متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
4 - الملك
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

4 - الملك:

من المعروف أن سيدنا الإمام الحسن بن علي - سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم - إنما كان خامس الراشدين وآخرهم، وقد تحققت به وعليه معجزة جده الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، في قوله الشريف الخلافة بعدي ثلاثون سنة وصدق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقت معجزته، فكان للإمام الحسن بن علي من هذه الثلاثين سنة قرابة ستة أشهر، تتمة لها، أو سبعة أشهر، وأحد عشر يوماً - فيما يرى أين عساكر - ومن ثم فهو، رضوان الله عليه، خامس الراشدين، فلقد أخرج ابن حبان والإمام أحمد عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عضوضاً.

ويقول الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية - عن خلافة الإمام الحسين بن علي ابن أبي طالب - أن أهل الشام بايعوا معاوية بإيلياء (القدس) (3)، لأنه لم يبق له عندهم منازع، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن علي، رضي الله

____________

(1) من المعروف من أحداث سقيفة بني ساعدة، أن أهم الأسس التي اعتمد عليها أبو بكر - وعمر - في إسناد الخلافة إلى أبي بكر، أنه من قريش - (وذلك عندما نادى الأنصار بيعة سعد بن عبادة، ثم منا أمير ومنكم أمير) عندما حدث ذلك كانت القرابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي الفيصل، قال أبو بكر: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولن تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش، فقد يعلم ملأ منكم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأئمة من قريش، فأنتم أحقاء أن لا تنفسوا على إخوانكم المهاجرين ما ساق الله إليهم، حتى اعتبر النسب القرشي بعد ذلك شرطاً في الإمامة عند السنة.

(2) حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام السياسي 1 / 439 - 440 (القاهرة 1964).

(3) أنظر عن إيليا - وهي القدس، وهي أورشليم، (محمد بيومي مهران: إسرائيل - الجزء الثاني ص 812 - 866 - الإسكندرية 1978).


الصفحة 133
عنه، ليمانعوا به أهل الشام، فلم يتم لهم ما أرادوه وحاولوه، وإنما كان خذلاناً لهم من قبل تدبيرهم، وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من متابعتهم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد المسلمين، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم.

والدليل على أن سيدنا الحسن بن علي، أحد الخلفاء الراشدين، الحديث الشريف الذي أوردناه في دلائل النبوة من طريق سفينة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي رواه الأئمة: أحمد بن حنبل والترمذي وأبو يعلى وابن حبان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً.

هذا وقد كملت الثلاثون سنة بخلافة الإمام الحسن بن علي، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم، إنما توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من دلائل نبوته صلوات الله وسلامه عليه وقد مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على صنيعه هذا، وهو تركه الدنيا الفانية، ورغبته في الآخرة الباقية، وحقنه دماء هذه الأمة، فنزل عن الخلافة، وجعل الملك بيد معاوية بن أبي سفيان، حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد (1).

وروى المسعودي في مروج الذهب: أنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

الخلافة بعدي ثلاثة سنة، لأن أبا بكر رضي الله عنه، تقلدها سنتين وثلاثة أشهر وثمانية أيام، وعمر، رضي الله عنه، عشر سنين وستة أشهر، وأربع ليال، وعثمان رضي الله عنه، إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهراً، وثلاثة عشر يوماً، وعلي رضي الله عنه، أربع سنين وسبعة أشهر، إلا يوماً، والحسن رضي الله

____________

(1) الحافظ ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 18 (القاهرة 1351 هـ‍/ 1933 م).

الصفحة 134
عنه، ثمانية أشهر، وعشرة أيام، فذلك ثلاثون سنة (1).

وأخرج ابن عساكر في تاريخه: أخرج الحافظ عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن سفينة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم قال رجل - كان حاضراً في مجلس عبد الله - فقال: قد دخلت في هذه الثلاثين سنة شهور في خلافة معاوية، فقال من حضر: إن تلك الشهور كانت فيها البيعة للحسن، بايعه أربعون ألفاً، واثنان وأربعون ألفاً، ولما قتل علي رضي الله عنه، بايع أهل الكوفة الحسن بن علي، رضي الله عنه، وأطاعوه، وأحبوه أشد من حبهم لأبيه، وكان قد ولي الخلافة سبعة أشهر، وأحد عشر يوماً، وكان التقاؤه بمعاوية بمسكن من أرض العراق، فتصالحا في ربيع الأول، سنة إحدى وأربعين.

ويقول ابن خلكان (أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر - 608 - 681 هـ‍/): روى سفينة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً أو ملوكاً - وكان آخر ولاية الحسن بن علي، رضي الله عنه تمام ثلاثين سنة، وثلاثة عشر يوماً، من أول خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه (2).

ويقول ابن تيمية في رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم - بعد أن ذكر الحديث - الآنف الذكر - الذي رواه سفينة - الخلافة ثلاثون سنة، ثم تصير ملكاً، فكان آخر الثلاثين حين سلم سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحسن بن علي، رضي الله عنه، الأمر إلى معاوية، وكان معاوية أول الملوك (3).

____________

(1) المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر 1 / 715 - (دار الكتاب اللبناني - بيروت 1402 هـ‍/ 1982 م).

(2) ابن خلكان: وفيات الأعيان 2 / 66 (دار صادر - بيروت 1977 م).

(3) ابن تيمية: رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم - تعليق أبي تراب الظاهري ص 29 (دار القبلة للثقافة الإسلامية - جدة 1405 هـ‍/ 1984 م).


الصفحة 135
وهكذا يتفق العلماء على أنه لم يكن في الثلاثين سنة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم، من بعده للخلافة، إلا الخلفاء الراشدون الأربعة (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي)، وكملت الثلاثون سنة بخلافة الإمام الحسن بن علي، المدة التي مكث فيها خليفة حق، وإمام عدل، تحقيقاً لما أخبر به جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، بقوله الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ومن ثم فقد كانت خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب، منصوصاً عليها، وإن كانت محدودة الأجل.

ثم يبدأ - بعد الحسن بن علي - الملك العضوض ب‍ً معاوية بن أبي سفيانً (40 - 60 هـ‍/ 660 - 680 م) فلقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن جمهان قال: لسفينة (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم، قال: كذب بنو الزرقاء، بل هم ملوك، ومن أشد الملوك، وأولهم معاوية.

هذا ويسمى شيخ الإسلام ابن تيمية معاوية بن أبي سفيان بالملك، فيقول في كتابه منهاج السنة: لم يكن من ملوك الإسلام ملك خيراً من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية (1).

هذا وقد أشرنا آنفاً إلى رواية الحافظ ابن كثير، والتي يفرق فيها بين عهد الإمام الحسن بن علي وعهد معاوية بن أبي سفيان، فسمي عهد الأول خلافة، وعهد الثاني ملكاً، فقال: وقد مدحه (أي الإمام الحسن) رسول الله صلى الله عليه وسلم، على صنيعه، وهو ترك الدنيا الفانية، ورغبته في الآخرة الباقية، وحقنه دماء هذه الأمة، فنزل عن الخلافة، وجعل الملك بيد معاوية (2).

____________

(1) ابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال ص 231 (مختصر منهاج السنة للحافظ الذهبي - مكتبة دار البيان - دمشق 1374 هـ‍).

(2) الحافظ ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 18.

الصفحة 136
هذا فضلاً عن أن معاوية بن أبي سفيان نفسه، إنما كان يقول عن نفسه أنا أول الملوك، هذا فضلاً عن أن الجملة التي ينسبها أنصار معاوية و مريدوه إلى عبد الله بن عباس، على أنها مديح لمعاوية. لا تعدو وصفه بالملك، وليس الخليفة، وهي قوله: ما رأيت رجلاً كان أخلق بالملك من معاوية (1).

أضف إلى ذلك كله، أن القاضي أبا بكر بن العربي (468 - 543 هـ‍)، والذي كتب كتابه العواصم من القواصم للدفاع عن معاوية وبني أمية، إنما يتحدث فيه عن مراتب الولاية، على أنها: خلافة ثم ملك، فتكون ولاية الخلافة للأربعة (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي)، وتكون ولاية الملك لابتداء معاوية (2).

وعلى أية حال، فإن المؤرخين إنما يذهبون إلى أن معاوية بن أبي سفيان إنما قد أحاط نفسه بكل مظاهر الملك، فقد لازم الخلافة الإسلامية في عهده طابع سياسي، أكثر منه دينياً، وأصبحت كلمة ملك - بمعنى الحاكم المطلق (أوتوقراطي) - يطلقها المؤرخون عليه، وعلى خلفائه من حكام بني أمية، وهو نفسه الذي قال: أنا أول الملوك.

وقد استحدث معاوية أموراً لم تعرفها من قبل خلافة الراشدين، فبنى لنفسه قصراً في دمشق سماه الخضراء، وهو قصر ضخم، أراد به معاوية أن ينافس قصور الرومان، وكان أبو ذر الغفاري - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - ينكر على معاوية أموراً كثيرة، قال أبو ذر: لقد حدثت أعمالاً لا أعرفها، والله ما هي في كتاب، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله إني لأرى حقاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً، وأثرة بغير تقى.

وأراد معاوية أن يتلطف إلى أبي ذر، ويتقرب إليه، فدعاه إلى قصره

____________

(1) ابن تيمية: المنتقى من منهاج الاعتدال ص 231.

(2) القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: العواصم عن القواصم - حققه محب الدين الخطيب - خرج أحاديثه محمود مهدي الاستانبولي ص 215 (دار الكتب السفية - القاهرة 1405 هـ‍).


الصفحة 137
الخضراء هذا، فقال له أبو ذر: يا معاوية، إن كانت هذه الأبهة من مال الله، فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهي الإسراف (1).

هذا فضلاً عن اتخاذه السرير - أو العرش - وجعل الحراس يمشون بالحراب بين يديه، كما أوجد الشرطة لحراسته، وكان إذا صلى في المسجد، جلس في بيت منفرد بجدران عرف باسم المقصورة وأخيراً، فلقد أراد معاوية أن يجعل من الخلافة الإسلامية مزرعة أموية، ومن ثم فقد استحدث في الإسلام بدعة ولي العهد، فاستخلف ولده يزيد على سلطان المسلمين من بعده، فغير بذلك السنة الموروثة تغييراً خطيراً، الأمر الذي أدى إلى مذبحة كربلاء، التي راح ضحيتها أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وذبحت ذريته، فضلاً عن الاستباحة الخليعة لحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في يوم الحرة، والاعتداء على حرم الله الآمن بمكة المكرمة (2).

وكان سعيد بن المسيب، رضي الله عنه، يسمى سني يزيد بن معاوية بالشؤم، في السنة الأولى قتل الحسين بن علي، وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثانية استبيح حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهكت حرمة المدينة، والثالثة سفكت الدماء في حرم الله، وحرقت الكعبة (3).

وهكذا يبدو واضحاً أن خلافة سيدنا الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، إنما كانت نهاية الخلافة، - كما أخبر جده النبي صلى الله عليه وسلم - ومن ثم فهو

____________

(1) أنظر: ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 8 / 256، عبد الرحمن الشرقاوي: علي إمام المتقين 1 / 170 (ط مكتبة غريب - القاهرة 1985).

(2) محمد بيومي مهران: الإمام الحسن بن علي ص 48 - 50 (دار النهضة العربية - بيروت 1990 م).

(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 253 (دار بيروت - بيروت 1400 هـ‍/ 1980 م).

الصفحة 138
خامس الراشدين، حيث ينتهي بعهده عهد الخلافة، ويبدأ عصر الملوك، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: ستكون خلافة نبوة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض (1).

وفي رواية الحافظ أبي نعيم عن الليث عن عبد الله بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني عن معاذ وأبي عبيدة بن الجراح، رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة، ثم يكون رحمة وخلافة، ثم كائن ملكاً عضوضاً ثم كائن عتواً وجبرية، وفساداً في الأمة، يستحلون الحرير والخمور، يرزقون على ذلك وينصرون، حتى يلقوا الله عز وجل (2).

وفي رواية أبي داود بسنده عن سعيد بن جهمان عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك - أو ملكه - من يشاء (3).

وفي رواية الطحاوي خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء أو الملك (4).

وفي سنن أبي داود: قال سعيد، قال لي سفينة: أمسك عليك: أبا بكر سنتين، وعمر عشراً، وعثمان اثنتي عشرة، وعلي كذا، قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء (أي بني أمية) يزعمون أن علياً عليه السلام، لم يكن بخليفة، قال: كذبت أستاه بني الزرقاء، يعني مروان (5).

____________

(1) ابن تيمية: رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم ص 29 (جدة 1984).

(2) الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني: دلائل النبوة ص 481 (دار الباز - مكة المكرمة 1977 م).

(3) سنن أبي داود 2 / 515 (ط الحلبي - القاهرة 1371 هـ‍/ 1952 م).

(4) شرح العقيدة الطحاوية (بيروت 1392 هـ‍) ص 545.

(5) سنن أبي داود 2 / 515.

الصفحة 139
وفي رواية الطبراني عن معاذ بن جبل وأبي عبيدة بسنده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة، ثم يكون رحمة وخلافة، ثم كائن ملكاً عضوضاً، ثم كائن عتواً، وجبرية، وفساداً في الأرض، يستحلون الحرير والفروج والخمور، ويرزقون على ذلك وينصرون، حتى يلقوا الله عز وجل.

وفي الخصائص الكبرى: وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي والحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلافة النبوة - وفي لفظ: الخلافة في أمتي - ثلاثون عاماً، ثم يكون ملكاً.

وأخرج البيهقي وأبو نعيم عن أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن هذا الأمر بدأ نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم كائن ملكاً عضوضاً، ثم كائن عتواً وجبرية، وفساداً في الأمة، يستحلون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك ويرزقون أبداً، حتى يلقوا الله.

وأخرج البيهقي عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خلافة نبوة ثلاثون عاماً، ثم يؤتي الله الملك من يشاء، فقال معاوية: قد رضينا بالملك.

وأخرج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة بالمدينة، والملك بالشام (1).

وهكذا تشير الأحاديث النبوية الشريفة إلى أن الخلافة إنما تنتهي بخلافة

____________

(1) الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبي بكر السيوطي: الخصائص الكبرى 2 / 115 - 116 (دار الكتب العلمية - بيروت).

الصفحة 140
الإمام الحسن بن علي - سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأن الملك إنما يبدأ بمعاوية بن أبي سفيان (مؤسس الدولة الأموية 41 - 132 هـ‍/ 661 - 750 م)، ومن ثم فمعاوية أول ملوك الإسلام، وكان معاوية نفسه دائماً يقول أنا أول الملوك.

وروى الحافظ ابن كثير عن حنبل بن إسحاق قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا ابن أبي عتيبة عن شيخ من أهل المدينة قال: قال معاوية: أنا أول الملوك، وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا هارون بن معروف حدثنا حمزة عن ابن شوذب قال: كان معاوية يقول: أنا أول الملوك، وآخر خليفة.

هذا وكان الصحابي الجليل - سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه يسلم على معاوية بن أبي سفيان بالملك وبالخلافة أو إمارة المؤمنين، روى ابن الأثير في الكامل أنه: لما استقر الأمر لمعاوية، دخل عليه سعد بن أبي وقاص، فقال: السلام عليك أيها الملك، فضحك معاوية وقال: ما كان عليك يا أبا إسحاق لو قلت: يا أمير المؤمنين؟ فقال: أتقولها جذلان ضاحكاً؟

والله ما أحب أني وليتها بما وليتها (1) به.

وروى اليعقوبي فقال: ودخل سعد بن مالك (سعد بن أبي وقاص) فقال: السلام عليك أيها الملك، فغضب معاوية فقال: ألا قلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذاك إن كنا أمرناك، إنما أنت منتنر (2).

وليس هناك إلى سبيل من ريب في أن الملك أقل درجة من الخلافة، يقول الإمام ابن تيمية في فتاويه: وأن خبره صلى الله عليه وسلم، بانقضاء خلافة النبوة فيه الذم للملك، والعيب له، لا سيما، ومن حديث أبي بكرة أنه استاء للرؤيا، وقال:

خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء (3).

____________

(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 409 (بيروت 385 هـ‍/ 1965 م).

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 217 (بيروت 1400 هـ‍/ 1980 م).

(3) فتاوى ابن تيمية 35 / 21 - 22 (الرياض 1386 هـ‍).

الصفحة 141
وفي رواية أبي داود، عن سعيد بن جمهان: خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك - أو ملكه - من يشاء (1).

ويقول الحافظ ابن كثير: والسنة (أي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يقال لمعاوية ملك، ولا يقال له خليفة كحديث سفينة الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عضوضاً (2)، وفي رواية خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء، أو ملكه من يشاء (3).

هذا وقد أطلق الإمام ابن تيمية في كثير من أجزاء فتاويه لقب الملك على معاوية، يقول في الجزء الرابع: واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك، كان ملكه ملكاً ورحمة، كما جاء في الحديث يكون الملك نبوة ورحمة، ثم تكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية، ثم ملك عضوض، وأما من قبله فكانوا خلفاء نبوة، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة، ثم تصير ملكاً (3).

ويقول في الجزء الخامس والثلاثين: وفي عام الجماعة، لاجتماع الناس على معاوية، وهو أول الملوك (4). ومن عجب أن يقول الشيخ الخضري (محمد بن عفيف الباجوري الخضري 1289 - 1345 هـ‍/ 1872 - 1927 م) أن التاريخ يسمي معاوية الخليفة المتغلب، وهذا - فيما يرى الشيخ التباني - كذب على التاريخ، فإنه لم يسمه خليفة، فضلاً عن كونه متغلباً، فقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن معاوية في مدة الإمام علي وولده الإمام الحسن، لم يكن خليفة، وإنما كان من الملوك، وإنما اختلفوا في تسميته بعد تنازل الحسن له،

____________

(1) سنن أبي داود 2 / 514 - 515 (القاهرة 1371 هـ‍/ 1952 م).

(2) الحافظ ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 146.

(3) سنن أبي داود 2 / 514 - 515.

(4) فتاوى ابن تيمية 4 / 478، 35 / 19.

الصفحة 142
واجتماع المسلمين عليه، فقيل صار خليفة، وقيل: لا، لقوله صلى الله عليه وسلم: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عضوضاً، وقد اتفقوا على أنها تمت بمدة الحسن.

أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان وممن ذكر هذا الاتفاق والاختلاف الكمال بن الهمام في مسايرته (1).

ومن البدهي أن ما ينطبق على معاوية - من أنه ملك، وليس خليفة، اتباعاً للسنة النبوية الشريفة - إنما ينطبق على خلفائه من حكام بني أمية، فهم جميعاً ملوك، وليسوا خلفاء، والأمر كذلك بالنسبة لبني العباس، فضلاً عن العثمانيين، والذين انتهت خلافتهم (؟) بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، حيث قام كمال أتاتورك (1298 - 1351 هـ‍/ 1880 - 1938 م) بإلغاء الخلافة العثمانية في 22 رجب عام 1342 هـ‍(3 مارس 1924 م) (2).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net