذين يتلبسون بالدين، لأن مهمة النفاق في ديار الذين آمنوا لا تنفصل عن مهمة الشيطان الذي اعتمد في برنامجه القعود على الصراط المستقيم: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم) [ الأعراف: 16 ]، وتيار الصد عن سبيل الله اعتمد على المنافقين في حفر الحفر العديدة، التي على امتداد مسيرة الذين آمنوا، ومن خلال هذا الحفر رفعت الأعلام العديدة، التي تقوم برامجها بالتعتيم على الفطرة، والقافلة الإسرائيلية لم تسقط في مستنقع عبادة العجول نتيجة لغزوها من الخارج، وإنما سقطت أولا من الداخل، على أيدي الذين يجلسون تحت خيامها ويتلبسون بالدين.

والدعوة الإلهية الخاتمة بينت أن المنافقين يلقون الناس بالأيمان الكاذبة الآثمة، ليصدقوا ما يقولون، فيغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم، ويقتدي بهم في ما يفعلون، ويصدقهم في ما يقولون، فيحصل بهذا ضرر كبير وبينت الدعوة أن منهم أصحاب أشكال حسنة وألسنة ذي فصاحة، وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم، ولهذا قال تعالى: (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) [ المنافقين: 4 ]، وقال تعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) [ النساء: 145 ].

ولقد وصفهم القرآن بأوصاف، منها أنهم رجس، قال تعالى: (إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) [ التوبة: 95 ]، فهم في دائرة الخبث والتنجس نتيجة لما تحتويه بواطنهم واعتقاداتهم، والذين في قلوبهم مرض ويتلبسون بالدين الخاتم ورثوا قلوب الذين سبقوهم من بني إسرائيل

الصفحة 45
وعقولهم، فإذا كان الذين كفروا من بني إسرائيل لا يقبلون إلا ما يوافق أهواءهم، فإن المنافقين إذا سمعوا آية من كتاب الله زادتهم رجسا إلى رجسهم، قال تعالى: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) [ التوبة: 124 - 125 ]، قال المفسرون: (زادتهم رجسا إلى رجسهم) أي: زادتهم شكا إلى شكهم وريبا إلى ريبهم، وهذا من جملة شقائهم، أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضلالهم ودمارهم، كما أن سيئ المزاج لو غذي بما غذي به لا يزيده إلا خبالا ونقصا.

ولأن تيار النفاق لا يزداد إلا رجسا، ولأنهم أصحاب السنة، وإذا سمعهم السامع أصغى إلى قولهم لبلاغتهم، ولأن برنامج الصد عن سبيل الله إذا تلبس بالدين كان أشد خطرا على الدعوة، فإن الدعوة الخاتمة قامت بعزل هذا التيار عن ساحتها، وأقامت حجتها بطائفة الحق، وتحت سقف الامتحان والابتلاء تسير القافلة، فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا.

وطائفة الحق من خصائصها أن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبهذه الصفة كانوا مع كتاب الله، ولن ينفصلا حتى يردا على حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعنى أنهم مع كتاب الله أنهم أعلم الناس بكتابه، وهم أمان للأمة من الوقوع في دائرة التأويل الخاطئ له، وخاصة الآيات المتشابهة، وذلك لأن تيار الذين في قلوبهم زيغ يتخذ من المتشابه حقلا له ابتغاء الفتنة، قال تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) [ آل عمران: 7 ]، قال المفسرون:

(فأما الذين في قلوبهم زيغ) أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل (فيتبعون ما تشابه منه) أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن

الصفحة 46
يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه، لأنه رافع لهم وحجة عليهم، ولهذا قال تعالى: (ابتغاء الفتنة) أي: الإضلال لأتباعهم إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجة عليهم لا لهم، قوله تعالى: (وابتغاء تأويله) أي: تحريفه على ما يريدون.

ولأن تيار الذين في قلوبهم زيغ والذين في قلوبهم مرض يتلبس بالدين ويجلس في خيام القافلة، أقام الله الحجة بالكتاب وبالعترة التي لا يضرها من عاداها أو من خذلها أو من خالفها، لأنها شعاع يهدي، والله - تعالى - ينظر إلى عباده كيف يعملون، وتطهير أهل البيت والشهادة لهم بالعلم والعمل، والتحذير من مخالفتهم، وغير ذلك، وردت فيه أحاديث صحيحة، سنقدمها ونقابلها بما في منزلة هارون من موسى عليهما السلام.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net