متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
سابعاً: حقوق الإمام وواجباته
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

سابعاً: حقوق الإمام وواجباته

لا ريب في أن الإسلام إنما أقام توازناً بين حقوق الإمام وواجباته - كما رأينا من قبل - فكما حذر من عصيان الإمام، والخروج على الجماعة، فلقد حذر الإمام وولاته من غش الرعية حتى أنه ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة.

ويعبر سيدنا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة (600 - 656 / 656 - 661 م) (23 ق. هـ‍- 35 هـ‍) (35 - 40 هـ‍) عن ذلك، بقوله: حق على الإمام أن يحكم بالعدل، ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك، وجب على المسلمين أن يطيعوه، لأن الله تعالى أمر بأداء الأمانة والعدل، ثم أمر بطاعته (1).

ولعل من الأفضل هنا أن نشير إلى هذه الحقوق والواجبات بشئ من التفصيل:

فأما حقوق الإمام فحقان:

1 - حق الطاعة: وهو حق ثابت بالكتاب والسنة، وقد تحدثنا عنه كثيراً من قبل، فالله تعالى يقول: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول

____________

(1) تفسير القرطبي ص 1829 (كتاب الشعب - القاهرة 1970).

الصفحة 119
وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) * (1).

والنص القرآني الكريم واضح وصريح، فهو يجعل طاعة الله أصلاً، وطاعة رسوله أصلاً كذلك - بما أنه مرسل منه سبحانه وتعالى - ويجعل طاعة أولي الأمر منكم، تبعاً لطاعة الله وطاعة رسوله، ومن ثم فهو لا يكرر لفظ الطاعة عند ذكرهم - كما كررها عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم - ليقرر أن طاعة أولي الأمر، مستمدة من طاعة الله وطاعة رسوله، بعد أن قرر أنهم منكم بقيد الإيمان وشرطه.

هذا فضلاً عن أن طاعة أولي الأمر منكم - بعد هذه التقريرات كلها - إنما هي في حدود المشروع من الله تعالى، والذي لم يرد نص بحرمته، ولا يكون من المحرم عندما يرد إلى مبادئ شرعية، عند الاختلاف فيه (2).

والسنة النبوية الشريفة إنما تقرر حدود هذه الطاعة - على وجه الجزم واليقين - ففي الصحيحين بسنده عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما الطاعة في المعروف (3).

وفي الصحيحين أيضاً عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب وأكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة (4).

____________

(1) سورة النساء: آية 59، وانظر: تفسير الطبري 8 / 495 - 499، تفسير النسفي 1 / 232، تفسير الظلال 2 / 687 - 692، تفسير ابن كثير 1 / 782 - 785، تفسير القرطبي ص 1828 - 1833، تفسير المنار 5 / 146 - 158.

(2) سيد قطب: في القرآن 2 / 691 (دار الشروق - ط التاسعة - القاهرة - بيروت 1400 هـ‍/ 1980 م).

(3) صحيح البخاري 9 / 78 - 79، صحيح مسلم 12 / 226 - 227.

(4) صحيح البخاري 9 / 78، صحيح مسلم 12 / 226.

الصفحة 120
وأخرج مسلم من حديث أم الحصين ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا (1).

وبهذا يجعل الإسلام كل فرد - في أمة الإسلام - أميناً على شريعة الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أميناً على إيمانه هو ودينه، أميناً على نفسه وعقله، أميناً على مصيره في الدنيا والآخرة، ولا يجعله بهيمة في القطيع، تزجر من هنا، أو من هنا، فتسمع وتطيع، فالمنهج واضح، وحدود الطاعة واضحة، والشريعة التي تطاع، والسنة التي تتبع، واحدة، لا تتعدد ولا تتفرق (2).

2 - حق المعاضدة والمناصرة: والحق الثاني للإمام إنما هو المعاضدة والمناصرة في أمور الدين، وجهاد العدو، قال الله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (3)، ولا أعلى من معاونة الإمام على إقامة الدين ونصرته.

وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي قيس بن رياح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد، فليس مني، ولست منه (4).

فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما يذم الخارج تحت راية عمية، والداعي إلى العصبية، وهو مستلزم لنصرة الدين، دون النصرة عليه.

____________

(1) صحيح مسلم 12 / 225.

(2) في ظلال القرآن 2 / 691.

(3) سورة المائدة: آية 2.

(4) صحيح مسلم 12 / 238 - 239.

الصفحة 121
وأما واجبات الخليفة (الإمام) نحو الرعية فهي - فيما يرى الماوردي (1) - عشرة أشياء: -

الأول: حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاع ذو شبهة، أوضح له الحجة، وبين له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل، والأمة ممنوعة من زلل.

والثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تتم النصفة، فلا يعتدي ظالم، ولا يضعف مظلوم.

والثالث: حماية بيضة الإسلام، والذب عن الحريم، ليتصرف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين على أنفسهم وأموالهم.

والرابع: إقامة الحدود، لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.

والخامس: تحصين الثغور بالعدد، ووفور العدد، حتى لا يظفر العدو بغرة، فينتهك فيها محرماً، أو يسفك دماً لمسلم أو معاهد.

والسادس: جهاد الكفرة المعاندين للإسلام، حتى يسلموا أو يدخلوا في ذمة المسلمين، قياماً بحق الله تعالى في ظهور دينه على الدين كله.

والسابع: اختيار الأمناء الأكفاء، وتقليد الولايات للثقات النصحاء، لتضبط الأعمال بالكفاة، وتحفظ الأموال بالأمناء.

والثامن: جباية أموال الفئ والصدقات والخراج، على ما أوجبه الشرع نصاً أو اجتهاداً، من غير حيف، ولا عسف.

____________

(1) الماوردي: الأحكام السلطانية والولايات الدينية - دار الكتب العلمية - بيروت 1402 هـ‍/ 1982 ص 15 - 16.


الصفحة 122
والتاسع: تقدير العطايا، وما يستحقه كل واحد في بيت المال، من غير سرف ولا تقتير، ودفعه إليهم في وقت معلوم، لا تأخير فيه ولا تقديم.

والعاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفح الأحوال، لينهض بسياسة الأمة، وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض، تشاغلاً بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين، ويغش الناصح، وقد قال الله تعالى: * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى، فيضلك عن سبيل الله) * (1).

فلم يقتصر الله سبحانه وتعالى على التفويض، دون المباشرة، ولا عذره في الاتباع، حتى وصفه بالضلال، وهذا - وإن كان مستحقاً عليه بحكم الدين، ومنصب الخلافة - فهو من حقوق السياسة، لكل مسترع.

روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعية، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته (2).

وروى البخاري في صحيحه بسنده عن الزهري قال: أخبرني سالم عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع، ومسؤول عن رعيته، والإمام راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، ومسؤولة عن رعيتها،

____________

(1) سورة ص: آية 26.

(2) صحيح مسلم 12 / 213 (دار الكتب العلمية - بيروت 1403 هـ‍/ 1983 م).


الصفحة 123
والخادم في مال سيده راع، ومسؤول عن رعيته، قال: وحسبت أن قال:

والرجل راع في مال أبيه (1).

وأخرج الترمذي من حديث عمرو بن مرة الجهني قال لمعاوية: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمام يغلق بابه، دون ذوي الحاجات والمسكنة، إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته، فجعل معاوية رجلاً على مصالح الناس (2).

وروى البخاري في صحيحه (باب من استرعى رعية فلم ينصح) بسنده عن الحسن أن عبيد الله بن زياد، عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه. فقال له معقل: إني محدثك حديثاً، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد استرعاه الله رعية، فلم تحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة (3).

وعن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة (4).

____________

(1) صحيح البخاري 4 / 6، وانظر روايات أخرى للحديث الشريف (صحيح البخاري 7 / 34، 9 / 77).

(2) صحيح الترمذي 6 / 73.

(3) صحيح البخاري 9 / 80 (دار الجيل - بيروت).

(4) صحيح البخاري 9 / 79.

الصفحة 124


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net